يعد قطاع الزراعة المصري ركيزة أساسية وناجحة في الاقتصاد المصري، فدلتا النيل الخصبة توفر مساحات لزراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل التي تشمل الحبوب والقطن والسكر والفواكه والخضروات، لكن في ظل وجود تلك الإمكانات الراسخة بالقطاع تلوح العديد من التحديات التي يعد أبرزها النمو المتسارع لعدد السكان بمصر والذي وصل 104.25 ملايين نسمة، والمتوقع أن يصل إلى 160 مليونا بحلول عام 2050، الأمر الذي يطرح دائما قضية التحضر وارتفاع عدد الأفراد الذين يعيشون في المناطق الحضرية، والذي من المتوقع أن يرتفع إلى 85 مليونا بحلول عام 2050 مقابل حوالي 40 مليونا في الوقت الحالي، ذلك الأمر يؤكد أهمية مواجهة تلك التحديات المتعلقة بالغذاء وهو الأمر الذي تدركه الدولة المصرية التي أدخلت العديد من السياسات الإصلاحية للتخفيف من حدة تلك المشكلات وتعزيز زراعة المحاصيل الزراعية، بالاتساق مع تنفيذ سياسات مائية تحاول تقليل الفاقد وتساهم في علاج النقص من الماء.
يشرف على قطاع الزراعة المصري وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، والتي تعد الجهة المنوطة بتنفيذ السياسة الزراعية وإدارة برنامج استصلاح الأراضي، بما في ذلك تنفيذ إطار شامل ومستدام للتنمية الريفية، والحد من الفقر وتعزيز مستويات التغذية والمعيشة وتحسين كفاءة استخدام الموارد بالإضافة إلى العديد من الأهداف الأخرى، لكن هناك لاعب آخر هام في تلك القضية وهي وزارة الموارد المائية والري وهي الجهة المسؤولة عن تشغيل وصيانة محطات ضخ الري والصرف وصيانة السدود ووضع استراتيجية توزيع المياه واستخدامها وإجراء الدراسات الهيدرولوجية والأرصاد الجوية المائية لتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المائية المتاحة بالبلاد.
يتم تطبيق العديد من السياسات الإصلاحية بالقطاع والتي تتم في إطار استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030 والتي تستهدف الاستفادة من التكنولوجيا لزيادة الإنتاج والاستخدام الفعال للموارد المائية، بالإضافة إلى وجود الاستراتيجية الوطنية للحد من آثار تغير المناخ ومخاطر الكوارث والتي تعد إطار عام يتشارك به العديد من القطاعات التي تستهدف في معظمها وضع أسس سليمة لإدارة التربة، والأراضي الصالحة للزراعة، وتحسين نوعيات الأسمدة والبذور المستخدمة، تضع تلك الاستراتيجيات نصب عينيها معالجة المشاكل طويلة الأمد المرتبطة بندرة المياه والنمو السكاني السريع وتغير المناخ وتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتعزيز القدرة على التكيف ومواجهة تحدي ندرة المياه وتغير المناخ وخلل سلاسل التوريد والعديد من التحديات الأخرى.
كان الاهتمام الحكومي بالاستثمار في القطاع الزراعي بارزا في السنوات الأخيرة، حيث استثمرت الحكومة 14.2 مليار جنيه مصري في قطاع الزراعة والغابات ومصايد الأسماء، وبذلك تكون استثماراتها تخطت استثمارات القطاع الخاص التي بلغت 13.3 مليار جنيه في العام المالي 2020/21، ووفقا لتقارير البنك المركزي المصري فقد نمت الاستثمارات في القطاع الزراعي بنسبة تتراوح بين 2.0 % إلى 3.9 % خلال الثماني سنوات الأخيرة، تستهدف الحكومة زيادة حجم القطاع الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12 % بحلول 2024، ووفقا للعام المالي 2020/21 فقد بلغ حجم القطاع الزراعي 445.2 مليار جنيه من إجمالي ناتج محلي إجمالي 4 تريليونات جنيه، أي أن حجم القطاع الزراعي بلغ 11.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، تشير تلك النسبة إلى أن البلاد على المسار الصحيح لتحقيق مستهدف القطاع السابق الإشارة إليه، لكن ليست تلك هي المستهدفات الوحيدة، فوفقا لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية من المستهدف أن يزيد حجم القطاع الزراعي بنسبة 30 % في الفترة بين 2020/2050 وأن تصل حصة القطاع في الصادرات إلى 25 % في عام 2050 من حصة تمثل 17 % من الصادرات وفقا لبيانات عام 2020.
