بمناسبة انعقاد الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، هناك التزام من العالم أجمع لمواجهة الحقيقة بأن الناس يهاجرون بشكل متزايد للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، ولا توجد منطقة آمنة من المخاطر البيئية. ولن تتباطأ وتيرة المخاطر المفاجئة والمستمرة، مثل موجات الحر الشديد، والفيضانات، والجفاف، في مناخ يتسم بالاحترار الشديد.
جدل واسع
بدأت المناقشات الدولية الجادة بشأن لاجئي المناخ في سبتمبر 2016، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين، والذي تطرّق إلى “المهاجرين الآخرين” الذين يضطرون للنزوح بسبب الكوارث البيئية. وفي العام نفسه، بدأ المجتمع الدولي خلال مؤتمر الأطراف “كوب 24” في وضع قضية الهجرة المناخية على جدول أعماله الدولي. وفي المؤتمرات التالية، دعت العديد من الدول إلى حماية النازحين بسبب الأحداث المناخية المتطرفة. وتناول التقرير الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ مشكلات التصحر وندرة الغذاء كنتائج لتغير المناخ. وبالرغم من ذلك، لم ينجح العالم في وضع أهداف ملزمة قانونيًا خلال “كوب 26” لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة دون 1.5 درجة مئوية، كما لم يوفر الحماية الكافية للفئات الضعيفة. وفي “كوب 27″، تم إحراز تقدم في مناقشة تعويضات الخسائر والأضرار، والتي قد تفيد لاجئي المناخ. وانتهى “كوب 28” بإقرار ترتيبات تشغيل صندوق الخسائر والأضرار، مع تلقّي بعض المساهمات الدولية التي لم تلق قبولًا واسعًا نظرًا لتواضعها مقارنة بالاحتياجات الفعلية. ومع ذلك، لا يزال لاجئو المناخ بدون وضع قانوني يمكّنهم من طلب اللجوء إلى البلدان الآمنة من تأثيرات تغير المناخ.
والجدير بالذكر أن اتفاقية اللاجئين الموقعة عام 1951 لا تشمل لاجئي المناخ كما ظهر الحديث عن “لاجئي المناخ” لأول مرة عام 1985 في إطار برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتم تعريف لاجئي البيئة أو المناخ على أنهم الأفراد المضطرون لمغادرة أماكن إقامتهم المعتادة، سواء بشكل دائم أو مؤقت. ولا تشمل اتفاقية اللاجئين الموقعة عام 1951 لاجئي المناخ، وتغطي فقط من يتعرضون للاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو السياسة، وهذا يعني حاليًا أنه لا يُمكن ذكر المناخ كسبب لطلب اللجوء، على الرغم من أن الاتفاق العالمي للهجرة لعام 2018 يشير إلى المناخ كسبب محتمل للهجرة.
وضعت المنظمة الدولية للهجرة تعريفًا لوصف المهاجرين البيئيين، ففي عام 2007 عرفتهم بأنهم “أفراد أو مجموعات تختار أو تضطر لمغادرة بيئتها المعتادة إلى أخرى داخلية أو خارجية، لأسباب تتعلق بالتغير المفاجئ أو التدريجي في المناخ، إما بشكل دائم أو مؤقت”. وعلى الرغم من تزايد عدد المتضررين من الأزمات والكوارث المرتبطة بالتغير المناخي في السنوات الأخيرة، إلا أن هذا المفهوم لا يزال محل جدال وخلاف، ولم يوضع بعد تعريف قانوني مقبول دوليًا للأشخاص المهاجرين بسبب التغيرات المناخية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها عدم قدرة الأمم المتحدة على تلبية احتياجات اللاجئين المحتملين، خاصة مع الزيادة السريعة في أعدادهم. بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها المفوضية في التعامل مع اللاجئين الحاليين تحت رعايتها.
من جهةٍ أخرى، لا تحظى هذه القضية بترحيب دولي في ظل تصاعد الحركات المعادية للاجئين في العديد من الدول الأوروبية، وعلاوة على ذلك لا يوجد توافق بشأن الفئة الأكثر استحقاقًا لحق اللجوء. فالمبادرات الحديثة تهدف إلى تعريف لاجئي المناخ لتشمل الأفراد الذين يواجهون تأثيرات طويلة الأمد نتيجة تغير المناخ، مما يجبرهم على مغادرة أوطانهم. وهنا يتجاوز المفهوم فقط الأفراد الذين يضطرون للرحيل بسبب كوارث فورية مثل الفيضانات والأعاصير، ليشمل أيضًا أولئك الذين يعانون من آثار بطيئة مثل الجفاف، وارتفاع منسوب البحار، وتحمض المحيطات، وتغير أنماط الأمطار.
