دعت المستشارة الألمانية ميركل إلى سرعة المفاوضات حول إنشاء مراكز لإيواء اللاجئين بعد أكثر من شهرين على حريق مخيم اللاجئين “موريا” في جزيرة ليسبوس اليونانية، في الوقت الذي ما زال فيه موقف الدول الأوروبية كما هو، وما زالت اليونان حائط السد الرئيسي لأوروبا في مواجهة النازحين من اللاجئين وموجات الهجرة غير الشرعية.
الوضع الراهن في الجزر اليونانية
تستضيف اليونان في الفترة الحالية ما يقرب من 50 ألف لاجئ، معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان وبعض الدول الإفريقية. حوالي 38 ألفًا متواجدون في البر الرئيسي في اليونان، والبقية مقسمون على خمس جزر (ليروس، ساموس، ليسبوس، كوس، خيوس) في بحر إيجه الفاصل بين اليونان وتركيا. وتضم جزيرة ليسبوس النصيب الأكبر من اللاجئين بما يتخطى 10 آلاف لاجئ، علمًا أن المخيم لا يسع في الأصل أكثر من 5000 فقط!
في 9 سبتمبر 2020 اشتعل حريق بمخيم اللاجئين “موريا” لجزيرة ليسبوس في اليونان، والذي يضم ما يزيد على 10 آلاف لاجئ من جنسيات مختلفة. حتى الآن ظهرت روايتان عن الحريق وما تلاه من أزمة تشريد لآلاف اللاجئين، ومن ثم تداعيات ذلك على استقبال الدول الأوروبية ورؤيتهم لما نتج عن الحريق. الرواية الأولى تُرجع الحريق لجماعة من سكان الجزيرة الأصليين الذين لا يرغبون في وجود لاجئين لديهم، على غرار تغذية اليمين المتطرف لخطاب الكراهية للاجئين لا سيما العرب. ويتبنى هذه الرواية منظمات المجتمع المدني المرتبطة بالعمل في ملف اللاجئين ومنظمات حقوق الإنسان العربية أو الأوروبية. الرواية الثانية تتبنى تأويلًا مغايرًا تمامًا يرى أن إشعال الحريق جاء من بعض اللاجئين المقيمين في المخيم نظرًا لطول بقائهم دون الموافقة على طلبات اللجوء وحتى يمكنهم ذلك من الذهاب إلى دولة أوروبية أخرى لديها ظروف اقتصادية أفضل ولديها قابلية لاستيعابهم على أراضيها، وهذه الرواية أقرب للجهات الرسمية بناء على شهود عيان ذكروا للسلطات تلك الواقعة. بعد ذلك شرعت الشرطة اليونانية في نقل اللاجئين إلى مخيم مؤقت في “كاراتيبي” بالقرب من ميناء ميتيليني.
مسببات استمرار الأزمة
يرتبط وضع اللاجئين في اليونان بثلاثة أطر قانونية تنظم العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودوله، ومنها اليونان وتركيا واللاجئون، وهي كالتالي:
1. اتفاق دبلن: تم توقيع اتفاق دبلن في 15 يونيو 1990 بأيرلندا بحضور 12 دولة أوروبية. وهدف الاتفاق تنسيق العمل فيما يتعلق بإجراءات اللجوء: من تحديد الدولة المسئولة عن دراسة طلبات اللجوء، إلى حقوق اللاجئين، والبحث في كيفية منع ظاهرة تعدد طلبات اللجوء المقدمة من نفس الفرد. وتم تعديل الاتفاق مرتين عامي 2003 و2013 وذلك قبل موجة اللاجئين الكبرى في 2015, والتي صادفت وجود حكومة يسارية في اليونان. وفي سبتمبر الماضي أعلنت المفوضية أن الاتحاد بصدد عقد ميثاق جديد للجوء وإلغاء اتفاق دبلن.
2. اتفاقية إعادة توزيع اللاجئين: بموجب هذا الاتفاق –الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2015- كان من المفترض تقسيم اللاجئين الذين عبروا بحر إيجه والبحر المتوسط ووصلوا إلى اليونان وإيطاليا، وبعد ذلك إسبانيا ومالطا، على بقية دول الأوروبية في نظام حصص.
