تستعد الأسواق المالية العالمية والناشئة لعام 2025 وسط توقعات بتغيرات جذرية في السياسات النقدية والمالية؛ مما سيؤثر بشكل كبير في أسواق العملات وأسعار السلع الأساسية. هذه التغيرات ستخلق مزيجًا من التحديات والفرص للمستثمرين، الاقتصاديين، ومحللي الأسواق؛ مما يتطلب استعدادًا لمواكبة التحولات المتسارعة.
على مدار السنوات الأخيرة، اكتسبت الأسواق الناشئة جاذبية متزايدة بين المستثمرين الذين يتمتعون بقدرة عالية على تحمل الأخطار. توفر هذه الأسواق فرصًا لتحقيق عوائد مرتفعة مقارنة بالأسواق المتقدمة، خاصة في مجالات الاستثمار غير المباشر مثل المحافظ المالية. ومع ذلك، يجب الإقرار بأن هذه العوائد تأتي مصحوبة بمستويات أعلى من الأخطار نظرًا للتقلبات الحادة التي تشهدها تلك الأسواق. لذا، فإن النجاح في الاستثمار بها يعتمد على الفهم العميق لمحركات السوق والمتغيرات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك تحركات أسعار العملات وأسعار الفائدة التي قد تشهد تغيرات مفاجئة أو انخفاضات حادة.
بفضل الأرباح المميزة التي حققتها الأسواق الناشئة خلال السنوات الماضية، أصبحت هذه الأسواق أكثر شعبية بين المستثمرين. كما أصبحت عملات الأسواق الناشئة تلعب دورًا حيويًا في أسواق النقد الأجنبي العالمية؛ مما يعزز أهميتها في منظومة الاقتصاد العالمي المتشابك.
حالة من الترقب في الأسواق الناشئة مع مطلع عام 2025
قبل التطرق إلى توقعات أداء الأسواق الناشئة في عام 2025، من الضروري تسليط الضوء على الأداء الذي شهدته هذه الأسواق في عام 2024. فقد تعرضت معظم عملات الأسواق الناشئة لانخفاضات ملحوظة في قيمتها مقابل الدولار الأمريكي؛ مما أثار اهتمام المستثمرين بتبني استراتيجيات استثمارية تعتمد على تقلبات هذه العملات، مثل البيع على المكشوف.
تعتمد استراتيجية البيع على المكشوف في سوق العملات على توقع انخفاض قيمة عملة معينة مقابل الدولار؛ مما يتيح للمستثمر تحقيق أرباح إذا صحت توقعاته. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية محفوفة بالأخطار، لا سيما في الأسواق الناشئة، التي تشتهر بتحركاتها السريعة وغير المتوقعة؛ مما يتطلب من المستثمرين درجة عالية من الخبرة وإدارة الأخطار.
التحديات التي تواجه الأسواق الناشئة في 2025
مع بداية عام 2025، تبدو الآفاق الاقتصادية للأسواق الناشئة أقل تفاؤلًا. فقد حافظ الدولار الأمريكي على قوته خلال الأشهر الأخيرة من عام 2024، مدعومًا بعوامل عدة، من بينها تصريحات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن خططه لخفض أسعار الفائدة مرتين فقط في العام الجديد. كما أن السياسات الاقتصادية التي أعلنت عنها إدارة ترامب في ولايته الجديدة، والتي تتضمن فرض تعريفات جمركية وسياسات تجارية حمائية، إلى جانب وعود بخفض الضرائب وتعزيز التحرير الاقتصادي، ستسهم في دعم النمو الاقتصادي الأمريكي وزيادة جاذبية الدولار.
في المقابل، من المتوقع أن تواجه الأسواق الناشئة تداعيات سلبية نتيجة لهذه السياسات. إذ قد تؤدي قوة الدولار إلى انخفاض صادرات الأسواق الناشئة؛ مما ينعكس على عملاتها التي قد تستمر في فقدان قيمتها خلال الربع الأول من 2025. هذه الضغوط الاقتصادية قد تزيد من التحديات التي تواجه الاقتصادات الناشئة؛ مما يعمق الفجوة بين هذه الأسواق ونظيراتها المتقدمة.
