تتوالى الأنباء عن تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، ومع هذه الأنباء تبدو بوادر أزمة دولية جديدة، تتجدد معها ذكرى الأزمة الأولى في عام 2014 التي لم تنتهِ تداعياتها حتى الآن بين الدولتين كطرفين مباشرين، والتي امتدت لدول حلف شمال الأطلنطي (ناتو).
ومنذ عام 2014، هناك عقوبات تفرضها الدول الأوروبية والولايات المتحدة على روسيا التي تأثرت بها بدرجةٍ أكبر نسبيًّا من العقوبات المماثلة التي فرضتها بدورها على هذه الدول.
ورغم التنسيق بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في بعض القضايا، كالتفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، أو محاولات التسوية السياسية للصراع في سوريا؛ فإن التوتر كان هو السمة الأغلب على هذه العلاقات. هذا التوتر دفع الولايات المتحدة في استراتيجيتها الدفاعية لهذا العام أن تعتبر روسيا مصدرًا لتهديدها على خلفية ما تتخذه روسيا من سياسات لزيادة قدراتها التسليحية، أو بسبب مواقفها المتحدية لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وربما بتدخلها السيبراني للتأثير على انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة عام 2016.
وقد يبدو الحديث عن توتر العلاقات الروسية مع الولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين بعيد الصلة عن الموضوع محل الاهتمام هنا، لكن واقع الأمر أن روسيا تفسر اتجاه أوكرانيا لاستفزازها عند مضيق كيرتش بأنها تنفذ مصالح الدول الغربية بالأساس، تزامنًا مع اقتراب الانتخابات الأوكرانية.
ولفهم مدى صحة هذا التفسير الروسي، يمكن توضيح وقائع الأحداث أولًا، ثم محاولات تفسيرها وردود الفعل الدولية عليه، وأخيرًا محاولة لاستشراف مستقبل الموقف.
أولًا- بدايات الأزمة:
في 25 نوفمبر 2018 أطلقت القوات الروسية النار على ثلاث سفن تابعة لأوكرانيا واحتجزتها، سفينتان صغيرتان من المدفعية الأوكرانية الصغيرة، وزورق سحب (بيرديانسك، نيكوبول، ياني كابو، على الترتيب)، وذلك خلال محاولة هذه السفن عبور مضيق “كيرتش” الذي يفصل البحر الأسود عن بحر آزوف لتجاوزهم المياه الإقليمية لروسيا بشكل غير قانوني. وقد كانت هذه السفن تتجه من ميناء أوديسا في البحر الأسود باتجاه ميناء ماريوبول في جنوب أوكرانيا عبر بحر آزوف الذي يبعد حوالي 800 كلم عن العاصمة كييف.
وردًّا على ذلك، أعلنت أوكرانيا حالة التأهب الأمني لمدة 60 يومًا، ووافق مجلس الأمن للدفاع الوطني الأوكراني على فرض الأحكام العرفية، وطلب الرئيس “بترو بوروشنكو” من البرلمان تأييد هذا القرار. وتقول أوكرانيا إنها نشرت المزيد من القوات الجوية والبرية والبحرية والمدفعية بالمنطقة، وتعتزم بناء قاعدة عسكرية على بحر آزوف. على صعيد آخر، اتجه عدد من المحتجين للإضرار بمقار البعثة الدبلوماسية الروسية في أوكرانيا، وخرجت مظاهرات تطالب بسرعة إعادة السفن والبحارة الأوكرانيين وتطالب بتوجيه رد حازم ضد روسيا. وبشكل عام، تتصاعد التصريحات العدائية بين الدولتين وتبادل الاتهامات حول تحديد أي منهما المسئول عن إشعال هذه الأزمة.
ويأتي هذا الحادث بعدما اتهمت كييف والبلدان الغربية روسيا في سبتمبر 2018 بأنها “تعرقل” عمدًا مرور السفن التجارية عبر مضيق كيرتش، الطريق البحري الوحيد إلى بحر آزوف، خاصة بعد أن شيدت روسيا في شهر مايو 2018 جسرًا يربط شبه جزيرة القرم بروسيا من شأنه أن يسمح لموسكو بالحد من العزلة الجغرافية والاقتصادية للقرم التي ضمتها موسكو في مارس 2014، ويضر بالتجارة الأوكرانية. وقد أثار هذا العمل استياء الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة التي أدانت بناء الجسر، واعتبرته محاولة من موسكو لـ”ترسيخ الضم غير القانوني” لهذه المنطقة “التي تعد جزءًا من أوكرانيا”.
