مقدمة
بدأ غزو الفضاء في منتصف القرن العشرين، وكان السباق في بدايته محمومًا بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تسابق الطرفان على غزو الفضاء وبسط السيطرة عليه، وكان هدفهم المعلن هو الإسراع في عملية تطور البشرية وتنمية كوكب الأرض. وفي زمن أصبح فيه غزو الفضاء ضرورة حتمية، لا بديل عن أن تكون مصر إحدى الدول الرائدة في استخدام الفضاء وتطبيقاته من أجل التنمية العمرانية وللحفاظ على الأمن القومي المصري.
برنامج الفضاء المصري: البداية
بدأ برنامج الفضاء المصري في العصر الحديث بداية من إنشاء مرصد حلوان الفلكي عام 1905، ثم تم إنشاء برنامج الفضاء المصري عام 1960 إلى أن توقف عام 1967 بسبب نكسة يونيو. ثم جاءت الثمانينيات التي جرت فيها محاولات لإعادة إحياء برنامج الفضاء المصري من خلال وزارة البحث العلمي، لكن المحاولات لم يكتب لها النجاح. ثم جاء عام 1991 والذي تم فيه إنشاء الهيئة الوطنية للاستشعار، ثم تمت إعادة هيكلتها تنظيميًا في عام 1994، بعد صدور القرار الجمهوري رقم 261 لسنة 1992، لتصبح الهيئة الوطنية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء تابعة لوزارة البحث العلمي.
في عام 1998 دخلت مصر مجال الأقمار الصناعية مع إطلاق أول قمر صناعي مصري في 28 إبريل عام 1998 وهو نايل سات 101 والخاص بالبث الفضائي، وتم إنشاء الشركة المصرية للأقمار الصناعية نايل سات، وتوالت بعدها إطلاق الأقمار الصناعية المختلفة والمختصة بالبث الفضائي والاتصالات والاستشعار عن بعد بإجمالي عدد 11 قمرًا (انظر الجدول رقم 1)، إلى أن جاء عام 2018 والذي تم فيه إصدار القانون رقم 3 لسنة 2018 بإنشاء وكالة الفضاء المصرية كهيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية وتهدف إلى استحداث ونقل علوم تكنولوجيا الفضاء وتوطينها وامتلاك القدرة الذاتية لبناء الأقمار الصناعية .
برنامج الفضاء المصري: مؤسسات راسخة ومستقبل مشرق
يعمل في مجال الفضاء في جمهورية مصر العربية مؤسستان مهمتان، وهما الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء، ووكالة الفضاء المصرية، حيث من المفترض وجود التكامل بين المؤسستين لتحقيق أهداف الدولة في مجال الفضاء، وتنقسم المسئوليات بينهم على النحو التالي:
- الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء:
تعمل الهيئة القومية على تطبيقات الاستشعار من البعد وعلوم الفضاء على استخدام البيانات التي توفرها أقمار رصد الأرض وأجهزة الاستشعار المختلفة المحمولة جوًا لإنتاج الخرائط والبيانات المكانية لمختلف التطبيقات مثل تقييم ورصد الموارد الطبيعية والمخاطر الطبيعية وإدارة البيئة، حيث يهتم قطاع علوم وتكنولوجيا الفضاء بالبحث والتطوير في أجهزة الاستشعار والأنظمة الفرعية للأقمار الصناعية وما إلى ذلك.
- وكالة الفضاء المصرية:
تختص وكالة الفضاء المصرية طبقًا للقانون رقم 3 لسنة 2018 بتطوير وتنفيذ استراتيجيات الدولة المصرية لبرنامج الفضاء الوطني، بالإضافة إلى استحداث ونقل علوم وتكنولوجيا الفضاء وامتلاك القدرات الذاتية لتصنيع الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضي المصرية، كما ستعمل على دعم المؤسسات التي تهتم بتطوير صناعة الفضاء ودعم براءات الاختراع والموافقة على التمويلات، بالإضافة إلى تطوير العلاقات الدولية والاستراتيجية للتعاون مع الدول الأجنبية في مجال صناعة الفضاء.
