في السنوات الأخيرة، شهدت صناعة النفط الخام والغاز الطبيعي زيادة كبيرة في استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الأخرى، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه بقوة في العقود المقبلة. ويعزز التكامل السريع للذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة فرص التحول الرقمي؛ مما يفتح آفاقًا واسعة لملف الطاقة. بالفعل، تبنت معظم شركات الطاقة الكبرى تقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها من الحلول المبتكرة لتحسين عملياتها، وقد تم توثيق هذا التحول الرقمي بشكل ملحوظ، ففي السنوات الثلاث الأخيرة فقط، تم تقديم أكثر من حوالي 523 ألف براءة اختراع في مجال النفط والغاز الطبيعي.
مدخل:
يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي اليوم كعامل محوري في تغيير صناعة النفط والغاز الطبيعي؛ حيث يُستخدم لتقليص التكاليف التشغيلية، وتعزيز الاستدامة، وتسريع العمليات. وفقًا لبعض الدراسات، من المتوقع أن يشهد استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع نموًا سنويًا مركبًا يزيد عن حوالي 10% بين عامي 2023 و2027، وذلك نتيجةً للحاجة المتزايدة لخفض تكاليف الإنتاج والصيانة، وزيادة الطلب على معايير الأمان والسلامة، فضلًا عن تبني التقنيات المتقدمة بشكل أوسع، ونمو الاستثمارات والابتكار السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ووفقًا للبيانات المعلنة، تستثمر حوالي 92% من شركات النفط الخام والغاز الطبيعي تستثمر حاليًا في الذكاء الاصطناعي أو لديها خطط للقيام بذلك خلال السنوات الخمس المقبلة. وقدرت الشركة حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع النفط والغاز لعام 2023 بحوالي 2.4 مليار دولار، مع توقعات ببلوغه حوالي 4.2 مليارات دولار بحلول عام 2028، أي بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى حوالي 12%. إن دمج الذكاء الاصطناعي في صناعة النفط والغاز يحمل إمكانيات هائلة لتحسين العمليات، وتعزيز استخراج الموارد، وزيادة معايير السلامة.
مثال توضيحي: تُعتبر شركة أرامكو من الشركات الرائدة في التحول الرقمي؛ حيث تستثمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال مركز الثورة الصناعية الرابعة، بهدف إحداث نقلة نوعية في قطاع النفط الخام والغاز الطبيعي. تسعى الشركة من خلال تطبيق تقنيات مثل الروبوتات إلى تحسين السلامة والكفاءة التشغيلية، مع التركيز أيضًا على تقليص الانبعاثات. على سبيل المثال، ساعد برنامج الذكاء الاصطناعي في أرامكو في جمع وتحليل البيانات لتمييز حرق المواد الهيدروكربونية عن غير الهيدروكربونية؛ مما يتيح للمشغلين تحديد متى يتم إنتاج غاز الهيدروجين من الآبار بدلًا من الميثان؛ مما يساعد في استخلاص غاز الهيدروجين واستخدامه بدلًا من حرقه.
استنادًا إلى ما سبق، يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي في صناعة النفط والغاز الطبيعي بطرق متعددة، مثل تعزيز السلامة التشغيلية، تحسين الأداء، وتوفير رؤى وتوقعات دقيقة. كما يمكن أن يُسهم بشكل كبير في تحسين إدارة سلسلة التوريد؛ حيث يمكن تقليل الأخطاء بنسبة تتراوح بين 20 و50%. ويُعتبر هذا أمرًا بالغ الأهمية في ضوء الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد خلال جائحة كورونا وما بعدها من تداعيات خطيرة، والتي تسببت في زيادات كبيرة في التكاليف والوقت. على غرار قطاع النفط والغاز الطبيعي، يتم أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي في مشاريع الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتحسين الكفاءة من خلال زيادة الأتمتة. ومع سعي شركات الطاقة إلى رقمنة عملياتها، من المتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تسريع تحول قطاع الطاقة في المستقبل.
