مقدمة
شهد سوق المال المصري في يونيو 2025 تعديلًا جوهريًا في السياسة الضريبية المطبقة على تداولات الأوراق المالية في البورصة المصرية، تتمثل في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية بنسبة 10% التي كانت مقررة على صافي أرباح بيع الأوراق المالية، واستبدالها بضريبة دمغة ثابتة تتراوح بين 0.1% و0.115% (1 إلى 1.15 في الألف) على إجمالي قيمة كل عملية تداول (بيع أو شراء). هذا التحول ليس مجرد إجراء فني، بل يأتي هذا التغيير في إطار استراتيجية تهدف إلى تبسيط النظام الضريبي، زيادة السيولة في السوق، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، مع مراعاة استقرار الإيرادات الضريبية للدولة.
الخلفية التشريعية والتاريخية
بدأت مصر في فرض ضريبة أرباح رأسمالية على تداولات سوق المال منذ عام 2014 بنسبة 10% على صافي الأرباح الرأسمالية، لكنها واجهت معارضة واسعة من المستثمرين، مما أدى إلى تعليق تطبيقها في نفس العام دون إلغائها، وخلال الفترة من 2015 إلى 2021 تم تطبيق ضريبة الدمغة بشكل مؤقت على كل عملية تداول بذات النسب المعمول بها الآن، مع تأجيلات متكررة لتفعيل ضريبة الأرباح الرأسمالية لحين الوقوف على طريقة محاسبية لتلك الأرباح، وتحديد السنة التي تبدأ المحاسبة الضريبية عليها وغيرها من الإجراءات واللوائح المنظمة لها.
وفي مارس 2025، كان من المقرر تفعيل ضريبة الأرباح الرأسمالية، لكن قبل تطبيقها وإعلان اللائحة التنفيذية لها أعلنت وزارة المالية في يونيو 2025 إلغاء هذه الضريبة، واستبدالها بضريبة الدمغة بنسبة تتراوح بين 0.1% و0.115% على كل عملية تداول.
هذا التعديل يعكس توجهًا واضحًا نحو تبسيط النظام الضريبي وتخفيف الأعباء على المستثمرين، مع ضمان إيرادات ثابتة للخزانة العامة.
المبررات الاقتصادية والسياسية للتحول
لم يكن قرار إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية وليد الصدفة، بل جاء مدفوعًا بعدة مبررات اقتصادية وسياسية تهدف إلى معالجة تحديات قائمة وتعزيز جاذبية السوق منها:
- انخفاض أحجام التداول والسيولة: عانت البورصة المصرية من تراجع ملحوظ في أحجام التداول اليومية والسيولة بعد الحديث كل مرة عن تطبيق الضرائب، مما أثر سلبًا على قدرة السوق على أداء وظيفتها كآلية لتمويل الشركات وجذب الاستثمارات الأجنبية.
- تعقيد آليات احتساب الضريبة: واجه المستثمرون ولا سيما الأفراد وصناديق الاستثمار الصغيرة، صعوبات لوجستية ومحاسبية كبيرة في حساب صافي الربح الرأسمالي الخاضع للضريبة، مما أثر على قراراتهم الاستثمارية، ففرض ضريبة على صافي الأرباح الرأسمالية يتطلب من المستثمرين حساب الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء، مع الأخذ في الاعتبار التكاليف والرسوم، مما يزيد من تعقيد العمليات المحاسبية، خصوصًا بالنسبة للمستثمرين الأفراد وصناديق الاستثمار الصغيرة، ويزيد من تكاليف الامتثال.
- دعم برنامج الطروحات الحكومية: تسعى الحكومة المصرية لتنشيط برنامج الطروحات الحكومية لشركاتها في البورصة، وإلغاء الضريبة يمثل خطوة لدعم هذه الطروحات وتهيئة السوق لاستقبال المزيد من الشركات.
- استقرار الإيرادات الضريبية: فضريبة الدمغة، كونها تُفرض على كل عملية تداول، توفر للدولة إيرادات ثابتة ومستقرة نسبيًا، ولكن أقل نسبيًا من ضريبة الأرباح الرأسمالية التي تعتمد على تحقيق أرباح فعلية، فقد تعطي حصيلة أكبر ولكنها قد تكون متقلبة أو منخفضة في فترات الركود.
العدالة والكفاءة الضريبية
إن الانتقال من ضريبة الأرباح الرأسمالية إلى ضريبة الدمغة يثير نقاشًا حول مبدأي العدالة والكفاءة الضريبية:
- من منظور العدالة:
- ضريبة الأرباح الرأسمالية: تُعتبر أكثر عدالة من الناحية النظرية لأنها تفرض على من يحقق ربحًا فعليًا. فهي ضريبة على “الربح المحقق” من النشاط الاستثماري، مما يتماشى مع مبدأ قدرة المكلف على الدفع.
- ضريبة الدمغة: تُعد أقل عدالة، لكونها ضريبة على النشاط بغض النظر عن تحقيق الربح أو الخسارة. فهي ضريبة تُفرض على قيمة التداول متجاهلة الأرباح والخسائر، مما يعني أن المستثمر الخاسر يدفع نفس النسبة من قيمة الصفقة التي يدفعها المستثمر الرابح. وهذا قد يخالف مبدأ العدالة الأفقية (معاملة متساوية للمتساويين في الدخل أو القدرة).