وبالتالي وفقًا للاستراتيجية المصرية، فإنه من المفترض حدوث تكامل بين المؤسستين، بحيث تستطيع الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء من أداء مهامها وتطويرها، في حين تقوم وكالة الفضاء المصرية بتوفير كافة الاحتياجات والتكنولوجيا محليًا بالإضافة إلى التكامل بين مؤسسات الدولة المختلفة في المجالات الفضائية.
برنامج الفضاء المصري: الإمكانيات الحالية وكيف استفادت منه مصر
تمتلك مصر حاليًا 5 أقمار صناعية عاملة بالخدمة بمختلف الاستخدامات وهم طبقًا للجدول التالي:
القمر | الوظيفة | تاريخ الإطلاق | الحالة الحالية | المالك |
نايل سات 101 | بث تلفزيوني | إبريل 1998 | انتهاء مهمته | الشركة المصرية للأقمار الصناعية – نايل سات |
نايل سات 102 | بث تلفزيوني | أغسطس 2000 | انتهاء مهمته | الشركة المصرية للأقمار الصناعية – نايل سات |
نايل سات 201 | بث تلفزيوني | أغسطس 2010 | في الخدمة | الشركة المصرية للأقمار الصناعية – نايل سات |
نايل سات 301 | بث تلفزيوني | يونيو 2022 | في الخدمة | الشركة المصرية للأقمار الصناعية – نايل سات |
إيجيبت سات 1 | استشعار عن بعد | إبريل 2007 | فقدان الاتصال مع القمر | الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء |
إيجيبت سات 2 | استشعار عن بعد | إبريل 2014 | فقدان الاتصال مع القمر | الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء |
إيجيبت سات A | استشعار عن بعد | فبراير 2019 | في الخدمة | الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء |
طيبة – 1 | اتصالات | نوفمبر 2019 | في الخدمة | الشركة الوطنية لخدمات الاتصالات |
نارس كيوب 1 | بحث علمي | سبتمبر 2019 | انتهاء مهمته | الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء |
نارس كيوب 2 | بحث علمي | نوفمبر 2019 | انتهاء مهمته | الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء |
نيكسات-1 | استشعار عن بعد | فبراير 2024 | في الخدمة | وكالة الفضاء المصرية |
استفادت الدولة المصرية كثيرًا من تطبيقات الأقمار الصناعية، حيث أتاحت أقمار الاستشعار من البعد إمكانية التصوير الجوي والفضائي لمراقبة المشروعات القومية ورصد التغييرات بها ومراقبة ثرواتها الطبيعية ورصدها والاستفادة منها بالشكل الأمثل، بالإضافة إلى التطور الملحوظ في ملف رصد مخالفات البناء والتعدي على الأراضي الزراعية. كما أتاحت تحديث الخرائط للمدن المصرية بشكل دوري وذلك لاتخاذ أفضل القرارات عن اختيار أماكن المشروعات القومية أو المرافق الخاصة بها.
بالإضافة إلى الاستفادة من الاستخدام التجاري لأقمار البث التلفزيوني ودعم الإنترنت بالمناطق النائية وذلك من خلال أقمار النايل سات، التي تقوم على تشغيلها الشركة المصرية للأقمار الصناعية (نايل سات) وهي شركة مساهمة مصرية مقسمة ملكيتها على عدد من الهيئات المصرية والمؤسسات المصرية المملوكة للقطاع العام، مما يسهم في زيادة دخل الدولة من العملة الصعبة عن طريق إيجار الترددات للقنوات الأجنبية.
كما مثل القمر المصري (طيبة-1) قفزة في برنامج الفضاء المصري، فهو قمر اتصالات مصري مملوك للدولة ثنائي المهام (حكومي/تجاري) تم تصنيعه بواسطة شركة تاليس الينيا سبيس وتم إطلاقه في عام 2019 وتديره الشركة الوطنية للاتصالات، وهو يغطي كافة مناطق جمهورية مصر العربية وبعضًا من دول قارة أفريقيا وبعض الدول العربية في آسيا، وسيقوم القمر بتقديم خدمات الاتصالات والإنترنت الفضائي وخلافه للقطاعين الحكومي والخاص مستهدفًا الربح.
