لا تزال الاشتباكات متواصلة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع مع نهاية اليوم لتحرك قوات الدعم السريع ضد الجيش، السبت منتصف ابريل 2023، في ظل اتساع رقعة المواجهات بين الطرفين، والتي امتدت الاشتباكات من العاصمة الخرطوم وقاعدة “مروي” الجوية، إلى مواقع أخري في “نيالا” و”الفاشر”، ولا يعتقد أن أي طرف بمقدروه حسم المعركة سريعاً، فعلى الرغم من قيام الجيش بعمليات اغارة جوية على مقر رئاسة قيادة الدعم السريع، ومعسكراته الرئيسية السته في الخرطوم، بالإضافة إلى قطع الطريق على امدادات الدعم السريع إلى الخرطوم، إلا أن عمليات الكر والفر تسيطر على المشهد بشكل عام في العديد من المواقع لاسيما في الخرطوم، في حين هدأ التصعيد في قاعدة مروي التي اكد الجيش أنه بصدد السيطرة عليها.
خطة قوات الدعم السريع:
يمكن الاشارة إلى عدد من النقاط التي تعكس خطة الدعم السريع في إطار تمرده على مجلس السيادة السوادني ومنها على سبيل المثال:
الضربة الأولي: قامت قوات الدعم السريع بشن الضربة الأولي بشكل غادر لشل حركة القوات المسلحة، حيث تدرك قوات الدعم أن ميزان القوي يميل لصالح الجيش، وبالتالي يتعين عليها المبادرة بالهجوم لقلب تلك الموازين، كما أن تحركها المفاجىء يسمح لها بالسيطرة على المرافق الاستراتيجية في البلاد، لاسيما الاذاعة والتلفزيون لاذاعة البيان الأول، بالاضافة إلى السيطرة على المواقع الحيوية للسلطة مثل القصر الجمهوري لاعلان نجاح التمرد، في حين تحتاج القوة المدافعة للقيام بهجوم مضاد حشد ضعفي تلك القوة لاستعادة عملية القيادة والسيطرة. ويؤخذ في الاعتبار في هذا السياق، أن خريطة انتشار قوات الدعم السريع تحيط بالعاصمة الخرطوم من كل الاتجاهات الاستراتيجية وهو تخطيط لم يأتي مصادفة، وإنما استعداداً لعملية من هذا النوع، وهو ما كان أحد أهداف عملية الدمج في ضوء تقدير موقف القوات المسلحة السوادنية بخطورة هذا الوضع.
توقيت الهجوم: بدأت تحركات قوات الدعم السريع عند الساعة التاسعة صباحاً في مطلع الاسبوع وهو توقيت ذروه في التحركات في العاصمة بالنسبة للموظفين والجامعات، هو وقت مستغرب من حيث دلالات اختياره للهجوم، ربما حاول الدعم السريع الرهان على أن قوات الجيش ربما تخشي التصعيد المضاد وسقوط ضحايا مدنيين.
الاطاحة بمجلس السيادة: كان من ضمن بنك الأهداف لقوات الدعم السريع اغتيال رئيس مجلس القيادة الرئاسي أو اعتقاله، فبعد الفشل في الوصول إلى القصر جمهوري، تعرض مقر اقامة الفريق عبد الفتاح البرهان في الخرطوم للقصف بالمدفعية الثقيلة، كما تحركت قوات الدعم السريع لمقر الاذاعة والتلفزيون، وكذلك المقار الرئيسية لقوات الجيش في العاصمة.
عرقلة التوصل لاتفاق سياسي: قطع التصعيد العسكري، بمبادرة من الدعم السريع، الطريق على الوصول إلى الاتفاق السياسي الذي كان في مرحلته الأخيرة تقريباً منذ السادس من ابريل الجاري، وكان الخلاف بين الطرفين بصدد مركز القيادة الموحد للجيش في ضوء تشكيل مجلس القيادة الموحد، لكن كانت كافة المؤشرات تشير إلى أن هذا الأمر لن يتم في ضوء عدم رغبة قائد قوات الدعم السريع في الانضواء أو التبعية تحت مظلة مجلس السيادة المدني، وبعد عملية الادماج ما بين الكيانين في اطار توقيع الدعم السريع على اتفاق بهذا الشأن.
