نفذت جماعة بوكو حرام المتشددة، في الخامس والعشرين من أكتوبر 2024، هجومًا منظمًا استهدفت فيه حامية عسكرية للجيش الشادي في جزيرة “باركارام” الواقعة في حوض بحيرة تشاد على بعد 10 كليومترات من الحدود النيجيرية؛ الأمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من أربعين فردًا من القوات التشادية وعشرات الجرحى. فما البيئة المحفزة لهذا الصراع، وما دوافع الهجوم وطبيعته، ولماذا أخفقت جهود مواجهته، وما أدور القوى الخارجية في توظيفه لصالحها، وكيف يمكن مواجهته؟
أولًا: بيئة محفزة
تقع بحيرة تشاد بالجزء الشمالي الأوسط من القارة الأفريقية، وتمتد على أراضي أربع دول متجاورة، هي الكاميرون، النيجر، نيجيريا وتشاد التي تقع البحيرة فيها بمساحة شاسعة، وتعتبر منطقة بحيرة تشاد، مساحات شاسعة من مياه المستنقعات المنتشرة والمرصعة بالجزر الصغيرة والوديان الممتدة من المياه التى تشكل غطاءً واسعًا من الأرض بين الدول الأربع في بحيرة تشاد.
توفر هذه البيئة ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا، وتنشط بها الجماعات الأكثر تطرفًا في مقدمتهم بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ولاية غرب أفريقيا، كما توفر فرصة من أجل مهاجمة الجيش التشادي بشكل أساسي من أجل الحصول على الإمدادات والاستيلاء على الأسلحة من القوات الحكومية في كل من الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا. حيث سيطرت بوكو حرام الحامية العسكرية التشادية، ثم غنمت من المركبات العسكرية، قبل إحراق المركبات والدراجات النارية والمباني المجهزة بأسلحة ثقيلة. ثم عادت الجماعات لمناطق المستنقعات التى تعتبرها مواقع اختباء حصينة في بحيرة تشاد، لذلك من الصعب على تشاد أن تقاتل الجماعات الإسلامية المسلحة بمفردها في هذه المنطقة.
من جهة أخرى وفر الصراع في السودان بيئة محفزة أخرى لهجمات الحركة؛ حيث استغلت بوكوحرام التوترات العسكرية والقبلية الشديدة الاستقطاب والتعقيد والمتعلقة بالحرب في السودان، وانشغال الجيش التشادي بحشد أعداد كبيرة من قواته على الحدود الشرقية لضبط الحدود وتجنب تسلل المهددات الأمنية من السودان، خاصة بعد قيام المعارضة التشادية التي تقاتل في صفوف مليشيا الدعم السريع، بإعلان جبهة عريضة من أجل إسقاط الحكومة التشادية الحالية.
ثانيًا: دوافع الهجوم وطبيعته
جاء الهجوم الذي قامت به جماعة بوكو حرام ضد الجيش الشادي، كرد على الحملة الأمنية والعسكرية القاسية التي نفذها الجيش الشادي خلال الفترة الماضية ضد بوكو حرام سواء في محيط بحيرة تشاد. وهكذا جاء هذا الهجوم كرد فعل وعمل انتقامي، وقد اتضح ذلك من قيام الجماعة بحرق مستودعات الأسلحة والذخيرة للجيش التشادي، بعد استولت على عدد كبير من المركبات العسكرية.
والملاحظ أن بوكو حرام لا تستهدف المدنيين في هذه المنطقة، وتركز هجماتها على الجيش التشادي، ويعود ذلك إلى التفاهمات مع القبائل المنتشرة في هذه المنطقة، فضلًا عن أن هذه المناطق تعاني من تهميش من جانب الحكومة، ويتم اتهام سكانها بالتعاون مع الجماعات الإسلامية المسلحة والتنكيل بهم لهذا السبب، وبالتالي تعد بيئة حاضنة للجماعات المسلحة وهو ما يسمح للحركات المتطرفة بأن تجذب مزيدًا من العناصر للانضمام إليها، حيث تستخدم بوكو حرام هذه المظالم في عمليات تجنيد للمدنيين في هذه المناطق بدوافع الحماية للسكان المحليين والقرويين الذين يمارسون مهنتي الزراعة والفلاحة.
وتستهدف بوكو حرام من وراء هذا الهجوم زيادة النفوذ، وجذب تأييد مزيد من القرويين في حوض بحيرة تشاد، ولا شك أن جماعة بوكو حرام أثبتت من خلال هذه العملية قدرتها على إعادة تجميع صفوفها بالإضافة إلى التطور الكبير في تكتيكاتها عبر استخدامها توقيت تنفيذ الهجوم على الحامية.
ثالثًا: أدوار خارجية
تحاط بتشاد بالعديد من الأزمات الإقليمية، بداية من الحرب في السودان، مرورًا بعدم الاستقرار في كل من أفريقيا الوسطى، وليبيا، والنيجر، وصولًا إلى التوترات الناجمة عن استضافة هذه الدول قوات شبه عسكرية روسية من مجموعة فاجنر. هذا إلى جانب العامل الدولي بما له من تأثير، خاصة في ظل استياء فرنسا المتزايد من تعميق العلاقة بين روسيا وتشاد، بالإضافة إلى تدفق السلاح والعتاد العسكري المتطور والمتنوع للمليشيا الدعم السريع التي تقاتل الجيش السودانى عبر تشاد.
