تُجرَى الانتخابات الرئاسية في تونس في الفترة من 4-6 أكتوبر 2024، ويتنافس في هذه الانتخابات ثلاثة مرشحين، بيد أن المشهد الانتخابي تغلب عليه بعض الأزمات التي تعاني منها الدولة، بما يُفاقم من التحديات التي تقع على عاتق الرئيس القادم. في هذا السياق يناقش التحليل المشهد الانتخابي، والتحديات التي تشهدها تونس، سواء بتراجع تصنيفها في مؤشر الديمقراطية من ناحية، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من ناحية أخرى.
أولًا: المشهد الانتخابي
شهدت تونس آخر انتخابات رئاسية في 15 سبتمبر و13 أكتوبر 2019، وتجري الانتخابات القادمة وفق قرار رئيس الجمهورية الصادر في 3 يوليو 2024 بدعوة الناخبين لاختيار رئيس لمدة خمس سنوات. تُعقد الانتخابات في الخارج في الفترة من 4-6 أكتوبر 2024. بينما تُعقد في الداخل في 4 أكتوبر. ويتم انتخاب الرئيس عبر الاقتراع بالأغلبية على أساس التمثيل الفردي، مع إمكانية إجراء دورتين للانتخابات في حال عدم حصول على أي من المرشحين على أغلبية الأصوات (أكثر من 50%).
وفق القانون الانتخابي رقم 16 لسنة 2014 المواد (111-112)، “في حال عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى، تُعقد دورة ثانية خلال أسبوعين تاليين لإعلان النتائج النهائية للدورة الأولى، بين المرشحين الحاصلين على أكثر عدد من الأصوات، وفي حال تساوي عدد الأصوات في الدورة الثانية، يتم تقديم المترشح الأكبر سنًا أو التصريح بفوزه”. وقد شهدت تونس دورتين في انتخابات 2019، واللتين فاز بهما الرئيس “قيس سعيد” في الجولة الثانية بنسبة 72.71%، في مقابل حصول نبيل القروي المرشح المناظر له على 27.29%، وكانت نسبة المشاركة متوسطة، حيث بلغت في الدورة الأولى 48.98%، و55.01% في الدورة الثانية.
ربما يختلف سياق الانتخابات الرئاسية 2024 عن سابقتها في عام 2019، في ظل حالة من الصراع السياسي داخل الدولة والاحتجاجات بين حين وآخر، وتراجع الثقة لدى المواطن في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية لم تتغير، الأمر الذي يؤثر بدوره على المشاركة في الانتخابات في أكتوبر الجاري. يُمثل عدد الناخبين في انتخابات 2024 نحو أكثر من 9 ملايين ناخب في الداخل، بينما يبلغ عددهم في الخارج نحو 642 ألف ناخب.
المصدر: الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس
ويتنافس في انتخابات 2024 ثلاثة مرشحين هم “العياشي بن عبد الحميد زمال” رئيس حركة عازمون، و”زهير بن محمد الصالح المغزاوي” أمين عام حركة الشعب في تونس، والرئيس الحالي “قيس بن المنصف سعيد”، وذلك بعد فتح باب الترشح في 29 يوليو الماضي، واستيفاء نحو 17 مرشحًا شروط التقدم، بينما رفضت الهيئة نحو 14 مرشحًا، لعدم قدرتهم على الحصول على التزكيات المطلوبة، أو الشرط المستحدث المتعلق بحصولهم على وثائق قانونية من وزارة الداخلية تُثبت عدم وجود سجلات جنائية لديهم، إذ ينبغي أن يحصل المرشح الرئاسي على تزكية من 10 آلاف ناخب موزعة على 10 دوائر انتخابية، وألا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة، ولا يجوز تزكية أكثر من مرشح، أو حصول المرشح على تزكية 10 نواب من البرلمان أو 40 من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة، وذلك وفق القانون الانتخابي رقم 16 لسنة 2014، في المادة 41.
يُعد المرشح “العياشي بن عبد الحميد زمال” رئيس حركة عازمون، رجل أعمال، ونائبًا سابقًا في برلمان 2019 وقد أسس حزب “أزيمون” في العام 2022، وهو من الداعمين لمبدأ حرية الرأي والتعبير والفصل بين السلطات، ويُحسب على القوى المعارضة لمسار يوليو 2021 الذي اتبعه الرئيس “قيس سعيد”، ويتبنى برنامجًا اقتصاديًا بهدف تحقيق نمو بنسبة 4.2% في السنوات الخمس المقبلة، فضلًا عن التطلع للاستثمار في قطاعات التكنولوجيا، والصناعات الحديثة، والسياحة، والزراعة، والطاقة.