- من منظور الكفاءة الاقتصادية:
- ضريبة الدمغة: تتسم بالبساطة في التحصيل، وتقلل من تكاليف الامتثال الإدارية للمستثمرين والدولة على حد سواء بفرضها تلقائيًا على العملية بنسبة ثابتة دون الحاجة لدراسة حجم الأرباح سواء من جانب الدولة أو المستثمر. وهذا يعزز الكفاءة التشغيلية للنظام الضريبي.
- ضريبة الأرباح الرأسمالية: قد تكون أكثر كفاءة في توجيه الاستثمار نحو المدى الطويل إذا كانت مصممة لتمييز الأرباح قصيرة الأجل عن طويلة الأجل. ولكن تعقيد احتسابها في حالة السوق المصري أثر سلبًا على كفاءة تطبيقها.
يشير هذا التقييم إلى مفاضلة واضحة، فقد اختارت الحكومة المصرية التضحية ببعض جوانب الحصيلة الضريبية لصالح تعزيز “الكفاءة” التشغيلية وجاذبية السوق، وضمان الحصول على حصيلة ضريبية ثابتة ومستقرة.
السيناريوهات المستقبلية في التداول: هل يقود إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية إلى انتعاش الاستثمار؟
السيناريو | الأثر على السوق | الأثر على الإيرادات |
نجاح التحفيز | ارتفاع في أحجام التداول | زيادة مستدامة في الإيرادات |
ركود السوق | ضعف التداولات | انخفاض الإيرادات |
تعديل القرارات الضريبية | تقلبات وعدم استقرار في التداول | تقلبات في الإيرادات |
السيناريوهات المستقبلية المحتملة تفصيلًا
يعتمد نجاح هذا التحول الضريبي على عدة عوامل داخلية وخارجية، ويمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية للمستقبل القريب:
- السيناريو الأول: النجاح في التحفيز والانتعاش:
- خصائصه: يتسم بزيادة سريعة ومستدامة في ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، وارتفاع كبير في السيولة وأحجام التداول، ودخول أعداد جديدة من المستثمرين. مدعومًا بتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي وتراجع معدلات التضخم.
- الأثر المتوقع على السوق: انتعاش في نشاط البورصة وداعم للطروحات الجديدة.
- الأثر على الإيرادات: تحسن تدريجي ومستدام في حصيلة ضريبة الدمغة.
- السيناريو الثاني: ركود السوق المالي:
- خصائصه: استمرار حالة القلق العام في الاقتصاد، أو ظهور تقلبات عالمية تؤثر سلبًا على تدفقات الاستثمار، أو عدم كفاية التحفيز الضريبي لدفع المستثمرين للعودة بقوة.
- الأثر المتوقع على السوق: تداولات ضعيفة، عدم تحقيق النمو المستهدف في المؤشرات، وبقاء السيولة عند مستويات متواضعة، مما قد يؤثر على ثقة المستثمرين وفاعلية برنامج الطروحات.
- الأثر على الإيرادات: تراجع في حصيلة ضريبة الدمغة نتيجة لضعف أحجام التداول، مما يطرح تحديًا على صعيد التخطيط المالي متوسط الأجل.
- السيناريو الثالث: تعديل القرارات الضريبية (ضغوط مستقبلية):
- خصائصه: قد تظهر ضغوط من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي، أو ظهور عجز مالي محتمل في الموازنة العامة، مما قد يدفع الحكومة لإعادة النظر في سياستها الضريبية والبحث عن مصادر إيرادات جديدة.
- الأثر المتوقع على السوق: شكوك حول استقرار السياسات الضريبية، مما يؤدي إلى تقلبات حادة في السوق وهروب رؤوس الأموال، وتأثير سلبي على ثقة المستثمرين على المدى الطويل.
- الأثر على الإيرادات: تقلبات محتملة في الإيرادات الضريبية، وصعوبة في التخطيط المالي، وقد تضطر الدولة للبحث عن حلول تمويلية بديلة.
خاتمة
يمثل قرار إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية والاعتماد على ضريبة الدمغة تحولًا جوهريًا في السياسة الضريبية المصرية تجاه سوق المال وتميل نحو نماذج التحرر الضريبي الجزئي، مقتربة من منهجية الأسواق الخليجية التي تعتمد الإعفاء الضريبي. هذا النهج يهدف إلى التخفيف من العبء الضريبي المباشر على الأرباح مع الحفاظ على مصدر ثابت للإيرادات. غير أن تبسيط الإجراءات وزيادة السيولة سيخلقان بيئة أكثر جاذبية للاستثمار، ونجاح هذا التحول سيعتمد بشكل كبير على إدارة رشيدة للسياسة المالية، وتوفير بيئة استثمارية مستقرة وجاذبة. يبقى الهدف الأسمى هو تحويل سوق المال المصري إلى محرك أساسي للنمو الاقتصادي، قادر على تمويل المشروعات وتوفير فرص استثمارية متنوعة، بما يخدم أهداف التنمية الشاملة للدولة.