يقوم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيارة إلى بعض دول المنطقة تشمل مصر والأردن في 20 يونيو الجاري، ثم إلى تركيا في 22 يونيو؛ وهي الزيارة الأولى له بعد التوتر في العلاقات مع تركيا في 2018. تأتي زيارة ولي العهد السعودي على خلفية المتغيرات الإقليمية والدولية، ومن المتوقع أن تحمل هذه الزيارة تشاورًا حول بعض القضايا الإقليمية والدولية منها: الملف النووي الإيراني، والملف في اليمن، وانعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية على المنطقة، بالإضافة إلى التعاون الثنائي في مجالات الاستثمار والطاقة والتبادل التجاري والربط الكهربائي، والتنسيق بشأن قمة مجلس التعاون الخليجي المقرر عقدها بالرياض، بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن في إطار الزيارة التي يقوم بها بايدن إلى المنطقة في يوليو القادم. ضمن هذا السياق تركز هذه الورقة على المتغيرات الإقليمية والدولية التي جاءت الزيارة في سياقها، والقضايا القائمة المتوقع مناقشتها خلال هذه الزيارة.
المتغيرات الإقليمية والدولية
تشهد منطقة الشرق الأوسط حراكًا دبلوماسيًا ينطوي على إعادة ترتيب التحالفات السياسية في ظل متغيرات إقليمية ودولية، انعكس ذلك في عدد الزيارات رفيعة المستوى بن قادة الدول العربية والإقليمية منها: استضافة الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعًا ثلاثيًا مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ يوم 22 مارس 2022، ثم اجتماع رباعي استضافه ملك الأردن عبد الله بمدينة العقبة يوم 25 مارس ضم إلى جانب الرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. بالإضافة إلى القمة السداسية بحضور وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر والمغرب خلال جولة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن يوم 29 مارس الماضي، ثم تعقد حاليًا قمة في شرم الشيخ بين الملك الأردني عبد الله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في 19 يونيو الجاري، ثم تعقبها زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مصر في 20 يونيو.
ومن ثم تأتي هذه الزيارات في سياق إعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي الإقليمي استجابة للتغيرات الدولية والإقليمية المتعلقة بالحرب الروسية-الأوكرانية، وتنسيق المواقف بما يدعم استقرار المنطقة، في ظل مساعي إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وتكثيف الحضور الروسي والصيني إلى المنطقة، في سياق التجاذبات التي تحدث على خلفية الحرب الروسية-الأوكرانية، ولا سيما بعد مؤشرات توضح تراجع مكانة الشرق الأوسط بالنسبة لأولويات الولايات المتحدة بعد انسحابها من أفغانستان، مما أثار مخاوف دول المنطقة واتجاهها إلى البحث عن شركاء آخرين لضمان أمنها، والعمل على استقلالها الاستراتيجي، وتحديد أولوياتها وفقًا لمصالحها.
ويبدو أن الولايات المتحدة انتبهت إلى هذه المتغيرات، ومن ثم تأتي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة في يوليو القادم لتقديم تطمينات حقيقية وضمانات أمنية للحلفاء، ولا سيما أن هناك هواجس لدى دول المنطقة من إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة واشنطن للمنظمات الإرهابية الأجنبية، في ظل التهديد الذي يمثله الحرس الثوري من خلال خدمة كبار ضباط الحرس داخل السفارات الإيرانية بجميع أنحاء الشرق الأوسط وتدفق الأموال على شبكات وكلائه، بالإضافة إلى تهديدات البرنامج النووي الإيراني لدول المنطقة.
يُضاف إلى هذه المتغيرات احتمالية نشوب أزمة غذائية نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، حيث توفر روسيا وأوكرانيا بالنسبة لمصر 97% من واردات القمح، وتشكل أوكرانيا المورد الرئيسي للذرة لكل من اليمن وسلطنة عُمان وإسرائيل وتركيا. وتصدر أوكرانيا 95% من حبوبها عبر البحر الأسود، وذهب أكثر من 50% من صادراتها من القمح إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2020، ومن ثم سيؤدي نقص إمدادات الحبوب إلى المنطقة وارتفاع أسعارها إلى ضغط على الاقتصادات الإقليمية المتضررة جراء تداعيات جائحة كورونا، لا سيمَّا أن أسعار القمح ارتفعت بحوالي 45% تقريبًا خلال 2021 متأثرة بالجائحة، وواصلت ارتفاعها متأثرة بالأزمة الأوكرانية. إضافة إلى أن واردات الكويت والإمارات والسعودية من الدجاج الأوكراني ستتراجع، حيث تصدرت خمس دول عربية قائمة أبرز عشرة مستوردين للدجاج الأوكراني عالميًا عام 2020.