ومن بين المرشحين في السباق الانتخابي “زهير بن محمد الصالح المغزاوي” أمين عام حركة الشعب القومي العربي، وكان من مؤيدي إجراءات 25 يوليو في تونس في بداية المسار، لكن تراجع تأييده مع ضعف المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ورفض المشاركة في الانتخابات المحلية في ديسمبر 2023. يتبنى برنامجًا يقوم على مكافحة البطالة، وتعزيز التكوين المهني، وإعطاء أولوية للزراعة، بالإضافة إلى العمل على توفير مناخ ملائم للاستثمار، مع تأييده فكرة الاستدانة لصالح المشروعات الاستثمارية الكبرى.
أما الرئيس الحالي “قيس سعيد” الذي يتمتع بفرص الفوز في هذه الانتخابات، بالرغم من الاعتراضات على السياسات المتبعة، فله بعض المؤيدين الداعمين لمسار الخامس والعشرين من يوليو 2021، مثل حركة تونس إلى الأمام، والتيار الشعبي، وحركة الشعب، والحزب الوطني التونسي. بينما هناك قوى سياسية معارضة للرئيس ورافضة لمسار 25 يوليو منها: جبهة الإنقاذ الوطني في تونس، والمنظمة النقابية الأولى في تونس “الاتحاد العام التونسي للشغل”، والحزب الدستوري الحر.
إذ يواجه الرئيس “قيس سعيد” صدامًا مع منظمات المجتمع المدني في ضوء تبنيه مسار يوليو 2021، وتصاعد الانتقادات له، بالإضافة إلى حالة الاستياء من السياسات المتبعة بما يكرس للاستبداد في تونس. وهو ما قاد إلى بعض التظاهرات، إذ دعت “الشبكة التونسية للحقوق والحريات”، والتي تدافع عن الديمقراطية والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى احتجاج في 13 سبتمبر الماضي وآخر في 27 سبتمبر اعتراضًا على تعديل القانون الانتخابي، والمسار المتبع من قبل الرئيس الحالي، وقرار الهيئة العليا المستقلة، بعدم تنفيذ قرار المحكمة المؤيد لعودة بعض المرشحين للسباق الانتخابي باعتباره غير قانوني. كذلك أدان الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان له في 3 سبتمبر قرار الهيئة، وتجاهل إعادة المرشحين باعتباره غير قانوني وتعديًا على أحكام القضاء. إذ قام ستة من المرشحين الذين رفضت الهيئة أوراقهم بالطعن أمام المحكمة الإدارية، وأيدت الأخيرة قبول ثلاثة منهم: (منذر الزنايدي الوزير السابق، عبد اللطيف المكي القيادي السابق بحركة النهضة، عماد الدايمي القيادي السابق بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) لكن رفضت الهيئة تنفيذ قرار المحكمة، وأعلنت القائمة النهائية للانتخابات الرئاسية 2024 والتي تضم المرشحين الثلاثة السابق توضيحهم.
وعليه تسيطر حالة من الرفض السياسي، والجدل القانوني على المشهد الانتخابي التونسي، وشرعية هذه الانتخابات، في ظل الخلاف السابق بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية.
ثانيًا: تراجع الديمقراطية
يُنظر إلى تونس باعتبارها الدولة العربية الأكثر ديمقراطية بعد الإطاحة بالنظام الاستبدادي للرئيس “زين العابدين بن علي” في عام 2011 وانتقالها إلى آخر ديمقراطي، لكن تراجع تصنيفها وفق مؤشر الديمقراطية الصادر عن الإيكونيميست في 2023. يقيس هذا المؤشر خمس فئات (التعددية والعملية الانتخابية، الحريات المدنية، أداء الحكومة، المشاركة السياسية، الثقافة السياسية) ويتم تقسيم الدرجات من 0-10، وتعتبر 10 أعلى درجات الديمقراطية، ويتم حساب تلك الدرجات بقياس الوسط الحسابي لمجموع الفئات الخمس. ووفق المؤشر، تُصنف تونس ضمن الأنظمة الهجينة التي تتراوح نسبتها من 4-6، وحصلت على نسبة 5.51 وهي النسبة ذاتها في العام 2022، لا سيما في ظل تراجع بعض المؤشرات السياسية سواء بسجن بعض رموز المعارضة، وتكريس الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية.
