تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط تحركات عسكرية ودبلوماسية متسارعة تنذر بإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط. وبينما تسعى واشنطن وإسرائيل إلى تشديد الضغوط على طهران، تتبنى الدول الأوروبية الكبرى، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مقاربة مختلفة تهدف إلى احتواء الأزمة عبر المسار الدبلوماسي.
كشفت الاجتماعات الوزارية الأوروبية الأخيرة يوم الثالث من أبريل 2025 في باريس، ولا سيما الاجتماع الطارئ لمجلس الدفاع الأوروبي في باريس، عن قلق متزايد إزاء سيناريو توجيه ضربة عسكرية أمريكية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، في حال فشل الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق جديد يحد من أنشطة طهران النووية. ويتزامن هذا القلق مع تعزيز واشنطن لقدراتها العسكرية في المنطقة، وسط تصعيد مستمر في الحملات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن؛ مما دفع المحللين الأوروبيين إلى التساؤل عن مدى ارتباط هذه التحركات بتمهيد لضربة محتملة ضد إيران.
في ظل هذه المعطيات، يبرز التساؤل الرئيسي: هل تستطيع أوروبا الحفاظ على سياستها المستقلة في التعامل مع الملف الإيراني، أم أنها ستجد نفسها مضطرة للتماشي مع النهج الأمريكي المتشدد تجاه طهران؟
وتاتي هذه المخاوف في أعقاب إعلان البنتاجون في الثاني من أبريل 2025 أن الولايات المتحدة عززت قدراتها العسكرية في الشرق الأوسط بمزيد من الطائرات الحربية، وسط حملة قصف أمريكية ضد الحوثيين في اليمن. وقال مسئول أوروبي بارز: إن الاستراتيجيين الأوروبيين يتساءلون عما إذا كانت هذه الحملة مقدمة لضربة أمريكية محتملة ضد إيران في الأشهر المقبلة.
ويتطلع وزراء من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وجميعهم أطراف في اتفاق 2015، لمناقشة الملف الإيراني مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال اجتماع وزاري لحلف الناتو. كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، والذي فرض قيودًا صارمة على الأنشطة النووية لطهران مقابل تخفيف العقوبات.
رغم ذلك فلا تزال دول أوروبا تسعى إلى إيجاد مسار دبلوماسي بهدف التوصل إلى اتفاق للحد من أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية بحلول الصيف، وقبل موعد انتهاء العقوبات الأممية المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في أكتوبر 2025. تقول دول أوروبا إن البرنامج النووي الإيراني يمثل جهدًا خفيًا لتطوير قنبلة ذرية، بينما تنكر إيران منذ فترة طويلة سعيها لامتلاك أسلحة نووية.
الدعوات الأوروبية لخفض التصعيد ورفض التدخل العسكري:
تعتقد فرنسا أن المواجهة العسكرية تبدو حتمية في حال عدم التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران عام 2025، وهو عام كان من المقرر فيه أن ينتهي الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، والذي تم توقيعه عام 2015. ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 خلال إدارة ترامب الأولى، ظل الاتفاق في حالة “احتضار”. وفشلت جهود إحيائه أو التوصل إلى اتفاق أطول وأقوى بسبب فقدان الثقة، وسياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية، والأزمات الجيوسياسية والإقليمية، وخاصة الحرب في غزة. ومع انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة، ستنتهي أيضًا الأدوات القليلة المتبقية لفرض الضغوط على طهران، بما في ذلك آلية “سناب باك” (إعادة فرض العقوبات تلقائيًا) التي يمكن لأي طرف في مجلس الأمن الدولي تفعيلها.
لن يكون من السهل على القوى الأوروبية الثلاث (E3) والاتحاد الأوروبي تخصيص الإرادة السياسية المطلوبة لهذه المهمة؛ حيث إنهم منشغلون بمفاوضات ترامب مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإعادة تشكيله للهيكل الأمني الأوروبي، وسياسته التجارية القائمة على الرسوم الجمركية. لكن عدم التحرك قد يؤدي إلى تحدٍ أمني أسوأ، يتمثل في سياسة أمريكية تجاه إيران بدون أي مشاركة أوروبية، وربما اعتماد واشنطن على روسيا كوسيط. في هذه الأثناء، بدأت إيران بالفعل محادثات منفصلة مع الصين وروسيا لمناقشة القضايا النووية.
