تبين الدلائل وجود انعطافة إنسانية قوية في السياسة الخارجية المصرية، وذلك في ظل تحديات التنمية غير المسبوقة والكوارث الطبيعية والأزمات التي يمر بها العالم، ومنها تفشي فيروس كورونا. إذ تقوم الدبلوماسية المصرية بالتأكيد على تمسكها بمبادئ وقيم الإنسانية والتضامن بين الشعوب، وذلك من خلال تكثيف تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، والتي أصبحت ملمحًا مهمًّا للسياسة الخارجية المصرية مؤخرًا.
الصندوق المصري للمعونة الفنية
تبلورت المبادرة الأولى لخلق إطار مؤسسي مصري مسئول عن تقديم المساعدات الإنمائية في عام 1980، وذلك بناء على اقتراح تقدم به الدكتور “بطرس بطرس غالي”، وزير الدولة للشئون الخارجية آنذاك، إلى الرئيس الراحل “أنور السادات”، بإنشاء “الصندوق المصري للمعونة الفنية لإفريقيا” تحت إشراف وزارة الخارجية المصرية.
وقد عمل هذا الصندوق بهدف مساعدة الدول الإفريقية على تحقيق التنمية، عبر برامج التعاون الفني والبرامج التدريبية، ونجح بالفعل في تخصيص ملايين الدولارات لتدريب فنيين ومهنيين أفارقة في مجالات عديدة، وتوفير المنح الدراسية في الجامعات، وإرسال الخبراء المصريين إلى دول إفريقيا المختلفة لتقديم المساعدة الفنية لمشاريع التنمية. وقد أوفد الصندوق منذ نشـأته في عام 1980 وحتى عام 2013 نحو 8500 خبير للدول الإفريقية في المجالات المختلفة. كما قام بتدريب نحو عشرة آلاف من الكوادر الإفريقية في مصر، إلى جانب نشاطه في تقديم المنح المالية والمساعدات الإنسانية وإيفاد العديد من القوافل الطبية.
وفي أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، ظهرت رابطة الدول المستقلة، وهي منظمة مكونة من جمهوريات سوفيتية سابقة. وقد حرصت مصر على تعزيز التعاون مع هذه الدول من خلال إنشاء “صندوق التعاون الفني المصري مع جمهوريات الكومنولث والجمهوريات الإسلامية المستقلة حديثًا” في عام 1992. وقد نظم الصندوق العديد من التدريبات المختلفة، وعقد الدورات في مجالات: السياحة، والثقافة، واللغة العربية، والهجرة، والصناعات الطبية للعديد من بلدان رابطة الدول المستقلة.
وفي عام 2013، أُنشئت “الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية”، بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 959، حيث أُدمج بها الصندوقان السابقان. وقد تبعت الوكالة وزير الخارجية، ومقرها مدينة القاهرة.
وتختص الوكالة، حسب قرار الإنشاء، بتقديم المعونة الفنية للدول الإفريقية والإسلامية، خاصة المعونة المتعلقة بتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير البنية الأساسية، وبناء القدرات، وتنمية الموارد البشرية والتدريب. كما تقدم الوكالة العون اللازم لمساعدة تلك الدول في مواجهة ما يقع من كوارث للحد من آثارها، وتقديم معونات إنسانية عاجلة في حالات الطوارئ. وتعمل أيضًا على تعزيز التعاون المباشر بين الدول النامية والمتقدمة ومختلف أجهزة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية بحيث يصبح مكونا التعاون (جنوب/ جنوب) والتعاون الثلاثي عنصرين أصليين لعمل الوكالة بشقيه المانح والمتلقي.
وترسيخًا لمبدأ التضامن ومساعدة الأشقاء في مواجهة الظروف الطارئة التي تشهدها بعض الدول القارة خلال عام 2019، سواء مواجهة السيول والفيضانات أو مكافحة الأمراض وتوفير الرعاية الطبية؛ قامت الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بتقديم 25 شحنة مساعدات إلى 14 دولة إفريقية شملت مساعدات غذائية وأدوية مستلزمات طبية وكذا مساعدات لوجيستية.
جدول رقم (1): أنشطة الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية خلال الفترة من 1/1/2019 حتى 31/12/2019
البند | العدد |
دورات تدريبية | 77 |
المتدربون | 2250 |
دول المتدربين | 44 |
شحنات المعونات اللوجيستية والإنسانية | 10 |
شحنات المعونات الطبية والدوائية | 15 |
المصدر: تقرير: “أبرز إنجازات الدبلوماسية المصرية خلال عام 2019 وأهدافها خلال عام 2020″، الهيئة العامة للاستعلامات، 30 ديسمبر 2019.
