يُعرّف الاقتصاد الأخضر بأنه الاقتصاد الذي يهدف إلى الحدّ من مخاطر التلوث بأنواعه، والاحتباس الحراري، وندرة الموارد، بهدف تفعيل تنمية مستدامة حقيقية تَحُولُ دون تدهور البيئة. ورغم الارتباط الوثيق للاقتصاد الأخضر بالنواحي البيئية؛ إلا أنه يركز على أن يكون اقتصادًا قابلًا أكثر للتطبيق على الصعيد السياسي. وكانت الأمم المتحدة قد عرفت الاقتصاد الأخضر في عام 2010 بأنه اقتصاد ينتج عنه تحسين رفاهية الإنسان، والعدالة الاجتماعية، مع تقليل المخاطر والندرة البيئية بشكل كبير. وهو في أبسط تعبير عنه اقتصاد منخفض الكربون، وفعال من حيث الموارد، وشامل اجتماعيًّا. ففي حالة الاقتصاد الأخضر يكون نمو الدخل والعمالة مدفوعين بالاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل من انبعاثات الكربون والتلوث، وتعزز كفاءة استخدام الطاقة والموارد، وتمنع فقدان التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي. كما أقر تقرير الاقتصاد الأخضر لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2011 بأن الاقتصاد كي يكون صديقًا للبيئة، يجب ألا يكون فعّالًا فحسب؛ بل يجب أن يكون عادلًا على النطاق المجتمعي أيضًا؛ فالإنصاف يعني الاعتراف بأبعاد الاستدامة الثلاثة: (الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع)، والعمل على تنميتها معًا دون تخصيص الموارد لبُعد واحد فقط لضمان الشمول.
ومن السمات التي تميز الاقتصاد الأخضر عن الأنظمة الاقتصادية السابقة التقييم المباشر لرأس المال الطبيعي، والخدمات الإيكولوجية، باعتبارها ذات قيمة اقتصادية، ونظام محاسبة التكاليف بالكامل الذي يتم فيه تتبع التكلفة إلى المراحل المستقبلية من معالجة أي أضرار بيئية ناتجة. كما يتم نقل التكاليف بشكل موثوق إلى الكيان الذي يتسبب في ضرر أو يتجاهل أحد الأصول. وتُحتسب تلك الأضرار على أنها مسئوليات. وعلى تلك الأسس تعمل الدول الكبرى والشركات العالمية على تبني السياسات البيئية وفكر الاستدامة كوسيلة قابلة للتطبيق لتعزيز ممارساتها في مجال الاقتصاد الأخضر.
استراتيجية مصر للاقتصاد الأخضر
أطلقت الدولة المصرية في عام 2016 استراتيجيتها الوطنية المعنية بالاقتصاد الأخضر، وذلك على هامش مؤتمر الوزراء الإفريقيين المعنيّ بالبيئة African Ministerial Conference on the Environment (AMCEN)، الذي عقد في القاهرة في ذلك العام. وكان القادة الأفارقة في المؤتمر قد دعوا إلى تعزيز رؤية إنمائية واضحة لإفريقيا في سياق أجندة الاستدامة الدولية 2030 واتفاق باريس.
وخلال المؤتمر، صرّح رئيس الوزراء المصري السابق “شريف إسماعيل” بأن البيئة هي إحدى الركائز الأساسية لاستراتيجية مصر 2030، إذ تتوافق هذه الاستراتيجية مع أهداف تغير المناخ، والتي تشمل: النهوض بنوعية الحياة، وتوفير مصادر نظيفة للطاقة. وتهدف الاستراتيجية الجديدة إلى الانتقال التدريجي إلى الاقتصاد الأخضر بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP ومركز البيئة والتنمية للمنطقة العربية وأوروبا CEDARE. وتتضمن الاستراتيجية أربعة مجالات تركيز رئيسية، هي: المياه، والزراعة، والنفايات، والطاقة. كما تضمنت الاستراتيجية التكيف التدريجي للمشتريات الحكومية مع المنتجات الصديقة للبيئة والتكنولوجيات المستدامة.
إلا أن أبرز التحديات التي هددت تلك الاستراتيجية وقت إطلاقها هي الصعوبات التي تواجه خفض انبعاثات الغازات الدفيئة. فقد أعرب خبراء البيئة عن قلقهم بشأن التوسع في استخدام الفحم بدلًا من مصادر الوقود منخفضة الانبعاثات الكربونية. لكن التقارير التي أعلنتها وزارة البيئة في العام نفسه، كشفت عن استراتيجية مزيج الطاقة المستقبلية التي تتضمن تغييرات إيجابية جذرية في خارطة الطاقة في مصر؛ إذ تضع الاستراتيجية التوجهات المطلوبة لخفض نسبة استخدام طاقة الوقود الأحفوري من 95٪ إلى 50٪ بحد أقصى، مع زيادة نصيب موارد الطاقة المتجددة إلى 30٪، والطاقة النووية إلى 5٪. وبهذا تمثل استراتيجية مصر للاقتصاد الأخضر خطوة رئيسية إلى الأمام في متابعة مسار التنمية الاقتصادية التي تأخذ في الاعتبار الحفاظ على البيئة والندرة البيئية، وتدعم إنشاء مجتمع أكثر مرونة واستعدادًا للتغيرات المستقبلية في مجالات البيئة.
مشاريع مصرية في مجال الاقتصاد الأخضر
من هذا المنطلق، وتطبيقًا لمبادئ الاستراتيجية المصرية المعلنة، توجهت الدولة المصرية نحو دعم المشاريع والصناعات التي تتوافق مع معايير الاقتصاد الأخضر من أكثر من زاوية. من هذه المشاريع القومية البدء في إجراءات إطلاق بورصة الانبعاثات الكربونية المصرية، وهي الخاصة بتداول ما يُطلق عليه “السندات الخضراء”، وذلك بعد محاولات طال الحديث عنها منذ عام 1999 وحتى تم البدء فعليًّا في عام 2018. ويهدف إطلاق بورصة شراء شهادات تداول الكربون إلى حث الشركات الصناعية على خفض انبعاثاتها الكربونية الضارة. ومن المتوقع أن تكون تمويلات شراء الشهادات المنتظر طرحها من خلال برامج الأمم المتحدة لحماية البيئة، بجانب البلدان الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية، علمًا بأن الدول المشاركة في قمة المناخ في باريس كانت قد اتفقت على توفير 100 مليار دولار للبلدان النامية.
عملية الإصلاح التشريعي والقانوني أخذت في اعتبارها أيضًا تشجيع الاقتصاد الأخضر. على سبيل المثال، قانون التعريفة الجديدة يُساهم في زيادة الاستثمارات في مجالات إنتاج الطاقة المتجددة، وذلك بسبب خفض المخاطر الاقتصادية على تلك المشاريع بتدخل الدولة في دعمها مرحليًّا، وشراء الفائض من أصحاب المحطات المولدة. كما شمل قانون إدارة المخلفات العديد من المواد التي لا تسعى فقط لحل أزمة النفايات والقمامة في كافة أنحاء الجمهورية المصرية، بل إلى تعظيم الفائدة الاقتصادية من عمليات إعادة التدوير وتصدير النفايات وتحويلها إلى طاقة نظيفة عن طريق التكنولوجيات الحديثة، وذلك بعد قرار إنشاء أكثر من 150 مصنعًا لإعادة تدوير القمامة.
أما في قطاع النقل والمواصلات، فقد طرحت وزيرة البيئة في عام 2018 مقترحًا لتطوير شبكة المواصلات العامة المصرية للتحول التدريجي للاعتماد على المركبات الكهربائية عوضًا عن المركبات المعتمدة على المحروقات النفطية، وذلك في محاولة لتقليص الانبعاثات الكربونية ومصادر التلوث الناتجة عن قطاعات النقل العامة المختلفة في مصر. وأخذ الاقتراح في الاعتبار الجدوى الاقتصادية المرجوّة من هذا التحول بجانب فوائده البيئية، وهو ما نتج عنه عدة خطوات ناجحة بهذا الصدد، كان أولها التعاون مع الشركة الصينية BYD للدفع بحافلات عامة كهربائية في محافظتي الإسكندرية والقاهرة بالترتيب، مع خطط للتوسع في بقية المحافظات، وهو ما تم بداية من عام 2018.
وكانت مصر قد أبرمت عدة اجتماعات مع شركة مرسيدس خلال العامين السابقين من أجل إنتاج سيارات كهربائية للاستخدام الشخصي للمواطنين بمصر. وجاء ذلك بالتزامن مع التوسع في إنشاء محطات الشحن الكهربائي للمركبات، حيث تنتشر حاليًّا أكثر من 130 محطة في محافظات مصر المختلفة بقدرات وجودة تتفق مع المعايير الدولية. وفي الإطار نفسه، أعلن اللواء “محمد العصار”، وزير الإنتاج الحربي، في أكتوبر 2019، عزمَ الوزارة إنتاج مركبات كهربائية صغيرة بالتعاون مع إحدى الشركات المصرية، وذلك لاستخدامها في المنتجعات والتجمعات السكنية المغلقة فقط. كما بدأت الوزارة بالفعل في مشروع تصنيع الحافلات الكهربائية مع شركة صينية أخرى هي شركة “فوتون موتورز” Foton Motors بهدف الدفع بـ2000 حافلة خلال السنوات الأربع القادمة. كما تم تفعيل عدة مشاريع أخرى من جانب الوزارة بخصوص تصنيع السيارات الكهربائية بالتعاون مع شركة جيلي، وإنشاء محطات الشحن وإعادة تدوير البطاريات الكهربائية مع شركات أخرى.
وبالإضافة إلى ما سبق، هناك مشروعات عديدة أخرى تقوم برعايتها الحكومة المصرية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وتخدم تلك المشاريع الخضراء مجالات البنية التحتية، وتحلية مياه البحر، والطاقة المتجددة، وإعادة التدوير، وتوفير الاستهلاك، والنقل، والزراعة، ومعالجة الصرف الصحي، وغيرها.
وكل هذه المشروعات تساهم بلا شك في فتح المجال لأسواق جديدة عديدة، وما يتبعها من توفير فرص عمل ونشاط اقتصادي لم يكن موجودًا قبل تطبيق الاستراتيجية الوطنية المعنية بالاقتصاد الأخضر. وتأتي الفرصة الذهبية لمصر من كونها دخلت بقوة هذا المجال قبل معظم دول الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، وهو ما يزيد من فرصها في جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال، وجعل مصر بؤرة ومركزًا اقتصاديًّا رائدًا لهذه الأسواق، وهو ما سينعكس إيجابًا على الوضع الاقتصادي المصري عمومًا.