قضايا قائمة
يمثل التنسيق المصري السعودي خطوة هامة وضرورية لدعم الاستقرار في المنطقة والحفاظ على الأمن القومي العربي، ولا سيما أن المخاطر المحيطة بالمنطقة تتفاقم، وأصبحت مرشحة خلال المرحلة المقبلة نتيجة الانعكاسات السلبية للحرب الروسية-الأوكرانية، وسوف يتم الإشارة إلى بعض القضايا المتوقعة على أجندة زيارة ولي العهد محمد بن سلمان فيما يلي:
• القضية الفلسطينية: تظل القضية الفلسطينية هي القضية الأم على أجندة التنسيق العربي-العربي، ويتمثل موقف كل من السعودية ومصر في تطبيق مبدأ حل الدولتين الذي يعني إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الموقف الثابت والراسخ في المحافل الدولية والإقليمية، ويمثل التنسيق بين مصر والسعودية والأردن والولايات المتحدة ضرورة في هذا الصدد، للتوصل لحل لهذه القضية، ومن ثم تمثل هذه القضية أولوية على أجندة الاجتماعات التي سوف يجريها بايدن خلال زيارته إلى الشرق الأوسط.
• الأزمة في اليمن: تمثل الأزمة اليمنية إحدى الأولويات على أجندة التباحث بين مصر والسعودية، لا سيما أن مصر فاعل مقبول بين الأطراف المختلفة، واتضح ذلك خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لمصر في 10 يونيو الجاري، ودور مصر التاريخي والثابت والراسخ في دعم الدولة في اليمن ومؤسساتها منذ بداية الأزمة، فدائمًا ما تؤكد القيادة المصرية على دعم وحدة الدولة اليمنية، واستقلالها وسلامة أراضيها، ودعم مؤسساتها الوطنية والشرعية، بجانب حرص مصر على دعم جهود تعزيز السلام والأمن، ويدلل على ذلك إعادة فتح الأجواء بين صنعاء والقاهرة، واستقبال مصر أول الرحلات القادمة من اليمن منذ ست سنوات، والتي تأتي ضمن مساعيها للتخفيف من حدة المعاناة الإنسانية لليمنيين.
من ناحية أخرى، تشير أصداء التقارب بين السعودية وإيران خلال الجولات السابقة من المباحثات بين الدولتين إلى احتمالية انفراجه في الأزمة، ورغبة الطرفين في تسوية الخلافات العالقة بينهما، وفي مقدمتها الصراع في اليمن، ومن ثم يكون للقضية اليمنية نصيب من زيارة ولي العهد إلى مصر، خاصة أن هناك قمة مرتقبة لدول مجلس التعاون الخليجي في يوليو القادم، بين قادة دول المجلس ومصر والأردن والعراق والولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكون من ضمن ملفات هذه القمة بحث مسارات الأزمة في اليمن.
• الأزمة في ليبيا: من المرجح التشاور خلال الزيارة حول الأزمة في ليبيا، خاصة أن موقف مصر والسعودية واضح من الأزمة الليبية ومتقارب من خلال التأكيد على وحدة الدولة الوطنية واستقرارها، كما أن مصر فاعل مؤثر في هذا الملف ارتباطًا بحدود الأمن القومي المصري، وقد عبرت الجهود المصرية عن ذلك متمثلة في إعلان القاهرة 2020 وما نتج عنه من دعم المسار السياسي لحل الأزمة، وتراجع الأداة العسكرية، ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، وكان آخر الجهود المصرية في ذلك استضافة اجتماعات أعضاء لجنة المسار الدستوري الليبي في القاهرة في جولتها الثالثة في 13 يونيو الجاري، في محاولة لحلحلة الأزمة.
• الأمن المائي المصري: يعد الموقف السعودي داعمًا للدولة المصرية في ملفها المائي كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وتحث إثيوبيا على التخلي عن سياستها الأحادية، والالتزام بتعهداتها بمقتضى القانون الدولي بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، والتعاون بحسن نية مع مصر والسودان للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل.
• الملف النووي الإيراني: يُعد الملف النووي الإيراني أحد الملفات التي تمثل هاجسًا لدول المنطقة، لما له من تأثير على الأمن الإقليمي خاصة بعد المفاوضات الجارية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، ففي كلا الحالتين سواء العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات الرئيسية أو استمرار إيران في السير نحو برنامجها النووي، فإن لذلك تأثيرًا على مصالح دول الخليج. ومن ثم يمثل تنسيق السعودية مع القوى الإقليمية، عاملًا ضروريًا لبناء ثقل إقليمي في احتواء النفوذ الإيراني، وكذلك التوصل إلى ضمانات بشأن هذا الملف، خاصة في ضوء زيارة بايدن المرتقبة إلى المنطقة.