وتعبيرًا عن اعتراض أوكرانيا على ممارسات روسيا لعرقلة تجارتها وما تسعى إليه من “حصارها بحريًّا” والإضرار بالمدن الأوكرانية التي تعتمد على التجارة والصيد، قامت بزيادة عدد سفنها الحربية ودوريات حرس الحدود في بحر آزوف الذي يمكن الوصول إليه فقط عبر مضيق كيرتش بين القرم وروسيا.
صورة للجسر الذي شيدته روسيا بينها وبين شبه جزيرة القرم، نقلًا عن موقع “روسيا اليوم”

وتأتي الأزمة الراهنة نتيجة أشهر من التوتر المتصاعد في مياه شمال البحر الأسود التي تتقاسمها أوكرانيا وروسيا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخلافات حول السيطرة على بحر آزوف ومضيق كيرتش الذي يربط البحر الأسود بالجنوب ليست جديدة، فقد اشتعل التوتر في عام 2003، والذي هدأ نسبيًّا مع التوصل إلى معاهدة ثنائية في العام ذاته نصت على أن كلا البلدين يمكنه استخدام مضيق كيرتش وبحر آزوف بحرية للشحن التجاري، على أن يخطر كل منهما الآخر أثناء إرسال السفن العسكرية.
ولإدراك خطورة تصعيد الموقف الراهن، تجدر الإشارة إلى الأهمية الجيوسياسية لبحر آزوف، فهو يقع إلى الشرق من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014، وإلى الجنوب من أوكرانيا التي تمتلك ساحلًا بطول 300 كلم عليه. ويبلغ طول البحر حوالي 340 كلم وعرضه حوالي 135 كلم، وتبلغ مساحته نحو 37 ألفًا و600 كلم مربع. أما مضيق كيرتش الذي احتُجزت عنده السفن فهو بوابة العبور إلى بحر آزوف من البحر الأسود.
خريطة توضح مناطق النزاع بين روسيا وأوكرانيا حول شبه جزيرة القرم ويظهر فيها بحر آزوف

ثانيًا- مواقف الأطراف المعنية من الأزمة:
تاريخ الأزمة بين أوكرانيا وروسيا يفرض اعتبار الدول الغربية (وتحديدًا الولايات المتحدة ودول الناتو) طرفًا في الأزمة الراهنة، وهم يمثّلون طرفًا منحازًا تمامًا للجانب الأوكراني. وعليه يمكن القول إن هناك ثلاثة مواقف تجاه الأحداث السابق ذكرها، وهي:
1- الموقف الروسي:
اتهمت روسيا أوكرانيا بأنها انتهكت القانون الدولي للبحار، وجاء في بيان صدر عن حرس الحدود الروسي: “أنه في صباح اليوم الأحد الموافق 25 نوفمبر 2018، في الساعة 7:00 بتوقيت موسكو، وفي انتهاك للمادتين 19 و21 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، اخترقت ثلاث سفن تابعة للقوات البحرية الأوكرانية حدود روسيا الاتحادية، ودخلت بشكل غير شرعي مياه روسيا الإقليمية”. كما اتهمت أوكرانيا بانتهاك الاتفاق المبرم بين الدولتين عام 2003 (السابق ذكره)، ولم تخطر روسيا بعبور سفنها مسبقًا، كما أن هذه السفن لم تستجب لقوات حرس الحدود الروسية.
واعتبرت الخارجية الروسية أن انتهاك السفن الأوكرانية الثلاث للمياه الروسية في بحر آزوف “يمثل عملًا استفزازيًّا مدبرًا ومخططًا بدقة في شكله وزمنه بغية إشعال بؤرة توتر جديدة في هذه المنطقة، وخلق ذريعة لتشديد العقوبات ضد روسيا”، فضلًا عن “صرف الانتباه عن المشاكل الداخلية في أوكرانيا”. وقد عبر كل من وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” ونائبه “غريغوري كاراسين” عن موقف روسيا، بالإضافة إلى بيان صادر عن الوزارة ذاتها.