فرصة للمستثمرين؟
على الرغم من هذه التحديات، يظل لدى الأسواق الناشئة إمكانات كامنة للاستثمار، لكن تحقيق النجاح يعتمد بشكل أساسي على قدرة المستثمرين على تقييم الأخطار بدقة، ومواكبة التحولات الاقتصادية العالمية. اختيار التوقيت المناسب والتخطيط لاستراتيجيات طويلة الأجل سيكونان المفتاح للاستفادة من هذه الأسواق خلال الفترات القادمة.
هل ستستمر المعادن الثمينة في اتجاهها الصعودي في عام 2025؟
لطالما اعتُبرت المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين ملاذًا آمنًا للمستثمرين، خاصة في أوقات التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية. هذه المعادن تلعب دورًا رئيسيًا في التنويع الاستثماري وتقليل الأخطار، مع توفير الاستقرار في وجه الأزمات العالمية.
الذهب: صعود معتدل
مع بداية عام 2025، تشير التوقعات إلى استمرار صعود أسعار الذهب، ولكن بوتيرة معتدلة مقارنة بالارتفاع الكبير الذي شهده في عام 2024. في العام السابق، ارتفع سعر الذهب بنحو 30٪، مدفوعًا بزيادة كبيرة في عمليات شراء البنوك المركزية، خصوصًا في آسيا، وعلى رأسها الصين، التي استخدمت الذهب كأداة للتحوط ضد التقلبات الاقتصادية. كما لعبت التوترات الجيوسياسية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، دورًا كبيرًا في تعزيز الطلب على المعدن الأصفر.
في عام 2025، يُتوقع أن تستمر البنوك المركزية، خاصة في آسيا، في زيادة احتياطياتها من الذهب؛ مما يدعم نمو الأسعار. ومع ذلك، فإن النمو قد يكون أقل حدة، بسبب العوامل التالية:
- ثبات أسعار الفائدة: إذا استقرت أسعار الفائدة العالمية، فقد يواجه الذهب ضغوطًا هبوطية.
- قوة الدولار الأمريكي: استمرار الدولار في تحقيق مكاسب يمكن أن يحد من صعود الذهب.
بناءً على هذه العوامل، يُتوقع أن يحقق الذهب نموًا سنويًا معتدلًا في حدود 7٪ إلى 10٪، مشابهًا للفترات التي شهدها العقد الماضي.
الفضة: أداء إيجابي رغم التحديات
تتمتع الفضة بآفاق إيجابية في عام 2025؛ نظرًا لاستمرار الفجوة بين الطلب والعرض. مع انتعاش الصناعات التحويلية والاقتصاد الصيني، يُتوقع زيادة الطلب على الفضة، خاصة أنها تُستخدم في العديد من التطبيقات الصناعية.
كما أن الدفع نحو الطاقة المتجددة، ولا سيما تقنيات الطاقة الشمسية التي تعتمد على الفضة كمكون أساسي، يُمثل محفزًا قويًا لزيادة الطلب على المعدن. ومع ذلك، توجد بعض العوامل التي قد تؤثر في أسعار الفضة:
- ضعف النشاط الصناعي العالمي: إذا تباطأت وتيرة الانتعاش الصناعي، فقد ينعكس ذلك سلبًا على أسعار الفضة.
- قوة الدولار الأمريكي: مثل الذهب، يمكن أن يؤدي ارتفاع قيمة الدولار إلى الحد من مكاسب الفضة.
على الرغم من هذه التحديات، فإن الدور المزدوج للفضة كـمعدن صناعي واستثماري يجعلها قادرة على الاستفادة من أي زيادة في الطلب الصناعي والاستثماري؛ مما يدعم أداءها الإيجابي في عام 2025.
الخلاصة: التوجه العام للمعادن الثمينة
- الذهب: استمرار الصعود، لكن بشكل معتدل مع احتمالية تقلبات في حال تغير العوامل الجيوسياسية والاقتصادية.
- الفضة: آفاق إيجابية مع فرص للنمو مدعومة بالطلب الصناعي، خاصة من قطاع الطاقة المتجددة.
يظل الاستثمار في المعادن الثمينة خيارًا استراتيجيًا للمستثمرين الذين يبحثون عن استقرار وتنويع في محافظهم الاستثمارية خلال عام 2025.
