بدأت الاحتجاجات في نيجيريا في السابع من أكتوبر 2020 بتجمع حشود في حي “ليكي” Lekki الشهير بمدينة لاجوس جنوب غرب البلاد، حيث حاصر المحتجون مراكز التسوق ومنازل المسئولين الحكوميين، وفي اليوم التالي خرج أكثر من 10 آلاف شخص إلى شوارع المدينة، وأيضًا في الشتات، للمُطالبة بتفكيك وحدة مُكافحة السرقة الخاصة Special Anti-Robbery Squad المعروفة اختصارًا باسم “سارس” SARS. وقد بدأت المسيرات في الرابع من أكتوبر 2020 بعد ظهور شريط فيديو تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي يوضح ضباطًا من الشرطة، وتحديدًا من وحدة “سارس”، أطلقوا النار وقتلوا شابًا في بلدة أوجيلي الجنوبية بولاية الدلتا. وفي الحادي عشر من أكتوبر 2020 تم حل وحدة “سارس” وإعادة تسميتها بفريق الأسلحة والتكتيكات الخاصة، لكن الاحتجاجات استمرت مع مُطالبة المتظاهرين بإصلاحات أوسع في تطبيق القانون، والتعبير عن غضبهم من وحشية الشرطة.
ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، شهد العشرون من أكتوبر 2020 الاشتباكات الأكثر دموية بين الشرطة والمحتجين، والتي أسفرت عن قتل 12 شخصًا على الأقل في لاجوس فيما عُرف بـ”الثلاثاء الأسود”، ونفى الجيش والشرطة تورطهما، واستمرت الاحتجاجات بعد فرض الحكومة حظر التجول في جميع أنحاء البلاد. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر 2020 كافحت السلطات النيجيرية لوقف أعمال النهب، ولكن تحدت الحشود أوامر حظر التجول لنهب المستودعات الحكومية، وأثارت موجة من الاضطرابات، حيث أمر قائد الشرطة “محمد أدامو” بالتعبئة الفورية لجميع الأصول التشغيلية وموارد الشرطة للحد من الاضطرابات والفوضى.
هذا الوضع يُدخل نيجيريا في واحدة من أسوأ أزماتها الداخلية في السنوات الأخيرة، والتي تأتي في وقت يعاني فيه جهاز الأمن من تحديات كبرى تتعلق بمكافحة الإرهاب في ولايات الشمال الشرقي بعد أن أصبحت التنظيمات الإرهابية أكثر قدرة على استهداف تمركزات قوات مكافحة الإرهاب في الشهور الأخيرة. كما تحمل هذه الأزمة بُعدًا سياسيًّا واضحًا يرتبط بالأثر المحدود للإصلاحات التي أطلقها الرئيس “محمد بخاري” منذ توليه السلطة.
عوامل مُحفّزة للحركة الاحتجاجية
إضافةً إلى حالة انعدام الأمن وانتشار الجرائم والعنف في أجزاء كبيرة من نيجيريا، فإن هناك مجموعة من العوامل المختلفة كانت بمثابة مُقدمة لهذه الاحتجاجات. وقد تمثلت هذه العوامل في:
– تاريخ وحدة “سارس” الحافل بالانتهاكات والتجاوزات: تُعد وحدة “سارس” أحد فروع قوة الشرطة النيجيرية التي يشمل أسلوب عملها مزيجًا من ضباط الشرطة بالزي الرسمي وآخرين بملابس مدنية، وقد تم إنشاء وحدة “سارس” عام 1992 كوحدة مُتخصصة في قوة الشرطة النيجيرية بسبب القلق الشديد من عمليات السطو المُسلح والجرائم الأخرى، وتم بعد ذلك توسيع نطاق صلاحياتها لتشمل التحقيق والملاحقة القضائية في جرائم السطو المُسلح والقتل والاختطاف وغيرها من جرائم العنف، وبفضل تلك الصلاحيات الموكلة للوحدة اتُّهمت بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وعمليات قتل خارج نطاق القضاء.
