استمر الصراع الدولي المعقد في مجال تسلح الفضاء بين الدول الكبرى عام 2020، حيث تعتبر الولايات المتحدة كلًّا من روسيا والصين التهديد الرئيسي في مجال تسلح الفضاء، وهو دائمًا الحجة الرئيسية لاستكمال تطوير مجال عسكرة الفضاء لديها، بينما تسعى الهند دائمًا إلى ردع باكستان في هذا المجال، فقد كانت الولايات المتحدة أول دولة تطلق سلاحًا مضادًا للأقمار الصناعية في عام 1959، لكن الروس قاموا بمثله بعد أربع سنوات، ودمرت الصين أحد أقمارها الصناعية القديمة في عام 2007، وتدعي الهند أنها تمتلك مثل هذا السلاح، ليستمر الصراع الدولي عام 2020 بإعلان شركة لوكهيد مارتن أن القمر الصناعي الخامس لنظام الأشعة تحت الحمراء المتزامن مع الأرض (SBIRS GEO-5) قد اكتمل رسميًا في أكتوبر، وهو ما يجعل هناك تبادلًا للاتهامات بين الولايات المتحدة وروسيا والأولى مع الصين في ظل غياب قوانين دولية محددة تقنن عملية تسليح الفضاء.
انضمام الهند
انضمت الهند إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين في أواخر عام 2019 من خلال تجربة ناجحة لتدمير قمر صناعي على مدار منخفض، في اختبار صاروخي أُطلِق من منشأة اختبار في أوديشا بشرق الهند أسقط القمر الاصطناعي، وهو سائر في المدار على بعد 300 كيلومتر (185 ميلًا)، في عملية استمرت ثلاث دقائق.
ومن الجدير بالذكر أن عسكرة الفضاء الهندية تتكون بشكل أساسي من أقمار صناعية مطورة محليًا، مثل GSAT-6 وGSAT-7 الأقمار الصناعية الثابتة بالنسبة إلى الأرض، وRISAT-2BR1 قمر التصوير الراداري. وحصلت الهند أيضًا على قدرة (ASAT) سلاح مضاد للأقمار الصناعية بعد اختبار ناجح في أوائل عام 2019. وستعزز أقمار ISR الفضائية الهندية من قدرات القوة المضادة في مواجهة باكستان، وهو الهدف الذي تسعى دائمًا إليه، وذلك من شأنه أن يزود مراكز القيادة والتحكم الهندية ببيانات قابلة للقياس ويسهل تمييزها. ومن شأن هذه القدرات الفضائية المكتسبة أن تزيد من قوة القيادة والسيطرة النووية للهند، وتزيد من حريتها في اتخاذ القرارات، الأمر الذي سيخل بمعادلة الردع النووي في جنوب آسيا لصالح الهند من خلال تزويدها بداعم لشن ضربة استباقية مضادة ضد باكستان، وهو مؤشر على احتمالية تصعيد هذا الملف في أي وقت برغم تراجع الحديث عن هذا المجال في عام 2020.
“بايدن” وعسكرة الفضاء
يستمر تقدم الولايات المتحدة الأمريكية على كل من الصين وروسيا في مجال عسكرة الفضاء، حيث تسعى قوة الفضاء التي ترغب الولايات المتحدة في إنشائها إلى حماية الأقمار الصناعية الأمريكية من أي اعتداء مادي، مثل الاصطدام بجسم آخر أو بواسطة صاروخ، ومن أي محاولة قرصنة أو تشويش من جانب الخصوم، وكذلك إلى تطوير قدرات عسكرية هجومية في الفضاء.