يٌذكر أنه لم تعقد طهران أي مفاوضات مباشرة مع المسئولين الأمريكيين منذ انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، وقوبلت محاولة ترامب العلنية في مارس 2025 للتواصل مع المرشد الأعلى لإيران من أجل التوصل إلى اتفاق جديد، بينما يهدد بضربات عسكرية، برفض علني مماثل بسبب استمرار سياسة “الضغط الأقصى”.
موقف استباقي من فرنسا:
عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثالث من أبريل 2025 اجتماعًا في قصر الإليزيه مع وزراء ومسئولين بارزين في قطاع الدفاع لمناقشة الوضع الأمني في إيران. جاء هذا الاجتماع وسط تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة؛ حيث تصدرت أجندته إمكانية تنفيذ هجوم مشترك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية.
تعكس هذه الخطوة تزايد القلق بين الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة الأمريكية إزاء الأخطار المتزايدة في المنطقة. وقد حذرت مصادر دبلوماسية من احتمال تنفيذ ضربة عسكرية أمريكية منفردة أو مشتركة ضد المنشآت النووية الإيرانية، إذا لم تسفر المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران عن نتائج إيجابية. لقد تفاقمت هذه المخاوف بعد تصعيد العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك نشر حاملة طائرات أمريكية إضافية في الشرق الأوسط، والضربات الأمريكية الموجهة ضد الحوثيين في اليمن.
وفي هذا السياق، حذر وزير الخارجية الفرنسي جان- نويل بارو من أن الفرص المتاحة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران تتضاءل بسرعة، مشيرًا إلى أن احتمال وقوع مواجهة عسكرية “يكاد يكون حتميًا” إذا فشلت المحادثات مع طهران. وفي تصريح نيابة عن البرلمان الفرنسي، قال بارو: ” بعد عشر سنوات من توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لا نزال مقتنعين بأنه يجب منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. أولويتنا هي التوصل إلى اتفاق يُبقي البرنامج النووي الإيراني تحت السيطرة بطريقة مستدامة وموثوقة. لدينا بضعة أشهر فقط قبل انتهاء الاتفاقية التي أُبرمت قبل عقد من الزمن بمبادرة من فرنسا. إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، فإن المواجهة العسكرية ستكون شبه حتمية؛ مما سيؤدي إلى تداعيات كارثية على المنطقة.”
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة إيران وسندان الولايات المتحدة:
إن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران جعل العالم أكثر خطورة. فالتوترات الحالية في الخليج تهدد باندلاع نزاع عسكري في منطقة غير مستقرة أصلًا، وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة عسكرية في مضيق هرمز، أحد أهم الممرات الملاحية في العالم؛ مما قد تكون له تداعيات خطيرة على التجارة العالمية.
تسعى واشنطن لإرسال سفن حربية إلى الخليج لضمان حرية الملاحة ضد إرادة إيران. بينما قررت الحكومة البريطانية الجديدة، على عكس سابقتها، المشاركة في عملية بحرية تقودها الولايات المتحدة. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز التحالف الأنجلو- أمريكي، لكنها تضعف فرص التعاون الأمني المستقبلي مع الاتحاد الأوروبي. تسعى بريطانيا لعقد اتفاقية تجارة حرة سريعة مع واشنطن، رغم أنها لا تزال قانونيًا مقيدة بالاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن مبدأ “أمريكا أولًا” الذي يتبناه ترامب قد ينعكس على بريطانيا أيضًا، حيث يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني جونسون يبالغ في تقدير نفوذه وعلاقته بالرئيس الأمريكي.
وقد بذلت دول الاتحاد الأوروبي جهودًا كبيرة للحفاظ على التجارة مع الشركات الإيرانية، لكنها لم تحقق نجاحًا يذكر. الشركات الألمانية المتوسطة الحجم، التي استثمرت في إيران، تكبدت خسائر فادحة بسبب العقوبات الأمريكية؛ حيث تراجعت الصادرات والاستثمارات الألمانية الضئيلة أساسًا إلى حد كبير نتيجة لهذه العقوبات. وهذا يعني بأنه لا ترغب أي شركة في المخاطرة بمخالفة العقوبات الأمريكية؛ لأن العديد من المنتجات المصدرة تحتوي على مكونات أمريكية؛ مما يجعلها خاضعة للحظر. إضافة إلى ذلك، يخشى رجال الأعمال الألمان من أن تحد هذه العقوبات من قدرتهم على السفر وإجراء الأعمال في الولايات المتحدة مستقبلًا.
منذ البداية، لم تتمكن جهود المفوضية الأوروبية من حل مشكلات تمويل الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران. رغم جميع الوعود التي قُدمت للشركات حول إيجاد طرق للالتفاف على العقوبات الأمريكية، إلا أن هذه الجهود لم تؤتِ ثمارها. فقد بقي كل من آلية “إنستكس” التي طورتها المفوضية الأوروبية، والمؤسسة الإيرانية المقابلة لها “معهد التجارة والتمويل الخاص”، عديمي الفاعلية بسبب هذه العقوبات.
من جهتها، تتوقع إيران أكثر من مجرد دعم معنوي من الاتحاد الأوروبي، لكنها لن تحصل على التعويضات التي تطالب بها عن خسائرها الاقتصادية. وفي الوقت الذي تتدهور فيه العلاقات الأوروبية الإيرانية، تبقى الصين وروسيا حلفاءً ثابتين لطهران، مع تحقيق الصين لمكاسب كبيرة في هذا السياق. بالنسبة للشركات الألمانية، يبقى الأمل قائمًا في تحسن الأوضاع بعد انتهاء عهد ترامب، وحتى ذلك الحين، من المستحسن أن تحافظ هذه الشركات على علاقاتها مع شركائها الإيرانيين دون قطعها نهائيًا.
الفرص الأوروبية لاستعادة دور الوساطة بين إيران والولايات المتحدة:
يمكن للقوى الأوروبية الثلاث (E3) أن تلعب دورًا محوريًا؛ حيث عقد ممثلوها بالفعل عددًا من الاجتماعات بين نوفمبر 2024 وفبراير 2025 مع المسئولين الإيرانيين لمناقشة نطاق ومستوى المفاوضات المباشرة. وبفضل عقود من الخبرة في التعامل مع طهران، وبإيجاد أرضية مشتركة مع واشنطن، يمكن لأوروبا أن تبدأ مفاوضات جديدة بشأن اتفاق نووي معدل. كما أن علاقاتها القوية مع إسرائيل ودول الخليج العربي قد تساعد في تأمين دعم إقليمي؛ مما قد يسهم في تجنب أخطاء الماضي وبناء اتفاق أكثر استدامة.
من المقرر أن تبدأ جولة جديدة من المفاوضات الأوروبية الثلاثية. وإذا أرادت أوروبا تجاوز حالة الجمود الحالية، فيجب عليها وضع جدول زمني واضح وصارم للتوصل إلى اتفاق قبل انتهاء آلية سناب باك، وتحديد نطاق المفاوضات والحوافز المتاحة. الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا) لن تسمح لإيران باللعب ضد الولايات المتحدة. بينما لم تتخلَّ روسيا والصين عن الاتفاق النووي، وهما من أكبر مستوردي المنتجات والمواد الخام الإيرانية، إلا أن ترامب يفرض عليهما رسومًا جمركية كإجراء عقابي. حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أي تهدئة بين الولايات المتحدة وإيران.
يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران. ففي مطلع شهر فيراير 2025، فرض عقوبات على شركات تجارية وشحن وأفراد يساهمون في تصدير النفط الإيراني رغم العقوبات الأمريكية. وتعد هذه الحزمة الثانية من العقوبات ضد إيران خلال فترة حكمه القصيرة.
بدورها، فرض الاتحاد الأوروبي سابقًا “إجراءات تقييدية” ضد إيران، بعضها مرتبط بانتهاكات حقوق الإنسان مثل إعدام المتظاهرين، وبعضها الآخر مرتبط بالحرب الروسية ضد أوكرانيا ودعم الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. التقارير كشفت أن عائدات مبيعات النفط الإيراني الخاضعة للعقوبات مباشرة تذهب إلى خزائن الدولة؛ مما مكّنها من الاستمرار في دعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن في حربهم ضد إسرائيل، على الرغم من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها إيران.
قراءة مستقبلية:
- من الواضح أن هناك تباينًا بين الموقف الأوروبي والموقف الأمريكي تجاه إيران. فقد رفضت ألمانيا وفرنسا، ومعهما العديد من الدول الأوروبية، نهج “الضغط الأقصى” الذي تبنته إدارة ترامب، وفضلت اتباع استراتيجية أكثر توازنًا تقوم على الحوار والدبلوماسية.
- من المتوقع أن تستمر دول أوروبا في مقاومة الضغوط الأمريكية لإرسال قوات بحرية إلى الخليج، إذ تدرك أن مثل هذا التصعيد قد يؤدي إلى وقوع حوادث عسكرية غير محسوبة العواقب.
- ممكن أن تلعب دول أوروبا، خاصة فرنسا، دور الوسيط، لكنها بدأت تُظهر قلقًا متزايدًا بشأن فشل المفاوضات النووية واحتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية إسرائيلية لإيران.
- قد تواجه أوروبا صعوبات أكبر في الحفاظ على وحدتها بشأن السياسة الإيرانية، خاصة إذا استمرت إدارة ترامب في الضغط على الدول الأوروبية وتهديدها بعقوبات اقتصادية، مثل فرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية. رغم المساعي الأوروبية للحفاظ على قنوات الاتصال مع إيران، فإن قدرتها على منع تصعيد عسكري ستكون محدودة للغاية بسبب عدم امتلاك الاتحاد الأوروبي نفوذًا عسكريًا كبيرًا في المنطقة مقارنة بالولايات المتحدة. والتأثير الاقتصادي الضعيف لدول أوروبا على إيران بعد فشل آلية INSTEX في تجاوز العقوبات الأمريكية؛ مما أدى إلى انهيار التجارة الأوروبية الإيرانية.
- إذا قررت الولايات المتحدة وإسرائيل تنفيذ ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، فمن المرجح أن يكون الدور الأوروبي محصورًا في الوساطة الدبلوماسية واحتواء تداعيات الصراع بدلًا من منعه.
- الاقتصاد الأوروبي عامة والألماني على وجه الخصوص لديه مصلحة حيوية في إبقاء طرق الملاحة البحرية مفتوحة، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطالب بإصرار بإرسال سفن حربية أوروبيةـ ألمانية إلى الخليج؛ مما يضع الحكومة الألمانية ودول أوروبا في موقف حرج عن قصد. ترامب معروف بقراراته المتقلبة وغير المنسقة، وهناك خطر كبير من وقوع حادث عسكري يمكن أن يؤدي إلى نزاع حول المسؤولية عنه. لهذا السبب، لا ترغب الحكومة الألمانية في الانجرار إلى مثل هذا الصراع.
- هناك اختلاف جوهري بين أهداف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في سياستهما تجاه إيران، حيث ترفض برلين وبعض دول أوروبا بشكل صريح “استراتيجية الضغط الأقصى” الأمريكية ضد إيران، وتؤيد بدلًا من ذلك تنفيذ مهمة مراقبة بحرية بقيادة أوروبية، وهو توجه يحظى بدعم الأحزاب الحاكمة وحتى حزب الخضر في ألمانيا. كما أن فرنسا تدعم حلًا أوروبيًا، لكن لا تزال هناك حاجة لإقناع شركاء أوروبيين آخرين.
- تعتبر المحافظة على قنوات الحوار مع إيران أمرًا حاسمًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ لأنه بدون ذلك، لن يكون هناك أي أمل في التوصل إلى حل دبلوماسي لإنقاذ الاتفاق النووي. في هذا السياق، ترى أوروبا أن الولايات المتحدة جزء من المشكلة وليس الحل.
- من المتوقع أن يستغل الرئيس ترامب رفض ألمانيا وبعض دول أوروبا، لمطالبه كذريعة جديدة لوضعها في موقف الاتهام، والتشكيك في ولائها للتحالف الغربي. إن رفض ترامب المتكرر للسياسات الألمانية والأوروبية غالبًا ما يكون مصحوبًا بتهديدات بفرض عقوبات اقتصادية، مثل فرض رسوم جمركية على السيارات الألمانية كوسيلة للعقاب.
- تعيش دول أوروبا اليوم في واحدة من أكثر الفترات الحرجة منذ الحرب العالمية الثانية. فلطالما كانت الولايات المتحدة الحليف الذي وفر “المظلة الأمنية” ضد التهديدات الروسية المحتملة، لكنها الآن تتحول إلى منافس تجاري، وربما حتى إلى خصم.
- أدت التطورات الجيوسياسية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية إلى اتساع الفجوة بين ضفتي الأطلسي؛ مما دفع أوروبا إلى إعادة تقييم سياساتها، خاصة في مجال الأمن والدفاع، وإدراك ضرورة تحملها مسئظولية أمنها القومي بشكل مستقل.
- التحدي الأكبر الآن يكمن في كيفية رسم أوروبا لخارطة مصالحها بعيدًا عن الولايات المتحدة، ومدى قدرتها على تحقيق ذلك. فالضغوط الأمريكية على أوروبا كبيرة، ويبدو أن ترامب يسعى إلى “جرّ” القارة العجوز إلى أي مواجهة محتملة مع إيران، وربما في مناطق صراع أخرى مثل الصين، معتبرًا ذلك ثمنًا لما قدمته بلاده لأوروبا من “مظلة دفاعية” منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى دورها في تحرير أوروبا من النازية.
- أوروبا، اليوم بين المطرقة والسندان في ظل التصعيد الأمريكي تجاه إيران. وهذا ما دفع الدول الأوروبية الكبرى، لا سيما ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (E3)، إلى تبني موقف مغاير تمامًا للولايات المتحدة في التعامل مع طهران. فالدول الأوروبية لا ترغب في الانخراط في حرب جديدة مع إيران، نظرًا للخسائر المحتملة التي قد تلحق بمصالحها، فضلًا عن التهديدات التي قد تطال الممرات البحرية؛ مما سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية سلبية، في وقت تعاني فيه بالفعل من أزمات اقتصادية متفاقمة نتيجة الحرب في أوكرانيا. وعليه، يُتوقع أن تحافظ أوروبا على موقف “المراقب”، وتسعى لحماية مصالحها بدلًا من الانجرار إلى صراعات جديدة إلى جانب واشنطن.
- ما ينبغي أن تقوم به الدول الأوروبية الثلاث التحرك بسرعة، فالبديل هو الانزلاق إلى تصعيد نووي أو عسكري؛ مما سيزيد من تعقيد المشهد الأمني الأوروبي المتوتر بالفعل، وسيجعله أكثر خطورة وعدم استقرار.
- أما فيما يتعلق بتقدير الموقف بين إيران وإدارة ترامب، فيبدو أن المرحلة الحالية تتسم بـ”تصعيد الضغط” الأمريكي لدفع إيران نحو المفاوضات، وإجبارها على التراجع عن دعم جماعة الحوثي؛ خاصة بعد أن بات من الواضح أن إيران متورطة في دعم العديد من الجماعات المسلحة إقليميًا. وهذا ما يسبب العديد من الأزمات لدول الغرب، وما تسعى إليه الولايات المتحدة الآن هو إضعاف الدور الإيراني في هذه المرحلة.
- وتشير التطورات إلى أن هذه الاستراتيجية بدأت تؤتي ثمارها، إذ أدركت إيران حجم التهديدات التي أطلقها ترامب، ولجأت إلى الخيار الدبلوماسي من خلال إعلانها سحب دعمها للحوثيين، في محاولة لنزع فتيل الأزمة. هذا التطور قد يفتح الباب أمام مفاوضات مباشرة بين واشنطن وطهران، وكأن العالم يشهد إعادة تشكيل لمفاهيم العلاقات الدولية وموازين القوى، بعيدًا عن السياقات التقليدية التي حكمت النظام الدولي لعقود.