موقف القوات المسلحة السوادنية:
أصبحت القوات المسلحة في موقع رد الفعل، وتركزت خطتها على حسم معادلة القيادة والسيطرة باستخدام القوة، وافشال تمرد قوات الدعم السريع، وفي هذا السياق تحركت في اطار عدد من الخطوات المتوالية على النحو التالي:-
القصف الجوي: بعد نحو ثلاث ساعات تقريباً من تحركات قوات الدعم السريع، اتخذ الجيش القرار بالتحرك جواً لاستهداف تمركزات الدعم السريع في العاصمة أولاً حيث استهدف مواقع معسكرات (سوبا،كيرري- طيبه – معسكر حي الرياض “مقر هيئة العمليات” – الحسناب في جنوب الخرطوم- معسكر جيلي). وغيرها من المواقع الأخري، كما تمكن الجيش من قصف امدادات الدعم والاسناد التي كانت في طريقها الخرطوم. ويعتقد أن اتخاذ الجيش قراراً باستخدام القوة الجوية التي يمتلكها الجيش فقط يعود إلي سرعة عامل الردع، باستهداف التحركات ومصادر القوة النارية، في ظل قدرة الدعم السريع الخفيفية والقادرة على التحركات السريعة باستخدام سيارات الدفع الرباعي.
البيانات المتوالية: والتي صدرت عن القوات المسلحة والتي تعكس القدرة على ادارة الحرب الاعلامية، حيث توالت البيانات بشكل متدرج، بدأت بالاشارة إلى “العدوان الغادر”، ثم تواصلت بالاشارة إلى القدرة على القيادة والسيطرة، ثم البيانات التفصيلية الخاصة باستهداف مواقع الدعم السريع وتحركاته، ليس فقط في العاصمة، وإنما توسعت إلى مناطق أخري، في الفاشر ونيالا وكسلا ، ثم الاعلان عن حل قوات الدعم السريع باعتبارها قوات “متمردة”، ثم البيانات الخاصة بالتأكيد على مساعي القوات المسلحة لعدم التصعيد حرصاً على المدنيين. وكمؤشرات أولية وعلى الرغم من تضارب البيانات، إلا أن بيانات الجيش تبدو أكثر مصداقية، فعلى سبيل المثال أكدت قيادة الجيش سيطرة قوات الدعم على مقر التلفزيون والمدينة الرياضة وبعض المواقع وأنها تعمل على استعادتها، وهو أمر ممكن على خلفية أن قطاع من قوة الدعم هم بالفعل من حراسة تلك المنشأت وبالتالي من السهولة بمكان السيطرة على البعض منها.
توسيع عملية الانتشارالعسكري: على التوزاي مع التحرك الجوي قامت قوات الجيش بعملية انتشار واسعة بقوتها الرئيسية في العاصمة التي تبلغ نحو 30 ألف، بالاضافة إلى استدعاء 15 ألف أخرين، مؤكداً أنه سيعمل على أساس أسوأ السيناريوهات. وتمكنت على اثرهذا الانتشار من استعادة السيطرة على بعض المواقع، لاسيما تلك التي المواقع التي يتواجد بها عسكريون منتدبون من الجيش، وساعدوا على تسليم تلك المواقع.
سيناريوهات الموقف الراهن:
عدم اندلاع حرب أهلية: وعلى الرغم من ضبابية المشهد في ظل البيانات والبيانات المضادة من طرفي التصعيد، إلا أن سيناريو الحرب الأهلية لا يزال مستبعداً، حيث دعا الجيش المدنيين إلى عدم الانخراط في المعارك الجارية، كما يبدو من موقف القوي السياسية والمواطنين عدم الانحياز لأي طرف، بالنظر إلى أن المعركة الجارية هي معركة على السلطة في المقام الأول، ومع ذلك تشير بعض التحليلات إلى المخاوف من دخول الاسلامين المنتمين للنظام السابق على الخط لاشعال الحرب الأهلية، عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والترويج لهذا السيناريو.
سيناريو عدم الحسم: على الاقل حتي الأن، فاستخدام القوة الجوية لعب دوراً في اعاقة قوات الدعم السريع من سيطرتها على العاصمة وما فيها من المواقع الحيوية، إلا أنه يبدو أن قوات الجيش لم تتمكن من مواصلة عمليات القصف الجوي ليلاً، الأمر الذي دفع قوات الدعم السريع إلى التصعيد بعد فترة هدوء خلال الافطار باستخدام المدفعية الثقيلة والمتوسطة. لكن من المتصور أن ميل ميزان القوة لقوات الجيش سيمكنها في الاخير من الحسم إن لم يتطور الموقف إلى حرب شوارع في العاصمة.