في السنوات الأخيرة، اعتمدت صناعة الطاقة بشكل متزايد على تقنية الذكاء الاصطناعي لدعم اتخاذ القرارات بشكل آلي والمساعدة في تحسين عملية اتخاذ القرارات، يشمل ذلك استخدام أنظمة الكمبيوتر لمعالجة المعلومات بشكل مستقل، دون الحاجة لتدخل بشري. هذا يعني أن المهام يمكن إتمامها بشكل أسرع وأكثر كفاءة مقارنةً عندما يتطلب الأمر اتخاذ قرارات بشرية؛ حيث يمكن للأنظمة التفاعل بسرعة وتطبيق التغييرات اللازمة في الوقت الفعلي. ومع ذلك، هناك بعض الحالات التي تتطلب تدخلًا بشريًا أكبر لتحديد الاستجابة الصحيحة، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تقديم الدعم اللازم للمساعدة في اتخاذ القرار.
يلعب الذكاء الاصطناعي أيضًا دورًا مهمًا في التنبؤات المستقبلية، من خلال استخدام الخوارزميات المعقدة، يمكن للشركات تقييم مستوى المخاطر المرتبطة بمشاريع الطاقة الجديدة، وتوقع إنتاج وقدرات الطاقة من مصادر متجددة مختلفة تحت ظروف متنوعة ومتغيرة، كما يمكنه التنبؤ بالطلب على الطاقة في أوقات معينة من اليوم وفي أماكن ومواقع مختلفة.
علاوة على ذلك، يمكن للتكنولوجيا التي توفر المراقبة والتقييم المستمرين أن تسهم في مساعدة الشركات على تجنب حالات الفشل أو الحاجة إلى إيقاف العمليات، من خلال التنبؤ بالتحديات المحتملة والاستجابة لها بشكل فوري. على سبيل المثال، يمكن لاستخدام نماذج الطقس، البيانات المتعلقة بالطقس، أن يساعد الشركات في التنبؤ بتوقيت حدوث عاصفة أو موجة حارة؛ مما يتيح لها تعديل عملياتها للاستعداد لأي تغيرات مستقبلية في الطقس.
استكمالًا لما سبق، إحدى الطرق الأساسية التي يدعم بها الذكاء الاصطناعي التحول الفاعل للطاقة تتمثل في إدارة الشبكة؛ حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات لتقدير مستوى استهلاك الطاقة عبر المنازل في مناطق معينة. يأخذ هذا التحليل في الاعتبار مجموعة من العوامل مثل الوقت من السنة، أوقات الذروة وأوقات انخفاض الطلب، وكذلك الظروف الجوية، يساعد ذلك شركات الطاقة على إدارة الشبكة بفاعلية لتجنب انقطاع التيار الكهربائي. علاوة على ذلك، يمكن تعديل إنتاج الطاقة استجابة لتوقعات الاستخدام لتلبية الطلب وتفادي الهدر. وعليه، إن تطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب عمليات الطاقة يمكن أن يُسهم أيضًا في تعزيز ممارسات الصيانة بشكل كبير.
بالفعل، تشهد عملية رقمنة قطاع الطاقة تقدمًا ملحوظًا؛ حيث تتبنى غالبية شركات النفط والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة مجموعة واسعة من التقنيات المبتكرة ضمن عملياتها لتحسين الكفاءة، ضمان استقرار الإنتاج، وتقليل التكاليف. تمكّن تقنيات الذكاء الاصطناعي شركات الطاقة من التنبؤ بعدد من السيناريوهات المحتملة؛ مما يضمن توفير طاقة موثوقة للمستهلكين. كما يتيح لها التكيف مع التغيرات المتوقعة في الوقت الفعلي؛ مما يساعد على خلق الظروف المثلى للإنتاج.
