عنوان هذا المقال لا يحمل تنبؤًا بنتيجة انتخابات الرئاسة القادمة فى الولايات المتحدة الأمريكية، لسبب بسيط وهو أن مجال التنبؤ بالانتخابات فى الدول الديمقراطية أصبح غير دقيق حتى لو استخدم أساليب علمية مثل استطلاعات الرأى، وتجربة انتخاب ترامب عام ٢٠١٦ دليل على ذلك، حيث أجمعت تحليلات الخبراء ونتائج الاستطلاعات على حتمية خسارة ترامب وفوز هيلارى كلينتون، يضاف لذلك أنه ما زال بيننا وبين موعد التصويت فى نوفمبر القادم حوالى ثمانية أشهر، صحيح أن ترامب الآن لديه الفرص الأكبر فى الفوز لأنه يتمتع بميزة الرئيس الحالى، والذى نادرا ما يخسر انتخابات الدورة الثانية إلا إذا صاحب ذلك حالة من الكساد الاقتصادى، بالإضافة إلى التحسن الكبير الذى يشهده الاقتصاد الأمريكى فى عهده، إلا أن الفترة المتبقية على موعد الاقتراع قد يحدث فيها أمور كثيرة تؤثر على خيار الناخبين.
ولكن ما سبق لا يمنع من القول بأنه من الأرجح أن يصبح جو بايدن مرشحًا للحزب الديمقراطى لمواجهة الرئيس الحالى ومرشح الحزب الجمهورى دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة القادمة، وبالرغم من استمرار بيرنى ساندرز فى التنافس على الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطى إلا أن فرصه ستقل تدريجيًّا وستزداد فرص بايدن بسبب انسحاب باقى المرشحين من السباق ومعظمهم قام بتأييد بايدن، كما أن الأخير يحظى أيضا بمساندة ما يسمى مؤسسة الحزب الديمقراطى وفى قلبها الرئيس السابق أوباما وكذلك هيلارى كلينتون، يضاف لذلك أن معظم المتبرعين الكبار من أنصار الحزب سوف يتجهون بأموالهم لبايدن لتخوفهم من أفكار ساندرز ذات الطابع الاشتراكى.
إذن سيصبح بايدن مرشح الحزب الديمقراطى، وبالتالى لديه فرصة للوصول للبيت الأبيض، ومن ثم يصبح من المهم التعرف على أفكاره وخاصة فى مجال السياسة الخارجية. ولحسن الحظ أن العديد من المسؤولين المصريين، وخاصة وزير الخارجية الحالى سامح شكرى ووزراء الخارجية وسفراءنا السابقين فى واشنطن، يعرفون بايدن جيدا ومعظمهم تعامل معه سواء عندما كان نائبا للرئيس السابق أوباما لمدة ثمانى سنوات، وقبل ذلك عندما كان عضوا بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لسنوات طويلة. كما أن بايدن يعرف مصر جيدًا، وكذلك الشرق الأوسط، وربما يتذكر بعضنا موقفه فى بداية أحداث يناير ٢٠١١، والذى كان أكثر فهمًا لتعقيدات الموقف على الأرض، ولكنه لم يستطع الوقوف فى مواجهة التيار الهادر فى البيت الأبيض الذى ساهم فى وصول الأحداث إلى النتيجة التى نعرفها جميعًا.
السياسة الخارجية للرئيس المحتمل جو بايدن سوف تستهدف استعادة الدور القيادى للولايات المتحدة فى العالم، وسيستمر فى تبنى مواقف متشددة تجاه كل من الصين وروسيا، ولكن بالتنسيق مع الحلفاء وليس بشكل انفرادى. وبالنسبة للشرق الأوسط فالأرجح أن يعود للاتفاق النووى مع إيران ويتحدث بشكل أكبر عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن درجة الانخراط الأمريكى فى المنطقة ستستمر أيضا محدودة، وهو النهج الذى بدأه أوباما واستمر فيه ترامب.
باختصار، مواقف بايدن تحتاج بالتأكيد للمزيد من الدراسة، ولكن من المهم التواصل مع التيار الذى يمثله داخل الحزب الديمقراطى، وكذلك ما يعرف بالتيار التقدمى الذى يمثله ساندرز، وبغض النظر عن نتائج انتخابات الرئاسة فالديمقراطيون يملكون الأغلبية فى مجلس النواب بالكونجرس، وتعدد وتنوع الأصدقاء فى واشنطن من مصلحة مصر والعرب.
*نقلا عن صحيفة “المصري اليوم، نشر بتاريخ ٩ مارس ٢٠٢٠.