مراجعة الموقف مع الصندوق
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أكد قبلها بأيام أنه يجب مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي في حال جاء تطبيق إجراءات البرنامج، وبالأخص فيما يتعلق بالمراجعة الرابعة، بشكل يزيد من الأعباء على المواطنين. وهي الدعوة التي قوبلت من الصندوق بزيارة مديرته التنفيذية لمصر والتي أعربت خلالها عن تقديرها للرئيس السيسي ومشيدة بالإجراءات التي اتخذتها مصر في إطار الموجة الثانية من الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية المدعومة ببرنامج صندوق النقد، معربة عن تفهمها الكامل لحجم التحديات التي تحيط بالاقتصاد المصري خاصة في ظل التصعيد الإقليمي.
تحسن التصنيف الائتماني
وقد دعم من موقف مصر تحسين وكالة فيتش، وهي إحدى وكالات التصنيف الائتماني الثلاثة الكبرى في العالم، لتصنيف مصر من B- لـ B مع نظرة مستقبلية مستقرة وهو ما عزته الوكالة إلى التدفقات الأجنبية التي تلقتها مصر متضمنة قيمة القرض في إطار برنامج صندوق النقد الدولي وعوائد اتفاقية رأس الحكمة، وتحسن مرونة سعر الصرف مع تأثير أقل للمخاطر الخارجية على الاقتصاد.
يذكر أن صندوق النقد الدولي قد وافق على طلب الحكومة المصرية أبريل الماضي بزيادة قيمة القرض الممنوح بقيمة 5 مليارات دولار لترتفع قيمته من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار. المراجعة الرابعة التي من المتوقع إتمامها ما بين نوفمبر الجاري وديسمبر المقبل هي الأولى التي سيتم تطبيقها على أساس القيمة الجديدة للقرض والتي تتيح لمصر هي وكافة المراجعات الأربعة المقبلة شريحة قدرها 1.3 مليار دولار بدلًا من 820 مليون دولار قبل زيادة قيمة القرض.
مؤشرات إيجابية
تناول تقرير آفاق الاقتصاد العالمي وآفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في نسختهما الأخيرة الصادرة في أكتوبر الماضي توقعات إيجابية للاقتصاد المصري على مستوى الاقتصاد الكلي وهو ما يدعم الموقف المصري في مفاوضاته الحالية مع الصندوق. جاءت أبرز التوقعات بالتقريرين كالتالي:
** تعافي الناتج المحلي الإجمالي لمصر ليصل إلى 4.1٪ في السنة المالية 2025/2026، بزيادة عن التوقعات الحالية التي تشير إلى 2.7% في السنة المالية 2024/2025.
** رغم توقعات الصندوق بارتفاع معدلات التضخم لتصل إلى ذروتها في العام المالي الحالي 2024/2025 لتتخطى 33%، توقع بأن تنكمش هذه المعدلات لتسجل 16% بنهاية السنة المالية الحالية وأن تظل في مسار هبوطي حتى تصل إلى 12.1% في السنة المالية 2025/2026.
** يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل رصيد الحساب الجاري إلى -6.6% في السنة المالية 2024/2025 و-6.4% في السنة المالية التالية، أما توقعات البطالة للسنتين الماليتين فقد تم تحديدها عند 7.2% و7.4% على التوالي.
** فيما يتعلق بالدين الكلي، توقع الصندوق انخفاضًا كبيرًا في مستوى الدين المصري وأن يستمر في مساره النزولي من 95.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 ليصل إلى ما دون 90% في 2025 ليسجل 84.5% ثم دون 80% في 2026 ليصل إلى 79.1% ثم ما دون 70% بدءًا من العام 2028 الذي من المتوقع أن يسجل الدين فيه 69.2%.
ماذا قال تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي عن التوترات الجيوسياسية وتأثيرها في دول المنطقة؟
قال التقرير إن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى تواصل التعامل مع حالات عدم اليقين والضعف المتزايد في ظل النزاعات والتقلبات المتزايدة في المشهد الجيو-اقتصادي العالمي وإن الأضرار التي تسببت فيها هذه النزاعات ستترك ما وصفته “ندوبًا دائمة” في مناطقها المركزية لعقود طويلة.
بالإضافة إلى ذلك، توقع التقرير أن تسهم تخفيضات إنتاج النفط في تباطؤ النمو على المدى القصير في العديد من الاقتصادات. حتى إذا بدأت بعض هذه العوامل السلبية في التلاشي تدريجيًا، فإن التوقعات لنمو الاقتصاد على المدى المتوسط أصبحت أكثر تشاؤمًا. وبالتالي، فإن تنفيذ الإصلاحات الحاسمة أمر ضروري لرفع إمكانيات النمو؛ حيث إن النمو الأقوى والأكثر مرونة لن يساعد فقط في خلق وظائف وتعزيز الشمولية، بل سيدعم أيضًا تقليص نسب الديون المرتفعة ويوفر مساحة لتحقيق الطموحات التنموية والاجتماعية.
