عد نجاح حركة “طالبان أفغانستان” في السيطرة على الحكم في أفغانستان في ضوء تبنيها مفهوم الإرهاب المحلي نموذجًا ملهمًا لبعض التنظيمات الإرهابية لاتباع النمط ذاته، ولا سيما في ضوء الانتكاسات التي يعاني منها تيار الإرهاب المعولم. وقد بدأت إرهاصات هذا الاتجاه تتبلور مع قيام “هيئة تحرير الشام” بفك ارتباطها بتنظيم “القاعدة”، إذ نجحت في ترسيخ نفسها في ديناميكيات الصراع السوري، وأصبحت في الوقت الراهن فاعلًا رئيسيًا في شمال غرب سوريا.
واستمرارًا لهذا التوجه، اتخذت “طالبان باكستان” خطوات مماثلة من أجل التبرؤ من أجندة الإرهاب المعولم وتعزيز توجهها المحلي بهدف تقديم نفسها كفاعل سياسي في باكستان على غرار خطوات نظيرتها الأفغانية. إذ أفاد التقرير الثاني والثلاثون لفريق رصد الجزاءات المعني بتنظيمي “داعش” و”القاعدة ” الصادر عن مجلس الأمن في يوليو 2023 بأن الأخيرة آخذة في اكتساب زخم في عملياتها ضد باكستان.
طالبان باكستان.. النشأة والأهداف
تعتبر حركة “طالبان باكستان” جماعة مسلحة سنية متشددة ذات أيديولوجيات سلفية، تتبنى التفسير المتطرف للإسلام، إذ نشأت بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001، على خلفية محاربة تعاون باكستان مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب. وعندما تم تأسيس الحركة في 2007، كانت أهدافها الأساسية هي تطبيق الشريعة من جهة، ومحاربة قوات التحالف في أفغانستان من جهة أخرى، فضلًا عن تنفيذ هجمات ضد الجيش الباكستاني من جهة ثالثة.
في غضون خمس سنوات من تشكيلها، أصبحت أكبر منظمة متشددة في باكستان، ولها معاقل في العديد من المناطق القبلية في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية. وتوصف بأنها كيان ليس متجانسًا بل عبارة عن اندماج أكثر من 40 فصيلة إسلامية وقبلية من البشتون، وفي حين أن البشتون يشكلون غالبية أعضائها، إلا أن لديها أيضًا وجودًا قويًا من المسلحين العرب والأوزبك والأفغان والشيشان والبنجاب.
وبالنظر إلى مصادر تمويلها، نجد أنها تشمل الأنشطة غير القانونية مثل الاختطاف من أجل الفدية والسرقة، فضلًا عن تجارة الهيروين التي يتم تصديرها إلى دول أجنبية، بالإضافة إلى الضرائب وأموال الابتزاز من الشركات والأفراد في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ناهيك عن استغلال الموارد الطبيعية والمواقع الأثرية.
أما فيما يتعلق بعلاقة طالبان باكستان ونظيرتها الأفغانية، فقد وصفت المؤسسة العسكرية الباكستانية كلاً من “طالبان باكستان” و”طالبان أفغانستان” بأنهما “وجهان لعملة واحدة“، حيث ترتبط الأولى بعلاقة مع الثانية منذ تدشينها، بما في ذلك التعهد بالولاء لزعيم “طالبان” الأفغانية كزعيم أعلى لها، على خلفية روابطها الأيديولوجية المتمثلة في الانتماء إلى الطائفة الديوباندية، وهي طائفة فرعية من المذهب الفقهي السني الحنفي، هذا إلى جانب وجود روابط عرقية تجمع كليهما ممثلة في عرقيات البشتون.
فضلًا عن علاقات التعاون القائمة بينهما، إذ قدمت حركة “طالبان باكستان” جنود مشاة إلى حركة “طالبان” الأفغانية، كذلك وفرت حركة “طالبان” الأفغانية مساحة لوجستية لنظريتها الباكستانية، ناهيك عن هروب العديد من مقاتلي حركة “طالبان باكستان” إلى أفغانستان في أعقاب هجوم الجيش الباكستاني ضد الحركة بعد عام 2014. وكنتيجة لتلك العلاقات، كانت حركة “طالبان باكستان” أول جماعة مسلحة تحتفل رسميًا باستيلاء نظيرتها الأفغانية على السلطة في غضون ساعات من دخول الأخيرة كابول، حيث أعلنت في بيان لها صدر في 17 أغسطس 2021، أن عودة “طالبان” إلى السلطة انتصار كبير للمشروع الجهادي.
