بصفتها أقوى دولة في العالم، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون أكثر ثقة بالنفس، بدلاً من الخوف الشديد من تطبيق يحبه الشباب” ، تصريح قوي صادر من وزارة الخارجية الصينية ، بعد الإجراءات المشددة التي قامت بها الحكومة الأمريكية ضد التطبيق الصيني. تطبيق التيك توك ، هو تطبيق صيني للفيديوهات القصيرة تابع لشركة Bytedance ، يبدو للوهلة الأولى أنه عديم الاهمية ، إذ يصعب تصور أن التطبيق الذي يحوي مجموعة من الفيديوهات القصيرة ، يكون ساحة للحرب بين أقوى دولتين في العالم ، والسر هو بيانات المستخدمين، إذ تتهم الولايات المتحدة الصين بالتجسس على المواطنين الأمريكيين واستخدام معلوماتهم فى الأعمال المخابراتية.
المخابرات والتكنولوجيا الرقمية
بالنظر إلى العمل المخابراتى فى حد ذاته ، فاجهزة المخابرات على مستوى العالم تعتبر جزءًا هامًا من جهاز الأمن الوطني في أي دولة، وتلعب دورًا حاسمًا في جمع المعلومات وتحليلها وتقديم التقارير الاستخبارية لصالح الحكومة والقيادة السياسية.
وفي العصر الحديث، أصبحت التكنولوجيا الإلكترونية والتطبيقات الحديثة جزءًا أساسيًا من أدوات أجهزة المخابرات والحرب الإلكترونية. تستخدم هذه الأدوات والتقنيات لتجميع المعلومات وتحليلها وتوجيه العمليات الاستخباراتية والعسكرية. فيما يلي بعض الجوانب المهمة التي تربط بين أجهزة المخابرات والحرب الإلكترونية والتطبيقات الإلكترونية
- التجسس الإلكتروني: تستخدم أجهزة المخابرات التقنيات الإلكترونية المتقدمة لجمع المعلومات السرية من مختلف المصادر. يشمل ذلك استخدام برامج التجسس والبرمجيات الخبيثة لاختراق الاجهزة والشبكات وسرقة المعلومات الحساسة.
- تحليل البيانات: يعتمد عمل المخابرات على تحليل البيانات الكبيرة (Big Data) وتقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لفهم الأنماط واكتشاف العلاقات المخفية في المعلومات المجمعة. يساعد هذا التحليل على توجيه العمليات الاستخباراتية واتخاذ القرارات الاستراتيجية.
- الهجمات السيبرانية: تستخدم أجهزة المخابرات الهجمات السيبرانية كوسيلة للتأثير والتخريب. يتم توجيه هذه الهجمات لمهاجمة البنى التحتية والأنظمة الحكومية والعسكرية والتجارية للحصول على معلومات حساسة أو تعطيل العمليات الحاسمة.
- التوجيه الإعلامي: تستخدم أجهزة المخابرات والحرب الإلكترونية وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام الرقمي للتأثير على الرأي العام وتوجيه الأجندات السياسية والاجتماعية. تستخدم تقنيات مثل الانتشار المدفوع للأخبار المزيفة (الفيك نيوز) والروبوتات الاجتماعية (البوتات) للتلاعب بالمعلومات وتشويه الحقائق.
ومن الأمثلة التى أثارت الجدل بعض التقارير التى تشير الى تدخل المخابرات الروسية فى الانتخابات الامريكية عام 2016 ـ عن طريق حملة واسعة النطاق من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لترويج المعلومات الضارة والتأثير على الرأي العام الأمريكي. تضمنت هذه الحملة إنشاء حسابات وهمية ومجموعات على منصات التواصل الاجتماعي، ونشر الأخبار المزيفة والمضللة، وتحريف الحقائق، وتشجيع التوترات السياسية والاجتماعية. كما تم اتهام الروس بتنظيم حملة تسريبات البريد الإلكتروني التي استهدفت حملة الحزب الديمقراطي والمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون. تم تسريب عدد كبير من رسائل البريد الإلكتروني الحزبية ونشرها عبر منصة ويكيليكس، مما تسبب في تأثير سلبي على حملة كلينتون، علاوة على استهداف للبنية التحتية السيبرانية الأمريكية، بما في ذلك الهجمات السيبرانية التي يظن أنه قد تم تنفيذها على أجهزة التصويت.
تيك توك في قلب العاصفة
بدأت قصة الحكومة الأمريكية مع تطبيق تيك توك فى عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ، حيث انة فى 4 أغسطس 2020، أعلن الرئيس الأمريكي السابق،عن توجيه أمر تنفيذي لحظر تطبيقي تيك توك ووي تشات، بحجة اهديد االأمن القومي الأمريكي. ومع ذلك، فقد أصدرت المحكمة الفيدرالية الأمريكية في ولاية كاليفورنيا أمرًا قضائيًا بتجميد الحظر في سبتمبر 2020 ، لتقوم الإدارة الأمريكيةالحالية بإلغاء الحظر فى يونيو 2021،
لتعود الإدارة الأمريكية الحالية لفتح الملف مرة اخرى ، ولكن هذه المرة عبر إصدار قرار بمنح الموظفين الفيدراليين 30 يوما لإزالة التطبيق من الاجهزة والانظمة الحكومية ، تبعها فى هذا القرار الحكومة الكندية بالاضافة إلى المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي ، نتيجة لمخاوف تتعلق بأمن المعلومات .