3. اتفاقية اللاجئين مع تركيا: وقّع الاتحاد الأوروبي في مارس 2016 اتفاقًا مع تركيا بموجبه توقف الأخيرة سيل اللاجئين، ويتم البحث في طلبات اللجوء، على أن تحصل تركيا حتى 2022 على حوافز مالية حوالي 6 مليارات يورو، وحتى الآن حصلت على ما يزيد على 5 مليارات منها.
اليونان وملف اللاجئين
حدد الإطار القانوني الحاكم الذي سبق ذكره آلية تعامل اليونان مع ملف اللاجئين، لكن هذه الأطر لم تفعل جيدًا، مما ساهم في تفاقم الأزمة في اليونان. وهناك عوامل أخرى تُضاف لما سبق ساهمت في بقاء الأزمة مشتعلة ومستمرة، ويمكن رصدها كما يلي:
1. التنصل التركي: في البداية ساهم الاتفاق التركي مع الاتحاد الأوروبي في تقليل وتحجيم عبور اللاجئين من تركيا لليونان عبر بحر إيجه، حتى نشبت الخلافات بين الجانبين على إثر انتقاد الاتحاد الأوروبي لسياسات الرئيس أردوغان الداخلية والخارجية، لا سيما فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان، والتدخل في سوريا، وهجومه على الأكراد. على إثر ذلك ابتزّ أردوغان الجانب الأوروبي بورقة اللاجئين، مطالبًا إياهم بدعمه سياسيًّا وماليًّا، مدعيًا أنه أنفق على اللاجئين في المخيمات التركية ما يقارب 40 مليار دولار، في حين أن الاتفاق الأوروبي يغطي فقط 6 مليارات يورو. في المقابل، انقسمت دول الاتحاد حيال الرد على هذا الادعاء، وأعلن الاتحاد أن الرئيس التركي لم ينفق الحوافز المالية على اللاجئين، بل على دعم الموازنة التركية، أو بالأحرى دعم الاقتصاد التركي المتراجع. في ضوء هذا الخلاف والتوتر بين الجانبين، فتح أردوغان في عام 2019 الحدود، مما سمح بعبور حوالي 46 ألف لاجئ عبر بحر إيجه نحو اليونان منفذًا تهديداته.
2. الانقسام الأوروبي: لم تقبل كل الدول الأوروبية نظام الحصص، لاسيما الدول التي لا تربطها حدود بحرية مع تركيا أو دول الصراعات من جنوب المتوسط، وفي مقدمة هذه الدول الرافضة: بريطانيا، وبولندا، وهنغاريا، وسلوفاكيا، والتشيك. فيما بررت السويد والنمسا رفضهما بحجة الامتلاء، وعدم القدرة على قبول أعداد أخرى. ومن الجدير بالذكر هنا تزامن تولي حكومة شعبوية في النمسا مع أزمة اللاجئين. من هنا ظلت اليونان في مقدمة الدول التي تعاني من تدفق اللاجئين، في حين عقدت إيطاليا اتفاقيات أمنية مع دول المنبع والمصدرة مثل ليبيا، فضلًا عن نجاح مصر في مكافحة الهجرة غير الشرعية، مما ساهم في تخفيف العبء عن إيطاليا، التي تولت أيضًا سدة الحكم لديها في مارس 2018 حكومة شعبوية من تحالف حركة خمس نجوم وحزب رابطة الشمال.
3. الأوضاع الاقتصادية: يعاني الاقتصاد اليوناني من أزمات متراكمة منذ الأزمة المالية العالمية وما بعدها، الأمر الذي تسبب في اقتراب اليونان من الخروج من الاتحاد الأوروبي في وقت من الأوقات لولا الدعم الأوروبي. ولكن هذا الدعم فرض منذ ٢٠١٥ إجراءات تقشف البالغة القسوة، والتي بدأت مؤخرًا تجني بعض ثمارها بعد سنوات من تطبيق اليسار حزمة الإصلاح، وخلفت حكومة المحافظين اليسار وسارت على النهج نفسه. من جانبه، دفع الاتحاد الأوروبي لليونان ٢ مليار و٦٠٠ مليون يورو بين ٢٠١٦ وحريق موريا لمساعدتها على إدارة ملف المهاجرين واللاجئين. هذا المبلغ لم يكن كافيًا في ظل مخيمات تكتظ بآلاف اللاجئين، وتفتقر للمقومات والخدمات الأساسية. وفي المقابل، يرى بعض المراقبين أن اليونان لا تريد تحسين ظروف المهاجرين خوفًا من أن يترتب عليه وصول أفواج أخرى.