أولًا: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطاقة الكهربائية
في ظل التزايد المتسارع في تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري أن تترافق هذه التطورات مع التزام بالاستدامة البيئية. فاستهلاك الطاقة المرتفع المرتبط بالذكاء الاصطناعي يُشكل تحديًا كبيرًا؛ مما يستدعي البحث عن حلول مبتكرة لتقليل البصمة الكربونية لهذه التقنية. وتشمل هذه الحلول تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة، واستخدام مصادر طاقة متجددة لتشغيل مراكز البيانات.
بشكل عام، تواجه شبكات الكهرباء العالمية تحديات متزايدة، لكنها تشهد أيضًا فرصًا جديدة، ففي الوقت الذي يزداد فيه الطلب على الطاقة وتتدهور البنية التحتية، تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في تحسين كفاءة الشبكات وزيادة استخدام الطاقة المتجددة، هذه التقنيات –وذلك من خلال ربط مكونات الشبكات الذكية- توفر حلولًا مبتكرة للتحديات التي تواجه قطاع الطاقة، خاصةً في الدول النامية. ويُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في قطاع الطاقة بالأسواق الناشئة؛ حيث يسهم بشكل فعال في حل العديد من التحديات التي تواجهه، فبفضل قدراته على تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ، يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل الهدر، وخفض التكاليف، وتعزيز دمج مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الشبكات الكهربائية بشكل عام.
من المتوقع أن يشهد الذكاء الاصطناعي نموًا هائلًا في السنوات القادمة؛ مما يسهم في تحسين جودة الحياة وزيادة الإنتاجية. وعليه، يُعد التنبؤ بالأعطال وتحديد مواقعها أحد أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة الكهربائية، فبفضل قدرته على تحليل البيانات الضخمة الواردة من أجهزة الاستشعار، يمكن للذكاء الاصطناعي اكتشاف العلامات المبكرة للأعطال في المعدات الكهربائية، مثل المولدات والمحولات والكابلات؛ مما يسهم في الوقاية من الانقطاعات المفاجئة للتيار الكهربائي وحماية البنية التحتية.
استكمالًا لما سبق، يسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة لقطاع الطاقة، فمن خلال التنبؤ بالأحداث الجوية المتطرفة، يمكن تجنب خسائر فادحة وحماية البنية التحتية. كما يساعد الذكاء الاصطناعي في تقليل الهدر وتحسين كفاءة استخدام الطاقة؛ مما يؤدي إلى خفض التكاليف وحماية البيئة. بالإضافة إلى ذلك، يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز اعتماد المركبات الكهربائية من خلال تطوير تقنيات القيادة الذاتية. بالإضافة إلى أن الشبكات الكهربائية تشهد تطورًا هائلًا بفضل الذكاء الاصطناعي الذي يمكنها من الاستجابة بمرونة وفاعلية للتغيرات المتسارعة في قطاع الطاقة. فمن خلال تحليل البيانات الضخمة الواردة من العدادات وأجهزة الاستشعار الذكية، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة الشبكة، وتعزيز موثوقيتها، وتسهيل دمج مصادر الطاقة المتجددة. كما يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالطلب على الطاقة وإنتاج مصادر الطاقة المتجددة؛ مما يسهم في تحقيق التوازن في الشبكة الكهربائية.
أما في مجال تحسين كفاءة الطاقة، فيقوم الذكاء الاصطناعي بمراقبة استهلاك الكهرباء في المباني والمصانع من أجل التحكم فيها وتقييم وإدارة استهلاكها. وعليه، يملك الذكاء الاصطناعي القدرة على التحكم في استخدام الكهرباء خلال ساعات الذروة، بل تحديد مصادر الاستهلاك العالي واستكشافها من خلال اكتشاف أعطال معدات المباني قبل حدوثها.
يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يُمثل حلًا واعدًا للتحديات التي تواجهها الاقتصادات الناشئة في قطاع الطاقة. فبفضل قدرته على تحليل البيانات الضخمة واتخاذ القرارات الذكية، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، وتسهيل دمج مصادر الطاقة المتجددة في الشبكة؛ مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
ثانيًا: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مشروعات الطاقة المتجددة وتطبيقاتها
للذكاء الاصطناعي تطبيقات متنوعة في جميع مجالات الحياة. نتعرف من خلال هذا المقال على تطبيقاته في مشاريع الطاقة المتجددة وأنظمتها وتطبيقاتها، مثل:
تتبع الانبعاثات الكربونية «Emission Tracking»
تسعى العديد من الدول جاهدة لتحقيق الأهداف المناخية العالمية وذلك من خلال تقليل انبعاثات الكربون، ولضمان تحقيق ذلك، يتطلب الأمر تطوير أدوات دقيقة لقياس ومقارنة انبعاثات الكربون الناتجة عن مختلف الأنشطة، لا سيما في قطاعات الطاقة التي تلعب دورًا حاسمًا في التغيرات المناخية.
في الوقت الراهن، تتسارع الشركات في تطوير أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة وحساب انبعاثات الكربون الخاصة بها. على سبيل المثال، قامت مجموعة بوسطن الاستشارية وشركة بتطوير منصة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في بداية عام 2024، تتيح لجميع الأطراف المعنية في النظام البيئي لأي شركة تبادل البيانات المتعلقة بالمنتجات أو الخدمات المقدمة؛ مما يمكن الشركة من حساب بصمتها الكربونية. لا تقتصر هذه الأداة الذكية على قياس الانبعاثات من النطاقين الأول والثاني فحسب، بل يمكنها أيضًا حساب الانبعاثات من النطاق الثالث، وهو ما يشمل الانبعاثات التي تحدث عادة على طول سلسلة القيمة الكاملة للشركة، والتي يصعب تحديدها بدقة في كثير من الأحيان.
التبادل التجاري في أسواق الطاقة «Energy Trading»
لعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تحسين كفاءة أسواق الطاقة، وذلك من خلال تمكينه المتداولين من اتخاذ قرارات مستنيرة مبنية على بيانات دقيقة حول الطلب على الطاقة وأسعارها في الوقت الفعلي. علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي إجراء تقييم منهجي للكم الكبير من البيانات المتعلقة بتداول الطاقة، مثل بيانات الطقس أو قواعد البيانات الأخرى. وهو الأمر الذي يُسهم في تعزيز استقرار الشبكات الكهربائية وزيادة أمان إمدادات الطاقة، كما يساعد الذكاء الاصطناعي الشركات على تحديد أفضل استراتيجيات شراء الطاقة عبر تحليل اتجاهات السوق المعقدة؛ مما يمكنها من وضع خطط لإدارة الإنفاق بشكل أكثر كفاءة وتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات الأسعار في الأسواق.
تخزين الطاقة «Energy Storage»
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على تحسين أنظمة تخزين الطاقة من خلال قراءة وتحليل كميات ضخمة من البيانات بتكلفة ووقت منخفضين. الهدف من ذلك هو تقديم تنبؤات دقيقة حول الانقطاعات المحتملة، مواعيد الصيانة، وزيادة عمر البطاريات. على سبيل المثال، يمكن لنظام تخزين الطاقة باستخدام البطاريات المزود بالذكاء الاصطناعي أن يوازن الأحمال خلال فترات الذروة وفترات انخفاض الأحمال، استنادًا إلى عوامل مثل اليوم، الوقت، الموسم أو الطقس.
الصيانة الوقائية «Predictive Maintenance»
يستخدم الذكاء الاصطناعي مجموعة من الأنظمة الكهربائية والكهروميكانيكية والكيميائية والحرارية للكشف عن الأعطال المحتملة، يتم ذلك عبر جمع البيانات من الحساسات وأجهزة الاستشعار، ثم مقارنتها مع البيانات التاريخية المخزنة في قواعد البيانات. بناءً على هذه المقارنات، يتم تحديد الشروط التي تؤدي عادة إلى فشل أو عطل في المكونات، وهذا يسهم في تحسين أداء النظام بشكل عام من خلال تقليل وقت التوقف، زيادة العمر الافتراضي لأنظمة التخزين، وتعزيز الأرباح.
