اتخذت سياسات تمكين المرأة اقتصاديًّا موقعًا متقدمًا على سلم أولويات كثير من الدول. ويرجع هذا الاهتمام إلى وجود أسباب اقتصادية منطقية. أوَّلها، أن النساء في جميع المجتمعات حول العالم يُشكِّلنَ حوالي نصف إجمالي السكان، ومن ثم فإن عدم مساهمة المرأة في سوق العمل يعني أن تتخلى هذه الدول عن نصف طاقتها الإنتاجية، وأن تقبل بنصف قدراتها فقط. ثانيها، أن تمكين المرأة اقتصاديًّا وانخراطها بسوق العمل لهُ دور كبير في الحد من الفقر في المجتمع، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، وارتفاع مستوى معيشة الأسرة، علاوة على ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام.
واقع مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل
على الرغم من الاهتمام الذي حظيت به قضية التمكين الاقتصادي للمرأة؛ إلا أن مساهمتها في النشاط الاقتصادي والنمو ما زالت أقل بكثير من المستوى الممكن. فبحسب تقرير منظمة العمل الدولية “الاستخدام والآفاق الاجتماعية في العالم: لمحة عامة عن اتجاهات المرأة لعام 2018“، وَقَفَ معدل مساهمة النساء في القوى العاملة في العالم عند مستوى 48.5 في عام 2018، أي أقل بحوالي 26.5% من معدل مساهمة الرجال. ولا تختلف المعدلات على الصعيد المحلي، فوفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ معدل المساهمة في قوة العمل بين الذكور 67.6%، بينما بلغ 18.3% للإناث في عام 2018. أما عدد المشتغلين فقد وصل إلى 26.021 مليون مشتغل، منهم 21.290 مليون مشتغل من الذكور بنسبة 81.8%، مقابل 4.731 ملايين فقط من الإناث المشتغلات بنسبة 18.2% من إجمالي المشتغلين عام 2018. ويوضح الجدول التالي معدل مشاركة النساء في سوق العمل للدول العربية، بحسب صندوق النقد الدولي في عام 2017.
البطالة بين الإناث
وفقًا لنتائج بحث القوى العاملة للربع الثاني لعام 2019، فإن عدد المتعطلين خلال الفترة المذكورة بلغ 2.094 مليون متعطل (962 ألف ذكر، 1.132 مليون أنثى) بنسبة 7.5٪ من إجمالي قوة العمل خلال هذه الفترة. وأوضح البحث انخفاض معدل البـطالة بين الذكور ليصل إلى 4.2٪ في قوة العمل، مقابل 5.7٪ في الربع الأول من عام 2019. بينما ارتفع معدل البطالة بين الإناث ليصل إلى 22.4٪ من إجمالي الإناث في قوة العمل، مقابل 18.9٪ خلال الربع السابق عليه. الأمر الذي يثير تساؤلًا حول مشكلات النساء في دخول سوق العمل، وقدرة القطاعات المولِّدة للوظائف على استيعاب عمالة النساء، وتوفير بيئة عمل مناسبة لهن.
النساء في المناصب القيادية
تعد مشاركة الإناث في المناصب الإدارية العليا مؤشرًا جيدًا لقياس التمكين الاقتصادي للمرأة، ومقدار انخراطها في سوق العمل. وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة المصرية خطوات غير مسبوقة لزيادة تمثيل المرأة ومسئولياتها القيادية وفقًا للاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030؛ إلا أن تمثيل الإناث في الوظائف الإدارية العليا لا يزال منخفضًا عند مستوى 15.9% في عام 2017، مقابل 84.1% للذكور. وتطمح الاستراتيجية الوطنية إلى زيادة هذه النسبة لتصل إلى 27% بحلول 2030.
تحديات تعوق تمكين المرأة في سوق العمل
بموجب الدستور المصري، تتمتع المرأة بحقوق متساوية في العمل دون تمييز. ويضمن قانون الخدمة المدنية الصادر عام 2016، خمسة عشر حقًّا للمرأة، وقد مثلت هذه الحقوق مكتسبات جادة وحقيقية للمرأة المصرية، كان من بينها: حق شغل الوظائف العامة، وتقلد المناصب القيادية، فضلًا عن تخفيض عدد ساعات العمل اليومية في بعض الحالات، والحصول على إجازة وضع لمدة 4 أشهر، وهي مواد إيجابية تستوجب الإشادة. هذا على صعيد القطاع الحكومي، أما في القطاع الخاص فتضمّن مشروع قانون العمل الجديد المقدم من الحكومة والمعروض أمام البرلمان، ضمانات لحماية المرأة العاملة؛ حيث شمل القانون فصلًا كاملًا تحت عنوان “تشغيل النساء” لا تختلف مواده عن مواد قانون الخدمة المدنية. ورغم ذلك فهناك عدة معوقات تحول دون تمكين المرأة فعليًّا في سوق العمل.
1- الأمية
تحد الأمية والمستوى التعليمي المنخفض من قدرة النساء على الالتحاق بمجالات العمل المختلفة. فبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017، بلغ معدل الأمية للذكور 21.1% مقابل 30.8% للإناث. وأشارت الإحصاءات إلى أن أغلب هذه النسبة من الإناث لا يتاح لهن الحصول على وظيفة في القطاع الرسمي، مما يضطرهن إلى العمل غير الرسمي في ظروف قاسية وأجور منخفضة.
