أعلن البنك الدولي تثبيت توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال الأعوام ٢٠٢٤ و٢٠٢٥ و٢٠٢٦ عند ٢.٨٪ و٤.٢٪ و٤.٦٪ على التوالي وهي النسب ذاتها المتوقعة للسنوات المالية الحالية ٢٠٢٣/٢٠٢٤ -التي تنتهي بنهاية يونيو الجاري- والسنتين الماليتين المقبلتين ٢٠٢٤/٢٠٢٥ و٢٠٢٥/٢٠٢٦ مقارنة بتوقعاته المعلنة في شهر أبريل الماضي.
أرجع تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن البنك تباطؤ النمو الاقتصادي العام الجاري ليصل إلى ٢.٨٪ مقارنة بمستوى قدره ٣.٨٪ في ٢٠٢٣ إلى عدد من العوامل الخارجية والداخلية؛ منها انخفاض نشاط التصنيع مع استمرارية تطبيق بعض القيود على الاستيراد، والانخفاض في عمليات استخراجات الغاز بالإضافة إلى ضعف النشاط الملاحي في قناة السويس على خلفية التوترات في البحر الأحمر مدعومة بالتصعيد الإسرائيلي في غزة، والذي أثر سلبًا أيضًا في قطاع السياحة في مصر وفقًا للتقرير.
تعافي الاقتصاد المصري
فيما أرجع التقرير تعافي مصر الاقتصادي خلال العامين المقبلين لعوائد مشروع تنمية منطقة رأس الحكمة الساحلية بالساحل الشمالي والذي وقعته مصر مع الصندوق السيادي لدولة الإمارات بقيمة استثمار أجنبي مباشر بلغت ٣٥ مليار دولار تتضمن ١١ مليارات دولار هي قيمة ودائع إماراتية لدى البنك المركزي المصري والتي يتم التنازل عنها لصالح المشروع بالإضافة إلى ٢٤ مليارات دولار سيولة نقدية تسلمتها مصر بالكامل.
يذكر أن حجم التمويلات المعلن عنها لمساندة الاقتصاد المصري حتى الآن بلغت ٥٧ مليارات دولار وهو ما دفع مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى “فيتش ريتينجس” و”موديز” و “إس آند بي جلوبال” لتعديل نظرتها المستقبلية من مستقر لموجب.
التضخم والاستهلاك
كما توقع تقرير البنك الدولي تعافي استهلاك الأفراد مدعومًا بانخفاض مستويات التضخم وعودة تدفقات تحويلات المغتربين التي تأثرت كثيرًا بسبب نقص الموارد الدولارية خلال العامين الماضيين، مما أدى إلى حدوث فجوة سعرية لسعر الدولار ما بين السوق الرسمي والسوق الموازي وصلت لـ١٠٠٪ بنهاية العام الماضي.
شهد معدل التضخم العام والأساسي لمصر تراجعًا للشهر الثالث على التوالي (مارس-أبريل-مايو)؛ لتسجل مستويات دون ٣٠٪ وفق قراءات مايو المعلنة منذ أيام من كل من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزي المصري.
تستهدف مصر معدل ٧٪ (±٢٪) للتضخم في الربع الرابع من العام الجاري ومعدل ٥٪ (±٢٪) في الربع الرابع من عام ٢٠٢٦ مع انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي القائم حاليًا مع مصر.
توقع التقرير أيضًا أن يساهم تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار بتعزيز قطاع الصادرات المصرية. في ٦ مارس الماضي طبقت مصر موجة رابعة من خفض قيمة الجنيه أمام الدولار ليفقد الجنيه أكثر من ٦٠٪ من قيمته منذ ذلك التاريخ. الخطوة كان من شأنها توحيد سعر صرف العملات في السوق المحلي.
يذكر أن البنك الدولي كان قد خفض في يناير توقعاته لنمو الاقتصاد المصري لعام ٢٠٢٤ لتصل إلى ٣.٥٪ من ٣.٧٪ توقعها سابقًا مدفوعًا بتبعات العدوان الإسرائيلي على غزة التي انعكست سلبًا على أداء الاقتصاد المصري.
تأتي توقعات البنك الدولي بعد أسابيع قليلة من إعلان صندوق النقد الدولي توصله لاتفاق خبراء مع الجانب المصري بشأن إجراءات إكمال المراجعة الثالثة لبرنامج التسهيل الائتماني الممتد القائم بقيمة ٨ مليارات دولار والذي يخضع لموافقة المجلس التنفيذي للصندوق حاليًا والذي من المتوقع أن يعلن اكتمال المراجعة قبل نهاية يونيو التي تمهد لصرف شريحة من القرض لمصر قدرها ٨٢٠ مليون دولار.
فرص وتحديات
مؤشرات البنك الدولي تعكس مدى قدرة الاقتصاد المصري على التعافي خلال العامين المقبلين؛ لكنها أيضًا تعكس كمّ التحديات التي يواجهها اقتصاد البلاد نظرًا للعدوان الإسرائيلي على غزة وهو ما لفت إليه التقرير بالقول إن الصراع الجيوسياسي في المنطقة يتصاعد مع تأثيراته الجسيمة في حركة التجارة في البحر الأحمر نظرًا لهجمات الحوثيين وأوجدت حالة من عدم اليقين بالنسبة للسياسات خاصة في الدول المجاورة للصراع.