وبالمثل، وجدت روابط بين حركة “طالبان باكستان” وتنظيم “القاعدة”، حيث قدم الثاني للأولى التمويل والمساعدات الفنية مقابل الملاذات الآمنة ومعسكرات التدريب في المناطق القبلية في باكستان، كما شنت الأولى هجمات إما مع تنظيم “القاعدة ” أو بالنيابة عنه. ولكن بعد أن قتلت ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار زعيمي الحركة وهما “بيت الله محسود” في 2009 و”حكيم الله محسود” في 2013، اضطرت الحركة إلى إعادة النظر في دعمها لتنظيم “القاعدة”، إذ قررت أن العلاقة الوثيقة مع التنظيم أصبحت عبئًا عليها.
اما فيما يتعلق بالتفاعلات بين حركة “طالبان باكستان” وتنظيم “داعش”، يمكن القول إن منذ إعلان الأخير عن تدشين خلافته وتوسيع نفوذه في منطقة أفغانستان وباكستان عام 2015 . إذ أفادت تقارير عن وجود عناصر من المنطقة الأفغانية الباكستانية بايعوا “أبو بكر البغدادي” (زعيم تنظيم داعش) آنذاك، وعلى مدار السنوات التالية، انشق مئات من أعضاء “طالبان باكستان” من مختلف المستويات القيادية سواء من القيادات العليا أو القيادية الوسيطة أو حتى على مستوى المقاتلين وانضموا إلى تنظيم “داعش”، ما شكل تحديًا داخليًا تنظيميًا للحركة.
وفي الفترة من 2014 حتى 2018، تعرضت حركة “طالبان باكستان” إلى ضغط أمني كبير، سواء من قبل العمليات العسكرية الباكستانية كعملية زرب عزب (ضربة الغضب) في 2014، وعملية رد الفساد ( القضاء على الفتنة) 2017، حيث دمرت قوات الأمن الباكستانية حوالي 70٪ من البنية التحتية للحركة، أو من قبل هجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار التي استهدفت عددًا كبيرًا من عناصرها وقياداتها.
بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بها، اعتقد الكثيرون أنها على وشك الانهيار التام، غير أن هناك جملة من المتغيرات التي ساهمت في إعادة تموضعها مرة أخرى يتعلق أولها بنجاح “نور والي محسود” زعيمها الحالي منذ عام 2018 بعد وفاة سلفه الملا “فضل الله” في توحيد صفوفها الداخلية. وينصرف ثانيها إلى إصدار الحركة وثيقة باللغة الأردية في سبتمبر 2018 بعنوان “مدونة السلوك: لمجاهدي باكستان طالبان” والتي هدفت إلى توحيد الفصائل المختلفة تحت القيادة المركزية، فضلًا عن إعادة هيكلة كيانها التنظيمي، بجانب تجنب استهداف المدنيين والتركيز على قوات الأمن الباكستانية. ويتصل ثالثها باستيلاء “طالبان” على أفغانستان في أغسطس 2021، إذ مثل صعود نظيرتها الأفغانية عنصرًا محفزًا لتصعيد وتعزيز نشاطها.
خطوات متعددة
اتخذت “طالبان باكستان” جملة من الخطوات من أجل تقديم نفسها كفاعل سياسي داحل الساحة الباكستانية، ويمكن توضيح هذه التحركات على النحو التالي:
هيكل بيروقراطي: منذ عام 2014، بدأ قادة حركة “طالبان باكستان” في التفكير في استبدال الهيكل شبه القبلي لإدارة الحركة بالنظام البيروقراطي المركزي المتبع في نظيرتها الأفغانية، على خلفية اقتناعهم بأن هذا الهيكل هو الأنسب للتوسع، غير أن ملامح هذا التغيير بدأت في التبلور عام 2020، مع تعيين حكام ظل لمناطق مختلفة في باكستان. وفي العام ذاته، أعلن أميرها “نور والي محسود” أن الحركة لا يمكن أن تنتصر في باكستان إلا إذا اتبعت خطى “طالبان” الأفغانية.