تتمثل معظم الأراضي الصالحة للزراعة في مصر في أراض قديمة أو يمكن تسميتها بمناطق وادي النيل والدلتا والتي تحتضن حوالي 85 % من الأراضي الزراعية، أما النسبة المتبقية (15 %) فهي الأراضي الجديدة أو الأراضي الصحراوية المستصلحة، يمتلك صغار المزارعين الأراضي الزراعية القديمة (85 % من الأراضي في مصر) بمتوسط حيازة تبلغ 5 أفدنة، وفقا للبيانات الصادرة عن رئاسة الوزراء والمنشورة إعلاميا فقد ارتفعت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في مصر إلى 9.7 ملايين فدان في عام 2021، مقارنة بحوالي 8.9 ملايين فدان في عام 2014 وهو ما يعني أن فترة 7 سنوات شهدت إضافة حوالي 800 ألف فدان بمتوسط 133 ألف فدان سنويا، تستهدف الحكومة استصلاح حوالي 150 ألف فدان سنويا حتى عام 2030. أما عن حجم الوظائف التي يخلقها القطاع الزراعي في مصر فإنه يمثل حوالي 20 % من إجمالي العمالة وفقا لعام 2019، وفي حال تقسيم مصر جغرافيا، فوفقا لبيانات البنك الدولي تصل تلك النسبة إلى حوالي 55 % من القوة العاملة في صعيد مصر.
أما عن جانب المحاصيل، فقد ارتفع إجمالي الإنتاج بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وخاصة بين الأعوام 2010/2020 والذي بلغت نسبة الارتفاع به 20 % وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة الأغذية والزراعة (الفاو)، تعتبر أهم المحاصيل التي تنتجها مصر هي قصب السكر بحوالي 16.3 مليون طن، وبنجر السكر بحوالي 10.5 ملايين طن، والقمح بحوالي 9 ملايين طن، والذرة بحوالي 7.5 ملايين طن والطماطم بحوالي 6.8 ملايين طن، بالإضافة إلى بعض المحاصيل الأخرى الشائعة مثل البطاطس والبرتقال، والبصل، والعنب، والتمر. خططت مصر لزراعة 3.5 ملايين فدان من القمح في موسم 2021/22 وهو ما يرفع إنتاج مصر من القمح إلى حوالي 9 ملايين طن، ويحسن إنتاج مصر من الحبوب بشكل عام ليصل إلى 23.8 مليون طن في عام 2021، تضع الحكومة مستهدفا رئيسيا لتحسين نسبة الاكتفاء الذاتي من محاصيل الحبوب من خلال زيادة نسبتها من 50 % من الاستهلاك المحلي في عام 2020 لتصل إلى 65 % في عام 2025 من خلال زيادة المساحة المنزرعة بالحبوب إلى 3.7 ملايين فدان، ورفع إنتاجية الفدان إلى 3 أطنان من الحبوب مقابل الإنتاجية الحالية التي تبلغ 2.7 طن. ساهمت تلك الخطط في خفض الاستيراد من القمح في العام 2021 بنحو الثلث، وفي إطار معالجة تشوهات السوق التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في فبراير من عام 2022، فقد طبقت الحكومة في مارس من العام الحالي (2022) حافزا للمزارعين المحليين لتوفير المزيد من القمح والتي تضمنت شراء القمح بأسعار أعلى، وتقديم حوافز للمزارعين لبيع القمح إلى الحكومة بدلا من القطاع الخاص، هذا إلى جانب تنويع مصر لمصادر قمحها المستورد وفتح الباب لدول أخرى للتقدم في المناقصات المصرية، وفي بعض الأحيان إلغاء المناقصات، وهو ما عزز وجود دول أخرى جديدة مثل الهند ضمن الدول التي تعتمد عليها مصر للوفاء باحتياجاتها من القمح، إذ وقعت مصر اتفاقا مع الهند في مايو من العام الحالي لشراء 61.5 ألف طن، وتلقت 63 ألف طن من فرنسا في يونيو.