– التحديات الأمنية المتعددة في نيجيريا: حيث تشهد الأجهزة الأمنية في نيجيريا حالة من التراجع أدت إلى تدهور الوضع الأمني في مختلف أنحاء البلاد، خاصة في الشمال الشرقي، كما تفاقمت ممارسات العنف الاجتماعي لدى العديد من النيجيريين بسبب مستوى الفقر الذي بلغ ذروته خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظل التداعيات الاقتصادية المعقدة لأزمة انتشار فيروس كورونا.
– تأثير المتغير الدولي: تأتي الاحتجاجات في نيجيريا في وقت تم فيه تحفيز المواطنين بالتحرك ضد وحشية الشرطة أسوة بما شهده العام الجاري من احتجاجات واسعة النطاق في الولايات المتحدة بعد مقتل “جورج فلويد”، واندلاع احتجاجات في كينيا، وارتفاع عمليات القتل على أيدي الشرطة. وفي زيمبابوي، استخدم المتظاهرون هاشتاج ZimbabweanLivesMatter احتجاجًا على استخدام القوة المفرط وأساليب التعذيب من قبل المسئولين الأمنيين. كما ساهم تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في يونيو 2020 في توثيق 82 حالة قتل خارج نطاق القضاء على أيدي ضباط وحدة “سارس” خلال الفترة من يناير 2017 حتى مايو 2020، وهو ما أعطى الاحتجاجات زخمًا إضافيًّا.
مسار متصاعد ومطالب متعددة
ظهرت حركة “إنهاء سارس” End SARS لأول مرة عام 2017، عندما أثار عددٌ من الحوادث البارزة لعنف الشرطة نقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة والمجال العام في نيجيريا، لكن الغضب الأخير عبر الإنترنت تحول إلى حركة كبرى، واكتسبت حركة End SARS رواجًا على مستوى إقليمي وعالمي، حيث نظم النيجيريون في الشتات مسيرات احتجاجية، وبالإضافة إلى ذلك أثارت الاحتجاجات مستوى متجددًا من الوعي السياسي بين الشباب النيجيري داخل البلاد.
وقد ازدهرت الحركة بسبب التنظيم الرقمي على مواقع التواصل الاجتماعي “توتير”، وإنشاء موقع ويب للأفراد لمُشاركة تجاربهم على أيدي ضباط وحدة “سارس”، واستخدم منظمو الحركة ومؤيدوها أدوات التمويل الجماعي لجمع الأموال من أجل الغذاء والرعاية الطبية والأمن المهني أثناء الاحتجاجات، وتمكنوا من تقديم هذه الخدمات على الرغم من تجميد البنك المركزي النيجيري الحساب المصرفي لبعض تنظيمات المجتمع المدني الداعمة للاحتجاجات، مما أجبر التحالف على جمع التبرعات من خلال عملة البيتكوين.
ومنذ أكتوبر 2020، انتهجت الحركة نهجًا تصعيديًّا، حيث بدأت الاحتجاجات كحركة سلمية قادها شباب بارعون في التكنولوجيا واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الاهتمام العالمي، وبعد أسابيع من الاحتجاجات، عانت نيجيريا من دمار واسع النطاق، حيث اتخذت الاحتجاجات مُنعطفًا مميتًا بعد فتح الجنود النار، وتجاوزت مطالب الشباب لحل وحدة “سارس” إلى اشتباكات دامية في عدة مدن نيجيرية كبرى. وفي المرحلة التالية ظهرت العديد من حالات نهب وسرقة لمراكز التسوق ومخازن الأغذية الحكومية في العديد من المدن، بما في ذلك العاصمة الفيدرالية “أبوجا”، حيث تجمعت الجماهير النيجيرية في المدن الكبرى، وذهبت بشكل جماعي إلى مستودعات تخزين أدوية (كوفيد-19)، ومحلات السوبر ماركت والمتاجر الخاصة ومراكز التسوق والأحياء الحكومية. وتبنت حركة “إنهاء سارس” عددًا من المطالب الأساسية، تضمّنت:
– إجراء تحقيقات مُستقلة: فلإنهاء إفلات الشرطة من العقاب، يتعين على الحكومة إنشاء هيئة مُستقلة تتمتع بصلاحية التحقيق والإبلاغ عن الجرائم التي ترتكبها الشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية، بما في ذلك الابتزاز والاحتجاز غير القانوني والفساد.