في عام 2022 بدأ التحول الفعلي في الهيكل التنظيمي للحركة من منظمة قبلية جامعة إلى هيكل مركزي مشابه لطالبان الأفغانية والذي يشمل حكومة الظل والوحدات التنظيمية المركزية المسئولة عن الحقائب الوزارية الرئيسية. إذ ارتفع عدد المسؤولين المعينين من 34 في عام 2022 إلى 139 في عام 2023، وأضافت الحركة سبع وزارات، ومديرية استخبارات، ولواء انتحاريًا ومعسكر تدريب، ونظام محاكم، ومعهدًا للفقه الإسلامي، وقسم الإسكان إلى حكومة الظل في عام 2023.
التأكيد على التوجه المحلي: كانت حركة “طالبان باكستان” منذ تأسيسها محملة بتحقيق أهداف محلية، غير أنها اتسمت بسمة رئيسية ميزت تاريخها المبكر وهي تركيزها الخارجي ودعمها لأجندة جهادية ذات توجه عالمي. ومنذ عام 2018، استبعدت الحركة رسميًا من بيانها الدعوات إلى “جهاد أكبر” في أفغانستان ودعم الأجندة الجهادية العالمية تلك الدعوات التي كانت سائدة في رواياتها المبكرة، حيث تبنت خطابًا محليًا، وتبرأت من دعم أي أجندة إقليمية أو عالمية، وأصبحت هذه الرواية أكثر وضوحًا بعد اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان” الأفغانية في فبراير 2020.
وفي هذا السياق، أشار “المفتي غفران” أحد قيادات الحركة في يناير 2023، إلى ثلاث سمات تتسم بها “طالبان” الأفغانية والتي يجب على نظيراتها الباكستانية محاكاتها وتتمثل في: حصر الحرب في عدو واحد (في إشارة إلى قوات الأمن)، وفرض الوحدة داخل صفوفها، وبناء التماسك الأيديولوجي.
وتكشف المتابعة الدقيقة لبيانات الحركة خلال العامين الماضيين عن تركيزها على موضوعين رئيسيين: “المبادئ الإسلامية والعادات القبلية” و”الأمة القبلية البشتونية”. ويمكن تفسير هذا التوجه في ضوء سياقين؛ يتعلق أولهما بتقليل الدعم الدولي لمعركة باكستان ضد حركة “طالبان باكستان” لا سيما وأن الحركة عانت من خسائر فادحة بسبب ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار التي قضت على غالبية قادتها. وينصرف ثانيها إلى محاولة التحول من تنظيم إرهابي إلى جماعة مسلحة محلية بهدف إعادة إنتاج نفسها داخل الساحة المحلية.
تحالفات متعددة: اتبعت” طالبان باكستان” استراتيجية قائمة على توحيد الصفوف الداخلية من ناحية، بجانب ضم جماعات جديدة لها، ففي أعقاب اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة و”طالبان” فبراير 2020، عملت الحركة على إعادة توحيد العديد من الجماعات المنشقة عنها من خلال تحالف خمسة كيانات معها، بما في ذلك مجموعة “شهريار محسود”، وجماعة “الأحرار”، وحزب “الأحرار”، ومجموعة “أمجد فاروقي”، ومجموعة “عسكر جنجوي”.
هذا مع العمل على توحيد مختلف الجماعات المسلحة الباكستانية من خلال اندماج ما يصل إلى سبعة فصائل مسلحة مع الحركة، بما في ذلك مجموعة القائد “زرار” من بانو، مجموعة “عزت الله خيالي” من وزيرستان الشمالية، فصيل “تيبو غول مروات” من مجموعة “لاكي مروت”، و”أسلم بالوش” من نوشكي بلوشستان. وقد كان من بين المجموعات المندمجة، مجموعتان تابعتان لتنظيم “القاعدة” ومقرهما باكستان، بينما كانت المجموعتان الأخيريتان من الفصائل المحلية القوية من شمال وزيرستان.
وقد ساهمت عملية الاندماج في تعزيز قوة الحركة عبر جملة من العوامل؛ يتعلق أولها بزيادة فعالية أدائها عبر انضمام عدد من المسلحين المتمرسين إلى صفوفها. وينصرف ثانيها إلى تعزيز نفوذها في مناطق ذات أهمية استراتيجية مثل مقاطعة بلوشستان الجنوبية، ومنطقة شمال وزيرستان القبلية في مقاطعة خيبر بوختونخوا.