وبناءً على ذلك، توقع التقرير أن يبقى النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضعيفًا عند 2.1% (أقل بنسبة 0.6% مقارنة بتوقعات الصندوق الصادرة في أبريل الماضي)، وقد أرجع التقرير ذلك بشكل أساسي إلى تأثير النزاعات المستمرة وتخفيضات إنتاج النفط الطوعية الممتدة، مؤكدا أنه لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن موعد تخفيف هذه العوامل.
وفي حال بدأت هذه العوامل في التراجع تدريجيًا، من المتوقع أن يتعافى النمو في عام 2025 ليصل إلى 4% (أقل بنسبة 0.2% مقارنة بتوقعات أبريل).
وفيما يتعلق بمستويات التضخم في المنطقة، قال التقرير إنها تراجعت بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية، لكنها لا تزال مرتفعة في بعض اقتصادات المنطقة خاصة في مصر والسودان وإيران، بسبب التحديات المحلية الخاصة بكل دولة. وباستثناء هذه الاقتصادات، توقع التقرير أن ينخفض التضخم إلى 3.3% العام الجاري وصولًا إلى نسبة 3% العام المقبل.
دول المنطقة المصدرة للنفط
وفقًا للتقرير، فإنه من المتوقع أن يتعزز النمو في هذه الأسواق على المدى القصير ليقفز من 2.3% في 2024 إلى 4% في عام 2025 شريطة انتهاء تخفيضات إنتاج النفط بما يتماشى مع ما تم إعلانه مؤخرًا. ومع ذلك، أشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو على المدى المتوسط؛ حيث ستستغرق الإصلاحات الهادفة إلى تنويع الاقتصاد وقتًا حتى تُحقق نتائج، فضلًا عن أن التضخم منخفض في معظم الاقتصادات.
دول المنطقة المستوردة للنفط
قال التقرير إن هذه الدول بالإضافة إلى باكستان لا تزال تكافح تداعيات النزاعات خاصة في غزة والسودان مع حالة من عدم اليقين، وارتفاع احتياجات التمويل الإجمالية. ومع تراجع هذه العوامل تدريجيًا وتراجع أسعار النفط، توقع التقرير أن يتعافى نمو هذه الاقتصادات على المدى القصير من 1.5% العام الجاري إلى 3.9% العام المقبل لكنه حذر من استمرار الفجوات الهيكلية في إعاقة نمو الإنتاجية في بعض الاقتصادات على مدار فترة التوقعات.
استمرار هيمنة المخاطر السلبية على التوقعات
أكد التقرير أن المخاطر الجيوسياسية تجعل من المخاطر السلبية مهيمنة على التوقعات الخاصة باقتصادات المنطقة وخاصة فيما يتعلق بتقلبات أسعار السلع والنزاعات والقيود المفروضة على الصادرات، فضلًا عن التأثيرات المدمرة للتغيرات المناخية خصوصًا على الاقتصادات الضعيفة ذات القدرة المحدودة على امتصاص الصدمات.
“قد تنشأ الصدمات السلبية أيضًا من داخل منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى. إذا استمرت النزاعات الحالية أو توسعت، فقد تتسبب في خسائر اقتصادية دائمة في المناطق المتأثرة. كما أن الاقتصادات التي تنفذ إصلاحات هيكلية حاسمة قد تواجه زيادة في الاستياء الاجتماعي والمقاومة السياسية؛ مما يعيق تنفيذ السياسات ويحد من النمو”، وفقًا للتقرير.
تسريع الإصلاحات الهيكلية
قال التقرير إن الإصلاحات الهيكلية، خاصة في مجال الحوكمة، ضرورية لدول المنطقة لتحسين آفاق النمو على المدى المتوسط وتعزيز مرونة الاقتصاد. كما أن تعزيز خلق فرص العمل ومشاركة القوى العاملة (خصوصًا للنساء والشباب)، والاستثمار في المزيد من رأس المال لكل عامل، وزيادة الإنتاجية العامة من خلال السياسات التي تعزز الاستقرار الكلي وزيادة الرقمنة أمر أساسي. وأشار التقرير إلى أنه سيكون من الضروري تقليل الحواجز التجارية للاستفادة من فوائد التجارة، وتنويع المنتجات والأسواق لتعزيز المرونة الاقتصادية، والاستثمار في البنية التحتية للممرات التجارية الجديدة. كما أن السياسات التي تسهم في تحسين المنافسة داخل القطاع المالي وتقليل دور الدولة في الأنظمة المصرفية يمكن أن تزيد من ائتمان القطاع الخاص.
أولويات السياسة المالية والنقدية
أكد التقرير أن ضمان الاستدامة المالية، وإعادة بناء الاحتياطيات، والحفاظ على أنظمة الحماية الاجتماعية أمر أساسي. وأنه بالنسبة للدول التي تواجه مستويات عالية من الديون واحتياجات التمويل، خاصة بعض الأسواق الناشئة والاقتصادات الهشة، فإنه من الضروري اتخاذ خطوات من شأنها استكمال التوحيد المالي لتخفيض عبء الديون بشكل حاسم. يجب أن تركز الدول منخفضة الدخل على ضمان الاستدامة المالية مع معالجة مشكلة انعدام الأمن الغذائي. وفيما يتعلق بالسياسة النقدية؛ دعا التقرير إلى الحفاظ على استقرار الأسعار كأساس للسياسة النقدية وضمان استقلالية السياسة النقدية.