في حدث ثقافي غير مسبوق، شكّل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير محطة عالمية بارزة، تحوّل معها الحدث إلى منصة للدبلوماسية الحضارية ورسالة سلام موجهة إلى العالم.
فقد أجمع التناول الإعلامي الدولي على أن الحفل مثّل علامة فارقة في سجل المناسبات الثقافية العالمية، لما حمله من رمزية تجاوزت البُعد الثقافي لتلامس الأبعاد الإنسانية والسياسية، مستثمرة قيمة الحدث في تعزيز مكانة مصر كقوة ناعمة مؤثرة. وقد تجلّى ذلك في الحضور الرفيع المستوى من ملوك وقادة العالم، وفي اختيار عنوان الحفل “أرض السلام”، الذي حمل رسالة بليغة تؤكد دور الدولة المصرية في صياغة تاريخ الإنسانية، وحضورها الفاعل في الحاضر، ورؤيتها الطموحة للمستقبل.
وقد انعكست هذه الرسائل بوضوح في حجم الزخم الإعلامي العالمي، إذ حظي الحفل بتغطية دولية واسعة، وبثته معظم القنوات التلفزيونية الكبرى، وتابعه ما يقرب من مليار مشاهد عبر القارات الخمس، سواء عبر البث الفضائي أو المنصات الرقمية، في واحدة من أضخم المتابعات الجماهيرية لحدث ثقافي في العصر الحديث. هذا التفاعل العالمي لم يكن مجرد احتفاء بل لحظة تأكيد على أن مصر لا تزال في قلب المشهد الحضاري العالمي، قادرة على مخاطبة العالم بلغة الثقافة والسلام.
بحسب الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، فقد تناول أكثر من 210 وسائل إعلامية رئيسية حول العالم تفاصيل الحفل، عبر أكثر من 700 مادة صحفية، توزعت على النحو التالي: 254 تقريرًا في الإعلام الأوروبي بنسبة 36%، و132 مادة في الإعلام الآسيوي بنسبة 19%، و194 مادة في الإعلام العربي بنسبة 28%، إضافة إلى 63 مادة في الصحافة الأمريكية بنسبة 9%. وقد أجمع معظمها على فخامة الحفل وهيبته، مؤكدة أنه يليق بعراقة الحضارة المصرية، ويعكس الدور المحوري لمصر في صياغة المشهد الثقافي العالمي.
اعتبرت وسائلُ الإعلام الدولية الحدثَ محطةً مفصليةً تُعزز الحضور الدولي لمصر، وتكرّس صورتها كمركز حضاري وثقافي عالمي. وفيما يلي نستعرض أبرز ما تناولته وكالات الأنباء والصحف العالمية حول هذا الحدث الاستثنائي.
في تقرير نشرته شبكة “abc news” الأمريكية عن افتتاح المتحف المصري الكبير، وصف الحفل بأنه احتفال مبهر حضره ملوك ورؤساء من كل أنحاء العالم، من بينهم الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، ورئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، والملك الإسباني فيليب السادس، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، بالإضافة إلى عددٍ من المسئولين والشخصيات البارزة من كل أنحاء العالم. أضافت الشبكة أن حفل الافتتاح تميز بعرض ضوئي وموسيقي مبهر خارج المتحف مع فقرات فنية على أنغام الأوركسترا العالمية، بالإضافة للألعاب النارية والطائرات المسيرة التي صورت آلهة مصر القديمة في سماء القاهرة، كما أشارت الشبكة إلى جولة الرئيس السيسي مع كبار الزور من الملوك والرؤساء داخل المتحف وداخل قاعة توت عنخ أمون والتي تظهر على شاشات التلفزيون للمرة الأولى. كما تناولت الشبكة الأمريكية تاريخ وعملية بناء المتحف والتقت “رويسين هينغان” المؤسس المشارك لشركة هينغان بينج للهندسة المعمارية، الشركة الأيرلندية التي تقف وراء تصميم المتحف والذي أكد للشبكة على أن المتحف صُمم ليتوافق مع موقع واتجاه الأهرامات، وتناول الفلسفة التصميمية للمتحف.