تعزيز النشاط: عززت حركة “طالبان باكستان” من نشاطها في أعقاب سيطرة طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021 على خلفيه إطلاق الأخيرة سراح جميع الإرهابين السجناء داخل السجون الأفغانية فور استيلائها على السلطة. ومن بين هؤلاء السجناء، عدد من عناصر الأولي، ما انصرف إلى فاعلية هجماتها كنتيجة لزيادة كفاءه كوادرها. ووفقًا للمعهد الباكستاني لدراسات السلام، وقع 207 هجومًا إرهابيًا في باكستان في عام 2021 بزيادة قدرها 42٪ مقارنة بعام 2020. كذلك تبنت الحركة نفسها حوالي 282 هجومًا في عام 2021 مشيرة إلى أنها قتلت أكثر من 500 من قوات الأمن.
إلى جانب كثافة الهجمات وتواترها، نجحت في توسيع جغرافيا عمليتها خارج مقاطعة خيبر بوختونخوا مرة أخرى، حيث امتدت من الحزام القبلي إلى المدن الرئيسية في البلاد، فتظهر الهجمات الأخيرة لها أنها أعادت تأسيس نفسها في العاصمة إسلام أباد وفي مقاطعات السند والبنجاب وبلوتشستان. فضلًا عن تنفيذ عمليات انتحارية في إسلام أباد وكراتشي استهدفت فيها قوات الامن. وتجدر الإشارة إلى أن الحركة على مدار السنوات الخمس الماضية، عملت على تطوير استراتيجيات عملها من أجل تجنب استهداف المدنيين، حيث أدخلت تغييرات مهمة على الهجمات الانتحارية، ما انصرف إلى انخفاض عدد الضحايا المدنيين لكل هجوم انتحاري مقارنة بعدد الضحايا الكبير الذي تسبب فيه في الماضي.
ملاحظات أساسية
في ضوء ما تقدم هناك جملة من الملاحظات الأساسية، يمكن تناولها على النحو التالي:
الملاحظة الأولى: تشير إلى تناقض سياسة باكستان تجاه الإرهاب، حيث تعد باكستان لاعبًا على جبهتين مختلفتين في الحرب ضد الإرهاب، فهي من ناحية تتظاهر بالمساعدة في الحد من الأنشطة الإرهابية، بينما تؤججها من ناحية أخرى، وذلك عبر العلاقات القوية بين المؤسسة العسكرية الباكستانية والتنظيمات الإرهابية المحلية التي كانت منخرطة بنشاط في النزاع في كشمير وأفغانستان. فمع انتهاء الحرب السوفيتية الأفغانية، أطلقت أجهزة الأمن الباكستانية تنظيمات إرهابية تحركها لمحاولة إرغام الهند على الانسحاب من منطقة كشمير، كذلك شارك المجاهدون الباكستانيون في الحرب إلى جانب حركة “طالبان” الأفغانية بدءًا من العام 2001. ومن ثم، انصرف هذا التناقض في التعاطي مع التنظيمات الإرهابية من قبل الدولة الباكستانية بشكل جلى إلى عدم تشكيل سياسة واحده واستراتيجية متماسكة في مواجهتها.
الملاحظة الثانية: تشير إلى موقف طالبان الأفغانية من نظيرتها الباكستانية على خلفية مطالبات الدولة الباكستانية للأولى باتخاذ إجراءات ضد الثانية، إذ أن “طالبان أفغانستان” تحجم عن اتخاذ سياسات من شأنها تقويض “طالبان باكستان” ويأتي ذلك في ضوء جملة من عوامل؛ يتعلق أولها بوجود قدر كبير من الاحترام والتقدير لحركة “طالبان باكستان” في صفوف حركة “طالبان” الأفغانية، فإذا قامت الأخيرة بقمع نظيراتها الباكستانية، فسوف يؤدي ذلك إلى تفاقم الانقسامات الفئوية داخلها، وفي الوقت الحالي لا تستطيع “طالبان” الأفغانية تحمل الانقسامات الداخلية على خلفية التحديات الداخلية والخارجية التي تمر بها. وينصرف ثانيها إلى تخوف “طالبان أفغانستان “من أن تؤدي أزاحه نظيرتها الباكستانية من ملاذاتها في أفغانستان، إلى دفع قادة ومقاتلي الأخيرة نحو الانضمام إلى ولاية خراسان والتي تعد العدو الأيديولوجي للأولى.