ويُعد التعليم من أهم العوامل التي ترتبط بالتمكين الاقتصادي للمرأة، ومدى انخراطها في سوق العمل. فمن خلال التعليم تكتسب المرأة المهارات والقدرات التي تسمح لها بالمشاركة في سوق العمل والإنتاج، وبالتالي الحصول على دخل مناسب، وإمكانية ممارسة حقها في اتخاذ القرارات التي تمس حياتها وحياة أسرتها.
2- الإنجاب ومتطلبات الأسرة
أظهرت نتائج المسح التتبعي لسوق العمل المصري لعام 2018، أن الإنجاب يأتي كمحدد رئيسي لإمكانية تشغيل المرأة، حيث تقل احتمالات تشغيلها إذا كان لديها أطفال، وذلك لأنه في أغلب الأحيان لا تتوفر خدمات رعاية للأطفال في الفئات المنخفضة والمتوسطة الدخل. وحتى بالنسبة لمن يستطعن تحمل نفقات هذه الخدمات فإن الخيارات المتاحة تصبح محدودة ولا تتماشى مع ساعات العمل، ولا تتوافر فيها فرص الحصول على الرعاية للأطفال دون الثالثة من العمر.
فوفقًا لتعداد السكان في مصر 2017، بلغ عدد الأطفال دون السادسة ما يقرب من 15,4 مليون طفل. في حين كشفت الدكتورة “غادة والي” أن عدد دور الحضانة المرخصة من سن يوم إلى أربع سنوات حوالي 14500 حضانة فقط موزعة على أنحاء الجمهورية المختلفة مما يعكس حجم الفجوة بين عدد الحضانات الرسمية الخاضعة لرقابه الدولة وبين مجمل عدد الأطفال.
3- تدني أجور المرأة العاملة
أظهرت نتائج مسوح القوى العاملة في فترة السنوات من 2010 إلى 2016، أن متوسط الأجر الأسبوعي للذكور يزيد عن الإناث في القطاع الخاص. وقد أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في هذا الصدد، إلى انخفاض متوسط الأجر النقدي الأسبوعي للإناث وفقًا للمهن مقارنة بالذكور. على سبيل المثال، يفوق متوسط رواتب الذكور على الإناث، في مستوى القطاعين العام والخاص، حيث سجل المتوسط العام للأجر الشهري للذكور 4480 جنيهًا، بواقع 1120 جنيهًا في الأسبوع، مقابل 4088 جنيهًا متوسط الراتب الشهري للإناث، بواقع 1022 جنيهًا في الأسبوع وذلك خلال عام 2018. وقد سجلت تلك الأجور الشهرية في عام 2017 متوسط 4252 جنيهًا للذكور، و3940 جنيهًا للإناث.
يوضح الشكل السابق تباين معدل تفاوت الأجور بين الجنسين برغم المكاسب التي حققتها المرأة المصرية على كافة المستويات خلال السنوات الماضية. ولهذا التفاوت تداعياته السلبية، لا سيما فيما يتعلق برواتب التقاعد الخاصة بالنساء، وبالتالي تكون النساء الأكبر سنًّا أكثر عرضة لمواجهة الفقر.
4- الثقافة والأعراف
تلعب الثقافة بما فيها التقاليد الموروثة والأعراف الاجتماعية دورًا أساسيًّا في مساهمة المرأة في سوق العمل، حيث تعتقد نسبة كبيرة من المجتمع عدم أحقية المرأة في الحصول على وظيفة ملائمة لأن وظيفتها الأساسية تكمن في رعاية المنزل والأسرة، وحتى إذا لزم الأمر لخروج المرأة للعمل لاعتبارات معيشية فحينها يجب أن تكون الأولوية في التشغيل للرجال وليس للكفاءة إذا ما كانت الوظائف شحيحة.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الاتجاه لا يقتصر على مصر فقط، فقد أكد المسح الدولي التابع لمنظمة “بروموندو”، وهي منظمة تهتم بإرساء قيم المساواة وعدم التمييز بين الجنسين ومناهضة العنف ضد المرأة، بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2018، بشأن المساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن ثلاثة أرباع الرجال والنساء الذين شملهم المسح في لبنان والمغرب وفلسطين وكذلك مصر يؤيدون أولوية تشغيل الرجال على النساء.
في ضوء ما سبق، فإن المشاركة الفعّالة في جميع مجالات سوق العمل ومستويات صنع القرار، يُعد مطلبًا أساسيًّا لتحقيق المساواة والتنمية. فعلى الرغم من التقدم الملموس الذي تم إحرازه لزيادة معدل تمكين النساء، إلا أنه يمكن بذل المزيد في سبيل انخراطهن بسوق العمل، وذلك من خلال الآليات التالية:
1- إنتاج ونشر بيانات مصنفة حسب النوع بانتظام ومتابعة تمكين المرأة من خلال توثيق مشاركتها في الحكومة والقطاع الخاص.
2- زيادة معدلات التحاق الإناث بالتعليم، بما فيه الجامعي، وبما يتلاءم مع المجالات التي من شأنها تنمية مهاراتهنّ بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل.
3- أن تعمل الحكومة على زيادة التمثيل المناسب للمرأة في مجالس إدارة الشركات المملوكة للدولة والمؤسسات العامة.
4- دراسة تطبيق ترتيبات العمل من المنزل وساعات العمل المرنة في القطاعين العام والخاص بما يُساهم في مشاركة المزيد من النساء في سوق العمل، على غرار تجربة العديد من الدول ومن بينها دول الاتحاد الأوروبي واليابان.
5- تفعيل المواد القانونية التي تُلزم المنشآت الحكومية والخاصة بتوفير حضانات لأبناء العاملين والعاملات.