معركة محدودة زمنياً: على الارجح لا يتوقع أن سيناريو الحرب بين الطرفين سيطول كثيراً، يدعم هذا المؤشر أيضاً الانشاقات من جانب المنتدبين في الدعم السريع، بعد أن اعلن الجيش وقف الانتداب، بالاضافة إلى الانشقاقات القيادية، ومنها انشقاق قائد دائرة الاستخبارات في الدعم السريع، بالاضافة إلي أن قطع الدعم عن الدعم السريع سيضعف تحركاتها، مع الأخذ في الاعتبارأن هناكك تغرات في هذا السياق، فعلي سبيل المثال تسيطر قوات الدعم على الدائرة الخارجية من أم درمان، في حين يمكن للجيش السيطرة عليها من الداخل،بالاضافة إلي الأخذ في الاعتبار أن العديد من المقار العسكرية في أم درمان وبالتالي يسهل السيطرة عليها من قوات الدعم السريع.
الرهان على الوساطة الخارجية: وهو القاسم المشترك ما بين الطرفين في الوقت الراهن، ولكن يبدو أن تصعيد الدعم السريع ليلاً ينطوي علي مراهنة بحاولة القيام بالحسم العسكري قبل بدء تلك الوساطات، بعد أن فشلت في الاطاحة برئيس مجلس السيادة. وفي مقابل ذلك تؤكد قوات الجيش أنها لن ترضي بالوساطات قبل أن تردع قوات الدعم السريع.
خلاصة:
دخل السوادن منعطف جديد من التصعيد المسلح، ولا يعتقد أنه من الممكن العودة إلى المربع السابق من المباحثات والحوار ما بين الطرفين المسلحين، وعلى الرغم من استبعاد سيناريو الحرب الأهلية إلا أن الوصول إلى مرحلة انتقال سياسي مستقرة ومتماسكة أصبح هوالأخر سيناريومستبعداً وستكرس نتائج المعركة الحالية نقطة فاصلة لتحولات في العملية السياسية لها ما قبلها وسيكون لها ما بعدها، لكن اجمالاً لم يعد هناك أفق واضح لأي مسار سياسي.
عدم الثقة في مشروعات دمج كيانات عسكرية مع كيانات شبه عسكرية، يعود الأمر إلى طبيعة التشكيل والخبرات والاماكنيات، كما يؤخذ في الاعتبار أيضاً أن التدخلات والمشروعات الخارجية التي استثمرت في قوات الدعم السريع فى ظل صراع الاجندات الخارجية، والمحصلة في الاخير هي الوضع الراهن. ومن ثم من الأهمية بمكان استيعاب درس احتكار الدولة للقوة، وعدم السماح لتمدد القوي غير النظامية في المشهد، بل على العكس العمل على اضعافها، ومن ثم يتعين عدم تكرار الأخطاء بالتفاوض الذي يضع الطرفين نداً لند أو في كفة واحدة.
على الارجح تضع قوات الدعم السريع في حساباتها تأمين الخطوط الخلفية للعودة إلى درافور مرة أخري كسيناريو أخير، والتحرك من هناك كقوة تمرد، ويعتقد في ظل السيطرة على المواقع معسكرات ومطارات كمطار الجنينه ستظل هناك نقطة ضعف في وجود هذه القوة (الدعم السريع) التي يصعب التخلص منها، حيث يؤخذ في الاعتبار ان قوة الدعم قوامها – من حيث القوة النشطة- تتراوح ما بين 3-50 ألف عنصر في المتوسط، وبالتالي التخلص منها سيكون صعب المنال.
أثبت التصعيد أن هناك صراع شخصي بين الرجلين الأول والثاني في هرم القيادة المرحلية في السودان،كما أثبتت أنه في ظل هذا الصراع على السلطة يصعب صمود أي اتفاق سياسي، كما لم تعد هناك ثقة متبادلة بين الاطراف، بل ويصعب استعادتها أو بنائها من جديد، كما أنه لا يوج أي ضمانات.