أدى الحجر الصحي الذي فرضه فيروس كورونا إلى ارتفاع نسب البطالة حول العالم. في أمريكا خسر أكثر من 22 مليون شخص وظائفهم خلال الأسابيع القليلة الماضية بسبب غلق الاقتصاد وجهات العمل، ومن المتوقع أن تقفز نسبة البطالة من 4.5% في منتصف مارس إلى أكثر من 14% إلى حدود اليوم. وفي المنطقة العربية، تقدر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) أن جائحة كورونا ستؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 42 مليار دولار أمريكي وإلى فقدان 1.7 مليون وظيفة في عام 2020، ومن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة بمقدار 2.1%. وخلافا لأثار الازمة المالية العالمية في عام 2008، سيؤثر فيروس كورونا على فرص العمل في القطاعات كافة، ولا سيما قطاع الخدمات بسبب سياسات التباعد الاجتماعي.
مع تفشي فيروس ايبولا في 2014، وفيروس زيكا في 2015-2016، كانت أكثر فئة تضررا هن النساء والفتيات. وتسببت الوضعية الوبائية في تعزيز اللامساواة ضد المرأة. ومع فيروس كورونا (كوفيد 19) العالمي من المتوقع أن تكون النساء، أيضا، الفئة الأكثر تضررا من التداعيات الاقتصادية لهذه الجائحة، لا سيما النساء العاملات في القطاع غير المهيكل واللاتي وجدن أنفسهم، فجأة، بدون عمل وبدون برامج الحماية الاجتماعية ولا تأمين ضد البطالة.
تعمل نحو 60% من النساء في جميع أنحاء العالم في الاقتصاد غير الرسمي. وفي بعض المناطق، تصل هذه النسبة إلى 95%. ويشمل العمل غير الرسمي العديد من المهن التي تضررت بسبب الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي، والركود الاقتصادي، مثل الرعاية والعمالة المنزلية، الباعة المتجولات، وتجار السلع، والعمالة الموسمية. إضافة إلى ذلك تضررت بشكل كبير النساء العاملات في قطاع الخدمات. فالمرأة تعمل بشكل أكبر في المطاعم وقطاع السفر والرحلات، وهي القطاعات الأكثر تضررا من جائحة كورونا، بعدما أغلقت الحدود وتوقفت حركة النقل وعطلت السياحة إلى أجل غير مسمى.
فقدان الآلاف من النساء لوظائفهن وموارد رزقهن يمكن أن يتسبب في كوارث إنسانية، ويزيد من حدة الفقر داخل المجتمعات، خاصة بالنسبة للنساء اللاتي يكسبن القليل ويوفرن الأقل. ومع ذلك، فليس الفقر، فقط، من يتربص بعدد من النساء حول العالم. على المستوى الاجتماعي، ادى ارغام الناس على البقاء في المنازل، ومع التخوف من فقدان العمل وقلة الرزق، إلى ازدياد نسب العنف المنزلي ضد المرأة. فالمرأة، في زمن كورونا أصبحت عرضة لكل أنواع الإهانة والعنف اللفظي والجسدي. في الأسبوع الأول من الحجر، ازدادت في فرنسا، مثلا، بلاغات العنف المنزلي بمقدار الثلث، في حين زادت في أستراليا بمقدار 75%، وتضاعفت في لبنان. وفي المغرب، بلغ معدل انتشار العنف المنزلي في المغرب 52%، بما يعادل 6.1 مليون امرأة، في 2019، ومن المرجح أن يرتفع هذا الرقم لأعلى مستوياته مع حالة العزلة والحجز المنزلي.
ما يزيد من معاناة النساء، في زمن كورونا، هو تعطل الرعاية والخدمات الأساسية الواجب تقديمها للنساء ضحايا العنف، ومنها الرعاية السريرية والمتابعة النفسية للضحية والمتابعة القانونية للجاني. فمع تعبئة جل الاطقم الصحية لمتابعة حالات الإصابة بكورونا، وتجنيد الأجهزة الأمنية لمراقبة حالة الطوارئ، وفرض قيود الحركة، يجعل النساء المعنفات يعانين في صمت.
أما في مناطق الصراع، فتواجه النساء والفتيات النازحات خطرا متزايدا من التعرض للعنف خلال أزمة فيروس كورونا وفق ما قالت وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مؤخرا. وأشارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن تعرضه النساء للاستغلال الجسدي أو الزواج وهن قاصرات، تزيد في ظل أزمة الوباء. بالإضافة إلى ذلك، تواجه النساء اللاجئات والنازحات داخليا مخاطر صحية متعددة. وغالبا ما يتعذر عليهن الاستفادة مـن الخدمات الصحية ومرافق الصرف الصحي المناسبة، مما يمعن في إضعاف قدرتهن على مواجهة آثار هذا الوباء.
على مستوى آخر، تشكل النساء 70% من مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية حول العالم – ما يعني أن المرأة متواجدة على الخطوط الأمامية لاحتواء انتشار فيروس كورونا، وهي معرضة أكثر من غيرها للإصابة بالفيروس وربما الوفاة بسببه. هذا ما دفع السياسات الصحية في بعض الدول إلى عزل الاطقم الصحية عن محيطهن العائلي لضمان حمايتهم. هذا البعد بسبب أداء الواجب المهني يمكن أن يخلف الكثير من الازمات النفسية خاصة للطبيبات التي يحتاج ابناؤهن الصغار تحديدا لرعاية الام وحضورها اليومي في حياتهم.
إن عدم المساواة الاجتماعية تجاه المرأة في الأوقات العادية تتعاظم في زمن كورونا. وهشاشة أوضاع النساء في أوقات الكوارث والاوبئة متشابهة في كل أنحاء العالم. من أجل ذلك، من الضروري أن تشمل التدابير الحكومية المتخذة لمساعدة العمال المتضررين من جائحة كورونا مساعدة النساء في القطاع غير الرسمي وقطاع الخدمات. ومن الضروري أيضا توفير الحماية الكافية للنساء العاملات في قطاع الصحة، وأيضا اتخاذ كافة التدابير المرتبطة بضمان حقوق المرأة ومنع العنف ضدها وترسيخ مبدأ المساواة التي ظلت أجيال بكاملها تناضل من أجل تكريسه.
نقلا عن جريدة الأهرام، 30 أبريل 2020.