وبحسب المؤشر، من ملامح النظم الهجينة، الانتخابات بها مخالفات، ليست حرة ونزيهة، ويمارس النظام قيودًا على أحزاب المعارضة والمرشحين، وكذلك مستوى الثقافة والمشاركة السياسية منخفضة، والمجتمع المدني ضعيف، ويواجه الصحفيون مضايقات وضغوط، فضلًا عن أن القضاء غير مستقل، وهناك ضعف في سيادة القانون، وفي عمل الحكومة، بالإضافة إلى انتشار الفساد بدولها على نطاق واسع.
في هذا السياق، كان تصنيف تونس متراجعًا لعدة عوامل منها: الاتجاه نحو المركزية المفرطة في ظل تركز أغلب الصلاحيات في يد رئيس الدولة، فضلًا عما شهده بعض الصحفيين والناشطين السياسيين والمعارضة من حالة من القمع في عهد النظام المنتخب منذ عام2019، إذ يحاكم نحو 41 صحفيًا في تونس، ومن ضمن هذه القيود اعتقال المحامية والصحفية “سنية الدهماني” في 11 مايو 2024 على خلفية تصريحات انتقادية للأوضاع في تونس، والسخرية من خطاب الرئيس بشأن سياسات الهجرة. وفي سبتمبر 2022 أصدر الرئيس المرسوم بقانون 54 الذي يجرم ترويج أو نشر أخبار أو شائعات كاذبة، ويعاقب من ينتهك القانون بمدة تصل إلى ما بين 5-10 سنوات. علاوة على سجن بعض شخصيات المعارضة ومنهم “راشد الغنوشي” رئيس حركة النهضة في أبريل 2023، بتهمة التآمر ضد الدولة ولمدة ثلاث سنوات. و”عبير موسى” رئيسة الحزب الدستوري، و”غازي الشواشي” الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، و”عصام الشابي” الأمين العام للحزب الجمهوري.
ثالثًا: تحديات قائمة
تُعقد الانتخابات الرئاسية التونسية 2024 في ظل عدة تحديات اقتصادية واجتماعية تشهدها الدولة، إذ تعاني تونس من أزمة بطالة بنسبة 16%، وتضخم بنسبة 10%، بالإضافة إلى تصاعد الفقر من 23.2% إلى 32.6 في العام 2024. علاوة على تحدي الهجرة غير الشرعية وهجرة بعض الشباب في ضوء تقديرات بهجرة نحو 20 ألف تونسي في العام 2020 نتيجة الظروف الاقتصادية المتراجعة، كما أن سواحل تونس تقع على بعد أقل من 150 كيلومترًا من إيطاليا، وتمثل نقطة انطلاق في شمال أفريقيا للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى العابرين للبحر المتوسط وصولًا إلى أوروبا، لذلك وقعت اتفاقًا للشراكة مع الاتحاد الأوروبي في يوليو 2023 بهدف الحد من وصول المهاجرين إلى السواحل الإيطالية بنحو مليار يورو. وقد اتخذت الدولة منذ توقيع الاتفاق إجراءات أمنية مشددة للحد من عملية الهجرة، وتتبعت المخيمات الواقعة شمال صفاقس، مع سجن المهربين الذين تولوا عملية تهريب الشباب بطرق غير شرعية، وقامت الشرطة التونسية بترحيل المهاجرين الذين تم اعتراضهم في البحر إلى الحدود الصحراوية، بما مثل تطورًا في التعامل مع ملف الهجرة. ولا تزال هناك تحديات تواجه الدولة تتعلق بضبط الحدود، وتحقيق الاستقرار السياسي، ومواجهة الوضع الاقتصادي المضطرب، وكلها أمور تقع على أجندة الرئيس التونسي القادم.
ختاما، يبدو أن هناك حالة من الصراع السياسي تسيطر على المشهد الانتخابي في تونس من حيث قبول بعض المرشحين، ورفض آخرين من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، بما يعني انعقاد الانتخابات، في ظل توترات سياسية، وأوضاع مضطربة اقتصاديًا واجتماعيًا، الأمر الذي يرتب احتمالية تراجع نسب المشاركة بها خاصة أن أداء المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لم يتجاوز 11%. وفي حال فوز الرئيس “قيس سعيد” بولاية ثانية، قد تشهد الدولة حالة من عدم الاستقرار سواء بتنظيم احتجاجات أو تظاهرات، كون التغيير الذي رغب به المواطن التونسي في 2011 لم يتحقق بعد. وعليه تتطلب الفترة الرئاسية الثانية حتى العام 2029، اتباع مسار مغاير لمواجهة هذه التحديات.