بعد ما مرت عقود من الممارسة الديمقراطية والتبادل السلمي على السلطة بين الزعماء المنتخبين في السنغال، أعلن الرئيس السنغالي “ماكي سال” تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان من المفترض إجراؤها في 25 من الشهر الماضي إلى ديسمبر المقبل، نسبة إلى تصويت نواب الجمعية الوطنية في السنغال بالإجماع لصالح تأجيل الانتخابات بعدما اقتحمت قوات الأمن المجلس وأخرجت بعض النواب المعارضين بالقوّة، مما يعني أنهم لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم. ولاحقًا مدد البرلمان السنغالي ولاية الرئيس سال 10 أشهر، بعد أن كان مقررًا أن يغادر السلطة في أبريل 2024. هذا الإعلان الذي جاء قبل انطلاق الحملات الانتخابات بساعات قليلة، أثار موجة من الاحتجاجات في الداخل، وأدخل البلاد في أزمة سياسية غير مسبوقة، وأثارت استياء العديد من الدول والمنظمات المهتمة بالديمقراطية والتعددية السياسية في أفريقيا. وأفاد سال في بداية الأمر أن التأجيل ضروري بسبب خلافات حذّر من أنها ستقوض مصداقية الانتخابات، لكن هذه الخطوة أثارت ردود فعل محلية ودولية واسعة النطاق ووصفها البعض بأنها محاولة “انقلاب مؤسسي“.
أسباب تأجيل الانتخابات
ترجع الأزمة السياسية في السنغال إلى نتائج التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها عام 2016، وبموجبها تم تقليص الولاية الرئاسية إلى ولايتين فقط. وردًا على عزم الرئيس ماكي سال الترشح لولاية ثالثة، دعت القوى السياسية المعارِضة وعلى رأسها رئيس حزب “باستيف” عثمان سونكو إلى النزول للشارع للوقوف أمام طموحات سال في الاستمرار بالحكم. وشهدت البلاد حينها مظاهرات عنيفة شملت العاصمة داكار والمدن الرئيسية في السنغال، وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى، ثم تدخلت دبلوماسية المشيخة الصوفية وهيئات علماء الدين ولعبت دورًا في إنهائها، ليعلن الرئيس سال عدم الترشح لولاية ثالثة.
لكن ما أشعل الأزمة من جديد كان الإعلان عن تأجيل التصويت على خلفية النزاع الذي اندلع في يناير بين المجلس الدستوري والجمعية الوطنية، بعد المصادقة النهائية من قبل المحكمة عند إصدار المجلس الدستوري في السنغال القائمة النهائية التي ضمت 20 مرشحًا رئاسيًا مع رفض ترشح المعارض كريم واد زعيم الحزب الديمقراطي السنغالي وابن الرئيس الأسبق عبد الله واد، بحجة أنه ثنائي الجنسية، في حين أن اللائحة ضمت مرشحة مزدوجة الجنسية وهي زور ورديني. وبناءً على ذلك، قام نواب من الحزب الديمقراطي السنغالي بمطالبة تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق مع عضوين في المجلس الدستوري لاتهامها بتلقي الرشوة من أجل إبعاد كريم واد.
وفي هذا السياق، صوّتت الأغلبية على طلب الكتلة البرلمانية المحسوبة على كريم واد بتشكيل لجنة تحقيق مع قاضيين من المجلس الدستوري وتأجيل الانتخابات الرئاسية 6 أشهر، وهو الاقتراح الذي دعمه نواب الأغلبية، وعندها رفض قضاة المجلس الدستوري التعاون مع هذه اللجنة البرلمانية باعتبار البرلمان هيئة تشريعية وليست قضائية، ولا يمكن أن تتهم أو تحاكم أعلى هيئة قضائية لرقابة دستورية القوانين. وتزامنًا مع هذه الأزمة أعلن الرئيس ماكي سال تأجيل عقد الانتخابات عبر مرسوم رئاسي.
ردود الأفعال الداخلية
خرج محتجون في شوارع العاصمة السنغالية دكار رفضًا لتصويت البرلمان على قانون دستوري يمدد للرئيس ماكي سال في الرئاسة حتى نهاية العام الجاري، مطالبين الرئيس ماكي سال بالعدول عنه، ومؤكدين تمسكهم بالأجندة الانتخابية، بما في ذلك إطلاق الحملة الانتخابية. بالإضافة الى ذلك، دعت الأحزاب المعارضة أنصارها إلى الخروج للشارع والتظاهر للتعبير عن رفضهم للقرار، مطالبين المجتمع الدولي بالوقوف مع الشعب السنغالي والتدخل للضغط من أجل إجراء الانتخابات في وقتها المحدد.
نتيجة لما سبق، قطعت السلطات الإنترنت عن الهواتف الذكية في داكار نظرًا لانتشار “رسائل تحض على الكراهية والتخريب” على وسائل التواصل الاجتماعي وأدانت الأحزاب المعارضة السنغالية هذه الخطوة ووصفتها بالانقلاب على الشرعية السياسية في البلاد، الذين اعتبروا هذه الخطوة لم تعد سوى فرصة لاستعداد الحزب الحاكم لتبني استراتيجية بديلة.