تحديات برنامج الفضاء المصري: ضرورة التوسع لمجابهة التحديات:
تسير مصر بخطى ثابتة في تطوير البرنامج الفضائي المصري، ولوكالة الفضاء المصرية خطة طموحة من أجل توطين صناعة الأقمار الصناعية في مصر ونقل التكنولوجيا من الشركاء. تحتاج مصر إلى التوسع الشديد في البرنامج الفضائي، وذلك وفقًا للتالي:
- أقمار الاستشعار من البعد:
إطلاق العديد من أقمار الاستشعار عن بعد وذلك لمراقبة الأراضي المصرية ومناطق الاهتمام على مدار الساعة، وذلك نظرًا لأن الأقمار الصناعية المخصصة للاستشعار مثل EgyptSat تدور في مدار على ارتفاع قريب من الأرض LEO أو Low Earth orbit وذلك للتمكن من التقاط الصور بصورة عالية الجودة. الأقمار في هذا المدار تدور حول الأرض بصورة دائمة وليست ثابتة في مكانها ولا يمكنها الوجود فوق البقعة نفسها بشكل دائم. وبالتالي فإن الأمر يحتاج إلى مجموعة من الأقمار الصناعية مرتبطة بمنظومة واحدة وذلك لضمان وجود أحد الأقمار فوق الأراضي المصرية في كافة الأوقات للقيام بأعمال التصوير والمراقبة.
- أقمار الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات:
قد تحتاج جمهورية مصر العربية في المستقبل إلى زيادة أعداد أقمار الاتصالات، فمع التوسع في الخدمات المقدمة من القمر طيبة-1 وزيادة أعداد المستخدمين من شركات وهيئات حكومية، فإنه قد لا يستطيع القمر تلبية الاحتياجات المطلوبة لكافة الخدمات مع زيادة الطلب مستقبلًا، كما أن وجود أكثر من قمر سيمكن الدولة المصرية من الحفاظ على خدمات منظومة الاتصالات الفضائية في حالة من الديمومة إذا وقع عطل بأحد الأقمار.
- أقمار أنظمة الملاحة والتوجيه:
يستخدم هذا النوع من الأقمار لأغراض الملاحة والتوجيه للمركبات والمعدات، حيث تقوم بتقديم بيانات مهمة عن الحالات المرورية وأسرع وأنسب الطرق؛ مما يسهم في خفض الازدحامات المرورية وتقليل استهلاكات الوقود ويساعد على تحديد المواقع وسرعة الاستجابة في حالات الطوارئ، كما يمكن من خلالها تتبع المركبات والأفراد. يمتلك عدد محدود من الدول أنظمة الملاحة والتوجيه بالأقمار الصناعية سواء كانت ذات تغطية إقليمية او دولية، وتعتمد مصر بالكامل على المنظومات الأجنبية.
يجب أن تعمل الدولة المصرية على امتلاك منظومة للملاحة إقليمية تغطي كافة أركان جمهورية مصر العربية والمناطق المحيطة ذات الأهمية القصوى للأمن القومي، وذلك على غرار النموذج الهندي الذي قرر امتلاك منظومة خاصة به في أعقاب قيام الولايات المتحدة بإعاقتها من استخدام أنظمة الملاحة GPS لبعض التطبيقات العسكرية في عام 1999 في حرب كارجيل ضد باكستان.
ختامًا، إن قرار مصر بغزو الفضاء ووضع إطار تنظيمي لمشروعها الواعد من خلال إنشاء وكالة الفضاء المصرية هو أحد أهم قرارات مصر في التاريخ الحديث، وذلك لأن مستقبل التنمية العمرانية والحفاظ على الأمن القومي للأراضي المصرية يبدأ من غزو فضائها. لدى مصر فرصة كبيرة في تحقيق الريادة على المستوى الإقليمي وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وأمنية مهمة.