بدورها قالت وكالة “رويترز” إن افتتاح المتحف يمثل نهاية لجهود استمرت لأكثر من عقدين. وأشارت إلى أن حفل الافتتاح المهيب عرض صورًا لأشهر المواقع الثقافية في مصر، مع عروض ضوئية مبهرة لافتتاح المتحف الذي يُشكل فصلًا جديدًا للسياحة في مصر.
أما شبكة “فرنسا 24” فقد علقت على حفل الافتتاح بوصفه حفلًا فخمًا وزاخرًا بالفعاليات، وقالت إن المتحف الجديد يعتبر ركنًا أساسيًا في خطط القاهرة لإنعاش القطاع السياحي الحيوي للاقتصاد المصري، كما سلطت الشبكة الفرنسية الضوء على ما تضمنه الحفل من فقرات شهدت عروضًا من ريو دي جانيرو وطوكيو ونيويورك، ولفتت النظر لارتداء جميع المشاركين في العروض أزياء فرعونية متقنة الصنع.
وفي تغطيتها للمتحف أشارت شبكة “nbc news” الأمريكية أن الحفل الذي طال انتظاره كان عظيمًا ومعقدًا بحضور قادة ومندوبين عن أكثر من 70 دولة، وهو ما استغله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإعطاء الحدث بُعدًا دوليًا، عبر دعوته الحضور إلى “جعل هذا المتحف منصة للحوار، ووجهة للمعرفة ومنتدى للإنسانية، ومنارة لكل من يحب الحياة ويؤمن بقيمة البشرية”. أما عن الحفل نفسه فقالت الشبكة إنه قدم عرضًا يليق بتكريم آلاف السنين من التاريخ في تناغم بين الأزياء والأوركسترا والعروض الضوئية، كما أن مئات الطائرات المسيرة أبدعت في تصوير الشخصيات المصرية في سماء القاهرة، واعتبرت الشبكة الأمريكية أن حفل الافتتاح مثّل تتويجًا للجهد وللمشروع الذي أعلن عنه لأول مرة في عام1992.
أما في آسيا فقد سلطت وكالة “japan times” اليابانية الضوء على حفل الافتتاح، وأشارت لما جاء في كلمة الرئيس السيسي الذي قال في كلمته إن افتتاح المتحف “يمثل فصلًا جديدًا في تاريخ الحاضر والمستقبل”، وأشارت إلى أن الحفل شهد عرضًا للأضواء والموسيقى أمام الأهرامات الشاهقة قدم فيه العشرات من الفنانين الذين يرتدون أزياء فرعونية متقنة، العروض المستوحاة من الحضارة الفرعونية بينما أضاء عرض الليزر الذي يصور الفراعنة والألعاب النارية سماء الليل فوق المتحف، وقد عرض على شاشات عملاقة مشاهد للاحتفالات بالمتحف من طوكيو وريو دي جانيرو.
بدورها، اهتمت صحيفة “hola” الإلكترونية الإسبانية بحضور ملك إسبانيا الملك فليب السادس لحفل الافتتاح الذي وصفته الصحيفة بالمبهر والفخم، وأشارت إلى حضور كبار الشخصيات في العالم لحفل الافتتاح الذي -بحسب الصحيفة- مثل فرصة لتعزيز الروابط بين الدول والعالم لإعادة اكتشاف التراث الفرعوني من منظور عصري في متحف يُعد رمزًا للفخر الوطني لمصر.
كما أشارت الصحيفة الإسبانية إلى أن الملك فيليب السادس عاد للقاهرة للمرة الثانية في أقل من شهرين بعد زيارة سابقة قام فيها بعددٍ من الجولات السياحية لمشاهدة الآثار الفرعونية مثل معبد حتشبسوت، كما أكدت أن حضور ملك إسبانيا يُبرز جهود الباحثين الأثريين الإسبان في هذا الحدث التاريخي، كما يعزز دور إسبانيا في التعاون الثقافي الدولي. اختتمت الصحيفة تقريرها بالتأكيد على أن يوم السبت 1 نوفمبر هو يوم لا يُنسى “يلتقي فيه الماضي العريق بالحاضر الدبلوماسي في واحدة من أروع البيئات على وجه الأرض”.
