استأنف السودان وإيران علاقاتهما الدبلوماسية بعد سبع سنوات من القطيعة، حيث اتفق البلدان على استئناف علاقاتهما بعد بيان مشترك لكل من وزير الخارجية السوداني المكلف السفير علي الصادق ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في يوليو 2023، قبل أن تعلن الخارجية السودانية في التاسع من أكتوبر عودة العلاقات الدبلوماسية بصورة رسمية. ومن الواضح أن اتصالات عديدة تمت بين الخرطوم وطهران لعودة علاقاتهما منذ شهور، خاصة بعد التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس 2023، بعد عدة أشهر من المفاوضات بينهما بوساطة صينية.
وتعود جذور الأزمة بين الدولتين إلى عام 2016 حين اتخذ السودان قرارًا بقطع العلاقات مع إيران على إثر التوترات القوية بين إيران والمملكة العربية السعودية بعد أن اقتحم محتجون إيرانيون السفارة السعودية في طهران. حيث اتخذت الحكومة السودانية وقتها قرارًا بإغلاق جميع المدارس والمراكز الثقافية الإيرانية، وطرد المسئولين الدبلوماسيين والسفير من البلاد.
تطور العلاقات السودانية الإيرانية
تاريخيًا، كانت العلاقات بين الخرطوم وطهران على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود وثيقة للغاية. فقد كانت طهران حليفًا للخرطوم، وأيضًا كانت مصدرًا وموردًا رئيسًا للأسلحة إلى الخرطوم منذ تسعينيات القرن الماضي، والعقد الأول من الألفية الثالثة من القرن الحادي والعشرين. وقد اتخذ التعاون طابعًا استراتيجيًا، باعتبار إيران ترى أن السودان مركز مهم للتحركات الإيرانية في منطقة القرن الأفريقي، في إطار مشروعها الإقليمي الواسع الذي امتد إلى الساحة الأفريقية خلال فترة الرئيس أحمدي نجاد، حيث كان البلدان يواجهان ضغوطًا وعقوبات أمريكية.
فعلى سبيل المثال، في أبريل 1997 وقع البلدان أكثر من 30 اتفاقية تتراوح بين المشاريع المشتركة، والتدريب المشترك، وتأهيل وتدريب ضباط الجيش السوداني وجهاز الأمن والمخابرات في طهران. وفي مارس 2008، وقعت الدولتان اتفاقية للدفاع المشترك، تتضمن تنسيقًا دفاعيًا متقدمًا، وجهودًا مشتركة لتعزيز الأمن والسلام في منطقة القرن الأفريقي. وارتبط السودان، قبل قطع العلاقات، بروابط جيدة بإيران، خاصة في المجال العسكري، حيث كانت السفن الإيرانية كثيرًا ما ترسو في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.
لكن في عام 2014، بدأت العلاقة بين البلدين في التراجع، خاصة بعد مواجهة السودان أزمة اقتصادية خطيرة ونأت طهران بنفسها عن الخرطوم، حيث فشل في توفير مكاسب اقتصادية كبيرة للسودان، وذلك قبل أن ينخرط السودان في العام التالي في دعم العملية العسكرية السعودية في اليمن، في الوقت الذي دعمت فيه إيران الحوثيين، الأمر الذي وضع كلًا من السودان وإيران في وضع مواجهة غير مباشرة في اليمن، مما أدى إلى توترات عميقة في العلاقات الثنائية، سرعان ما كشفت عن نفسها في عام 2016 باتخاذ السودان قرارًا بقطع كافة أشكال العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وهو الوضع الذي استمر في سياق إقليمي معزز ارتفعت فيه حدة الاستقطاب، وتنامت فيه مظاهر السياسات العدائية في المنطقة.
ومثلما ساهمت المتغيرات الإقليمية في خلق حالة من التوتر التي انتهت بالقطيعة بين البلدين، ساهمت المتغيرات الإقليمية كذلك في استعادة العلاقات الثنائية بينهما في عام 2023، وذلك بعد أن أدى التقارب السعودي الإيراني إلى فتح مجال لم يكن قائمًا من قبل لعودة العلاقات السودانية الإيرانية، دون أن يعني ذلك اتخاذ القيادة السودانية قرارًا بتغيير نمط اصطفافها الإقليمي بما قد يحملها تكلفة سياسية واقتصادية مرتفعة.
تداعيات التقارب على السودان وإيران
إن تقارب الخرطوم مع طهران سيكون له تأثير على مواقف القوى الإقليمية والدولية حيال الحرب الدائرة حاليًا في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. كما يبدو واضحًا أن الجيش السوداني يريد إيصال رسائل إلى العديد من الدول في المحيط الإقليمي والدولي، يبرهن فيها أنه لديه بدائل في الأزمة الحالية يمكن أن يعدل بها إلى حد ما في عملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع، وأن يحقق فيها مكاسب على مستوى العمليات العسكرية التي تدور في كل من الخرطوم وبعض ولايات دارفور، وذلك بانفتاحه على حليف إقليمي قوي يتمتع بخبرة ممتدة في دعم حلفائه الإقليميين عسكريًا بالعتاد العسكري والخبرات التي يمكن أن تشكل عاملًا لتغيير توازن القوى القائم في ساحات القتال في الوقت الراهن.
فعمليًا، يمكن لإيران أن تمد الجيش السوداني بعتاد عسكري مؤثر يساعد المؤسسة العسكرية في الصمود لفترة أطول في الحرب واستنزاف الخصم، كما يمكن أن تسعى إيران لاستعادة حضورها القوي في السودان والمنطقة التي تمتد بطول الساحل الشرقي لأفريقيا، حيث يساعد التقارب الأخير مع السودان طهران على إعادة تموضعها في منطقة شرق أفريقيا، التي تمتلك فيها إيران حضورًا عسكريًا عبر الحوثيين في اليمن، فضلًا عن تاريخ قريب من العلاقات القوية مع عدد من دول المنطقة مثل إريتريا وكينيا وجزر القمر، فضلًا عن بعض الأطراف الفاعلة في الصومال. بل وحتى يمكن أن يتحول السودان لمركز للنشاط الإيراني في وسط القارة حتى غربها، وفي منطقة البحيرات وصولًا إلى جنوب القارة، خصوصًا أن إيران تسعى جاهدة لتنشيط استراتيجيتها تجاه القارة في إطار مواجهة العزلة المفروضة عليها من الغرب.
ختامًا، يمكن القول إن الاتفاق السعودي الإيراني قد فتح الباب أمام إيران لإعادة التموضع إقليميًا بصورة مختلفة عن العلاقات المتوترة التي سادت في السنوات الماضية. وفي ظل السياق الإقليمي المعقد القائم في الوقت الراهن، فإن إيران سوف تحرص على استغلال كافة الفرص السانحة من أجل استعادة نفوذها في أفريقيا الذي فقدت بعضًا منه خلال السنوات الأخيرة. وقد كان السودان من أبرز الدول التي يبدو أن إيران سوف تسعى من خلالها لتعزيز حضورها واستعادة نفوذها المتراجع في شرق أفريقيا، وهو ما يمكن أن يحمل تداعيات ممتدة على التوازنات القائمة في كل من الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.