في الثلاثين من نوفمبر 2020، ترأس رئيس دولة موريتانيا “محمد ولد الشيخ الغزواني”، الرئيس الحالي لمجموعة دول الساحل الخمس ((G5، مع رئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشيل”، اجتماعًا عبر تقنية الفيديو كونفراس، بمُشاركة كلٍ من رؤساء الدول الأعضاء في مجموعة الساحل الخمس، والأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسي فكي”، و”جوزيف بوريل” الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، وذلك بهدف مُناقشة دعم الاتحاد الأوروبي للتحالف من أجل الساحل من خلال مُراجعة استراتيجية الاتحاد الأوروبي الخاصة بالساحل الإفريقي، ومُكافحة الإرهاب، وتعزيز القدرات الأمنية والدفاعية لدول الساحل الخمس (FDS) لاستعادة وجود الدولة والخدمات الأساسية في المناطق الهشة في جميع أنحاء الإقليم، وزيادة جهود التنمية، وتخفيف عبء الديون في ضوء التحديات التي تواجهها دول الساحل الخمس، وتحديدًا الانعكاسات السلبية لجائحة “كورونا”، ومُتابعة القرارات والالتزامات الواردة في إعلان 28 إبريل 2020.
التحالف من أجل الساحل
في الثالث عشر من يناير 2020 تم الإعلان عن التحالف من أجل الساحل في قمة “باو” الفرنسية من قِبل رؤساء دول فرنسا وبوركينافاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، التي تمحورت حول أربع ركائز: مُكافحة الإرهاب، وتعزيز قدرات قوات الدفاع والأمن لبلدان الساحل الخمس، وعودة الدولة إلى مناطق الأزمات، والمساعدة الإنمائية. ومن أهم النتائج المحرزة من هذا التحالف إنشاء آلية القيادة المشتركة في مدينة نيامي بالنيجر، وتكثيف العمليات منذ يناير 2020 في منطقة ليبتاكو-جورما في الحدود المشتركة بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، بالإضافة إلى نشر العناصر الأولى من قوة “تاكوبا” للمُشاركة في عملية “بوراسكي” Bourrasque، التي أُجريت مؤخرًا بالاشتراك مع قوة برخان، وقوة الساحل الخمس، وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي “مينوسما”.
وتسمح هذه العمليات بعودة الدولة إلى المناطق الحدودية، وعودة السكان وتأمينهم، وتقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية لهم: المياه، التعليم، والصحة على وجه التحديد، كما سمحت العمليات التي نفذتها قوة برخان، بالتعاون الوثيق مع القوات المُسلحة لمالي والنيجر، بتحييد عشرات الإرهابيين. وفي الثالث من يونيو 2020 استطاعت القوات الفرنسية المنضوية تحت لواء عملية برخان بمُساعدة الاستخبارات الأمريكية قتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي “عبدالمالك دروكدال”.
وعلى الرغم من هذا التقدم، فإن الاضطرابات السياسية في مالي تشير إلى عدم الاستقرار، ومحدودية الاستدامة للجهود الدولية وخاصة جهود الاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل، حيث أعاقت التحديات الأمنية تحقيق إنجازات ملموسة في منع التطرف العنيف، وتعزيز التنمية الشاملة. بالإضافة إلى ذلك تتأثر المنطقة بتغير المناخ والنمو السكاني السريع، كما أدى التنافس حول الوصول إلى سُبل العيش إلى تفاقم المظالم، حيث تكافح الحكومات لتوفير الخدمات الأساسية في جميع أنحاء أراضيها والأمن على حدودها.
ولا يزال الوضع الأمني غير مُستقر رغم التقدم المحرز مؤخرًا في مُكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة، مع وجود أنواع مختلفة من التهديدات السائدة في المنطقة، مثل الجريمة المنظمة والصراعات الإثنية، في ظل مُواصلة الجماعات الإرهابية زعزعة استقرار منطقة الساحل، وتعزيز العنف بين المكونات السكانية المختلفة، حيث لا تزال جماعة “بوكو حرام”، وتنظيم الدولة “داعش” في الصحراء الكبرى تشكل تهديدًا لشمال شرق نيجيريا ولدول حوض بحيرة تشاد. وعلاوةً على ذلك، توسّع الجهاديون في ثلاثة اتجاهات في آن واحد؛ في الجنوب يهددون بنين وغانا وساحل العاج وتوجو، وبالغرب في مالي بالقرب من حدودها مع السنغال كانت هناك سلسلة من الهجمات، وإلى الشرق الجماعات المتمردة في نيجيريا، وعلاوةً على ذلك الملاذ الآمن للجماعات الجهادية في شمال مالي وجنوب ليبيا.
مُعضلة ديون الساحل
أظهر عام 2020 منعطفًا حرجًا لسياسة الاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل، حيث اتضحت إخفاقات سياسة الأمن والدفاع المشتركة الحالية ومُبادرات الدول الأعضاء الأخرى، وسط تدهور الوضع الأمني وزيادة أعداد الضحايا المدنيين، واستمرار التطرف العنيف بكافة أشكاله في عدة مناطق من الساحل الإفريقي، والذي تمكن بنجاح من استغلال تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الإقليم في مد جذور عميقة داخل العديد من المجتمعات المحلية.
