عادةً ما ينظر المواطنون بإعجاب لدول عربية وأجنبية يجري فيها تنفيذ المعاملات الحكومية الإلكترونية بسهولة وبساطة واحترافية، ولهم الحق في ذلك، ولكن هل هذا الانبهار قابل للقياس، وهل نستطيع ترتيب دول العالم من هذا المنظور، وما هو موقع مصر بين دول العالم. هذا ما يتناوله مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية الصادر من الأمم المتحدة.
تصدر دراسة تنمية الحكومة الإلكترونية EGDI E-Government Development Index من قبل إدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة، وقد صدر من هذا التقرير اثنتا عشرة نسخة بواقع نسخة كل عامين تقريبًا، لتقييم النمو الرقمي في 193 دولة حول العالم، وتتبع الدراسة منهج التقدم في تنمية الحكومة الإلكترونية من خلال مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية، وهو مؤشر مركب يعتمد على المتوسط لثلاثة مؤشرات قياسية:
مؤشر الخدمات الإلكترونية (OSI)
مؤشر جاهزية البنية التحتية للاتصالات (TII)
مؤشر رأس المال البشري (HCI).


ويستمد المؤشر بيانات البنية التحتية للاتصالات من الاتحاد الدولي للاتصالات، بينما يستمد بيانات مؤشر رأس المال البشري من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، أما مؤشر الخدمات الإلكترونية فيعتمد على البيانات التي تم جمعها من استبانة الخدمات الإلكترونية التي تجريها إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، والتي يتم من خلالها تقييم الخدمات المقدمة عبر الإنترنت. على سبيل المثال لا الحصر، نهج الحكومة بالكامل، وبيانات الحكومة المفتوحة، وتقييم الخدمات متعددة القنوات، وخدمات الهاتف الجوال، والخدمات المقدمة للفئات الخاصة كالشباب والمرأة وذوى القدرات الخاصة والمغتربين، بالإضافة إلى الشراكات والمبادرات الإقليمية، واستخدام التطبيقات الحديثة كالذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل.
وقد قسم المؤشر الدول إلى أربع فئات:
مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية مرتفع جدًا.
مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونـيـة مــرتــفــع.
مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونـيـة مـتـوسط.
مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية مـنخفض.
ويوضح الجدول التالي معدل تصنيف الفئات داخل مجموعات مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية، وتنقسم كل فئة إلى أربعة فواصل محددة بشكل متساوٍ، أو أربعة مجموعات تسمى بمعدلات التصنيف للحصول على رؤية أفضل لحالات المجموعات الفرعية من الدول ذات مستويات أداء مماثلة.
وقد أشارت النتائج إلى أن الدول ذات التصنيف الأعلى VH قد أظهرت الثبات والتقدم في مجالات سياساتها الرقمية الاستراتيجية، وفي تنسيق وتنفيذ الخدمات العامة الرقمية، أيضًا تم إضفاء الطابع المؤسسي بشكل قوي على الحكومة بالكامل، وصاحبته سياسات عامة تعتمد على البيانات من مختلف المؤسسات والهيئات العامة المركزية والمحلية المجتمعة معًا في بوابة الحكومة الإلكترونية الوطنية، وكانت توجهات الدول ذات التصنيف الأعلى VH توفير مركز شامل لتلبية جميع الاحتياجات من خلال بوابة تركز على المواطن، حيث تركز على المشاركة الإلكترونية، وبيانات الحكومة المفتوحة، والمشتريات العامة على سبيل المثال، أيضًا يمكن للشركات والأفراد الحصول على المعلومات وجمع البيانات وطلب المستندات والانخراط في خدمات المعاملات، وأداء الالتزامات القانونية، أيضًا السياسات المتكاملة ونهج الحكومة الشاملة، تسمح للحكومات بالسعي نحو تحقيق التنمية المستدامة بشكل أكثر فاعلية.
كما أشارت الدراسات إلى أن جميع الدول ذات التصنيف الأعلى VH، تملك استراتيجية تنمية وطنية تتضمن أهداف التنمية المستدامة، كما أن لديهم هيئة أو دائرة أو وزارة مركزية مسئولة عن خطة رقمية متعددة السنوات.
جميع الدول ذات التصنيف الأعلى تملك إطارًا تنظيميًا شاملًا للحكومة الرقمية، يقوم بإرساء القواعد واللوائح والمعايير والمبادئ التوجيهية المتعلقة بالهوية الرقمية والمعلومات عبر الإنترنت والبيانات الشخصية.
وتشمل هذه على سبيل المثال لا الحصر التشريعات المتعلقة بالوصول والسلامة وأمن وحرية المعلومات وحماية البيانات. أيضًا تبنت هذه الدول إطارًا قانونيًا لبيانات الحكومة المفتوحة لتنظيم مشاركة البيانات الحكومية بأشكال مفتوحة في إطار حماية البيانات وتشريع الخصوصية، وقد تبنت هذه الدول تطوير ونشر التكنولوجيا الرقمية بما يتماشى مع مبادئ الفاعلية والكفاءة والشفافية والمساءلة وثقة الجمهور.