ففي بيان الخارجية الروسية، حذرت روسيا الجانب الأوكراني من أن “السياسة التي تتبعها كييف بتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والرامية إلى تصعيد التوتر مع روسيا في حوضي بحر آزوف والبحر الأسود، محفوفة بعواقب خطيرة، حيث ستردع روسيا بشكل صارم أي محاولات للمساس بسيادتها وأمنها”. وتدلل موسكو على أن اختراق السفن الأوكرانية لمياهها الإقليمية عمل مخطط له لاستفزاز روسيا، وأن هذا الانتهاك تم غداة إعلان كييف نيتها رفع مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يتهم روسيا بـ”عسكرة” البحرين الأسود وآزوف وانتهاج “سياسة صارمة لتوقيف وتفتيش السفن” رغم إقرارها بأن حرس الحدود الروسي لم ينتهك البروتوكولات الدولية أثناء تفتيشه هذه السفن. وتؤكد الخارجية الروسية -من جهتها- أن الوضع في بحر آزوف “على عكس ذلك تمامًا”، حيث تتخذ أوكرانيا بدعم من الولايات المتحدة خطوات عسكرية تحذر روسيا من عواقبها إن كانت أهدافها استفزازية.
وطالبت روسيا بعرض الموضوع في جلسة طارئة على مجلس الأمن لإثبات انتهاكات أوكرانيا، وتتوقع المزيد من فرض العقوبات عليها، وتؤكد تمسكها بموقفها تمامًا، إذ يقول “لافروف” في مؤتمر صحفي مع نظيره الدومينيكاني يوم الاثنين 26 نوفمبر 2018 في موسكو: “إن روسيا ومنذ أمد لم تعد قلقة لاحتمال العقوبات ضدها.. مما لا شك فيه أن العقوبات دومًا سيئة، ولكن عندما يتم التذرع بحوادث كحادث أمس وتعريض الطرف الذي انتُهكت سيادته للعقوبات، يصعب علينا التعليق على هذه السياسة… من الصعوبة بمكان أن نأمل في قدرتنا على التأثير في من هم مهووسون بالرغبة في البحث عن المزيد والمزيد من الذرائع الجديدة للضغط على روسيا”.
وتُقدم روسيا حجة إضافية لتأكيد تفسيرها، وهو أن السلطات الأوكرانية هي التي تقوم بعسكرة منطقة آزوف بدعم من الولايات المتحدة، وليست روسيا، بهدف خلق بؤرة توتر جديدة تتيح لكييف لفت الأنظار عن مشاكلها الداخلية المتمثلة في تدني شعبية الرئيس الأوكراني ورغبته إما في تأجيل الانتخابات بفرض الأحكام العرفية، أو تحسين مستوى شعبيته بإظهاره في معركة مع دولة بحجم روسيا.
من جانبها، ساهمت حكومة إقليم القرم في تأكيد تفسير روسيا، ووفقًا لرئيس البرلمان الجمهوري في القرم “فلاديمير كونستانتينوف” فإن واشنطن تقف وراء الاستفزازات قبالة سواحل شبه جزيرة القرم، لاستدراج موسكو إلى الصراع. ويعتقد رئيس شبه جزيرة القرم “سيرغي أكسينوف” أن أوكرانيا قد تقوم باستفزازات تنفيذًا لأوامر من “سادتها الغربيين”، مشيرًا إلى أنه في الآونة الأخيرة لم يكن من قبيل المصادفة أن السياسيين الأوروبيين والأمريكيين كانوا يناقشون بحيوية الوضع في بحر آزوف.
2- الموقف الأوكراني والغربي:
هناك توافق بين موقف أوكرانيا وموقف الدول الغربية؛ فهي تدين إطلاق روسيا النار على السفن الأوكرانية واحتجازها، وتعتبره عملًا عدائيًّا، لكن هذا التوافق لا يعني أن الدوافع واحدة.