بعد أن نجحت في تحقيق أعلى إيرادات في تاريخها في العام المالي المنقضي ٢٠٢٢/٢٠٢٣ محققة ٩.٤ مليارات دولار؛ هبطت عائدات قناة السويس المصرية -أحد أهم موارد الدخل القومي المصري والمصدر الرئيسي للسيولة الدولارية للبلاد- بواقع ٦٠٪ وفق تصريحات وزير المالية المصري الدكتور محمد معيط خلال أبريل الماضي. إلا أن القناة توقعت في مايو الماضي أن تتعافى الإيرادات في السنة المالية المقبلة ٢٠٢٤/٢٠٢٥ -التي يبدأ العمل بها ببداية يوليو المقبل- لتصل إلى ٩ مليارات دولار وهو معدل يقترب كثيرًا من معدلات السنة المالية الماضية.
الجدول1: توقعات البنك الدولي بخصوص اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وعلى صعيد الصادرات؛ تمتلك مصر خطة طموحة للوصول بقيمة الصادرات المصرية للأسواق الخارجية إلى ١٠٠ مليار دولار سنويًا تنفيذًا لتوجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي.
إلا أن إحصائيات البنك المركزي الأخيرة عن ميزان المدفوعات عكست مدى تأثر الصادرات بتوابع الحرب على غزة؛ حيث تحول ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من العام المالي الجاري ٢٠٢٣/٢٠٢٤ (يوليو-ديسمبر ٢٠٢٣) من تحقيق فائض قدره ٥٩٩.١ مليون إلى تحقيق عجز قدره ٤٠٩.٦ ملايين دولار مع اتساع عجز الميزان التجاري بنسبة ٢٠٪.
تراجعت صادرات مصر النفطية خلال النصف الأول من العام المالي الجاري بقيمة ٢.٢ مليار دولار لتسجل ٣.١ مليارات دولار نظرًا لتراجع صادرات الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية نتيجة ارتفاع الأسعار.
إلا أن الأرقام عكست تحسن عجز ميزان الصادرات غير النفطية خلال النصف الأول من العام الجاري بواقع ١.٨ مليار دولار ليحقق ١٥.٦ مليارات دولار نتيجة لتراجع الواردات وزيادة الصادرات.
وعلى صعيد تحويلات المصريين بالخارج؛ فقد أظهرت بيانات البنك المركزي تراجعها خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة تخطت ٢١٪ واتساع عجز ميزان الاستثمار بواقع ٧.٣٪ خلال الفترة ذاتها.
كما تحسنت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة ذاتها لتسجل ٦ مليارات دولار؛ تضمنت ٦٢٦.٤ مليون دولار من بيع الكيانات المحلية لغير المقيمين بالبلاد، و٢.٦ مليار دولار من إعادة استثمار العوائد و١.٩ مليار دولار من الاستثمارات الخضراء وزيادة رءوس الأموال في الشركات القائمة. كما وصلت عائدات بيع العقارات للأجانب ٥٣٦.٧ مليون دولار خلال الفترة ذاتها مقابل ٣٤٨.٧ مليون دولار في الفترة ذاتها من السنة المالية الماضية.
البنك الدولي يدعم مصر بـ ٦ مليارات دولار
يذكر أن البنك الدولي قد أعلن حزمة إنقاذ مالي لمصر بقيمة ٦ مليارات دولار على مدار السنوات الثلاثة المقبلة؛ بواقع ٣ مليارات دولار لدعم موازنة الحكومة في خضم تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، و٣ مليارات سيتم حشدها من القطاع الخاص للاستثمار المباشر في مصر. سيتم توفير الـ٣ مليارات الخاصة بدعم الحكومة بواقع حوالي مليار دولار سنويًا حتى عام ٢٠٢٦ على ثلاث شرائح تخضع لموافقة مجلس مديريه عند صرف كل شريحة.
حقيقة الأمر أن هذه الحزمة هي جزء من الحزمة التي أعلنها البنك سابقًا خلال مارس من العام الماضي في إطار استراتيجية الشراكة بين مصر والبنك (٢٠٢٣- ٢٠٢٧) بقيمة ٧ مليارات دولار والتي تتضمن صرف مليار دولار سنويًا من البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية و٢ مليار دولار من مؤسسة التمويل الدولية بالإضافة لضمانات مالية من كل من مؤسسة ضمانة الاستثمار المتعدد (MIGA).
كما وقع اختيار مصر على مؤسسة التمويل الدولية لتكون المستشار الفني لبرنامج الطروحات الحكومية المصري تحت مظلة برنامج خصخصة الشركات الحكومية وخطة التخارج من عدد من الأنشطة الاقتصادية ولتأهيل الشركات المطروحة للقطاع الخاص سواء بالإدارة أو بالبيع أو من خلال طرح حصص بهذه الشركات. ٥٠٪ من عائد تنفيذ هذا البرنامج سيتم استغلالها في النزول بسقف الدين من ٩٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي ٢٠٢٢/٢٠٢٣ إلى ما دون ٨٠٪ بحلول عام ٢٠٢٧.
من المتوقع أن يعلن الدكتور مصطفى مدبولي تشكيل الحكومة الجديدة بعد إعادة تكليفه من قبل رئيس الجمهورية خلال الأيام القليلة المقبلة وهي الحكومة التي ينتظرها العديد من الملفات الاقتصادية المهمة خاصة مع قرب بداية السنة المالية الجدية ٢٠٢٤/٢٠٢٥ -يوليو المقبل. قرارات وتوجهات الحكومة خلال السنة المالية المقبلة مع مستهدفها لنمو اقتصادي تبلغ ٤.٢٪، سترسمها التزامات مصر أمام صندوق النقد الدولي على الصعيد النقدي والمالي خاصة مع توقعات موافقة الصندوق النهائية على إكمال المراجعة الثالثة لبرنامج القرض خلال الأسابيع القليلة المقبلة.