أضرار اقتصادية
تُعد الكوارث المناخية مصدرًا رئيسيًا للنزوح، حيث تسببت في نزوح ما يقرب من 8.7 مليون نازح داخلي في عام 2022، أي ما يمثل 12% من إجمالي النازحين. وعلى الرغم من أن النزوح بسبب الصراعات غالبًا ما يؤدي إلى صعوبة العودة الآمنة للأصول، إلا أن النازحين بسبب الكوارث البيئية والمناخية عادةً ما يعودون إلى ديارهم في وقت لاحق. وتُشير التقديرات إلى أن العالم سجل متوسطًا سنويًا يزيد على 20 مليون نازح بسبب الكوارث الطبيعية بين عامي 2019 و2022.
وفي ظل تفاقم أزمة المياه وتدهور الزراعة، يُتوقع أن يبلغ عدد النازحين داخليًا نحو 216 مليون شخص بحلول عام 2050 وفقًا لأكثر السيناريوهات تشاؤمًا للبنك الدولي. ومع ذلك، فإن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف آثار تغير المناخ وتعزيز التكيف معه يمكن أن يخفض هذا العدد بنسبة تصل إلى 80%.
تُعد النساء من أكثر الفئات تضررًا بآثار التغير المناخي، حيث يزيد هذا التأثير بشكل كبير عند النساء ذوات الأصول والموارد الاقتصادية المحدودة. وقد أظهرت التقييمات الأولية للفيضانات في السودان عام 2020 أن حوالي 42% من الأسر الزراعية والرعوية التي تعيلها النساء قد تضررت بشدة، وفقدت النساء في هذه الأسر الكثير من الموارد الأساسية كالمحاصيل والمواشي والمعدات والبنية التحتية. وقد أدى هذا الضرر الكبير إلى دفع النساء للهجرة، حيث تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن 80% من النازحين بسبب التغير المناخي هم من النساء.
ويؤثر تغير المناخ بشكل متفاوت على مختلف فئات المجتمع، حيث تُعد بعض الفئات الأكثر هشاشة وتضررًا، مثل النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة كما يعاني الأطفال في العديد من الدول الأكثر هشاشة من مخاطر التغير المناخي، ويمكن أن يتعرض الأشخاص ذوو الإعاقة لصعوبات في الوصول إلى الموارد الأساسية في حالة حدوث كوارث مناخية. ووجد أن ما يقرب من 1.6 مليار شخص تأثروا بهذه الأحداث الجوية، كما أن الخسائر ستشتد بمرور الوقت فبين عامي 1980-1999 و2000-2019 كانت هناك زيادة بنسبة 83% في الكوارث المناخية المسجلة وفي عامي 2022 و2023، وصلت الأضرار الاقتصادية إلى 451 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 19%.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر تضررًا من بين الدول، حيث تكبدت خسائر بلغت 934.7 مليار دولار. جاءت الصين في المرتبة الثانية بخسائر بلغت 267.9 مليار دولار، تليها الهند (112.2 مليار دولار) واليابان (90.8 مليار دولار). كما تضمنت قائمة العشر الدول الأكثر تأثرًا ألمانيا (65.4 مليار دولار)، إيطاليا (35 مليار دولار)، استراليا (33.7 مليار دولار)، فرنسا (29.4 مليار دولار)، والبرازيل (24.8 مليار دولار).
وذكرت بعض الدراسات أن التكلفة الاقتصادية لتداعيات التغير المناخي بحلول عام 2030 في البلدان النامية فقط ستتراوح ما بين 290 مليار دولار أمريكي و580 مليار دولار أمريكي سنويًّا. وتبين أيضًا أن 189 مليون شخص في المتوسط تأثروا سنويًّا بالظواهر الجوية الشديدة في الدول النامية منذ عام 1991، وأن 79% من الوفيات في هذه الدول نتيجة مثل هذه الظواهر خلال الفترة الزمنية نفسها.
في الختام، تزداد حدة التغير المناخي وتسارع وتيرته، ما يدفع العديد من الأفراد والجماعات إلى النزوح عن مواطنهم الأصلية باحثين عن مناطق أكثر أمانًا واستقرارًا. هذه الظاهرة المتسارعة للهجرة المناخية تفرض تحديات معقدة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وديموغرافيًّا تتطلب استجابات متعددة الأبعاد.
يتعين على الحكومات والمنظمات الدولية بلورة استراتيجيات شاملة للتصدي لهذه التحديات. أولًا، تعزيز الوعي البيئي وتقديم الدعم للمجتمعات المتضررة. ثانيًا، تبني سياسات هجرة عادلة وإنسانية تضمن حقوق المهاجرين المناخيين. وأخيرًا، التصدي للهجرة المناخية يتطلب نهجًا شاملًا وإنسانيًا يراعي الأبعاد المتعددة لهذا التحدي.