أما بالنسبة لشكل قوة الفضاء فهي قيادة عسكرية ستنضم إلى السلاح الجوي. وبعد موافقة الكونغرس، ستصبح قوة منفصلة قائمة بذاتها مع رئيس أركان خاص بها ووكيل وزارة للفضاء، لكنها ستكون دائمًا مرتبطة بالقوات الجوية، وخططت إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لإنفاق ملياري دولار لإنشاء قوة الفضاء، وسيتم خلالها نقل ما يقرب من 15000 من الأفراد المتصلين بالفضاء من الأدوار الحالية في المؤسسات والوظائف الأخرى إلى هذه الوكالة الجديدة. لكن من الجدير بالذكر أن ثمة صعوبات تواجهها، حيث لم يلق إنشاء القوة الفضائية ترحابًا من قبل الخدمات العسكرية الأخرى، فلكل خدمة أنظمتها الفضائية الخاصة والميزانيات التي تتماشى مع ذلك. وفي الوقت الحالي، تعمل Space Force تحت جناح القوة الجوية، لكن ميزانيتها منفصلة، ويشك القليل في أنها ستصبح قريبًا خدمة في حد ذاتها.
وعلى الرغم من عدم وضوح اتجاهات إدارة “بايدن” تجاه هذا الملف، خاصة في ظل أزمة الكورونا والخسائر الاقتصادية التي لحقت بالولايات المتحدة، إلا أن المؤشرات الأولية تؤكد اتجاهه نحو دعم هذا الملف، لكن سيكون الخلاف حول حجم هذا الدعم، حيث يعتبر الجيش الأمريكي أكبر مستخدم عسكري للفضاء، فلديه 2500 قطعة على الأقل من المعدات التي تعتمد على الفضاء، وما لا يقل عن 250 من الأجهزة التي تدعم الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، فهو يعتمد على المجال الفضائي لأنظمة الإنذار الصاروخي، وقدرات اتصالات القيادة والسيطرة، والملاحة الدقيقة.
ويعد إعلان شركة لوكهيد مارتن أن العمل على القمر الصناعي الخامس لنظام الأشعة تحت الحمراء المتزامن مع الأرض (SBIRS GEO-5) قد اكتمل رسميًا في أكتوبر بمثابة تأكيد لما سبق، حيث يتميز القمر بأجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وهي تسمح للجيش باكتشاف إطلاق الصواريخ الباليستية في جميع أنحاء العالم. ويعتبر دور SBIRS بمثابة حارس دائم في المدار ضد تهديدات الصواريخ الباليستية العالمية.
وتقوم وكالة تطوير الفضاء ببناء فئة جديدة لتتبع الصواريخ كجزء من هندسة الفضاء الخاصة بالدفاع الوطني، وهي كوكبة ستتكون من مئات الأقمار الصناعية التي تؤدي وظائف لا تعد ولا تحصى. وستكون أقمار فئة التتبع في ترتيب أرضي منخفض، سيمكنهم ذلك من اكتشاف وتتبع الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. ومن الجدير بالذكر أن قوات الفضاء سعت للحصول على مليار دولار من الكونجرس في السنة المالية 2021.
التفوق الأمريكي وحقيقة التهديدات الصينية
على الرغم من امتلاك دول أخرى غير الولايات المتحدة منصات مماثلة في الفضاء، إلا أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي لها وجود عسكري عالمي واسع النطاق، وهي تعتمد بشكل متزايد على الأقمار الصناعية لتعزيز قواتها المسلحة.
وكانت المواجهة الأخيرة بين قمر صناعي روسي “تفتيش” كوزموس وقمر تجسس أمريكي بمثابه تهديد واضح للولايات المتحدة، حيث اتهمت الأخيرة روسيا باحتمال تهديد القمر الصناعي الأمريكي من خلال الاقتراب منه، وأكد هذا التهديد من وجهة النظر الأمريكية تصريح روسيا مسبقًا بأنه سيتمّ نشر أكثر من 10 أنظمة ليزر بصرية وراديو جديدة للكشف والتعرف على الأجسام الفضائية في روسيا عام 2020، وهو يعتبر جزءًا من برنامج تحسين وتطوير أنظمة الرصد الفضائية الروسية. وتواصل القوات الفضائية الروسية العمل على إنشاء أنظمة رصد أرضية حديثة متخصصة لمراقبة الأجواء، ويهدف نشر التقنيات الحديثة إلى تنفيذ مهام مختلفة للكشف والتعرف على الأجسام الفضائية.