الجدير بالذكر ان تيك توك يجمع معلومات عن مستخدميه مثل، الموقع ، والبيانات الشخصية مثل الايميل ورقم التليفون ، الرسائل النصية ، الصور ، الفيديوهات ، التسجيلات الصوتية وتسجيلات الفيديو الموجودة بالهاتف ، الأسماء ، بيانات مشغل الانترنت ، ونوع الجهاز المستخدم للدخول على التطبيق. وقد ردت إدارة التيك توك أن بيانات المستخدمين لا تخرج من الولايات المتحدة ، حيث ان السيرفرات التى تحمل هذه البيانات موجوة داخل الولايات المتحدة ، مع وجود نسخة احتياطية بسنغافورة ، ولا يوجد اى نسخ منها في الصين ، وأن قواعد البيانات المستخدمة توفرها شركة أوراكل الأمريكية ، فضلا عن أن فريق التشغيل من الولايات المتحدة . على الجانب الآخر فقد أثار تقرير بثته منصة BuzzFeed حول تسجيلات صوتية مسربة لأكثر من 80 اجتماع من اجتماعات طواقم فنية وإدارية لتيك توك بينت أن الموظفين الصينيين العاملين بتيك توك يستطيعون الوصول إلى معلومات المستخدمين فى الولايات المتحدة ، أما بالنسبة للموظفين الامريكين فإما أنهم ليس لديهم الصلاحية للوصول الى المعلومات او ليس لديهم معرفة من الاساس.
من غير الواضح ما إذا كان الأمر يتعلق ببيانات المستخدمين فقط ، أم أنه استكمال للحرب الاقتصادية التى تشنها واشنطن ضد الشركات الصينية ، أم أن الولايات المتحدة تريد القضاء على التيك توك لصالح الشركات الأمريكية المسيطرة على سوق تطبيقات التواصل الاجتماعى فى العالم.
الصين في عالم التواصل الرقمي
بالرغم من اعتراض الصين على الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد التطبيق الصيني ، إلا ان الحكومة الصينية تتخذ اجراءات اكثر حدة ضد التطبيقات الأمريكية ، فمعظمها محجوب كليا فى الصين، كما يبين الجدول التالي،بالاضافة الى القيود الصارمة على جميع التطبيقات التى تعمل داخل الصين ، حيث انة طبقا لقانون الامن السيبرانى الصينى والذى دخل حيز التنفيذ عام 2017 فإنه يحق للحكومة الصينية الوصول الى بيانات المستخدمين، حيث انة وفقًا للقانون يتعين على هذه الشركات والمزودين تخزين البيانات المستخدمة في الصين داخل الحدود الصينية، وتوفيرها للحكومة الصينية والسلطات الأمنية عند الطلب. يشمل ذلك بيانات المستخدمين والمعلومات الشخصية والتفاصيل الخاصة بالمراسلات الإلكترونية والمعاملات المالية وغيرها من البيانات ذات الصلة. فهل تقوم الولايات المتحدة بالمثل بحجب التيك توك داخل الولايات المتحدة ، وهل من المحتمل أن تتخذ خطوات أكثر نحو تدمير التيك توك بحجب التطبيق من متاجر App store & Google play
الحجب داخل الصين | عدد المستخدمين عالميا | عدد المستخدمين داخل الولايات المتحدة | جنسية الشركة | التطبيق |
---|---|---|---|---|
محجوب في الصين | أكثر من 2.8 مليار | حوالي 190 مليون | أمريكية | فيسبوك |
غير محجوب في الصين | أكثر من 722 مليون | حوالي 171 مليون | أمريكية | لينكد إن |
محجوب في الصين | أكثر من 2 مليار | حوالي 68 مليون | أمريكية | واتساب |
محجوب في الصين | أكثر من 1.2 مليار | حوالي 140 مليون | أمريكية | إنستجرام |
غير محجوب في الصين | أكثر من 1.2 مليار | حوالي 100 مليون | صينية | تيك توك |
محجوب في الصين | حوالي 353 مليون | حوالي 69 مليون | أمريكية | تويتر |
محجوب في الصين | أكثر من 2 مليار | حوالي 206 مليون | أمريكية | يوتيوب |
غير محجوب في الصين | أكثر من 478 مليون | حوالي 98 مليون | أمريكية | بنتريست |
تيك توك عالميا ومصريا
لم تصدر الإجراءات العدائية ضد التطبيق الصيني فقط عن دول المعسكر الغربى ، فلقد اتخذت الهند اجراءات الحظر الكامل ضد تيك توك منذ عام 2020 وذلك بسبب مخاوف تتعلق بأمن المعلومات وبيانات المستخدمين .
أما فى مصر فقد بلغ مستخدمي تيك توك حوالي 10 ملايين مستخدم ، ويقوم تيك توك ايضا بجمع بيانات المستخدمين المصريين ، وهو نفس ما يفعله كل تطبيقات التواصل الاجتماعى تقريبا ، وغيرها من التطبيقات الاخرى، التى تجمع البيانات ، وغالبا ما تحصل هذه التطبيقات على البيانات بموافقة المستخدمين ، حيث ان عموم المستخدمين المصريين ليسوا على الدراية الكافية بصلاحيات البرامج المثبتة على هواتفهم وحواسبهم، أما من لديهم المعرفة بصلاحيات التطبيقات فليس لديهم رفاهية الاستغناء عنها .
فهل يجب على الدوائر الحكومية المصرية اتخاذ نفس النهج بحجب التيك توك من الأجهزة الحكومية ، وهل يسري هذا على التيك توك فقط ام جميع تطبيقات التواصل الاجتماعى ، ام اننا لسنا فى صراع مع اى من الدول المالكة لهذه التطبيقات ولا داعى لتوتير العلاقات معها؟
خبير تكنولوجيا المعلومات