هذا الوضع جعل من أولويات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدات إنمائية بالتنسيق مع التحالف من أجل الساحل، والمساعدة على تنفيذ العديد من المهام الأمنية، معظمها في شكل تدريب قوات الأمن، وتوفير المعدات والدعم لمبادرات الأمن الإقليمي، مثل القوة المُشتركة لدول الساحل الخمس. لكن اللافت أن الاجتماع الأخير وضع المشكلة الاقتصادية على رأس جدول أعماله، حيث شهد التوافق على ضرورة تصميم نموذج جديد لتسوية مشكلة الديون ببلدان الساحل، واتخاذ قرارات بشأن تخفيف الديون، والتفكير المُستمر من أجل اقتراح آليات لإعادة تحويل الديون لصالح تنمية بلدان الساحل.
وفي هذا الصدد، التزم المجلس الأوروبي في اجتماعه الذي انعقد خلال الفترة من 15 – 16 أكتوبر 2020 بتخفيف عبء الديون عن بلدان الساحل، والمضيّ قدمًا بشكل مُنسق ضمن الأطر مُتعددة الأطراف ذات الصلة، وقال “شارل ميشيل”، رئيس المجلس الأوروبي، إن إعفاء ديون الساحل جزء من الجهود المبذولة لمساعدتها لمُواجهة جائحة “كورونا”، وتماشيًا مع إعلان إبريل 2020، من خلال دعوة الدول الأجنبية، ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي، لتحسين دعمها لحكومات دول الساحل الخمس من خلال مُبادرات تخفيف الديون. فيما قرر أعضاء المجلس الأوروبي والدول الأعضاء في مجموعة الساحل الخمس، اعتماد إعلان إبريل 2020 من أجل إعادة تأكيد التزامهم المُشترك بأمن واستقرار وتنمية منطقة الساحل. وسيؤدي هذا الالتزام إلى المُشاركة على المستويين الإقليمي والدولي في تعاون وثيق مع الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي والرئيس الحالي للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، الذين يلعبون دورًا حاسمًا لدعم منطقة الساحل.
كما أعلنت المفوضية الأوروبية عن تخصيص مبلغ قدره 112 مليون يورو للمساعدة في تعزيز القدرات الأمنية والدفاعية لدول الساحل الخمس، مع ضمان احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وإعادة تأسيس وجود الدولة والخدمات الأساسية في جميع أنحاء الإقليم، وسيتم حشد وتعبئة 82 مليون يورو إضافية لتكثيف جهود التنمية، والمساعدة في تحسين الظروف المعيشية والقدرة على الصمود والتماسك الاجتماعي، خاصة لدى الفئات الأكثر هشاشة.
الاستراتيجية المُعدلة للاتحاد الأوروبي
استجابةً للعوامل المتعددة المسببة لعدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي، تبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية الأمن والتنمية في الساحل في عام 2011 لتكون أول إطار شامل يهدف إلى ضمان تقارب برامج وأدوات السياسة الخارجية المختلفة نحو أهداف مشتركة، وعلى الرغم من تجديد الاستراتيجية عام 2015 بناءً على الدروس المستفادة، فإن تنفيذها على أرض الواقع كان صعبًا للغاية. فبينما ساهمت الاستراتيجية في إحراز تقدم ملحوظ نحو التكامل والتأقلم، لكن أعاقت التحديات الأمنية تحقيق إنجازات ملموسة في منع التطرف وتعزيز التنمية الشاملة. ومن ثم يخوض الاتحاد الأوروبي حاليًّا مرحلة جديدة لمراجعة استراتيجية الأمن والتنمية، حيث يتعين أن يتم تحويلها لاستراتيجيته لابتكار نهج أكثر فعالية، عبر إعادة ترتيب أولويات في ظل ضرورة الاستثمار في الأمن والتنمية، وينبغي وضع ركيزة سياسية ذات أهداف منقحة ومحددة بالتركيز على إصلاح الحكم في بلدان الساحل.
ويأتي هذا التوجه انطلاقًا من الفكرة الثابتة في دوائر صنع السياسة الأوروبية بأن قادة الساحل هم شركاء يُكافحون حاليًا مع سلسلة من الأزمات، كما صرح “أنجيل لوسادا” الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل، بأن الساحل متشبع بالأزمات، ويجب على دول الاتحاد الأوروبي أن يدعم بلدان الساحل في ظل سعيهم لتحقيق الأمن والاستقرار.
وستتطلب عملية مراجعة الاستراتيجية مُراعاة المصالح الجيوسياسية الجديدة للاتحاد الأوروبي وإفريقيا. ففي الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى إعادة الاتصال بإفريقيا في شراكة إقليمية كاملة، فإن نجاحات وإخفاقات استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل يمكن أن تؤثر على سياسة الاتحاد الأوروبي للتنمية والأمن في القارة برمتها.
وإجمالًا، تُوضح التطورات الأخيرة في منطقة الساحل الإفريقي ضرورة زيادة تركيز الاتحاد الأوروبي على البعد السياسي للصراعات، وينبغي أن يصاحب الجهود الأمنية التزام سياسي قوي من دول المنطقة لتقوية مؤسساتها ونشر الخدمات العامة في المناطق النائية في ظل الشراكة الاستراتيجية بين بلدان الساحل الإفريقي والاتحاد الأوروبي، ودعم الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لهذه الديناميكية مُتعددة الأطراف.
باحث أول بوحدة الدراسات الأفريقية