تلجأ الدول للاستدانة من الخارج عند عجز المدخرات الوطنية عن تمويل الاستثمارات المطلوبة لتحقيق معدل النمو المطلوب، وتتعاقد الدولة على القروض الخارجية من دول أو مؤسسات تمويل دولية، ويتضمن الدين ودائع الدول لدى البنك المركزي. ويهتم عامة الاقتصاديين بمؤشرين: رصيد الدين الذي يزداد بزيادة المسحوب من القروض المتعاقَد عليها عما يتم سداده سنوياً من أقساط، وبمدى قدرة الدولة على خدمة هذا الدين. وبعد أن وصل الدين الخارجي لمصر في 30 يونيو الماضي إلى 92.64 مليار دولار، نتساءل: هل وصلت مصر إلى مرحلة الخطر؟ وهل نحتاج إلى ضبط الدين الخارجي؟ ولماذا نستدين إذا كان صافي احتياطياتنا الدولية قد وصل في نهاية أكتوبر الماضي إلى 44.5 مليار دولار؟
دعونا نتساءل: لماذا تحتاج مصر للاستدانة من الخارج؟ وأؤكد أنه لا يمكن أن تسعى دولتنا لحفز النمو وزيادة الاستثمارات الضرورية لزيادة فرص العمل وبناء مقومات مصر المستقبل ومستوى مدخراتنا المحلية كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي منخفض، بل من الصعب زيادته في ظل مستويات الدخول ومعدلات الإنفاق الاستهلاكي المتزايد بسبب معدلات التضخم التي عاشها الاقتصاد المصري، وكذلك في وجود عجز الموازنة العامة اللازم تخفيضه. ولأن احتياطياتنا الخارجية من النقد الأجنبي هي خط الدفاع الأول لتمويل وارداتنا من السلع والخدمات، ولمساندة سوق الصرف الأجنبي، لا يمكن استخدام أرصدتها في تمويل الاستثمارات المطلوبة.
ودعونا نتساءل: لماذا يتخوف البعض ويُشكِّك في وضعية الدين الخارجي لمصر؟ هناك مَن يدّعى أن وجود نحو 17.6 مليار دولار من ديننا الخارجي يتمثل في ودائع للدول العربية الشقيقة تمثل نحو 20% من إجمالي الدين الخارجي هو أمر مقلق، وآخرون يُشكِّكون في قدرة الاقتصاد على توفير المدفوعات السنوية لخدمة الدين، والتي ستصل إلى حوالي 11.8 مليار دولار في عام 2019، ونحو 8.2 مليار في عام 2020، فهل هذه التخوفات وتلك الشكوك في محلها؟
ودعوني أقُل- رداً على حملات التشكيك وتلك التخوفات- إن دين مصر الخارجي- رغم زيادة رصيده بالمقارنة بسنوات سابقة- لايزال في الحدود الآمنة للأسباب الثلاثة الآتية:
1- رصيد الدين الخارجي للناتج المحلى الإجمالي الجاري لا يزيد على 29.9%، حسب آخر تقرير لصندوق النقد الدولي في 12 يوليو الماضي، وإذا كانت هذه النسبة تبلغ 58.2% في مجموعة الاقتصاديات الناشئة، فمعنى ذلك أننا مازلنا في الحدود الآمنة.
2- اقتصاد مصر قادر فعلياً على خدمة هذا الدين سنوياً، فنسبة خدمة الدين، «الفوائد والأقساط»، إلى صادرات مصر من السلع والخدمات وصلت في السنة المالية 2018/2017 إلى 31.7%، وهي نسبة مقبولة وفقاً للمعايير الدولية، وبمقتضى ذلك لم تصل مصر إلى مستوى الدول المُثقَلة بالديون، حسب تصنيفات صندوق النقد والبنك الدوليين، وأؤكد أن هذه النسبة وصلت إلى حوالي 46.8% في مجموعة الاقتصاديات الناشئة.
3- دين الدولة طويل الأجل الحالي يمتد أجله إلى ما بعد عام 2054، فوفقاً لتقرير الوضع الخارجي الذي يصدره بنكنا المركزي، فإن نحو 71.1% من إجمالي الدين يُصنَّف ديناً طويل الأجل، بينما الدين قصير الأجل، «المستحق سداده خلال عام»، لا تزيد نسبته على 13% من إجمالي الدين، ولا تزيد نسبته إلى صافي احتياطياتنا الخارجية على 27%.
لكل ما سبق من حقائق، بالإضافة إلى ما ننتظره من زيادة في صادرات مصر من الغاز والسياحة المنتعشة، ستزيد حصيلة البلاد من النقد الأجنبي بشكل مستدام بإذن الله بما سيدعم قدرتنا على خدمة الدين الخارجي مستقبلاً، لذلك كله فإن القدرة المستقبلية للاقتصاد المصري على خدمة الدين الخارجي الحالي لا تستدعى أن ندق ناقوس الخطر، لكنها ربما تستدعى قدراً أكبر من التروي في الاستدانة، وليكن سقف الاقتراض السنوي في حدود المُسدَّد كل عام، على أن تكون طبيعة القروض الجديدة مُيسَّرة وطويلة الأجل تحسباً لأى ظروف غير مواتية لا قدّر الله.
*نقلا عن صحيفة المصري اليوم، منشور بتاريخ ١٨ نوفمبر ٢٠١٨.