أما عن الثروة الحيوانية بمصر فيمثل قطاع الإنتاج الحيواني حوالي 37.5 % من الإنتاج الزراعي من حيث القيمة، ووفقا لتقرير منظمة الفاو لعام 2020، تمتلك مصر ما يقرب من 5.4 ملايين رأس من الأغنام، و5.1 ملايين من المواشي والجاموس، و4 ملايين ماعز، بالإضافة إلى عدد غير معلوم من الإبل والحمير والخيول. يولد قطيع الماشية والجاموس ما يقرب من 6 ملايين طن من الحليب، وحوالي 500 ألف طن من اللحوم كل عام، وتبلغ العائدات المتولدة عن ذلك القطاع 8 مليارات دولار، لكن وعلى الرغم من كل تلك الإمكانات تظل مصر مستورد صافي لكل من لحوم البقر ومنتجات الألبان.
ركزت جهود الحكومة الإصلاحية الأخيرة على تطبيق التكنولوجيا في جميع أركان الاقتصاد، وفي سبيل تحقيق ذلك وضعت رؤية مصر 2030 الأساس للتحول الرقمي، وأطلقت استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030، تسعى دائما الحكومة وبالاتساق مع ما تواجهه البلاد من تغير المناخ الذي يؤدي إلى تفاقم عملية ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي إلى تبني الآلات الحديثة الزراعية وأساليب الري الأفضل، هذا بالإضافة إلى إدخال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في هذا المجال، وقد أطلقت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عدة مبادرات تهدف إلى رقمنة القطاع الزراعي ومساعدة العاملين بالمجال على التكيف مع الأنظمة الحديثة من خلال برامج التدريب.
عملت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بالشراكة مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على إطلاق العديد من المبادرات لتسهيل استخدام التكنولوجيا، فعلي سبيل المثال قدمت الوزارتان بطاقات ذكية للمزارعين بهدف أتمته الخدمات، تمكن تلك البطاقة المزارعين من معرفة حصصهم من الأسمدة والمبيدات الحشرية والبذور وذلك بهدف الحد من الإفراط في استخدام الأسمدة وتعزيز الإشراف على عملية التوزيع، بالإضافة إلى إطلاق برنامج لتسجيل ملكية الأراضي والمحاصيل المثالية لكل منطقة جغرافية، ومن خلال التعاون مع البنك الزراعي المصري فقد ربطت الوزارة في عام 2020 البطاقة بنظام مدفوعات ميزة الذي يسمح للمزارعين بإجراء عمليات شراء وسداد ثمنها من خلال تلك البطاقات. في ديسمبر من عام 2021 قدمت وزارة الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تطبيق “هدهد” للهاتف المحمول الذي يستخدم أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتمكين المزارعين من تحديد ومعالجة الآفات الزراعية.
يتلقى القطاع الزراعي دعما مستمرا من جانب العديد من الجهات الدولية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية والذي طور خريطة زراعية لمصر تظهر المشاريع الزراعية الوطنية والدولية في جميع أنحاء البلاد وتوفر معلومات عن تكلفتها ووضعها، ونوع التمويل والجهات المانحة، كما أنه يوفر العديد من المؤشرات الاجتماعية على مستوى كل محافظة، هذا إلى جانب إتاحة محلل بيانات الاستثمار الزراعي في مصر عبر الإنترنت، والذي يوفر خدمات للمستخدمين مثل محاكاة التأثير المباشر وغير المباشر للاستثمار الزراعي على الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف وسبل العيش. في أبريل من عام 2021 نفذت الحكومة المصرية مشروع ألياف بصرية ريفية بقيمة 35 مليار دولار، شهدت المرحلة الأولى منه ربط حوالي 1300 قرية في عام 2021 من مستهدف يبلغ 4500 قريبة أو أكثر من 60 مليون مصري بهدف تمكينهم من الحصول على خدمات الاتصال ومن ثم تشجيع استخدام أدوات الزراعة الرقمية.
على الرغم من كل تلك الجهود السابقة إلا أنه هناك تحد رئيسي يواجه عملية رقمنه القطاع الزراعي وهو الافتقار للوعي بفوائد الأدوات الزراعية، حيث لا يفهم المزارعون كيف سيفيدهم إدخال تلك التقنيات الحديثة على العملية الزراعية، لكن الجهود الحكومية في نشر الوعي وتجهيز البنية التحتية للقطاع الزراعي وإشراك القطاع الخاص للاستثمار في ذلك القطاع بالإضافة إلى الاستثمار في الميكنة والرقمنة سيكون لها دور حاسم في مواجهة تلك التحديات والتغلب عليها.