• العلاقات مع تركيا: من الدول التي يقوم بزيارتها ولي العهد محمد بن سلمان في جولته (تركيا)، ويأتي ذلك بعد ظهور عدة مؤشرات على رغبة تركيا في خفض التوتر مع كل من مصر والسعودية، إضافة إلى سعي تركيا إلى إعادة التموضع لكسر عزلتها في شرق المتوسط في ظل حضور يوناني قبرصي متنامٍ في الخليج، بعدما نشرت أثينا بطارية صواريخ باتريوت في المملكة لتحل محل أصول الدفاع الجوي الأمريكية المنسحبة، وشاركت قوات سعودية وإماراتية في مناورات جوية مشتركة.
كذلك، تتنامى العلاقات بين مصر وقبرص واليونان من ناحية أخرى، ومن ثم هناك رغبة من قبل تركيا لتسريع عملية المصالحة مع القاهرة، في ظل أزمة تركيا الاقتصادية والتي فاقمتها جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، بتسجيل معدل تضخم نسبته 61%، وتراجع لقيمة العملة بنسبة 44% مقابل الدولار في عام 2021، ومن ثم ترغب تركيا في إنهاء الحظر السعودي غير الرسمي للبضائع التركية، والذي خفض صادراتها للسوق السعودية الواسعة بنسبة 90% وترغب في استعادة معدلات ما قبل 2018، عندما بلغت الاستثمارات السعودية في تركيا نحو ملياري دولار.
• تعزيز التعاون الاقتصادي: من المتوقع أن تتضمن زيارة ولي العهد إلى مصر عقد مزيد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين مصر والسعودية في مجالات مختلفة، حيث تتمتع الدولتان بعلاقات اقتصادية وثيقة، وقدمت السعودية وديعة بقيمة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري في مارس 2022. وتعد السعودية ثاني أكبر مستثمر بعد الإمارات، وبلغ حجم الاستثمارات 6.12 مليارات دولار في 2020، بينما بلغت الاستثمارات المصرية في السعودية 1.38 مليار دولار. وبلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين 8.3 مليارات دولار في 2021، وقد نمت الصادرات المصرية للسعودية خلال 2021 بنسبة 17.4٪ وبلغت 1.995 مليار دولار، مقابل 1.699 مليار دولار في عام 2020. هذا بالإضافة إلى وجود ما يقرب من ثلاثة ملايين عامل مصري في السعودية، وتشير التقديرات إلى أن 39 % من التحويلات المصرية تأتي من السعودية.
• ملف الطاقة: من المحتمل التشاور خلال الزيارة حول ملف الطاقة، حيث من المرجح أن تكون مصر شريكًا استراتيجيًا لأوروبا في مجال الطاقة على المدى البعيد من خلال العمل كمركز إقليمي لتداول الطاقة، وبالأخص الكهربائية، حيث تمتلك فائضًا بحوالي 26 جيجاوات، وتعمل الدولة على ربط الشبكة المصرية بالأوروبية عبر قبرص واليونان بحوالي 3 جيجاوات بحلول عام 2023 يتم مضاعفتها إلى 6 جيجاوات لاحقًا. كما سيلعب قطاع الطاقة المتجددة المصري دورًا في استراتيجية التصدير لأوروبا، حيث سيبلغ إنتاجه بحلول عام 2035 حوالي 90 جيجاوات (42% من إجمالي إنتاج الطاقة محليًا).
هذا بالإضافة إلى أن مصر سوف تكون معبرًا للطاقة الكهربائية النظيفة الخليجية والإفريقية، حيث وقعت مصر والسعودية اتفاقية للربط الكهربائي في أكتوبر 2021 والذي يستهدف تبادل قدرات كهربائية تصل إلى ثلاثة آلاف ميجاوات، بتكلفة إجمالية 1.8 مليار دولار. ويتكون المشروع من ثلاثة محطات فرعية: محطة شرق المدينة، ومحطة تبوك في السعودية، ومحطة بدر بشرق القاهرة. وترتبط المحطات بخطوط نقل علوية بطول نحو 1350 مترًا، وكابلات بحرية في خليج العقبة.
ختامًا؛ تعد زيارة ولي العهد السعودي إلى مصر في إطار جولته الإقليمية، خطوة هامة في إطار التنسيق السعودي-المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام، بما يضمن تحقيق الأمن العربي، في ضوء مستجدات إقليمية ودولية تتطلب توحيد الرؤى وتنسيق المواقف.
