ألقت أزمة كورونا المستجد بظلالها على نظام التعليم في مصر، وأثرت بشكل كبير على سير الدراسة وإنهاء المناهج المقررة، وأداء امتحانات نهاية العام. وقد لجأت وزارة التربية والتعليم في مصر إلى أساليب غير تقليدية لإنهاء العام الدراسي بأقل خسائر ممكنة، فقررت الاكتفاء بما تم تدريسه حتى منتصف مارس، واستبدلت امتحانات نهاية العام بمشاريع بحثية يقدمها الطلاب، ولجأت إلى الامتحانات الإلكترونية من المنزل للصفين الأول والثاني الثانوي.
لقد انتهى الجدل الحاد الذي صاحب كل هذه الإجراءات، وتحققت درجة مناسبة من التوافق المجتمعي على أهمية تطوير أساليب التعليم والتقييم عن بعد، وانتهى العام الدراسي لأكثر من عشرين مليون طالب بسلام، ومع هذا فقد تجدد الجدل مرة أخرى بمناسبة اقتراب امتحانات الثانوية العامة، في ظل تزايد أعداد المصابين بالفيروس وقلق أولياء الأمور على أبنائهم.
أولًا- مخاوف مجتمعية
منذ أن أعلن وزير التربية والتعليم عن موعد أداء الطلاب لامتحانات الثانوية في السابع من يونيو الجاري، ارتفعت الأصوات المطالبة بالتأجيل حفاظًا على سلامة الطلاب. وكان المطلب الأساسي أن يتم تأجيل الامتحانات لمدة أسبوعين أسوةً بطلاب الدبلومات الفنية، وهو ما تم بالفعل لتعلن الوزارة عن بدء امتحانات الثانوية العامة في الحادي والعشرين من يونيو لتنتهي في الحادي والعشرين من يوليو المقبل. وفي تناقض واضح مع الاعتراضات السابقة، علت الأصوات المطالبة بالتأجيل مرة أخرى، وعبّرت أصوات عن القلق من أداء الطلاب للامتحانات في هذا التوقيت، وتلخصت أسباب القلق فيما يلي:
1- احتمال إصابة الطلاب ونقل العدوى إلى أسرهم في ظل تزايد أعداد المصابين: يمثل تزايد أعداد المصابين بالفيروس المستجد في مصر مصدر القلق الأول لكل الفئات المجتمعية المطالبة بتأجيل الامتحانات، حيث تخطى إجمالي الإصابات 32 ألف إصابة حتى السادس من يونيو الجاري. ويرى البعض أن أداء أكثر من 650 ألف طالب للامتحان قد يتسبب في انفجار في أعداد الإصابات نتيجة الاحتكاك المباشر بين الطلاب وبعضهم، أو بسبب احتكاكهم بآخرين في وسائل المواصلات العامة التي تنقلهم إلى لجان الامتحان.
2- تزايد حدة القلق لدى الطلاب أنفسهم: بالإضافة إلى القلق الطبيعي والرهبة من امتحانات الثانوية العامة، يمثل انتشار الفيروس المستجد مصدرًا آخر للقلق لدى الطلاب، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على تركيزهم أثناء فترات التحضير للامتحان أو داخل اللجان، وبالتالي لا يحقق الطلاب المستهدف من درجات الامتحان.
ثانيًا- الجدل حول التوقيت الأنسب
بالرغم من المخاوف سالفة الذكر وتركيز بعض القنوات الإعلامية على ضرورة إعادة النظر في الموعد الذي قررته وزارة التربية والتعليم لامتحانات الثانوية العامة؛ إلا أن وزير التربية والتعليم صرح في أكثر من مداخلة هاتفية مع قنوات تليفزيونية مختلفة بأن التوقيت الذي أعلنته الوزارة هو الأنسب لعدة اعتبارات، أهمها:
1- طول فترة الامتحانات، حيث تستمر امتحانات الثانوية العامة لمدة شهر كامل، ينتهي في الحادي والعشرين من يوليو، لتبدأ بعدها امتحانات الدبلومات الفنية في الخامس والعشرين من يوليو وتنتهي في الثالث عشر من أغسطس، يأتي بعدها امتحانات الدور الثاني التي ستستمر في الغالب حتى سبتمبر 2020.
2- عدم التأكد من موعد انتهاء أزمة كورونا، إذ لا توجد مؤشرات حقيقية توضح موعد انحسار العدوى بالفيروس المستجد، أو موعد إنتاج لقاح يقلل من انتشار المرض. وقد تستمر الأزمة لأكثر من ستة أشهر قادمة، ما يعني أن التأجيل إلى حين انتهاء الأزمة يتسبب في ضياع عامين دراسيين (الحالي والقادم).
3- أن التوقيت المُعلن لامتحانات الثانوية العامة يسمح بالانتهاء من أعمال التنسيق والبدء في عام دراسي جديد في توقيت مناسب.
وعززت الوزارة موقفها بالإشارة إلى أن هذا التوقيت يتزامن مع إلغاء الإجراءات الاحترازية جزئيًّا، والاتجاه لإعادة فتح دور العبادة والنوادي الرياضية والمطاعم. كما أشار الوزير إلى أن عددًا من الدول أعادت فتح مدارسها بغض النظر عن تزايد أعداد الإصابات. وإضافةً إلى ما سبق، فإن المؤشرات تبين أن النسبة الأكبر من طلاب الثانوية العامة تفضل أداء الامتحانات في أسرع وقت ممكن، ويرون أن التأجيل أكثر من ذلك يؤثر سلبًا عليهم ويزيد من الضغوط التي يتعرضون لها.