الأهمية الاقتصادية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة:
تتمثل الأهمية الاقتصادية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة في مجموعة من الفوائد التي تؤثر بشكل إيجابي في كفاءة الإنتاج، تقليل التكاليف، وتعزيز الاستدامة. وتُعد النقاط التالية من أبرز النقاط التي تبرز الأهمية الاقتصادية لهذا التوظيف:
- تحسين الكفاءة التشغيلية: يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين عمليات الإنتاج والصيانة، وذلك من خلال تحليل البيانات الضخمة واتخاذ قرارات أكثر دقة في الوقت الفعلي، هذه التحسينات تؤدي إلى زيادة الكفاءة وتقليل الهدر في الموارد؛ مما يسهم في خفض التكاليف التشغيلية.
- تقليل التكاليف: من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الشبكات الكهربائية، وتنبؤ بالطلب على الطاقة، وتحليل أنماط استهلاك الطاقة، يمكن للقطاع تقليل الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية وزيادة القدرة على إدارة عمليات الطاقة بشكل أكثر مرونة وفاعلية.
- تحسين استهلاك الطاقة وتوزيعها: يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة الشبكة الكهربائية؛ مما يتيح توزيع الطاقة بشكل أكثر كفاءة. من خلال التنبؤ بتقلبات الطلب، يمكن تقليل المخاطر المرتبطة بانقطاع التيار الكهربائي وتوفير استهلاك الطاقة، وبالتالي تقليل التكاليف المرتبطة بإدارة شبكة الطاقة.
- دعم التحول إلى الطاقة المتجددة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في تحسين إدارة مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، من خلال التنبؤ بالظروف الجوية والتقلبات في الإنتاج. هذا يسهم في تقليل التكاليف المرتبطة بالتحول إلى الطاقة المتجددة ويزيد من جدوى هذه الاستثمارات على المدى الطويل.
- تحقيق استدامة أكبر: يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين مراقبة الانبعاثات الكربونية؛ مما يساعد الشركات على الوفاء بأهداف الاستدامة والحد من الأثر البيئي. وهذا يمكن أن يقلل من تكاليف الامتثال للقوانين البيئية ويفتح مجالات جديدة للتمويل الأخضر والاستثمارات المستدامة.
يسهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تحسين كفاءة العمليات في قطاع الطاقة، من خلال قدرته على التنبؤ بدقة بالطلب على الطاقة وظروف التشغيل، يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل التكاليف التشغيلية بشكل ملحوظ وزيادة الإنتاجية. كما يطيل الذكاء الاصطناعي عمر الأنظمة من خلال الكشف المبكر عن الأعطال المحتملة وإجراء الصيانة الوقائية؛ مما يسهم في تحقيق توازن بين العرض والطلب على الطاقة واتخاذ قرارات تشغيلية أكثر استنارة.
تحديات ومستقبل الذكاء الاصطناعي.. محرك الابتكار في الطاقة
إن ثمة تحديات أساسية تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة، يأتي في مقدمتها “الأمن السيبراني”، بالنظر إلى أنه مع زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تصبح الحاجة إلى حماية الأنظمة من التهديدات السيبرانية ضروريةً لضمان استقرار الشبكات. بالإضافة إلى عامل “التكلفة العالية” إذ يتطلب تنفيذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي استثمارات كبيرة في البنية التحتية، بالإضافة إلى توفر بيانات دقيقة وموثوقة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة:
- من المتوقع أن تصبح محطات الطاقة المستقبلية مدعومة بأنظمة تشغيل ذاتية تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ مما يقلل الحاجة للتدخل البشري ويزيد من الكفاءة.
- يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالأحداث المناخية النادرة كالأعاصير؛ مما يتيح لشركات الطاقة اتخاذ إجراءات وقائية للحد من تلك التداعيات الحادة.
- يتيح الذكاء الاصطناعي تحكمًا أفضل في الشبكات الصغيرة للطاقة المتجددة؛ حيث يمكن للأحياء السكنية إنتاج وتوزيع الطاقة بشكل مستقل بما يتوافق مع احتياجاتها.
- دمج مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع: من المتوقع أن يدمج الذكاء الاصطناعي في الأنظمة المستقبلية التي تدير مصادر الطاقة المتجددة بفاعلية وتطور خطط شاملة للتحكم في تدفق الطاقة من هذه المصادر إلى الشبكات.
- التنقل الذكي وإدارة المركبات الكهربائية: سيلعب الذكاء الاصطناعي دورًا أساسيًا في تحسين التنقل الذكي، من خلال توجيه المركبات الكهربائية إلى أقرب محطات الشحن والتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية للشحن بناءً على أنماط الاستخدام؛ مما يسهم في رفع كفاءة الشبكات.
- التخزين الذكي للطاقة؛ حيث سيتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير حلول تخزين الطاقة، مثل البطاريات وأنظمة التحليل الحراري؛ مما يسمح بتخزين الطاقة المتجددة الزائدة واسترجاعها عند الحاجة؛ مما يعزز الاعتماد على هذه المصادر كبديل للوقود الأحفوري.
- تحليل البيانات البيئية وتحقيق الاستدامة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات المتعلقة بتغير المناخ وتأثير الانبعاثات الناتجة عن إنتاج الطاقة بهدف تطوير حلول مستدامة طويلة الأمد وتقليل الأثر البيئي.
- إدارة الشبكات اللا مركزية وإدارة المجتمعات الذكية، في المستقبل، سيدعم الذكاء الاصطناعي الشبكات اللا مركزية (الشبكات الصغيرة)؛ حيث يمكن لكل حي أو مجتمع محلي إدارة إنتاجه واستهلاكه للطاقة بشكل مستقل. سيساعد الذكاء الاصطناعي في إدارة هذا الإنتاج والاستهلاك بكفاءة داخل الشبكة الأوسع.
توضح هذه التطبيقات بعض الجوانب المهمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة وتبين كيف يمكن لهذه التكنولوجيا أن تدعم كفاءة الطاقة وتحقق أهداف الاستدامة البيئية في المستقبل.
الآفاق المستقبلية والاستعدادات العالمية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة:
أمام ما تقدم، يشهد استهلاك الكهرباء في مجال الذكاء الاصطناعي نموًا هائلً؛، حيث يتوقع أن يرتفع بنسبة تتراوح بين 26% و36% سنويًا، وبحلول عام 2027، قد يصل إجمالي استهلاك الذكاء الاصطناعي للكهرباء إلى ما بين 85 و134 تيراوات في الساعة؛ مما يجعله يُشكل نسبة كبيرة من الطلب العالمي على الكهرباء.
هذا النمو المتسارع يدفع بزيادة الطلب على مراكز البيانات، والتي من المتوقع أن تستهلك ما يصل إلى حوالي 8% من الكهرباء في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بحلول عام 2030.
وعليه، تُبرز الزيادة المتوقعة في الطلب على الكهرباء من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الحاجة الملحة إلى اتخاذ تدابير استباقية لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة، فضلًا عن ضرورة التحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة للحد من الانبعاثات الكربونية. تسعى الحكومات والشركات في الوقت الحالي إلى إدارة هذه الأنظمة بشكل أكثر كفاءة من خلال تبني حلول مثل المراكز المشتركة بدلًا من تشغيل البنية التحتية بشكل فردي، أو نقل مراكز البيانات إلى مناطق محلية أو دولية تتمتع بتكاليف طاقة منخفضة وموارد طاقة وفيرة.