بالنسبة لأوكرانيا، صرح سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني “ألكسندر تورتشينوف” بعد اجتماع عاجل للمجلس بأن كييف تعتبر الإجراءات الروسية في آزوف “عملًا عدوانيًّا”، واتهمت روسيا بمحاولة فرض حصار اقتصادي فعليّ على موانئها في بحر آزوف لإضعافها في إطار “حرب هجينة” ضدها، وأن هذا العمل العدائي الأخير هو حلقة من سلسلة الاستفزازات الروسية لها، فروسيا تهدف للإضرار بالاقتصاد الأوكراني. وتقول أوكرانيا في هذا السياق إن التجارة بالموانئ، وتحديدًا ميناء ماريوبول باعتباره مركزًا لتصدير الصلب والحبوب واستيراد الفحم، قد انخفضت بنسبة 30% منذ أن بدأت روسيا في مهاجمة سفنها، وانخفضت الصادرات من ماريوبول بنسبة 6% والواردات بحوالي 9% هذا العام، وكذلك انخفضت الصادرات من بيرديانسك بنسبة 12.3%. وتعلل أوكرانيا هذا الانخفاض بأنه بفعل “تحرش” روسيا بسفنها التجارية، والجسر المنخفض للغاية الذي أنشأته بينها وبين القرم والذي يحول دون مرور العديد من السفن الكبيرة. وتأكيدًا لموقفها فقد دعت أوكرانيا إلى فرض المزيد من العقوبات الغربية ضد موسكو.
أما الدول الغربية فدوافعها مختلفة نسبيًّا، فبالنسبة للولايات المتحدة فقد ذكر المتحدث باسم البنتاجون “كولونيل جايمي ديفيس” لإحدى وكالات الأنباء أن “مشاورات تجري الآن بين وزارتي الخارجية والدفاع مع البيت الأبيض للرد على تطورات أوكرانيا وروسيا”. وواقع الأمر أن دوافع الولايات المتحدة لفرض المزيد من العقوبات على روسيا أو إثارة التوتر في مناطق حيوية روسية، أعمق من الاهتمام بالمصالح الاقتصادية الأوكرانية، فالمرحلة الراهنة تشهد فيها العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة توترًا في عدد من القضايا، أبرزها ما يلي:
1- كيفية تسوية الأوضاع في سوريا، والحد من نفوذ روسيا عامة بالشرق الأوسط بعد أن فتحت روسيا مجالات للعلاقات التعاونية بينها وبين قوى أساسية في الشرق الأوسط كتركيا وإيران ومصر وبعض دول الخليج.
2- زيادة القدرات العسكرية الروسية في منطقة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة هي القطب الشمالي، بما فيه من ثروات طبيعية تمثل إضافة كبيرة لمن يفرض مصالحه فيها.
3- زيادة القدرات العسكرية النوعية لروسيا والتي يمكنها أن تقلص نسبيًّا فارق القوة العسكرية بينها وبين الولايات المتحدة، خاصة في مجال الدفاع الجوي واستحداث نظم تسليحية قد تقوض القدرة الأمريكية على الردع. فقد بدأت الولايات المتحدة من خلال الناتو نشر وحدات من نظام الدرع الصاروخي في بعض الجمهوريات السوفيتية السابقة والتي تعتبرها روسيا من مجالها الحيوي وجوارها المباشر وذلك منذ عام 2013، وكان هذا سببًا في توتر العلاقات بين الدول الغربية وروسيا وعاملًا لإسراع روسيا بضم شبه جزيرة القرم عام 2014 لتبدأ الأزمة الأوكرانية الأولى منذ ذلك الحين.
4- رغبة الولايات المتحدة في اكتساب القدرة على الردع مع روسيا، فخلال شهر أكتوبر 2018 أعلنت الولايات المتحدة عن نواياها الانسحاب من اتفاقية INF للحد من تصنيع وتجريب الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى مع روسيا. كما عملت على نشر صواريخ “توما هوك” المجنحة متوسطة المدى والقادرة على حمل رؤوس نووية في بعض قواعد الحلف في الدول الأوروبية والتي يمكنها الوصول إلى روسيا.
5- هناك تنسيق وتعاون متزايد بين روسيا والصين تعتبره الولايات المتحدة تهديدًا لأمنها وتقويضًا لنفوذها العالمي، وقد أكدت الاستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة لعام 2018 على التحدي الذي تمثله كل من الصين وروسيا وضرورة ردعهما بمختلف السبل، وعبرت الإدارة الأمريكية بوضوح شديد عن هذا الأمر.