– الإصلاح الشامل للقطاع الأمني: بسبب ضعف الأجور وسوء ظروف الخدمة بشكل عام، تواجه الشرطة في نيجيريا تحديات خطيرة، مثل: ضعف التمويل، ونقص الموظفين والوحدات السكنية والمكاتب المتداعية، وسوء المعدات والمركبات، ونقص هياكل الصيانة، ولن يكتمل إصلاح الشرطة دون مُواجهة هذه التحديات.
– الارتقاء بمستوى الأمن العام: في ظل انتظار إصلاح البنية الأمنية في نيجيريا، ولا سيما العلاقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية، يتوجب إعادة تدريب الأجهزة الأمنية على قضايا حماية المواطن وحقوق الإنسان، ووقف ممارسات الشرطة التعسفية، وضمان العدالة للضحايا وإنفاذ القانون.
استجابة حكومية محدودة
وقّع الرئيس النيجيري “محمد بخاري” في السادس عشر من سبتمبر 2020 قانون الشرطة الجديد الذي تضمن عدة أحكام تهدف إلى بناء قوة شرطة أكثر احترافية وفعالية مدعومة بإطار تمويلي مُناسب لتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة في إدارة مواردها وعملياتها، وتشجيع شراكة أوثق بين المواطنين والشرطة في مُكافحة الجريمة؛ إلا أن الوقت الطويل الذي تستغرقه إجراءات إقرار القانون ودخوله حيز النفاذ عجلت بخروج الحركة الاحتجاجية في أكتوبر.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات قامت الحكومة النيجيرية بمحاولات عديدة لاحتواء وتهدئة الاحتجاجات، وأطلقت الحكومة نهجًا ذا شقين؛ أولًا حل وحدة “سارس”، وثانيًا التعهد بالتحقيق في جرائمها، مع التحذير من عدم التسامح مع المزيد من المظاهرات. ففي بداية الأزمة، شدد الرئيس “محمد بخاري” على اعتقاده بأن المظاهرات تم اختراقها من قِبل عناصر تخريبية لإثارة المتاعب للحكومة، وفي الثاني والعشرين من أكتوبر 2020 وجه الرئيس النيجيري “بخاري” انتقادات شديدة لعدم ذكر عمليات القتل التي وقعت، مع تحذير “بخاري” المواطنين من تقويض الأمن القومي.
لكن مع تصاعد الاحتجاجات كلفت الحكومة الفيدرالية الولايات الـ36 بتشكيل لجان تحقيق بشأن الشكاوى العامة المُتعلقة بوحدة “سارس”، والتي افتتحها بالفعل عدد من الولايات، كما دعا المجلس الاقتصادي الوطني النيجيري بقيادة نائب الرئيس إلى إنشاء لجنة قضائية للتحقيق في وحشية الشرطة تتألف من جهات حكومية وغير حكومية، لكن المتظاهرين لم يقتنعوا بذلك، وهم يصرون على ضرورة وضع معايير جديدة وخطة تنفيذ للمطالب والإصلاحات المُقترحة.
وختامًا، حظيت الاحتجاجات في نيجيريا بتأييد شعبي واسع النطاق، في حين أن الاحتجاجات تتعلق في المقام الأول بمخالفات الشرطة والإفلات من العقاب؛ إلا أنها عكست استياءً عامًّا غير مُسبوق من سوء الإدارة وانعدام الأمن، والتفاوت الشديد في الدخل بين المواطنين. وهذا الوضع يُلزم الحكومة في نيجيريا حال سعيها لاحتواء الأزمة وتجنب تكراراها باتخاذ إجراءات عاجلة، لمُعالجة أوجه القصور في نظام الشرطة لإعادة بناء الثقة مرةً أخرى بين قطاع الأمن والمواطنين، خاصة في ظل التحديات الصعبة التي تواجهها البلاد على المستوى الأمني منذ أكثر من عقد.