كما أشارت صحيفة ” la vanguardia” الإسبانية إلى أن الحفل شهد حضور 39 رئيس دولة وملكًا وأميرًا، بالإضافة لوفود رسمية من أكثر من 40 دولة أخرى، وتضمن استعراضات مستوحاة من مصر القديمة، وعرضًا ضوئيًا مبهرًا. وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من عدم تمكن الصحفيين من الوصول المباشر للحدث بسبب نوعية الحضور، إلا أن العرض كان مرئيًا من معظم أنحاء مدينة الجيزة، الأمر الذي كان كافيًا لإيصال رسالة مفادها: “أرض الفراعنة تتطلع لماضيها لبناء مستقبلها”.
وبدورها، علقت مجلة “historia” الإسبانية المتخصصة في التاريخ، على الحفل بوصفه ضخمًا ومهيبًا تضمن أوركسترا سيمفونية وعروضًا مستوحاة من الفن الفرعوني وعروضًا ضوئية مبهرة مثلت ملوك مصر في سماء القاهرة، وعرضت المجلة عددًا من اللقطات لحفل الافتتاح لجمهورها.
بدورها، ركزت صحيفة “el pais” الإسبانية على فقرات الحفل المبهرة، وقالت إن الحفل حمل شعار “أرض السلام”، مؤكدة أن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل تتويجًا لأحد الأهداف الرئيسية للخطة الشاملة التي وضعتها السلطات المصرية لتطوير هذه المنطقة الحيوية من البلاد بشكل كامل. فبالإضافة إلى المتحف، افتُتح في السنوات الأخيرة مطار أبو الهول الجديد “مطار سفنكس”، الذي يقع على بُعد بضعة كيلومترات؛ ويجري بناء فنادق ومناطق ترفيهية في المنطقة المحيطة، ويجري تجديد مجمع أهرامات الجيزة، الذي سيرتبط به المتحف أيضًا عبر ممر للمشاة.
وتحت عنوان “أخيرًا في مصر حلم دام لعقود: افتُتح المتحف المصري الكبير” قالت وكالة “rai news” الإيطالية إن المتحف الذي صُمم ليحتضن إرثًا هائلًا من الحضارة الفرعونية شهد حفل افتتاح مهيبًا حضره عدد غير مسبوق من الملوك والأمراء والرؤساء والقادة مما جعل افتتاح المتحف المصري الكبير لحظة تاريخية ليس فقط لمصر، بل للمجتمع الدولي بأسره، وشبهت الوكالة الإيطالية المتحف الكبير بــ”هرم مصر الرابع” الذي وبعد الحفل أضحى واقعًا ملموسًا يجسد عبقرية الفراعنة القدماء وإبداع المصريين المعاصرين.
أما موقع وكالة “marie claire” الروسية المتخصصة في أخبار الموضة والأزياء العالمية فعلقت على الحفل بأنه كان مبهرًا، واهتمت بإتقان تصميم الأزياء المصرية للعارضين، كما اهتمت بأزياء الملكات من حضور الحفل وأشارت إلى ارتداء سيدة مصر الأولى فستانًا مستوحى من الحضارة المصرية من تصميم مصمم أزياء مصري لدعم العلامات التجارية المحلية.
ومن الأزياء للموسيقى حيث احتفت صحيفة “almalife” الكازاخستانية بمشاركة عازفة التشيلو الكازاخستانية “بوتاجوز كالييفا” في الحفل الذي يعد من أهم الفعاليات الثقافية لهذا العقد، حيث شاركت ضمن فريق الأوركسترا العالمي في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير الذي قالت عنه الصحيفة إنه كان حفلًا عالميًا وحدثًا تاريخيًا سيخلد في سجلات الثقافة العالمية.
أما على منصات التواصل الاجتماعي، فسجل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير حضورًا رقميًا استثنائيًا، ليصبح أحد أبرز الأحداث الثقافية التي حظيت بتفاعل رقمي عالمي واسع.