وعلى الجانب الآخر، رأت روسيا أن تصرفات أمريكا في مجال الفضاء سيجعل روسيا تولي أهمية لتطوير أنظمة الإنذار المبكر بالصواريخ الفضائية وتعزيز نشر الأبراج المدارية. وفي هذا الإطار، قامت روسيا بخطوات متقدمة عام 2020 لكن لم يتم إعلان شكل هذه الخطوات في هذا المجال. وتبرز الصراعات الدولية حقيقة تلك الخطوات لكن بشكل مشوب بالحذر، حيث وجهت الولايات المتحدة الاتهامات لروسيا بتعمد تهديدها باختبارها أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، ونشرها محطات ذات صلة على الأرض، بينما أكدت الأخيرة أن خطواتها في الفضاء لا تحمل أي طابع تصعيدي، ولا ترمي إلى التشويش على أجهزة الدول الأخرى وأقمارها هناك.
أما بالنسبة للصين، فقد أطلقت في يونيو 2020 القمر الصناعي للملاحة رقم 55 بنجاح في مركز Xichang لإطلاق الأقمار الصناعية، وكذلك قمرًا صناعيًا آخر في مدار متزامن مع الأرض لنظام Beidou العالمي للملاحة الساتلية. وكان الإطلاق بمثابة إنشاء كوكبة Beidou Global Navigation Satellite، قبل ستة أشهر من الموعد المحدد.
وقد اتخذت الولايات المتحدة ذلك بمثابة حجة قوية لتبرير استمرار تسلحها في الفضاء، حيث رأت أن الصين تريد الهيمنة على الفضاء، ويجب على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات مضادة، على الرغم من أن الصين أعلنت عن نواياها السلمية، لكنها لا تزال تستثمر بكثافة في البنية التحتية الفضائية، وهو ما مثل ضرورة لتخصيص موارد كافية لإعداد قوة فضائية جديدة للدفاع عن المصالح الأمريكية وأمن الفضاء.
وإجمالًا، انتقدت الولايات المتحدة التطور السريع للقدرات الفضائية من قبل دول مثل روسيا والصين، ورأت أنه يشكل تهديدًا لتفوقها في الفضاء كقوة صاعدة، فالصين لديها الآن عدد من الأقمار الصناعية في المدار أكثر من أي دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة، ومن مصلحة الولايات المتحدة ردع الصين في جوارها في الفضاء الخارجي، وهو ما جعل هناك مناداة دوليه بتقنين ذلك.
نحو معاهدة شاملة لتسليح الفضاء
على الرغم من أن هناك معاهدات تغطي تسليح الفضاء، إلا أنها تتسم بالقدم، حيث تمنع معاهدة 1967 بشأن الفضاء الخارجي نشر الأسلحة النووية ولكنها لا تغطي الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية التي يتم إطلاقها من الأرض أو التي يتم إطلاقها من الفضاء، أو مدى قرب القمر الصناعي من الوصول إلى قمر صناعي لدولة أخرى ليتم اعتباره تهديدًا. ويُعتبر كل من الولايات المتحدة وروسيا طرفين في معاهدة الفضاء الخارجي، إلى جانب الصين والهند والمملكة المتحدة وأكثر من 100 دولة أخرى.
وقد اقترحت موسكو وبكين معاهدة منع نشر أسلحة في الفضاء الخارجي في عامي 2008 و2014 لكن لم ترد الولايات المتحدة رسميًا حتى الآن، ورفضت أربعة قرارات اقترحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن منع عسكرة الفضاء. وكانت هناك محادثات غير رسمية بين روسيا والولايات المتحدة، لكن الإدارات الأمريكية الثلاث الأخيرة عطلت أي مناقشات جادة، حيث ثمة معارضة قوية لمثل هذه الاتفاقية في البنتاجون والكونغرس. ويرجع ذلك جزئيًا إلى التوترات المتزايدة بين روسيا والصين والولايات المتحدة من ناحية، وبسبب قوة الشركات الضاغطة من ناحية أخرى فمن المتوقع أن تجني بوينج ولوكهيد مارتن ورايثيون ونورثروب جرومان وجنرال دايناميكس أرباحًا بمليارات الدولارات من خلال توفير الأجهزة للسيطرة على الفضاء.