وقد بدأت هذه الحكومات في إعادة التفكير في العمليات الداخلية وإعادة هندستها وتبسيط الإجراءات من أجل الوصول إلى الجمهور بشكل أكثر فاعلية. تميل هذه الدول إلى توقع احتياجات توفير الخدمات للمستخدمين حتى قبل طلب الخدمات. تسعى هذه الحكومات بشكل استباقي الى الحصول على تغذية راجعة من الأشخاص حول جودة الخدمات، وجمع إحصاءات المستخدم عن خدمات الحكومة الإلكترونية، ونشر النتائج عبر الإنترنت، ومشاركة الإحصاءات مع المؤسسات العامة المعنية، وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات في الوقت الحقيقي حول الخدمات العامة.
تطور موقع مصر على مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية
حققت مصر تقدمًا ملحوظًا في مؤشر البنية التحتية التكنولوجية من 0.06029 عام 2003 إلى 0.5579 عام 2022، مما انعكس على ترتيب مصر في سباق مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية وهو ما توضحه البيانات التالية لترتيب مصر على مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية، أيضًا تطور الثلاث مؤشرات القياسية على التقارير السابقة.
يبين تتبع موقع مصر على مؤشر الحكومة الرقمية عبر التقارير المتتالية أن مصر قد تقدمت 8 مراكز خلال العامين الماضيين، حيث كان ترتيب مصر 111 عالميًا بتقرير عام 2020، إلى الترتيب 103 في تقرير عام 2022. ويتضح من التقارير السابقة حصول مصر على أعلى تقييم في تاريخها عام 2008 محققة المركز 79 عالميًا، وذلك بفضل حصولها على تقييم مرتفع في مؤشر الموارد البشرية ومؤشر الخدمات الإلكترونية عبر الإنترنت. وتبين التقارير أيضًا حدوث تقدم ملحوظ لمؤشر البنية التحتية خصوصًا منذ عام 2014 وذلك بفضل التوسع في مشروعات البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات خلال الأعوام الماضية. كما حظي مؤشر الخدمات الإلكترونية بتطور ملحوظ منذ عام 2016، ومن المتوقع المزيد من التطور المدعوم بالتقدم الملحوظ للبنية التحتية التكنولوجية. وأخيرًا تبين هذه التقارير أن مؤشر الموارد البشرية يحظى بثبات نسبي طوال الفترة السابقة، وبصفة عامة فإن هذا المؤشر هو الأكثر ارتفاعًا بين المؤشرات المصرية، بما يشير إلى امتلاك مصر لرصيد جيد في هذا الجانب، وأن المزيد من تنميته سينعكس بالإيجاب على التقييم العام لمصر في هذا المجال.
مصر بين دول العالم لعام 2022
احتلّت الدنمارك المركز الأول عالميًا بمؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية بتقييم وصل إلى 0.9717، وبالإشارة إلى القارة السمراء فقد تصدرت جنوب أفريقيا الترتيب بتقييم وصل إلى 0.7357 بينما تصدرت تونس منطقة شمال أفريقيا بتقييم وصل إلى 0.6530 أيضًا تصدرت الإمارات المركز الأول عربيًا بتقييم 0.8555، بينما قد حصلت مصر على تقييم مرتفع “H2”.
وقد شمل التقييم المرتفع جدًا ( ( V1&V2&V3&VH لعام 2022 عدد 60 دولة، منها 15 دولة في أعلى تصنيف VH، ، وتشمل هذه الدول (الدنمارك، فنلندا، جمهورية كوريا، نيوزيلندا، السويد، أيسلندا، أستراليا، إستونيا، هولندا، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، سنغافورة، الإمارات العربية المتحدة، اليابان ومالطا).
وبالنظر إلى الدول ذات التقييم المرتفع جدًا نجد أن 35 دولة منهم داخل قارة أوروبا مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، بالإضافة للدول السابق ذكرها، 15 دولة داخل قارة آسيا منها (الصين، وتركيا، وماليزيا) وقد شملت القائمة أربع دول عربية (الإمارات العربية المتحدة، عمان، البحرين، السعودية)، و8 دول من الأمريكتين مثل الولايات المتحدة، وكندا، والأرجنتين، البرازيل، وتشيلي.
أما بالنسبة لأوقيانوسيا فقد شملت دولتين (أستراليا، ونيوزيلندا)، بينما لم تشمل هذه القائمة أي دولة أفريقية.
وبالإشارة إلى التقييم المرتفع ( ( H1,H2,H3,VH فقد شمل 73 دولة، منها مصر، والهند، وقطر، والكويت، وأندونيسيا، ورواندا، وجنوب أفريقيا.
ومن الجدير بالذكر أن مصر قد تقدمت على الهند في تقرير 2022، حيث احتلت الهند المركز 105 عالميًا، بينما احتلت مصر المركز 103 عالميًا.
ويشمل المؤشر المتوسط ( M1,M2,M3,MH (، عدد 53 دولة، منها إثيوبيا، مالي، موريتانيا، ليبيا. بينما شمل المؤشر المنخفض 7 دول منها: جنوب السودان، أريتريا، تشاد.
وقد أطلقت الدولة المصرية استراتيجية مصر الرقمية والتي تعد بمثابة حجر الأساس لتحول مصر إلى مجتمع رقمي، وقد شمل التحول الرقمي عددًا من المشروعات الكبرى. على سبيل المثال لا الحصر تطوير البنية التحتية التكنولوجية وإنشاء العديد من المناطق التكنولوجية، وإطلاق منصة مصر الرقمية، وإنشاء مجمع الإصدارات المؤمنة، وكذلك التوسع في الشمول المالي، بالإضافة لمراكز البيانات العملاقة بالعاصمة الإدارية، وغيرها.