علاوة على ذلك، قامت قوات الأمن السنغالية بفض مظاهرات خرجت رافضة تأجيل الانتخابات الرئاسية بالقوة، كما أوضحت مقاطع مصورة نشرتها عدة وسائل إعلام سنغالية، وبعض الناشطين، تدخلات عنيفة لقوات الأمن ضد المتظاهرين، كما عمد بعض المحتجين إلى العبث ببعض الممتلكات. ولم تخرج المظاهرات في العاصمة داكار فقط، بل شهدت مدن سان لويس أقصى الشمال، ومدينة زيجينشور أقصى الجنوب إضافة إلى تييس القريبة من داكار احتجاجات فرقتها الشرطة، ونقلت وسائل إعلام محلية عن توقيف الشرطة لمتظاهرين، مما أدى إلى قتل خلالها ثلاثة أشخاص.
ردًا على ذلك، وعد الرئيس السنغالي ماكي سال يوم الخميس الموافق 22 فبراير بالالتزام بتسليم السلطة حين تنتهي ولايته في الثاني من أبريل، وأوضح عدم إمكانية تحديد موعد للانتخابات على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية لإنهاء أزمة انتخابية مستمرة منذ ثلاثة أسابيع أذكت الاضطرابات والمخاوف من تراجع الديمقراطية.
وعلى مستوى المرشحين لاقت دعوة سال بمشاركة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في محادثات تشاورية رفض 16 من 19 مرشحًا للرئاسة أعلن خلال مؤتمر صحفي مشترك في العاصمة السنغالية دكار. كما اتهم متحدث باسم مرشح المعارضة خليفة سال قرارات الرئيس السنغالي بأنها مدمرة وتعارض الأحكام الدستورية، كما دعا سال إلى إعلان موعد الانتخابات في أقرب وقت ممكن. ومع تفاعل الأزمة السياسية في البلاد، استعرض البرلمان تقريرًا يقترح تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 25 فبراير، لمدة 6 أشهر أو سنة كاملة، حتى فبراير 2025.
ردود الأفعال الدولية
لم يكن لقرار تأجيل الانتخابات الرئاسية في السنغال تداعياته على المستوى الداخلي فقط، حيث اعتبرت الخارجية الأميركية أن تصويت البرلمان السنغالي على إرجاء موعد الانتخابات الرئاسية “غير شرعي“ ويخالف الدستور وأقحم البلاد في أزمة أمنية وسياسية لم تشهدها منذ عقود.
كما طالبت الولايات المتحدة وفرنسا السنغال بالإسراع لتحديد موعد الانتخابات. ودعت الخارجية الأمريكية الحكومة السنغالية أيضًا إلى احترام حرية التجمع والتعبير السلمي. كما انتقدت الولايات المتحدة كلًا من فرنسا وألمانيا ودولًا أخرى في الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن بعض دول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” لقرار تأجيل الانتخابات الرئاسية.
كذلك قامت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” بإرسال بعثة دبلوماسية إلى السنغال لمعالجة الظروف السياسية الناجمة عن تأجيل الانتخابات الرئاسية في البلاد. وحثت مجموعة “إيكواس” الطبقة السياسية بأكملها على إعطاء الأولوية للحوار والتعاون من أجل إجراء انتخابات شفافة وشاملة وذات مصداقية. وحثّ رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، السنغاليين على حل «خلافهم السياسي من خلال التشاور والتفاهم والحوار»، داعيًا السلطات إلى تنظيم الانتخابات في أقرب وقت ممكن، بشفافية وسلام ووئام وطني.
وفي أبرز ردود الفعل الدولية على أحداث السنغال وتأجيل الانتخابات الرئاسية، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش بتنظيم انتخابات نزيهة وحرة وشاملة، طبقًا لمقتضيات الدستور السنغالي، وهذا أول تعليق بهذا المستوى من الأمم المتحدة على الوضع في السنغال، منذ بداية الأزمة السياسية بإعلان ماكي سال إلغاء مرسوم دعوة هيئة الناخبين في 25 فبراير الجاري.
من كل ما سبق، يمكن استنتاج أن تأجيل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية السنغالية التي كان من المتوقع إقامتها في 25 من شهر فبراير 2024 قد أنتج تحديات وتصدعات على مستوى السياسة الداخلية والخارجية للسنغال. لكن تظهر عدة عوامل قد تفتح المجال أمام مسار التهدئة، أبرزها رد الفعل الأمريكي الذي يعد الأهم حتى اللحظة الذي يصدر عن واحد من أبرز حلفاء السنغال الدوليين، للحد من تفاقم الأزمة وما ينتج عنها من تداعيات على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية. بخلاف ذلك، يأتي وعد الرئيس السنغالي بتنظيم حوار وطني مفتوح حول الانتخابات وطريقة تسييرها ليمثل محاولة لجذب تأييد المعارضة التي لم تستطع أن توحد صفوفها حتى الآن، وربما يفضي الحوار لتبسيط شروط الترشح، مما يسمح لعثمان سونكو بالعودة للساحة السياسية أو ربما يحصل على عفو من الرئيس كما حصل عليه عدة مرشحين للرئاسة من ضمنهم كريم واد وآخرون.
باحثة بوحدة الدراسات الأفريقية