تعد مصر من أكثر البلدان المعرضة بشكل خاص لارتفاع أسعار الغذاء العالمية والصدمات التجارية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا نظرًا لاعتمادها على الواردات الغذائية، حيث تمثل الواردات أكثر من 40٪ من استهلاك السعرات الحرارية في مصر، وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم فقد جاء حوالي 85٪ من روسيا وأوكرانيا قبل بدء الحرب. منذ ذلك الحين، أدت اضطرابات الإمدادات، وارتفاع أسعار السوق العالمية، وعوامل أخرى إلى ارتفاع حاد في تضخم الغذاء المحلي.
وبناء على هذا، يقدم هذا المقال تقييم كيفية استجابة الأسر الفقيرة في مصر للضغوط التضخمية خلال عام 2022 والتي ظهرت كنتيجة ارتفاع معدلات التضخم وما نتج عنها من أوضاع اقتصادية ضاغطة على دخول الأفراد وأثرت على نمط ومعدلات الاستهلاك، وكيف أثرت جهود الحماية الاجتماعية للحكومة المصرية على الاستهلاك منذ بدء الصراع.
أولا: تطور معدلات التضخم للمواد الغذائية خلال عام:
دفعت زيادة أسعار الغذاء، وتحرير سعر الجنيه مقابل الدولار إلى تسارع معدلات التضخم في مدن مصر خلال فبراير لأعلى مستوى وبحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قفزت أسعار المستهلكين في مصر 31.9% خلال فبراير، على أساس سنوي، مقابل 25.8% في يناير، لتسجل أعلى مستوى منذ أغسطس 2017 وهذا بدوره محرك رئيسي لارتفاع معدل التضخم السنوي الإجمالي، والذي ارتفع من 5.2٪ إلى 13.9٪ بين عامي 2021 و2022 وهو أعلى معدل في ثلاث سنوات.
فيما يخص معدلات التضخم السنوية لبعض المجموعات الغذائية؛ قد ارتفعت بمعدلات تفوق الرقم الإجمالي للتضخم البالغ 32.9٪ (الشكل التالي). والجدير بالذكر أن معدل التضخم في الخبز والحبوب تضاعف أربع مرات تقريبًا خلال عام منذ بدء الصراع. وتغيرت اسعار اللحوم والدواجن بنسب تفوق 90%، كما ارتفعت اسعار الألبان والخبز بنسب تتجاوز %705، الأمر الذي يؤثر على السعرات الحرارية وجودة الطعام المستهلك، وخاصة بواسطة الأسر محدودة الدخل.
تُعّد الأسر الفقيرة هي الأكثر عرضة لتضخم أسعار المواد الغذائية، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنها تخصص حصة أكبر من دخلها لاستهلاك الغذاء، استنادًا إلى نتائج دراسة استقصائية حديثة للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) والتي قامت بمسح أكثر من 6000 أسرة فقيرة وشبه فقيرة من جميع أنحاء مصر عبر الهاتف في أكتوبر ونوفمبر 2022. وذلك بهدف معرفة مدى التغير في العادات الاستهلاكية للأسر، وأسباب التغييرات في الاستهلاك، واستراتيجيات المواجهة التي استخدموها للاستجابة لصدمات الأسعار.
يعرض الشكل التالي التغيرات في استهلاك الأطعمة عبر 21 سلعة غذائية وفقا لنتائج المسح والتي اتضح من خلالها أن أغلب الأسر قد أبلغت عن بقاء استهلاكها من السلع كما هو أو تناقصه من السلع المدعومة التي تشمل: (الأرز، والمكرونة، والزيت، والخبز)، ومع ذلك، أفاد 24٪ من الأسر أن استهلاكهم من أنواع الخبز غير المدعوم قد انخفض.
كما تم سؤال الأسر عن أسباب تقليل استهلاك المواد الغذائية. أفاد أكثر من الثلثين أن ارتفاع الأسعار كان السبب الرئيسي. فقد ذكر أكثر من 70٪ من الأسر التي أبلغت عن انخفاض في استهلاك الدجاج والبيض أن الزيادات في الأسعار هي السبب الرئيسي، بينما أشار 85٪ إلى الزيادات في الأسعار لأولئك الذين يقللون من استهلاك اللحوم، ويتفق هذا مع معدلات التضخم الخاصة بالسلع الموضحة سابقا.
أخيرًا، طُلب من الأسر الإبلاغ عن كيفية استجابتهم لصدمات أسعار الغذاء (الشكل التالي). فقد انتهجت الأسر عدد من الاستراتيجيات للتكيف مع الارتفاعات المتتالية للأسعار، على سبيل المثال: عبر بيع الأصول الإنتاجية أو تقليل الاستثمارات في التعليم والصحة بما يؤثر سلبًا على تراكم رأس المال البشري. فقد أفادت النسبة الأكبر من الأسر إلى اللجوء إلى إيقاف سداد الديون (84٪)، يليها التحول إلى أطعمة وعلامات تجارية منخفضة الجودة (70٪)، وتقليل استهلاك الغذاء (47٪). كما أفادت نسبة كبيرة من الأسر عن خفض النفقات على الصحة (43٪) والتعليم (25٪)، مما قد يكون له آثار مهمة على الرفاهية في المستقبل. وهو ما يشير له الشكل التالي.
بشكل عام، تشير النتائج إلى الدور الذي يلعبه برنامج دعم الغذاء في حماية الأسر الفقيرة من ارتفاع الأسعار فعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك الخبز والحبوب، إلا أن استهلاك الأسر لم يتغير كنتيجة للدعم. بينما يمثل التحول عن الأطعمة الغنية بالبروتين والتوجه نحو الأطعمة الأقل تغذية أمر مؤسف، ومتوقعًا، وقد يساهم في العبء المزدوج لسوء التغذية ويؤدي إلى تفاقم معدلات زيادة الوزن والسمنة المرتفعة بالفعل في مصر.