تتقدم مصر على أكثر من مسار لتطوير التعليم، فبينما تتبنى النظام الجديد للتعليم (2.0)، فإنها تتبنى نظمًا جديدة للتعليم الموازي عالي الجودة. والهدف من هذه الخطوط المتوازية هو تحسين جودة التعليم، لذا أخذت مصر تتوسع في إنتاج تعليم موازٍ عالي الجودة يكون نواة للتغيير للأفضل، ويحظى بالرعاية والاهتمام، ويوفر استثمارًا بشريًّا مصريًّا يُثري سوق العمل المحلية والدولية.
من التجريبية إلى الرسمية
تُمثّل المدارس الرسمية (التجريبية سابقًا) اللبنة الأولى نحو تعليم حكومي موازٍ يقدم المناهج التعليمية بلغات أجنبية (الإنجليزية والفرنسية). وقد أُنشئت هذه المدارس طبقًا للقرار الوزاري رقم 94 لسنة 1985 تحت اسم “المدارس التجريبية الرسمية للغات”، وتغير اسمها في عام 2014 إلى المدارس الرسمية. وبالإضافة إلى المنهج المصري المترجم للغات أجنبية، يختار التلميذ إحدى اللغات الفرنسية أو الألمانية أو الصينية كلغة ثانية. وتنقسم المدارس الرسمية إلى رسمية لغات، وأخرى رسمية لغات متميزة، وذلك حسب كثافة التلاميذ بالفصول، وامتياز تعلم اللغة الثانية في المرحلة الابتدائية بالنسبة للمدارس الرسمية المتميزة. ومع الإقبال الشديد على هذا النوع من المدارس الذي يمثل 2% فقط من إجمالي المدارس الحكومية، اتجهت الدولة نحو طرح نوع ثالث من المدارس الرسمية يعتمد على المناهج الدولية تسمى IPS – International Public School، وهي مدارس رسمية تعمل بالنظام البريطاني وتمنح الشهادة الدولية العامة للتعليم الثانوي (IG)، أو شهادة الثقافة العامة البريطانية IGCSE – International General Certificate of Secondary Education، ودخلت الخدمة العام الدراسي الماضي، ووصل عددها هذا العام عشر مدارس بعد افتتاح خمس مدارس ودخولها الخدمة هذا العام 2019/2020.
شهادة دولية مصرية
تُعد مدارس النيل الدولية أولى محاولات الدولة المصرية لتقديم نموذج لمدارس ذات منهج دولي بشهادة مصرية معترف بها دوليًّا تُسمى شهادة النيل الثانوية الدولية CNISE – Certificate of Nile International Secondary Education. وقد انطلقت مدارس النيل في عام 2010، وكان عددها خمس مدارس، وتتبع مجلس الوزراء مباشرة، وتديرها وحدة مدارس النيل الدولية.
وبناءً على توجيهات القيادة السياسية في عام 2018 كانت الانطلاقة الموسعة لمدارس النيل المصرية الدولية بتعميمها في جميع المحافظات من خلال تدشين شركة برأس مال حكومي يُساهم فيه صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية، وهيئة المجتمعات العمرانية، وصندوق “تحيا مصر” لتمويل بناء خمس وعشرين مدرسة بنظام مدارس النيل الدولية. وبالإضافة إلى ضم مدارس النيل الدولية التابعة لمجلس الوزراء (خمس مدارس) لتوحيد الإدارة، على أن يكون الإشراف العام تابعًا لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني؛ فقد تم إنشاء خمس مدارس بمحافظات المنوفية والأقصر وأسيوط وأسوان ودمياط حتى الآن، ليصبح عدد المدارس التي دخلت الخدمة بنظام مدارس النيل الدولية عشر مدارس. وتقوم هذه المدارس بتدريس مناهج مصرية بمعايير دولية لمراحل التعليم المختلفة، وتتميز بشراكة دولية مع هيئة الامتحانات الدولية بجامعة كامبردج التي تقدم الدعم الفني للمدارس، وتُمكّن طلابها من الالتحاق بالجامعات المصرية والدولية، وتعادل شهادتها شهادة IG الدولية المعتمدة في التعليم البريطاني، وتعد مصروفات مدارس النيل الأعلى بين المدارس الحكومية.