في الوقت نفسه، لتقليل البصمة الكربونية لمراكز البيانات، بدأت شركات التكنولوجيات الكبرى مثل: “مايكروسوفت” و”جوجل” و”أمازون” في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في تشغيل مراكز البيانات الخاصة بها، وهو أمر يأتي ضمن خطتها بعيدة الأمد لتحقيق الحياد الكربوني. وفي إطار تشجيع الشركات على تقليل استهلاك الكهرباء المرتبط بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بدأت الحكومة الأمريكية في إعادة تقييم الإعفاءات الضريبية التي تُمنح لمطوري مراكز البيانات، وذلك بسبب الضغط الذي تُمارسه هذه المراكز على البنية التحتية للطاقة. كما تسعى الحكومة الأمريكية إلى صياغة مشروع قانون لمعالجة التأثيرات البيئية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وعلى الصعيد الأوروبي، أصدر الاتحاد الأوروبي هذا العام قانونًا لتنظيم الذكاء الاصطناعي، يهدف إلى تعزيز استخدام تقنياته بشكل أكثر مراعاة للبيئة.
ومع ذلك، تكمن المفارقة الرئيسية في أنه، على الرغم من العبء الإضافي الذي يُفرض على قطاع الكهرباء العالمي نتيجة توسع استخدامات الذكاء الاصطناعي، فإن صناع القرار يعولون على تطبيقات الذكاء الاصطناعي نفسها لتحسين كفاءة قطاع الطاقة العالمي. فمن المتوقع أن تُسهم هذه التطبيقات في تعزيز كفاءة أنظمة الكهرباء وتسريع تحول الطاقة حول العالم؛ مما قد يعوض جزئيًا الزيادة في استهلاك الكهرباء المرتبطة بتوليد الذكاء الاصطناعي، كما تم الإشارة إليه سابقًا.
يمكن القول إن المستقبل الواعد لتطبيقات الذكاء الاصطناعي يؤكد أهمية إيجاد حلول أكثر كفاءة واستدامة فيما يتعلق باستهلاكه الكثيف للطاقة، ولكن لا يزال السؤال الحاسم هنا: هو كم من الوقت سيستغرق الذكاء الاصطناعي للوصول إلى نقطة التحول التي تفوق عندها المكاسب الناتجة عن استخدامه في تعزيز كفاءة قطاع الطاقة، التكلفة الناتجة عن استهلاكه من الكهرباء والبصمة الكربونية الخاصة به؟
مجمل القول، يُشكل الذكاء الاصطناعي والطاقة شراكة استراتيجية حيوية نحو بناء مستقبل مستدام؛ حيث تتيح هذه الشراكة إمكانيات كبيرة لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، تقليل الانبعاثات الكربونية، وتسريع تحول العالم نحو مصادر طاقة نظيفة ومتجددة. من خلال الابتكار التكنولوجي، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا محوريًا في تعزيز أداء أنظمة الطاقة، من تحسين إدارة الشبكات الكهربائية إلى إدارة مراكز البيانات؛ مما يُسهم في تقليل الفاقد وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد. ومع تطور هذه التقنيات، تصبح الحاجة إلى تكاملها في جميع القطاعات الاقتصادية أكثر إلحاحًا، لتوفير حلول مبتكرة تسهم في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية العالمية.ومع ذلك، يجب أن يتزامن هذا التقدم التكنولوجي مع استراتيجيات فاعلة للتخفيف من الآثار البيئية، بما في ذلك تطبيق السياسات الحكومية وتنظيمات تحفز الشركات على تبني ممارسات مستدامة. إن التعاون المستمر بين القطاعين العام والخاص سيكون أساسيًا لتحقيق توازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء قطاع الطاقة وبين تقليل التأثيرات السلبية في البيئة. إن هذا الاتجاه يفتح أمامنا أفقًا واعدًا نحو عالم أكثر استدامة؛ حيث يمكننا الاستفادة من التكنولوجيا لتحسين حياتنا دون المساومة على صحة الكوكب بشكل عام.