فقد أُتيح البث المباشر للحدث عبر مختلف التطبيقات والمنصات الرقمية، ما مكّن الملايين حول العالم من متابعته. ووفقًا للهيئة العامة للاستعلامات تجاوز عدد المتابعين عبر البث الرقمي مئات الملايين، في دلالة واضحة على الزخم الرقمي الكبير الذي رافق الحدث، وعلى مكانة مصر في الإعلام الرقمي العالمي.
وقد اجتاحت الصور ومقاطع الفيديو والتعليقات منصات التواصل، لتُعيد التأكيد على مكانة وقدرة مصر، حيث تركزت التفاعلات على عراقة الحضارة المصرية، وروعة العرض الفني، ودقة التنظيم الذي نال إعجاب المتابعين من مختلف الثقافات، ما يعكس التأثير الثقافي العابر للحدود لهذا الحدث التاريخي.
ختامًا، يشير الاهتمام العالمي والزخم الكبير في مختلف أرجاء العالم الذي رافق حفل افتتاح المتحف المصري الكبير إلى عدة نقاط نوجزها فيما يلي:
- نجاح مصر في حملتها الدعائية العالمية لهذا الإنجاز الفريد: إعادة مصر لصدارة المشهد السياحي العالمي، الأمر الذي سيعود على الاقتصاد المصري بالإيجاب بارتفاع العوائد السياحية السنوية المتوقعة، ذلك بالإضافة للقيمة الرمزية المتمثلة في التأكيد على قيمة الحضارة المصرية الأقدم في التاريخ وما لذلك من دور في إثقال ميزان القوى الناعمة المصرية.
- عولمة مصر لحفل الافتتاح: بربطها التاريخ بالحاضر عبر اختيار عنوان “أرض السلام”، في رسالة واضحة تفيد بأن حضارة مصر مبنية على السلام والتعايش واحترام الإنسان منذ قديم الأزل وحتى اليوم، فعلى امتداد تاريخها ترى مصر “السلام” مرادفًا للعيش والنماء والازدهار، وقد مثّل اتفاق وقف الحرب في غزة بشرم الشيخ آخر شواهد هذه المبادئ والثوابت المصرية الراسخة منذ عصور الدولة الأولى.
- دبلوماسية الحضارة والتاريخ: نجحت مصر في تحويل إنجازها إلى رمز للتعاون الثقافي الدولي عبر مشاركة مختلف الجنسيات في المشروع ما جعل منه قبلة للمهندسين (خلال مراحل التنفيذ) وللأثريين والمتخصصين (بعد افتتاح معهد الأثريين) من حول العالم، ما يعزز “الدبلوماسية الثقافية” لمصر والتي توجت جهودها في هذا الصدد مؤخرًا بتنصيب دكتور “خالد العناني” رئيسًا لمنظمة اليونسكو، المنظمة الأرفع عالميًا المعنية بالثقافة.
في الأخير، أثبت حفل افتتاح المتحف المصري الكبير أن الثقافة حين تُدار برؤية استراتيجية يمكن أن تتحول إلى أداة فعّالة للدبلوماسية الناعمة، ومصدر فخر واعتزاز وطني تتلاقى عنده الإنسانية جمعاء. لقد نجحت مصر من خلال هذا الحدث في توظيف إرثها الحضاري العريق لتعزيز مكانتها على خريطة العالم الحديث، مقدمةً نموذجًا فريدًا في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الجمال الفني والرسالة السياسية.
لقد أعاد المتحف المصري الكبير، بما شهده من حضور عالمي وتغطية إعلامية غير مسبوقة، التأكيد على أن مصر لا تزال -كما كانت دومًا- قلب الحضارة ومهد الإنسانية، وأنها قادرة على مخاطبة العالم بلغة السلام، مستندة إلى تاريخها الذي صنع المجد، وإلى حاضرها الذي يبني المستقبل. وهكذا، أصبح المتحف المصري الكبير ليس فقط صرحًا أثريًا، بل منارةً ثقافية ودبلوماسية تروي قصة أمةٍ صنعت التاريخ، وما زالت تصنع الحاضر والمستقبل برؤية السلام والإنسانية.