ثالثًا- الأولوية لأمان الطلاب وسلامتهم
أعلنت وزارة التربية والتعليم حزمة من الإجراءات التي تضمن سلامة الطلاب أثناء أداء الامتحانات، وراعت في قراراتها الطوارئ التي قد يتعرض لها الطالب، فسمحت للطلاب الذين لا يؤدّون الامتحان لظروف قهرية (الخضوع لحجر صحي، أو إصابة الطالب بالكورونا) بتأجيل الامتحان إلى الدور الثاني بالدرجة الفعلية. وفي حالة وجود لجنة سير الامتحان في نطاق الحجر الصحي في أي منطقة يتم تأجيل الامتحان للطلاب إلى الدور الثاني بالدرجة الفعلية.
ومن أبرز الإجراءات الاحترازية المقرر تطبيقها:
– بلغ عدد المدارس التي تضم لجانًا فرعية خمسة آلاف مدرسة، بحيث لا يزيد عدد الطلاب داخل أي لجنة فرعية عن 11 طالبًا.
– تواجد طبيب وسيارة إسعاف بكل لجنة للتعامل مع أي حالات طارئة داخل لجان الامتحان.
– تخفيف الأعباء عن الطلاب بامتحان المواد التي لا تُضاف للمجموع من المنزل.
– توفير 33 مليون كمامة و17 ألف جهاز قياس للحرارة استعدادًا للامتحان، بالإضافة إلى مرور الطلاب من خلال بوابات تعقيم في طريقهم لدخول لجان الامتحان، تسبقها علامات إلكترونية لإرشاد الطلاب لأماكن الدخول، مع تنظيم دخول الطلبة لمنع التكدس على الأبواب، على أن يُمنع وجود أولياء الأمور مع الطلاب في المدارس أو حولها والتجمهر قبل أو بعد الامتحانات.
– منع تجمهر الطلاب داخل المدرسة أو خارجها قبل أو بعد الامتحانات، على أن يُسمح بدخول الطلاب إلى المدرسة من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الساعة التاسعة، ويكون موعد بدء الامتحان الساعة العاشرة صباحًا، للتأكد من تطبيق جميع الإجراءات الاحترازية.
– توزيع أدوات التعقيم وكمامات وواقيات للأحذية قبل كل امتحان على الطلاب، على أن يتم تعقيم وتطهير كافة اللجان قبل وبعد إجراء الامتحان. ويقوم الملاحظ بالتأكد من أن الطالب قام بتعقيم يديه ولبس الكمامة بطريقة صحيحة.
– إجراء تحاليل طبية للسادة القائمين على وضع الأسئلة قبل عقد جلسات وضع الأسئلة أو الدخول إلى مقر المطبعة، وإجراء التعقيم اللازم لصناديق نقل كراسات وأوراق الامتحان دون التأثير على المحتوى.
وتمثل هذه الإجراءات مجموعة متكاملة من إجراءات الوقاية الاحترازية، ومن ثم فإن العبء الأكبر يقع الآن على منفذي هذه الإجراءات، فالتنفيذ الصحيح هو الذي يضمن منع انتشار العدوى بالفيروس المستجد بين الطلاب داخل لجان الامتحان. أما فيما يتعلق بالمسافة بين منزل الطلاب واللجنة التي يؤدي الامتحان بها، ووسيلة المواصلات التي تنقله إلى لجنته، فتقع المسئولية على الطالب نفسه في اتخاذ الإجراءات الوقائية التي أعلنتها وزارة الصحة ويتم تداولها باستمرار على القنوات التليفزيونية وصفحات التواصل الاجتماعي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن متوسط عمر طالب الثانوية العامة لا يقل عن سبعة عشر عامًا، ما يعني قدرته على فهم هذه الإجراءات واتخاذ ما يلزم لحماية نفسه.
رابعًا- نحو تطوير بنّاء للحوار المجتمعي حول التعليم
لقد احتاج الأمر للكثير من الجهد والجدل للوصول إلى توافق حول هذه الإجراءات، وذلك بسبب الفجوة بين الأطراف المختلفة، وعدم قدرة كل طرف على توصيل الرسالة كاملة إلى الطرف الآخر، بما يترتب على ذلك من ضعف الثقة المتبادلة، بحيث كانت الفجوة تتسع مع كل قرار تنفيذي تتخذه الوزارة.
وتعتمد الأصوات المعارضة لسياسات وزارة التربية والتعليم على صفحات التواصل الاجتماعي لتوصيل صوتها. ويغلب على هذه الأصوات التخوف من كل تغيير يتم إدخاله على العملية التعليمية أو طريقة التقييم، واعتبار ذلك إفسادًا لنظام التعليم وإهدارًا لمستقبل الطلاب. المشكلة في هذا المنهج المحافظ والمتشكك هي سهولة توظيفة من جانب جماعات المصالح التي تريد الحفاظ على الوضع الراهن رغم عيوبه الخطيرة. على الجانب الآخر، تتسم الطريقة التي تتبعها الوزارة في الإعلان عن خططها وإجراءاتها بأحادية المسار، فالوزير هو الوحيد تقريبًا الذي يتحدث إلى وسائل الإعلام لتوضيح ما تتخذه الوزارة من قرارات في لقاءات قصيرة على قنوات تليفزيونية لا تصل إلى جميع المعنيين أو المستهدف الوصول إليهم، يغلب عليها طابع “المونولوج”، حيث يغيب الحوار، ويحل محله الحديث من طرف واحد. والمطلوب هو توفير قنوات اتصال وحوار مباشر يتواصل من خلالها المسئولون عن التعليم مع ممثلي وجهات النظر والمصالح المختلفة، واستخدام كافة وسائل الإعلام والبث لتوصيل مستجدات ونتائج هذا التواصل، حتى يحل الحوار البناء محل العصبية والتشكيك.
رئيس وحدة دراسات القضايا الاجتماعية