تعتزم الحكومة المصرية إسناد إدارة الموانيء الجوية (المطارات) للقطاع الخاص في إطار استراتيجية الدولة الهادفة لزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي للبلاد بمختلف قطاعاته، فضلًا عن تعظيم الاستفادة من الأصول المملوكة للدولة بما ينعكس على النمو الاقتصادي.
تمتلك مصر 23 مطارًا بعد إنشاء أربعة مطارات خلال السنوات التسعة الأخيرة وهي مطارات سنفكس، والعاصمة الإدارية، وبرنيس، والبردويل”. تبلغ السعة الاستيعابية للمطارات المصرية 63.5 مليون راكب بنهاية عام 2023.
يمثل بناء اقتصاد تنافسي وجاذب للاستثمارات أحد المرتكزات الأربعة لبرنامج عمل الحكومة الذي يترجم الاستراتيجية العامة للدولة فيما يتعلق بالتشارك مع القطاع الخاص. كما أن شراكة الدولة مع القطاع الخاص تأتي ضمن آليات تمويل البرنامج التي تتضمن أيضًا تعزيز الاستثمارات الخاصة وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وقد تم تخصيص برنامجًا فرعيًا في برنامج عمل الحكومة (2024/2025 – 2026/2027) لتعزيز تنمية قطاع الطيران المدني وهو المستهدف الذي يتكامل معه التوجه نحو إسناد إدارة المطارات المصرية للقطاع الخاص ذي الخبرة الواسعة في هذا المجال في ظل تحديات هائلة تواجهها صناعة الطيران نظرًا للتوترات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية.
رؤية الحكومة لتطوير قطاع الطيران المدني (2024/2025 – 2026/2027)
يستهدف قطاع الطيران المدني زيادة القدرة الاستيعابية للمطارات المصرية لتصل إلى 72.2 مليون راكب على أساس سنوي بحلول عام 2026/2027 من 66.2 مليون راكب في العام المالي المنتهي 2023/2024 وصولًا إلى مستهدف 109.2 ملايين راكب سنويًا بنهاية 2030. يرتبط ذلك بمستهدف إنشاء مبنى ركاب جديد بمطار القاهرة الدولي بقدرة استيعابية 30 مليون راكب سنويًا بالإضافة إلى إنشاء مبنى ركاب آخر بمطار الغردقة الدولي بطاقة استيعابية 7 ملايين راكب سنويًا.
تستهدف الحكومة كذلك دعم أسطول الشركة الوطنية لمصر للطيران للوصول إلى 97 طائرة بالإضافة إلى 6 طائرات شحن جوي بحلول عام 2026/2027 مع دعم منظومة الطيران منخفض التكاليف كأحد أهم مكونات صناعة الطيران.
وفيما يتعلق بالشراكة مع القطاع الخاص، يستهدف البرنامج تعزيز الشراكات الاستراتيجية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة للقطاع من خلال إنشاء مناطق استثمارية حول المطارات المصرية وتحويل المطارات المصرية إلى مطارات ذكية بهدف تحسين تجربة المسافرين.
وفيما يتعلق بتشغيل وإدراة المطارات المصرية؛ نص البرنامج على أنه تتم حاليًا دراسة أفضل الممارسات في هذا الصدد بالتوجه نحو إسناد إدارة وتشغيل المطارات لشركات أجنبية لزيادة عوائد المطارات وتحسين تجربة المسافر. يتزامن مع ذلك رفع كفاءة منظومة العمل بالشركات التابعة لوزارة الطيران المدني وإجراء إصلاح هيكلي للشركة القابضة لمصر للطيران والشركات التابعة.
هذه الرؤية في ظل التحديات الإقليمية والعالمية الراهنة تتطلب مزيد من التعاون مع القطاع الخاص وكذلك للاستفادة من التطور في حركة السفر المتوقعة خلال الأعوام المقبلة. ففي عام 2024، تتوقع “إياتا” مزيدًا من النمو في حركة المرور، رغم أنه سيكون بوتيرة أبطأ مقارنةً بتلك التي شهدناها في عامي 2022 و2023.
من المفترض أن يسمح ذلك بتحقيق صافي أرباح لصناعة الطيران يصل إلى 30.5 مليار دولار، مع هامش صافي ربح بنسبة 3.1٪ وهامش تشغيل بنسبة 6٪. ومن المتوقع أن يواصل هامش التشغيل اتجاهه التصاعدي، مدفوعًا بالطلب المستمر وزيادات إضافية في استخدام الأسطول وعوامل الحمولة، وفقًا لتقرير “إياتا”.
تجارب دولية في إدارة وتشغيل القطاع الخاص للمطارات
هناك العديد من التجارب الدولية الناجحة في مجال إدارة وتشغيل المطارات على مستوى العالم وفي المنطقة العربية بمشاركة القطاع الخاص مع القطاع العام في كل بلد. وعادة ما يتم تنفيذ هذه الشراكات بتطبيق نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPPs) أو من خلال اتفاقيات الخصخصة. وكذلك من خلال الاستعانة بالقطاع الخاص في بعض المجالات.
من هذه التجارب ما يلي:
- مطار هيثرو في لندن (LHR)، المملكة المتحدة
- المشغل: هيثرو للمطارات القابضة (سابقًا BAA Ltd.)
- الوصف: يعد هيثرو من أكثر المطارات ازدحامًا في العالم، وتُديره شركة خاصة تتولى إدارة عملياته وتطويره وصيانته. يدير المطار شركة مطار هيثرو القابضة والتي تم انشاؤها بعد عقد شراكة مع القطاع الخاص لادارة. وتشغيل المطار في إطار خصخصة الأصول المملوكة للدولة في المملكة المتحدة عام 2006. وقد حقق مطار هيثرو إيرادات بحوالي 3.7 مليارات جنيه إسترليني في عام 2023 وهو الأعلى في تاريخ الشركة.