فقد كشف الهجوم الكبير الذي نفذته بوكو حرام ضد الحامية العسكرية التشادية عن وجود عوامل أخرى خارجية، لها مصلحة في زيادة بؤر التوتر والصراع في منطقة بحيرة تشاد من أجل تعزيز نفوذها أو إعادة التموضع. كذلك تسعى بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد من خلال تلك الفواعل الخارجية الداعمة لها في زيادة قدراتها العسكرية في المنطقة لاستخدامها لاحقًا ضد الأنظمة السياسية في تلك البلدان.
هذه الأدوار تعكس تطلعات القوى الخارجية إلى إعادة تشكيل هذه المنطقة وفقًا لمصالحها. وسوف تستمر الجهات الفاعلة غير الحكومية داخل المنطقة، في سياساتها الرامية لدعم خاصة الجماعات المتطرفة أو الراديكالية في منطقة بحيرة تشاد، واستخدامها كقاعدة للتأثير في الشئون والأحداث في البلدان تلك المنطقة؛ مما يؤدي إلى زيادة الاستقطاب في مجتمعاتها؛ مما يزيد من تعقيد الناجم عد دور الجهات الفاعلة في المنطقة.
رابعًا: تحديات وفرص المواجهة
سبق وأن شهدت منطقة بحيرة تشاد تطورات مهمة في مجال مكافحة الإرهاب، فقد قامت القوات المتعددة الجنسيات بتنفيذ عمليتين في أبريل ويوليو 2022، ضد جماعة بوكو حرام وهما عملية “ليك سانيتي، واحد وإثنين”، وقد أدت هذه العملية إلى استسلام 176 من منتسبي الجماعة، والقبض على 57 فردًا ضالعين في قضايا وأنشطة إرهابية ومصادرة أعداد كبيرة من الأسلحة البنادق والذخيرة ومواد الإمداد والتموين. وفي يوليو 2024، قامت القوة المشتركة باستهداف الجماعات جماعة “بوكو حرام” وتنظيم “داعش” غربي أفريقيا في بحيرة تشاد وقتلت منهم 70 شخصًا. مع ذلك فإن النهج العسكري الذي اتبعته دول الساحل وفرنسا، رغم أهميته، فإنه لم يضع نهاية حتمية لتهديدات بوكو حرام في المنطقة، ويعود ذلك إلى عدم وجود خطط لاستيعاب البيئة الحاضنة لنمو الحركة والتي تمدها بالعناصر المقاتلة.
وبالتالي، تحتاج دول حوض بحيرة تشاد الأربعة إلى تدابير وعمليات عسكرية مشتركة لفك الارتباط بين القرويين وجماعة بوكو حرام وتنظيم الدولة لاستعادة الاستقرار، من خلال سياسية تنموية تتمثل في التعاون والتنسيق والتحالف بين القرويين وبوكو حرام، إذ لا بد من معالجة الأسباب الرئيسية التي أسهمت بدور كبير في تمدد بوكو حرام، خاصة في شمال شرق نيجيريا وجنوب النيجر، وبدرجة أقل في شمال الكاميرون، وبوتيرة متصاعدة في منطقة بحيرة تشاد.
بالإضافة إلى ذلك يجب وضع رؤية دولية وإقليمية تساعد تشاد وغيرها من دول الجوار في معالجة المشاكل للمجتمعات المهمشة التي تستغلها الجماعات الإسلامية المتشددة سواء كانت هذه الأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، فضلًا عن الاستعانة بأدوار الزعماء المحليين والدينيين، للحد من انخراط الشباب القابلين بالتأثر بأفكار ببرامج بوكو حرام.
ختامًا، فإنه من أجل مواجهة التطرف المتنامي في بحيرة تشاد يجب تضافر الجهود الإقليمية والدولية من أجل مواجهته، وبالتالي يتعين على حكومات دول بحيرة تشاد الأربع، التطوير من قدرات القوة المشتركة، لدعم الوجود الأمني في المناطق حول البحيرة، والعمل على بناء ثقة مع المجتمعات المحلية. ولكن ثمة مشاكل تهدد تماسك القوة المتعددة الجنسيات، نتيجة للسياسات المتضاربة لأنظمة السياسية في دول المنطقة في كيفية التعامل مع المشاكل والتحديات ومعالجة الأيديولوجيات المتطرفة بشكل فعال التي تخلقها جماعة بوكو حرام. لذلك يجب وضع رؤية أفريقية تساعد هذه الدولة لمعالجة المشاكل للمجتمعات المهمشة التي تستغلها بوكو حرام سواء كانت هذه الأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، فضلًا عن الاستعانة بخدمات الزعماء المحليين والدينيين، للحد من انخراط الشباب القابلين بالتأثر بأفكار وبرامج بوكو حرام.