البكالوريا الدولية المصرية
هي مدارس حكومية دولية، تمنح شهادة البكالوريا الدولية International Baccalaureate، وتتبع قطاع التعليم العام بوزارة التربية والتعليم. وتم إنشاء هذه المدارس لمواكبة تطورات التعليم العالمية بالتعاون مع مؤسسة البكالوريا العالمية ومؤسسة “جرين لاند” التعليمية. يدرس تلاميذها باللغة العربية في المرحلة الابتدائية وباللغة الإنجليزية في المرحلة الإعدادية والبكالوريا بالصفين الثاني والثالث الثانوي فقط. وتقدم هذه المدارس الشهادات الأمريكية والبريطانية IB ،IG، American المعتمدة دوليًّا، وبلغ عدد هذه المدارس منذ انطلاقها في 2014 وحتى اليوم ثماني مدارس فقط. وتختلف مدارس البكالوريا الدولية عن مدارس النيل في نوع التعليم والشهادة العلمية، ذلك أن نظام البكالوريا يضم البرنامج المرتبط بالمسيرة المهنية والتطور المهني بالإضافة إلى الاعتراف العالمي، حيث تحظى شهادة البكالوريا الدولية بالاعتراف العالمي في مختلف الجامعات الرائدة حول العالم.
الفائقون.. مدارس العلوم والتكنولوجيا STEM
كخطوة نحو الاهتمام برعاية الموهوبين في العلوم والرياضيات وزيادة أعداد الطلاب الملتحقين بالشعب العلمية، أنشأت الدولة مدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا Mathematics, Engineering, Technology and Sciences (METS). وقد بدأت تجربة مدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا في 2011 بمدرسة للبنين. وفي عام 2012 تم افتتاح مدرسة المتفوقات. وتوسعت الدولة في هذا النوع من المدارس، وبلغ عددها حتى الآن إحدى عشرة مدرسة في عدة محافظات، ويجري إنشاء 4 مدارس جديدة، تعتمد الدراسة بها على مناهج جديدة قائمة على المشروعات لتنمية مهارات البحث والتفكير والابتكار. ونظرًا لطبيعة الدراسة بها في مدارس داخلية مجهزة بمعامل وملاعب، وتوفر مبيت لتلاميذها بإقامة كاملة، وتمنح هذه المدارس الشهادة الثانوية المصرية في العلوم والتكنولوجيا، يمكن لخريجيها الحصول على منح بالخارج أو بالجامعات الدولية في مصر، حيث تخضع لشريحة خاصة بتنسيق القبول بالجامعات الحكومية وتعتمد على النسبة المرنة، وتتولى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID الإشراف على هذه المدارس من الناحية الأكاديمية والتجهيزية.
التوكاتسو.. المدارس اليابانية
على هامش زيارة سيادة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” دولة اليابان في عام 2016، تم توقيع اتفاقية الشراكة في التعليم مع اليابان Egypt- Japan Education Partnership (EJEP) لبناء 100 مدرسة مصرية بنظام ياباني. وبدأ التخطيط لتطبيق نظام “التوكاتسو” الياباني خلال العام الدراسي 2016/2017 في اثنتي عشرة مدرسة تجريبية قائمة لتجريب النظام. وفي عام 2018 دخلت الخدمة خمسًا وثلاثين مدرسة يابانية جديدة تم إنشاؤها بمواصفات خاصة. وتزامن افتتاح المدارس اليابانية مع تطبيق نظام التعليم الحديث 2.0 لتصبح هذه المدارس الحاضنة النموذجية لمسيرة إصلاح التعليم وبناء الشخصية المصرية، بالإضافة إلى تطبيق بعض أنشطة التوكاتسو بجميع المدارس المصرية ودمجها خلال المنظومة التعليمية الجديدة 2.0، إلا أن فقر إمكانيات وموارد المدارس المصرية حال دون تنفيذ هذه الأنشطة على المستوى المطلوب على العكس في المدارس المصرية اليابانية. وفي عام 2019 تم افتتاح خمس مدارس يابانية جديدة ليصبح عددُ المدارس المصرية اليابانية حتى الآن أربعين مدرسة. وتعتمد الدراسة في المدارس اليابانية على تطبيق أنشطة “التوكاتسو” وتعد مدخلًا للقيم، وهي عبارة عن مجموعة من الأنشطة التعليمية لتغيير سلوكيات التلاميذ داخل المدرسة والمنزل والمجتمع، حيث تتنوع أنشطة “التوكاتسو” بين الحياة اليومية والدراسة، كأنشطة الفصل، وأنشطة الصحة والسلامة، ويتم تناوب الأنشطة اليومية للفصل، بالإضافة الى المناسبات المدرسية. وتركز أنشطة “التوكاتسو” على ممارسة أنشطة بشكل يومي تشكل المهارات الحياتية للتلاميذ، كممارسة أنشطة التنظيف، أو أنشطة الريادة اليومية، بالإضافة إلى أنشطة أكثر تفصيلًا بمهام محددة في المرحلة الابتدائية، مثل نشاط مجلس الفصل أو المناقشات التوجيهية.