الملاحظة الثالثة: تنصرف إلى التعلم التنظيمي، حيث أدت تجربة تنظيم “داعش” المتعلقة بتدشين خلافته المزعومة، ونجاحه في فرض السيطرة المكانية على مساحات شاسعة في العراق وسوريا، بجانب إنشائه عددًا من الهياكل المؤسسية للحكم وإدارة المناطق التي تخضع لسيطرته، إلى تصعيد الضغط العسكري عليه ما ساهم في تقويض نشاطه.
ومن ثم أصبحت هذه التجربة درسًا مستفادًا للتنظيمات الإرهابية الأخرى، والتي سعت إلى اتباع مقاربة مختلفة لتحقيق أهدافها، حيث تنويع استراتيجياتها ما بين الضغط العسكري على القوات الأمنية من جهة، وتعزيز شرعيتها في المجتمعات التي تنشط بها من جهة أخرى، والتلويح بورقة التفاوض من جهة ثالثة.
وتعد حركة “طالبان باكستان” واحدة من تلك التنظيمات الإرهابية التي استفادت من تجربة الإرهاب المعولم وأدركت التحديات التي يوجهها، وعلى خلفية هذا الإدراك اتخذت جملة من الخطوات من شأنها التكيف مع السياق الحاكم لها من ناحية، فضلًا عن تقديم نفسها كفاعل سياسي يحظى بقبول محلي.
الملاحظة الرابعة: تدور حول اللجوء للمفاوضات كاستراتيجية لأنهاء الإرهاب، حيث تجادل العديد من التحليلات بأن المفاوضات يمكن أن تكون وسيلة من وسائل تقويض نشاط التنظيمات الإرهابية، وفي هذا السياق حاولت الحكومة الباكستانية عدة مرات عقد صفقة مع حركة “طالبان الباكستانية” للتوصل لاتفاق من أجل وقف نشاطها، كما هو الحال في اتفاقية شاكاي لعام 2004، واتفاقية سرارغا لعام 2005، واتفاقية سوات لعام 2008، اتفاق كابول 2022. ومع ذلك، لم تسفر أي من هذه الاتفاقات عن النتائج المرجوة من الأمن والاستقرار.
وارتباطًا بهذا الطرح يمكن القول إن هناك عددًا من المحددات الرئيسية التي تساهم في نجاح المفاوضات؛ يتعلق أولها باحتياج طرفي المفاوضات وهما الحكومة والتنظيم إلى تلك المفاوضات، بمعنى وجودهما في موقف يكون فيه المزيد من العنف غير مثمر. وينصرف ثانيها إلى وجود قيادة قوية في كل من التنظيم والحكومة، فبدون قادة أقوياء، لا تحرز المفاوضات أي تقدم. ويتصل ثالثها بوجود رعاة ملتزمين، سواء كانوا وسطاء أو ضامنين خارجيين، يرغبون في دفع المحادثات إلى الأمام. وبصفة عامة، ترى العديد من الاتجاهات أن المفاوضات نادرًا ما تؤدي إلى توقف نشاط التنظيمات، ومن الأفضل التفكير في المفاوضات كعنصر أساسي ضمن نطاق أوسع من السياسات لتقويض تنظيم ما.
مجمل القول، يسعى عدد من التنظيمات الإرهابية إلى السير على خطى “طالبان” الأفغانية ولا سيما مع تراجع جاذبية الإرهاب المعولم في ضوء الهزائم التي مُني بها مؤخرًا. وبالنظر إلى “طالبان باكستان” نجد أنها اتخذت جملة من الخطوات بهدف تقديم نفسها كجماعة مسلحة محلية وليس كتنظيم إرهابي، ما يمهد الطريق أمامها للتحول لفاعل سياسي.
ولكن كنتيجة لاختلاف السياقات نجد من الصعب حصولها على انتصار مماثل لنظيرتها الأفغانية، الأمر الذي تدركه الأولى ما دفعها إلى أن تحد من أهدافها لتقتصر على السيطرة على الحزام القبلي المحاذي للحدود الأفغانية خلال جولات المفاوضات الأخيرة التي خاضتها مع الحكومة الباكستانية خلال عام 2022، وعلى خلفية تلك المعطيات يمكن القول إن هناك اتجاهًا صاعدًا في استراتيجيات عمل التنظيمات الإرهابية وهو التركيز على الإرهاب المحلي، والتراجع عن طموحات الإرهاب المعولم ارتباطًا بالتحولات الحاكمة في المرحلة الراهنة.






