وتقوم القوات المسلحة المصرية أيضًا من خلال إداراتها التخصصية بإرسال الشحنات الإغاثية العاجلة للدول الصديقة، وذلك في ضوء توجيهات رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث تمد القوات المسلحة المصرية يد العون عند وقوع النكبات والكوارث. وبالإضافة إلى ذلك، فقد وجه الرئيس “عبدالفتاح السيسي” بسرعة إرسال مساعدات عينية طبية بقيمة ٤ ملايين دولار إلى ٣٠ دولة إفريقية لمساعدتها في جهودها لاحتواء التحديات الناجمة عن انتشار جائحة كورونا، وذلك في إطار مساهمة مصر في الصندوق الإفريقي للاستجابة لجائحة «كوفيد ١٩» التابع للاتحاد الإفريقي.
وتقوم وزارة الخارجية بتنسيق التعاون في هذا الشأن مع عدد من الوزارات والجهات المصرية المعنية، بما في ذلك هيئة الشراء الموحد للمستلزمات الطبية، ووزارتا الطيران المدني والمالية، وشركة مصر للطيران، وذلك للإعداد لإرسال المساعدات الطبية إلى الدول الإفريقية الشقيقة، والتي بلغت كل شحنة منها في حدود واحد ونصف طن لكل دولة إفريقية.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم بالفعل توجيه الدفعة الأولى من المساعدات في هذا الإطار إلى ١٠ دول إفريقية، ومن المنتظر عقب استكمال إجراءات الشحن أن ترسل الدفعة الثانية لـ٢٠ دولة أخرى خلال الفترة المقبلة.
الآليات المصرية غير الحكومية لإدارة المساعدة الإنسانية
يعتبر الهلال الأحمر المصري الذي تأسس في عام 1911 كمنظمة غير حكومية تؤدي أنشطتها في إطار مبادئ الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، من أهم المؤسسات المصرية غير الحكومية في مجال المساعدة الإنسانية. فمنذ إنشائه، لعب الهلال الأحمر المصري دورًا إنسانيًّا مهمًّا في مصر وخارجها، حيث يمد الهلال الأحمر المصري يد العون لدول العالم عند وقوع النكبات والكوارث، ويساعد الشعوب المنكوبة في حدود إمكاناته، وذلك بالتعاون مع الجمعية الوطنية المناظرة في البلد التي تعاني من الكارثة وبالتعاون مع بعض المنظمات الدولية ووزارتي الصحة والسكان والتضامن الاجتماعي في الداخل.
وخلال السنوات العشر الماضية، قدم الهلال الأحمر المصري معونات إنسانية لإغاثة الشعوب التي عانت من كوارث في أكثر من أربعين دولة حول العالم. كما أقام منشآت خدمية في العديد من المواقع لخدمة متضرري الكوارث. ومؤخرًا، قام الهلال الأحمر المصري بإرسال شحنات من الدعم إلى دولة فلسطين متضمنًا مجموعة من الأدوات والمستلزمات الطبية إلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
ظهر أيضًا مؤخرًا أثناء تسيير القوات المسلحة رحلات الجسر الجوي المصري والمساعدات العاجلة لجمهورية لبنان لمواجهة تداعيات انفجار مرفأ بيروت، أن مؤسستي الأزهر الشريف والكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد بعثتا برسالة تضامن للعالم تؤكد تماسك ووحدة المصريين حكومة وشعبًا تجاه الأشقاء العرب.
ومن الجهات الفاعلة أيضًا لجنة مصر العطاء بالنقابة العامة لأطباء مصر، المعروفة سابقًا باسم “لجنة الإغاثة الإنسانية”، وهي من الجهات المصرية غير الحكومية التي تقدم المساعدات الإنسانية. وأبرز ما قدمته خلال السنوات الماضية قوافلها الطبية التي كانت توفدها إلى سوريا ومخيمات اللاجئين على حدود لبنان.
***
تعزز مصر من خلال تكثيف مساعداتها الإنسانية دورها الريادي في المنطقة، من خلال بناء جسور الثقة بينها وبين شركائها، وخاصة في إفريقيا، وهو ما يدحض ما يروجه البعض في الآونة الأخيرة من أن مصر تقف عائقًا ضد مصالح وتنمية دول الجوار. ومن خلال الممارسة، تكونت في مصر شبكة من المؤسسات المشاركة في عمليات تقديم الإغاثات الإنسانية، داخل أجهزة الحكومة، وفي المجتمع المدني، بالإضافة إلى التبرعات التي يقدمها القطاع الخاص، الأمر الذي يشير إلى اتجاه مصر للقيام بدور نشط في هذا المجال في المرحلة المقبلة.