توقعات أداء الأسواق المالية لعام 2025
وفقًا لتقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر عن مجموعة البنك الدولي، من المتوقع أن يظل معدل النمو العالمي ثابتًا عند 2.7% في 2025-2026. كما يُتوقع أن تدخل اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية مسارًا يشير إلى صعوبة اللحاق بالبلدان المتقدمة. وبالتالي، من الضروري اتخاذ إجراءات على مستوى السياسات على الصعيدين العالمي والوطني لتشجيع بيئة خارجية أكثر ملاءمة، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، وتخفيض القيود الهيكلية، ومعالجة آثار تغير المناخ؛ مما يسهم في تسريع وتيرة النمو والتنمية على المدى الطويل.
قال بنك “جي بي مورغان” في توقعاته السنوية :”إن الأسواق الناشئة مقبلة على عام صعب وغير مؤكد بسبب التحولات السياسية في الولايات المتحدة والنمو غير المؤكد في الصين،” وتوقع أن تواجه صناديق السندات في الأسواق الناشئة تدفقات خارجية كبيرة.
وأضاف البنك أنه يتوقع تباطؤ النمو في الدول النامية إلى 3.4% في عام 2025، مقارنة بـ 4.1% في عام 2024. أما بالنسبة إلى الأسواق الناشئة باستثناء الصين، فقد توقع بنك “جي بي مورغان” أن يتباطأ النمو إلى 3.0% من 3.4%.
تحديات كبيرة في 2025، تواجه الدول النامية، التي تستعد لعام مضطرب في 2025، أعباءً متزايدة نتيجة ارتفاع الفوائد على ديون بلغت قيمتها 29 تريليون دولار، تراكمت خلال العقد الماضي. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن عددًا قياسيًا من 54 دولة يُنفق أكثر من 10% من إيراداته على خدمة الفوائد.
الوضع الحالي: الأسواق الناشئة تحت الضغط
بدأ مؤشر الأسواق الناشئة “MSCI” العام بخسارة 10%، مستكملًا مسار هبوطه منذ نوفمبر 2024.
كان بنك الاستثمار جي بي مورغان قد حذر يوم الخميس الماضي، الموافق 24 يناير، من احتمال أن تشهد الأسواق الناشئة “توقفًا مفاجئًا” لتدفقات رءوس الأموال. وأشار إلى أن سياسات “أمريكا أولًا” التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب تعمل على تحفيز الاقتصاد الأميركي؛ مما يسحب الأموال من الاقتصادات الفقيرة. هذا التوقف المفاجئ في تدفقات رأس المال يثير مخاوف المحللين، إذ قد يحرم الاقتصادات النامية من التمويل اللازم للنمو أو حتى الاستمرار.
تشير المؤشرات الداخلية لبنك جي بي مورغان إلى أن الاقتصادات النامية، باستثناء الصين، شهدت “تخارجًا صافيًا للتدفقات الرأسمالية” بقيمة 19 مليار دولار خلال الربع السابق، مع توقع خروج إضافي بقيمة 10 مليارات دولار في الربع الأول من العام الجاري.
الأداء السلبي لمؤشر MSCI للأسواق الناشئة
انخفض مؤشر “إم إس سي آي” (MSCI) للأسواق الناشئة بنسبة 0.4%، مسجلًا خسارة إجمالية بنسبة 10% منذ بلوغه أعلى مستوى له في أكتوبر 2024. هذا الانخفاض يعكس أن الأسواق الناشئة تمر بمرحلة تصحيح أو ربما بداية مسار هبوطي، بفعل التغيرات في السياسات العالمية.
من جهة أخرى، واصل المستثمرون التخارج من الصناديق المتداولة في البورصة التي تستثمر في أسهم وسندات الأسواق الناشئة للأسبوع السادس على التوالي، وإن كان ذلك بوتيرة أقل من الأسبوع السابق. هذا التخارج المتكرر يعكس القلق المستمر من تهديدات الرسوم الجمركية التي يلوّح بها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
ختامًا، تشهد الأسواق الناشئة تحولات كبيرة في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، سواء على الصعيد المالي أو النقدي العالمي. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، مثل أزمات الديون وتباطؤ تدفقات رأس المال، فلا تزال هذه الأسواق تقدم فرصًا استثمارية واعدة للمستثمرين على المدى الطويل.