بدأت صناعة الحوسبة السحابية في التبلور في مصر خاصة مع افتتاح مركز البيانات الحكومية والحوسبة السحابية، الأول من نوعه في مصر والقارة الأفريقية، وكذلك إطلاق عملاق التكنولوجيا الصيني “هواوي” أول منطقة سحابية في مصر وشمال أفريقيا “Cairo Region” خلال الشهر ذاته لتقديم خدمات الحوسبة للمنطقة من مصر.
ما الحوسبة السحابية؟
الحوسبة السحابية هي أحد الحلول التكنولوجية المعنية بتوفير خدمات الحوسبة وتخزين البيانات والتطبيقات عبر الإنترنت بدلًا من تخزين البيانات والتشغيل على جهاز الكمبيوتر المحلي؛ حيث يتم تخزين البيانات وتشغيل التطبيقات على خوادم بعيدة في مراكز البيانات التي تديرها الشركات التي تعمل في مجال الحوسبة السحابية.
المميزات التي توفرها الحوسبة السحابية
** الوصول عبر الإنترنت: يمكن الوصول إلى الموارد السحابية والبيانات من أي مكان في العالم باستخدام اتصال بالإنترنت.
** المرونة والتوسيع: يمكن إضافة أو إزالة موارد الحوسبة السحابية حسب الحاجة.
** قلة التكلفة: يمكن تقليل تكاليف الحوسبة بشكل كبير من خلال عدم الحاجة لشراء وصيانة البنية التحتية المادية.
** تتوفر خدمات نسخ احتياطي وإصلاح للبيانات وخوادم متعددة لضمان الوصول والأمان.
** الحوسبة السحابية تمكن الشركات والأفراد من الوصول إلى الموارد الحاسوبية وتخزين البيانات بطريقة مرنة وفعالة من حيث التكلفة.
** الاستفادة من شبكة ضخمة للبيانات والمعلومات التي تتيح بيانات من جميع أنحاء العالم والتي بدأ بعضها بتوظيف خدمات الذكاء الاصطناعي لمزيد من السهولة والاستفادة.
مركز مصر الرائد للحوسبة السحابية
في خطوة مهمة نحو تعزيز البنية التحتية الرقمية لمصر، أعلنت مصر عن افتتاح مركز البيانات الحكومية والحوسبة الأول من نوعه، والذي يقع على طريق العين السخنة. يمتد المركز على مساحة تقرب من ٢٣،٥٠٠ متر مربع مع تخصيص ١٠،٠٠٠ متر مربع للبناء الفوري، وترك مساحة كافية للتوسعات المستقبلية، بهدف إحداث ثورة في المشهد الرقمي للبلاد.
يُعنى المركز بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين المصريين، بما يتماشى مع الاستراتيجية الرقمية الشاملة لمصر، والتي تركز على تيسير خدمات المواطنين، وتمكين الشباب للتنافسية العالمية، وتعزيز الابتكار داخل البلاد في إطار استراتيجية مصر الرقمية التي تركز على ثلاثة محاور رئيسية؛ التحول الرقمي، وبناء القدرات، ودعم الابتكار الرقمي، وهي الأهداف التي تعد القوة الدافعة وراء دمج التقنيات المتطورة، مثل الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة، في القطاع الحكومي أيضًا.
ووفق تصريحات وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري المهندس عمرو طلعت، فإن مصر قد حققت إنجازات لافتة للنظر في مجال التحول الرقمي خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي ساهم كثيرًا في إنشاء هذا المركز. فقد تم استكمال البنية التحتية المعلوماتية المصرية في عام 2020، وربط عدد كبير من قواعد البيانات الحكومية، ثم إطلاق منصة مصر الرقمية في عام 2022، مما يُعد شاهدًا على التزام البلاد بالتحديث. وقد حظيت هذه المنصة، التي تقدم مجموعة متنامية من الخدمات الحكومية، باهتمام كبير، حيث سجّل ملايين المواطنين وتمت معالجة ملايين الطلبات.
كما أسفرت استثمارات مصر في البنية التحتية الرقمية عن تضاعف سرعة الإنترنت الثابت بمقدار ١١ مرة منذ عام ٢٠١٨ وبرزت مصر كرائدة في أفريقيا فيما يتعلق بسرعة الإنترنت الثابت، وحققت تقدمًا ملحوظًا في تحسين بنيتها التحتية للشبكات المحمولة بالإضافة إلى التقدم الملموس في الاتصال، حققت مصر إنجازات كبيرة في جاهزية الذكاء الاصطناعي، حيث تقدمت 50 مركزًا في مؤشر جاهزية الحكومة. وتؤكد هذه الإنجازات النمو القوي لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر، والذي أصبح القطاع الأسرع نموًا في الاقتصاد المصري، مع إحداث صادرات هذا القطاع نقلة نوعية ملحوظة.
حجم صناعة الحوسبة السحابية عالميًا
حسب التقديرات، بلغ حجم سوق الحوسبة السحابية العالمية ٦٠٢،٣ مليار دولار في عام ٢٠٢٣، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل بنمو سنوي مركب (CAGR) ٢١.٢٪ من عام ٢٠٢٤ حتى عام ٢٠٣٠ مع توقعات بنمو أكبر، حيث إن الانتقال إلى السحابة يمكن الشركات والمؤسسات من تبسيط العمليات، وتحسين المرونة، وإطلاق مستويات جديدة من الكفاءة. وهذا يترجم إلى مكاسب أداء كبيرة.
قدرت “موردور انتليجنس” Mordor Intelligence، واحدة من كبرى مؤسسات أبحاث السوق والأعمال ومقرها الهند، سوق الحوسبة السحابية عالميًا في ٢٠٢٤ عند ٦٨٠ مليار دولار متوقعة أن يقفز هذا الرقم إلى ١.٤ تريليون دولار بحلول ٢٠٢٩ بنسبة نمو تفوق ١٦٪.
الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط وأفريقيا
قدرت مؤسسة Markets and Markets المعنية بأبحاث السوق والأعمال حجم سوق الحوسبة السحابية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بنحو ٢١.١ مليار دولار في ٢٠٢٣ متوقعة أن ينمو بمعدل ١٨.٦٪ بحلول عام ٢٠٢٨ ليصل إلى ٤٩.٥ مليار دولار مع توظيف أكبر لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وحددت المؤسسة في أحدث تقاريرها سوق الحوسبة السحابية في المنطقة كالتالي:
** المدن الذكية والتبني المتنامي لحلول الحوسبة السحابية بين الشركات الصغيرة والمتوسطة من المتوقع أن يسهم في نمو قوي للحوسبة السحابة في المنطقة.
** الحلول والخدمات التي تقدمها الحوسبة السحابية من المتوقع أن تشهد طفرة وزيادة كبيرة في الطلب خلال السنوات المقبلة نظرًا للمميزات العديدة التي تتيحها.
** عقد شراكات بين مزودي الخدمة العالميين والمحليين وكذلك مع مراكز البيانات الجديدة في المنطقة تدعم بقوة سوق الحوسبة السحابية.
** نشاط الاندماجات والاستحواذات سيقدم فرصًا مثمرة للاعبين الرئيسيين في سوق الحوسبة السحابية خلال السنوات الخمس المقبلة.
** مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة توفر فرصًا ضخمة للنمو خلال السنوات المقبلة نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل الذي تشهده هذه الأسواق والطلب المتزايد على الحلول التكنولوجية وخدمات الحوسبة السحابية.
توفر حلول وخدمات الحوسبة السحابية فرصًا واعدة لنمو الشركات والأعمال خاصة مع توظيف الحلول التكنولوجية الجدية كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء “internet of things (IOT)” وكذلك التعلم عبر الآلة “Machine Learning (ML)” حيث توفر منصات الحوسبة البنية الأساسية والأدوات اللازمة للشركات وأصحاب الأعمال التي تمكنهم من الوصول لكم ضخم من البيانات والتحليلات المتعمقة لأعمالهم والتعرض للتجارب المختلفة حول العالم؛ مما يدعم عملية اتخاذ القرار المبنية على المعلومات data-driven decision making ويعظم من الميزة التنافسية للشركات والمؤسسات سواء في القطاع الخاص أو الحكومي.
المجلس الأعلى للمجتمع الرقمي
في أكتوبر ٢٠٢٢، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية قراره رقم ٥١١ لسنة ٢٠٢٢ بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للمجتمع الرقمي برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من محافظ البنك المركزي المصري، والقائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، ووزير الداخلية، ووزير العدل، ووزير المالية، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (مقررًا)، ووزير التخطيط والتنمية الاقتصادية، ورئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية.
إعادة تشكيل المجلس بهذه الكيفية يعكس أهميته فضلًا عن التنسيق المطلوب بين كافة الوزارات والجهات الممثلة في عضويته في سبيل التحول الرقمي للمجتمع المصري الذي يعد إحدى ركائز رؤية مصر ٢٠٣٠ التي تأطرت في ضوء التزام مصر بالأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة المحددة من الأمم المتحدة والتي يلتزم العالم بتحقيقها بحلول عام ٢٠٣٠.
ونصت المادة الثانية من القرار الجمهوري على أن المجلس الأعلى للمجتمع الرقمي يختص بإقرار الاستراتيجية القومية لبناء دولة رقمية متكاملة، واعتماد السياسيات والإجراءات والآليات الخاصة بالتغيرات الهيكلية اللازمة لبناء مجتمع رقمي، واعتماد المشروعات الاستراتيجية التي تهدف إلى بناء مجتمع رقمي، وإقرار سياسات تقديم الخدمات الحكومية الرقمية، وإقرار السياسات الهادفة نحو صناعة رقمية قادرة على جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل، والتحقق من كفاية آليات التمويل بما يوفر الموازنات اللازمة لمشروعات التحول الرقمي، واعتماد ما يعرض عليه من نتائج أعمال المكتب التنفيذي والمتضمنة توصيات اللجان الاستشارية.
مقترحات:
بدأت صناعة الحوسبة السحابية في التبلور في السوق المصري مدعومة بإرادة سياسية حقيقية لإحداث طفرة في التحول الرقمي للبلاد، وهي صناعة ذات حجم سوق كبير ستستفيد منه مصر بلا شك وستفيد العالم في سعيها لأن تكون مركزًا لتصدير التكنولوجيا وحلولها للمنطقة والعالم مما يستتبعه الآتي:
** عقد شركات بين مركز البيانات والحوسبة السحابية المنشأ مؤخرًا ومنصات الحوسبة السحابية العالمية لربط السوق المحلي بقواعد البيانات العالمية.
** تقديم خدمات الولوج لهذه المنصات بتكلفة معقولة في البداية لأصحاب الشركات والأعمال خاصة الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتدرج في التكلفة مع تطور نمو الطلب.
** عقد حملات تثقيفية لتوعية أصحاب الأعمال وكذلك متخذو القرار في الجهات الحكومية حول أهمية الحوسبة السحابية والحلول التي توفرها.
** زيادة الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية وحشد تمويلات القطاع الخاص في هذا الصدد وعقد شراكات مع مقدمي الخدمة العالميين.
** ضرورة زيادة الإنفاق على حلول الأمن السيبراني وحمايته نظرًا لمعالجة عدد ضخم وهائل من المعلومات التي تحتاج إلى التأمين المطلوب.