أُطر عامة.. سمات مشتركة وسياسة موحدة
ما تم عرضه في السطور السابقة ما هو إلا لمحة عن خطوات مصر نحو توفير تعليم حكومي موازٍ ذي جودة مرتفعة يحظى باعتراف دولي، ويستهدف الطبقة المتوسطة بمصروفات منخفضة. وتتميز أنواع المدارس السابقة بسمات مشتركة يحكمها إطار عام يمكن إيجازه في النقاط التالية:
– تتميز نماذج المدارس بالتعليم الموازي كونها ثنائية اللغة، حيث تحرص الدولة على دراسة المواد التعليمية ذات الصلة بالحفاظ على الهوية المصرية مثل اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والتربية الدينية بنوعيها (الإسلامية، والمسيحية)، والتربية الوطنية باللغة العربية.
– تخضع جميع المدارس للقوانين المنظمة للتعليم تحت إشراف وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني.
– جميع المدارس مجهزة بمعامل وملاعب ومسارح وأجهزة وآلات ومعدات لتنمية مهارات الطلاب الفنية والموسيقية والرياضية والتكنولوجية.
– معظم المدارس بالتعليم الموازي بدأت كمنحة من منظمات أو هيئات أو دول أجنبية، لذا فقد تم إنشاؤها وفقًا لمعايير الجودة المحلية والدولية المعتمدة. وقد يمتد التمويل من مرحلة التأسيس حتى مرحلة التشغيل، لكنه دائمًا يكون مرهونًا بمدة انتهاء الدعم وفق بروتوكولات التعاون.
– تتبع هذه المدارس سياسة موحدة للقبول، سواء اشتراطات السن أو المربع السكني، وتعتمد كذلك على إجراءات للقبول معظمها إلكتروني مما يجعلها تتمتع بقدر من الشفافية والثقة من قبل أولياء أمور التلاميذ.
إن هذا التنوع من المدارس في التعليم العام وأنظمتها المختلفة يوفر فرصة لتقليل الطبقية داخل التعليم من خلال طرح تعليم ذي جودة مرتفعة بمصروفات منخفضة تتيح الفرصة للطبقة المتوسطة للالتحاق بأنظمة التعليم الدولية. بيد أن المتابع لتجربة المدارس التجريبية (الرسمية حاليًّا) سيلاحظ حجم التعديلات على مواصفات هذه المدارس نتيجة الإقبال الشديد عليها، ففي الأعوام الأولى لإنشائها كانت محددة بكثافة طلابية أخذت في الارتفاع حتى اقتربت من المدارس الحكومية المجانية. وهذا الارتفاع في الكثافة صاحبه ارتفاع في المصروفات الدراسية، مما أثر على جودة هذه المدارس. كما لوحظ أن مدارس التعليم الموازي تفقد جزءًا كبيرًا من جودتها بمجرد انتهاء رعاية الجهة الممولة، سواء كانت محلية أو أجنبية، لذا تحتاج هذه التجارب إلى إعداد خطط تضمن استمراريتها بنفس الجودة بعد انتهاء التمويل للتأسيس أو التشغيل، ويجب أن تتضمن الخطط رؤى للتوسع ودراسة لمعدلات الإقبال عليها حتى لا تتحول إلى مدارس تعاني من ارتفاع الكثافة نتيجة كثرة الطلب عليها، ويؤثر ذلك سلبًا على جودة ما تُقدمه من تعليم.