رغم دخول الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع في السودان شهرها السابع، يظل من الواضح أن ساعات الحسم لم تقترب بعد، بل امتدت المعارك العسكرية إلى خمس ولايات هي: الخرطوم، الجزيرة، كردفان، ولايتي غرب، جنوب دارفور. وتشير تطورات العمليات العسكرية إلى أن قوات الدعم السريع قد فتحت جبهات قتال عديدة بهدف توسيع نطاق المواجهة وإرهاق الجيش وتشتيت جهوده على أكثر من محور للمواجهة، وهو ما يقطع الطريق على تركيز وتجميع القوات وحسم الصراع في الخرطوم، التي تعتبر المهمة الرئيسية للمعارك الجارية خلال هذه المرحلة. ويحاول هذا التقرير أن يلقي الضوء على خارطة الصراع الراهنة، والوضع الميداني في ساحات المواجهة، وتداعيات ذلك وأسباب عدم الحسم.
خريطة المواجهات المتغيرة
تبدو هذه الأهمية في ظل المواجهات العسكرية تتزايد في مدنها الثلاثة، أم درمان والخرطوم والخرطوم البحري، حيث شهدت غارات جوية وقصف مدفعي ومعارك ضارية بين طرفي الصراع، وتمكن الطيران المسير التابع للجيش من تدمير مرتكزات للدعم السريع في مناطق جبل أولياء والعيلفون جنوب الخرطوم، بالإضافة لاستخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة وطائرات حربية. وتستمر العمليات العسكرية في العاصمة الخرطوم، حيث اشتدت وتيرة القتال بين طرفي الصراع في عدد من المناطق بعد أن نفذت المسيرات قصف مرتكزات للمليشيا في شرق النيل، وفي حي جبرة المتاخم وحدة سلاح المدرعات في جنوب الخرطوم، وأيضًا من أكثر المناطق سكنًا إلى منتسبي المليشيا منذ تأسيسها، بالإضافة إلى مناطق الرياض وبري والمنشية والطائف في شرق العاصمة.
واستهدف سلاح الجو من طلعاته المكثفة في مواقع الدعم السريع في المدينة الرياضية وأرض المعسكرات بمدنية سوبا شرق الخرطوم. فضلًا عن استهداف الطيران بالقنابل مرتكزات للدعم السريع في أحياء أركويت والسوق المركزي. حيث تدور اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة، تتزامن مع اشتباكات مماثلة في مناطق متفرقة. واستهدف الجيش أيضًا مواقع وتمركزات الدعم السريع في جنوب وغرب أم درمان، خاصة المناطق الشمالية لضاحية الثورة.
كما قامت قوات الدعم السريع، بهجوم موازٍ على مواقع شمال مدينة الخرطوم بحري، مستهدفة مخزنًا للعتاد الحربي للجيش على مقربة من قاعدة وادي سيدنا العسكرية، بالإضافة إلى إطلاق عدد من القذائف على مقر سلاح المهندسين، فيما رد الجيش بقصف مدفعي على مواقع في منطقة حي المربعات جنوب مدينة أم درمان، حيث تستخدمه المليشيا كموقع لتنفيذ بعض الهجمات على سلاح المهندسين من داخل الأحياء السكنية.
وبعد فشل تصعيد الهجوم من جانب الدعم السريع في تغيير الواقع على الأرض، فضلًا عن تكبدها خسائر كبيرة في العتاد والقوات، لجأت قوات الدعم السريع إلى الانسحاب إلى ولاية الجزيرة الحدودية مع ولاية الخرطوم، في المناطق الريفية شرقًا، والمناطق الشمالية الغربية للولاية، حيث تتمركز في مناطق المسيد والثورة، ولكن سرعان ما تم إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة من الجيش السوداني، لتلك المناطق، وتم تطهير مشروع الجزيرة من أي تمركزات لقوات الدعم السريع. كما قام الجيش بعمل دوريات تمشيط ومسح حدودي بين ولايتي الخرطوم والجزيرة.