- مطار شارل ديغول في باريس (CDG)، فرنسا
- المشغل: مجموعة ADP (مطار باريس) والتي تتولى إدارة عدد من المطارات الفرنسية الأخرى تحت مسمى “مطار باريس” منذ العام 2016، كما تدير 26 مطارًا دوليًا على مستوى العالم بحصص من الملكية في بعضها.
- الوصف: رغم أن مجموعة ADP هي شركة مدرجة في البورصة، فإنها تدير مطار شارل ديغول تحت نموذج يشمل مشاركة كبيرة من القطاع الخاص. وقد حقق المطار حوالي 5.5 مليارات يورو عوائد خلال 2023 بعائد تشغيل 1.2 مليار يورو محققًا نموًا يفوق 32٪ مقارنة بمستويات 2022.
- مطار إسطنبول (IST)، تركيا
- المشغل: كونسورتيوم IGA (مطار إسطنبول الكبير) والتي أُسست عام 2013. وهي الشركة المسئولة عن تشغيل وصيانة المطار لمدة 25 عامًا.
- الوصف: يُدار بواسطة تحالف من الشركات التركية الخاصة، بما في ذلك Cengiz Holding وMapa وLimak وKolin. وقد حقق مطار إسطنبول مليار يورو كأرباح خلال 2023.
- مطار سيدني (SYD)، أستراليا
- المشغل: شركة مطار سيدني المحدودة وهي شركة خاصة من مجموعة من المستثمرين بنسب شراكة.
- الوصف: يُدير ويُشغل بشكل خاص، مع التركيز على الكفاءة والتوسع.
- مطار دبي الدولي (DXB)، الإمارات العربية المتحدة
- المشغل: شركة مطارات دبي
- الوصف: على الرغم من أن المطار مملوك للحكومة، فإن شركة مطارات دبي تدير مطار دبي الدولي DXB مع تركيز قوي على ممارسات الإدارة من القطاع الخاص.
- شركة مطارات دبي، وهي الجهة المسئولة عن إدارة وتشغيل مطار دبي الدولي (DXB) ومطار آل مكتوم الدولي (DWC)، تعمل بمبادئ الإدارة من القطاع الخاص. تهدف الشركة إلى تطبيق ممارسات الإدارة الفاعلة في القطاع الخاص لتحسين الأداء والخدمات.
يشمل نموذج الشراكة مع القطاع الخاص في هذا الصدد ما يلي:
التعاون مع الشركات الخاصة: شركة مطارات دبي تتعاون مع شركات خاصة في مشاريع تطوير البنية التحتية والخدمات، مثل تحسين مرافق المطار وتوسيعها.
- الاستثمار الخاص: يتم جذب الاستثمارات الخاصة للمساهمة في تطوير المرافق والخدمات داخل المطار، مما يعزز القدرة التنافسية للمطار ويوفر تجربة أفضل للركاب.
- الشراكات الاستراتيجية: الشراكة مع الشركات العالمية في مجالات مثل الأمن، والخدمات اللوجستية، وإدارة المرافق، وتطوير المشاريع.
مؤشرات إيجابية
شهد قطاع الطيران المدني في مصر ضخ استثمارات بأكثر من 28 مليار جنيه خلال الفترة من 2014 وحتى 2020، وفقًا لبيانات وزارة الطيران المدني.
حققت المطارات المصرية إنجازًا كبيرًا على مستوى القارة الأفريقية في حركة الركاب والشحن الجوي حيث تصدرت قائمة أفضل عشرة مطارات على مستوى القارة الأفريقية في تصنيف المجلس الدولي للمطارات من حيث حجم حركة الركاب فى عام 2021 كما حل مطار القاهرة في المركز الثاني من حيث حركة شحن البضائع.
فيما جاء ترتيب مطار الغردقة الخامس ومطار شرم الشيخ الثامن ضمن المطارات الأفريقية العشرة الأولى من حيث عدد الركاب وحقق مطار القاهرة المركز الأول أفريقيًا بعدد ركاب بلغ 11 مليونًا و346 ألف راكب متفوقًا على مطارات جنوب أفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا والمغرب وكينيا وشهد عام 2022 تشغيل مطاري سفنكس ومبنى الركاب (2) بشرم الشيخ وأعمال تطوير مختلف المطارات في ضوء تحقيق أهداف التنمية لشاملة ورؤية الدولة المصرية 2030.
هذه المؤشرات واعدة والتي سيتم استثمارها في تدعيم توجه الدولة لإسناد إدارة وتشغيل المطارات المصرية لشركاء من القطاع الخاص خاصة وأن الحكومة الآن في مرحلة اختيار المكتب الاستشاري العالمي الذي سيقوم بدراسة أوضاع المطارات المصرية ومؤشراتها الاقتصادية لتحديد المطارات التي سيتم إسنادها للقطاع الخاص لاحقًا.كان المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري قد صرح بأن إشراك القطاع الخاص في الإدارة والتشغيل يسهم في تحسين الخدمات وزيادة الإيرادات المحصلة وتطوير المطارات بما يعظم من أصول الدولة، وأنه سيعمل وفق الضوابط المحددة من قبل الحكومة في هذا الشأن وأن الشراكة مع القطاع الخاص تأتي في إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة التي أعلنتها الحكومة المصرية لزيادة دور القطاع الخاص في إدارة أصول الدولة وزيادة استثمارات القطاع إلى نسبة 65% من إجمالي الاستثمارات.