ما بعد موريا
بعد حريق موريا بأيام قليلة أصدر الاتحاد الأوروبي ميثاقًا جديدًا للهجرة واللجوء تمحور في ثلاث نقاط:
1. تعزيز الشراكات مع بلدان المنشأ والعبور، وهما على سبيل تركيا كدولة عبور وهي ترتبط بالفعل باتفاقية اللاجئين مع الاتحاد منذ 2016, وبالتالي فالتعزيز هنا يشمل تعديل الاتفاقية أو عقد أخرى. أما عن بلدان المنشأ فمنها ليبيا والدول المصدرة من إفريقيا، وقد عقد الاتحاد الأوروبي مؤتمرًا لإفريقيا لبحث سبل التنمية.
2. إدارة قوية للحدود الخارجية: هذه النقطة تحديدًا تتضمن مسألتي تأمين دول المتوسط حدودها البحرية مع القادمين من جنوب المتوسط, وكذلك العابرين من بحر إيجه وقادمين من تركيا. الأفكار المقترحة جاءت على شكل بناء أسوار على الشريط الحدودي للدول لمنع تسلل اللاجئين، وتكثيف الدوريات الأمنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وكذلك الاتفاقيات الأمنية الثنائية التي تعقد مع الدول, مثل اتفاقيات مراقبة الحدود وإمداد دول مثل ليبيا وتونس بالمعدات والأدوات التي تمكنها من ضبط حدودها مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما مع دول إيطاليا واليونان وإسبانيا.
3. عدالة القواعد الداخلية: لطالما ظل هناك محور رافض للمشاركة في حصص اللاجئين، فضلًا عن التحفظ على المساهمات المالية أيضًا التي تمنح للدول المستقبلة مثل إيطاليا واليونان، أو للدول المصدرة. ويلزم الميثاق هنا أن تكون هناك مساهمة عادلة في النفقات وتوزيع طلبات اللجوء، وليس ترك الأمر طواعية للدول، مما يعني عدم تحمل إيطاليا واليونان فقط عبء اللاجئين وطلبات اللجوء.
مواقف الدول الأوروبية
منذ حريق مخيم موريا وحتى الآن، بجانب موقف السلطات اليونانية من نقل اللاجئين لمخيم آخر، فإن ألمانيا أعلنت أنها سوف تستقبل 1533 لاجئًا فقط، مع البحث في استقبال القاصرين ممن ليس لديهم عائلات في المخيم. أما هولندا فإنها وإن كانت لم ترفض المشاركة لكنها قبلت أعدادًا قليلة فقط مائة لاجئ. بينما رفضت بعض الدول مثل المجر وبولندا، وهما من نفس المحور الرافض دائمًا تحمل أعباء اللاجئين. ولهذا الموقف أسباب منها سياسات الهوية التي تتبناها حكومات تلك الدول. هذا بالنسبة للاجئين الذين لديهم عائلات، أما للقاصرين فمجمل الأعداد التي قبلت دول الاتحاد الأوروبي استضافتها فقط 400 قاصر يقسمون على 10 دول، منها على سبيل المثال ألمانيا وفرنسا وهولندا.
إجمالًا، يمكن القول إن إنشاء مخيمات ومراكز إيواء جديدة في اليونان ليس الحل لانتهاء أزمة اللاجئين العالقين في الجزر اليونانية وعلى الحدود التركية، ورغم أنه الخيار العملي المتاح الوحيد من قبل الدول الأوروبية، في ظل احتمال فشل الميثاق الجديد للهجرة نظرًا لعدم قدرة الاتحاد على مواجهة تركيا وابتزازها في ملفي شرق المتوسط وبحر إيجه، ومواجهة جبهة الممانعة والرفض لاقتسام عبء اللاجئين. وبالتالي الأقرب بقاء الأوضاع كما هي عليه إن لم يستطع الاتحاد عقد اتفاق جديد مع تركيا لتأمين حركة اللاجئين وطلبات اللجوء بينها وبين اليونان، والضغط على الدول الأوروبية ذات المستوى الاقتصادي المرتفع لقبول المزيد من اللاجئين.