وفي غرب البلاد، شهدت ولاية جنوب دارفور استمرار القتال في مدنية نيالا عاصمة الولاية، حيث يحاول الدعم السريع السيطرة على المدينة، بهدف إيجاد فرصة للعودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات، بحصولها على ورقة ضغط قوية تجعلها إلى حد ما تحصل على بعض المكاسب في جولات المفاوضات القادمة، خاصة بعد فشلها في السيطرة على الخرطوم أو إحراز مكاسب استراتيجية في المناطق الجديدة التي تمددت إليها المواجهات جنوب وشرق العاصمة.
أما في ولاية شمال كردفان، فقد شنت قوات الدعم السريع هجمات متفرقة على مدينة الأبيض، بهدف محاصرة عاصمة المدنية وذلك منذ ثلاثة أشهر، ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل حيث تصدى الجيش السوداني لتلك المحاولات وكبد المليشيا العديد من الخسائر. كما اندلعت اشتباكات ومواجهات عنيفة في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان بين الجيش السوداني من جهة، والحركة الشعبية قطاع الشمال عبد العزيز الحلو من جهة أخرى، حيث تحاول الحركة الشعبية توسيع نطاق سيطرتها في ظل الوضع الأمني المضطرب القائم. ويعتبر هذا الهجوم الثاني للحركة الشعبية قطاع الشمال على هذه المدنية في غضون ثلاثة أشهر إلا أن قوات الحركة تكبدت خسائر كبيرة.
فيما دخلت ولاية وسط دارفور، دائرة العنف الأهلي نتيجة تجدد الاشتباكات بين قبيلتي البنى هلبة والسلامات، في منطقة وسطاني بمحلية مكجر، مما أدى إلى مقتل العشرات من القبيلتين، حيث فشلت جهود رجال الإدارة الأهلية في حل النزاع بين المجموعتين المتقاتلين، وتسعى الإدارة الأهلية في عقد مؤتمر صلح بين الطرفين في نهاية أكتوبر الجاري.
التداعيات والنتائج
بعد سبعة أشهر من المعارك العسكرية بين كل من الجيش وقوات الدعم السريع، فقدت الأخيرة السيطرة على مواقع استراتيجية مهمة، ولكنها لا تزال تسعى على فرض هيمنتها عسكريًا على مدن رئيسية، مثل مدينة الأبيض لموقعها الاستراتيجي والرابط بين الخرطوم وباقي الولايات غرب السودان. كما ظلت قوات الدعم السريع تستخدم ولايات أقاليم دارفور كواحدة من الممرات المهمة لها في الدعم اللوجيستي للاستمرار في الحرب، حيث استمرت في خوض معارك كبيرة مع الجيش للدخول إلى وسط بعض المدن المهمة، ولكن دون قدرة على حسم الصراع في ظل التعقيدات العسكرية والقبلية التي تحيط مسارح العمليات المتعددة.
من جانب آخر، تواصل العديد من الأطراف بذل الجهود من أجل التوصل لتسوية ناجعة، حيث طرحت القوى السياسية والمدنية والأهلية مبادرة، قامت على ضرورة تكوين مظلة لآلية تضم الشركاء الإقليمين مثل: (جامعة الدول العربية، الاتحاد الأفريقي، الإيجاد، الأمم المتحدة) بغرض بذل مزيد من الجهود لتسوية إنهاء الحرب، منعًا لأي تدخلات خارجية، وتعقد الأزمة الحالية. والجدير بالذكر أن هذه المقترحات قد حظيت بتأييد عدد من القوى السياسية السودانية الفاعلة من بينها: الكتلة الديمقراطية، قوى الحراك الوطني، التراضي الوطني، الإعلان الوطني، تنسيقية العودة لمنصة التأسيس، الجبهة الثورية، بالإضافة إلى الإدارة الأهلية، المجتمع المدني والمرأة والقوى الشبابية الثورية.
وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من التداعيات المتشابكة للصراع العسكري في السودان، وبعد مرور حوالي سبعة أشهر من القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حتى الآن لم تحسم العمليات العسكرية بينهما الاقتتال الدائر منذ إبريل الماضي، مما يطرح سؤالًا مشروعًا بشأن الأمد المتوقع لاستمرار الحرب في السودان، بالإضافة إلى أسئلة أخرى تتعلق بغياب قدرة الطرفين على الحسم العسكري، وطبيعة البدائل غير العسكرية المطروحة لتجنب استمرار الصراع لشهور تالية.