وهذا يعني أن الولايات المتحدة تعمل على الضغط على روسيا بسبب العديد من الموضوعات والقضايا، ولم تكن أوكرانيا من ضمن أولوياتها بين هذه الموضوعات، وربما يأتي في هذا السياق إثارة أوكرانيا أزمة جديدة مع روسيا، فوفقًا لأحد المصادر فقد أفاد موقع MigNews الإخباري بأن حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” تتقدم 5 سفن حربية قد دخلت مياه المتوسط، وفي طريقها نحو الساحل السوري، وأضاف الموقع أن مجموعة السفن الأمريكية تضم الفرقاطات USS Farragut (DDG-99)، وUSS Forrest Sherman (DDG-98)، وUSS Arleigh Burke (DDG-51) إضافة إلى الطراد الصاروخ “USS Normandy (CG-60)، وذلك بعد أن عادت “هاري ترومان” إلى البحر المتوسط بعد شهر أمضته قبالة سواحل النرويج حيث شاركت في مناورات واسعة النطاق لحلف الناتو بالقرب من موسكو. وهذا التحرك -إن صدق المصدر- يثير احتمال أنه مطلوب إشغال روسيا عن تطورات محتملة في سوريا، وربما المراد إنهاك روسيا في العديد من الملفات وتشتيت تحركاتها الطموحة.
أما بقية الأطراف الغربية فلم تخرج عن الموقف الأوكراني والأمريكي، فقد أصدر حلف الناتو بيانًا أكد فيه دعمه لأوكرانيا وسيادتها وحقها في الملاحة البحرية، ودعا موسكو لضمان ذلك. ودعا الاتحاد الأوروبي كلًّا من أوكرانيا وروسيا إلى “التصرف بأقصى درجات ضبط النفس” لوقف التصعيد في البحر الأسود. وقال الاتحاد في بيان له إنه يتوقع من روسيا “إعادة حرية المرور” عبر مضيق كيرتش. وقال رئيس المجلس الأوروبي “دونالد تاسك” إن أوروبا “ستظل موحّدة في دعم أوكرانيا”.
3- موقف الأمم المتحدة:
جاء موقف الأمم المتحدة في اجتماع لمجلس الأمن الدولي باهتًا ولا يخرج عن الرؤية الغربية، فقد أعربت وكيلة الأمين العام للشئون السياسية “روزماري دي كارلو” عن قلق الأمم المتحدة العميق إزاء تصاعد التوترات التي تحدث في السياق الأوسع للصراع في شرق أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، وقالت: “ما يؤسف له أن حادثة الأمس لا تهدد إلا بتدهور الوضع في أوكرانيا وما حولها. إننا نحث بشدة كلًّا من الاتحاد الروسي وأوكرانيا على الامتناع عن أي تصعيد في الأفعال أو الخطابات، ونذكرهما بضرورة احتواء هذا الحادث لمنع حدوث تصعيد خطير قد تكون له عواقب غير متوقعة. في هذا المنعطف، يجب إزالة التوترات في بحر آزوف والبحر الأسود بشكل فوري”.
أما بقية الدول فمواقفها لا تتخطى التصريحات الدبلوماسية بضرورة ضبط الأفعال وتجنب التصعيد.
ثالثًا- سيناريوهات محتملة:
استنادًا إلى تطورات الأزمة وقراءة مواقف الأطراف المختلفة، يمكن طرح احتمالين أساسيين لمستقبل الأزمة الحالية:
– الاحتمال الأول: أن تصعّد أوكرانيا من تحركاتها وتدفع ببعض القطع البحرية في اتجاه المضيق لمطالبة روسيا بالإفراج عن السفن والبحارة المحتجزين لديها، وذلك لمزيد من استفزاز روسيا ودفعها لتصعيد عسكري، كمقدمة لطلب أوكرانيا الدعم من الأمم المتحدة أو من حلف الناتو. وإذا حدث ذلك فلن يكون أمام روسيا إلا التصعيد، أو التراجع النسبي في تشددها، ومن ثمّ قبولها التفاوض حول العديد من الملفات والقضايا الأخرى بقدرة متراجعة.
– الاحتمال الثاني: الاكتفاء بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا للحد من تحركاتها أو إبطاء تقدمها في بعض المناطق الإقليمية الأخرى.
والاحتمال الثاني هو الأرجح حتى وإن لم يحقق كل أهداف أوكرانيا، لكن الدول الغربية تدرك قدرة روسيا، ولا تريد الضغط عليها بما يهددها بقوة حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة.