في خضم السباق الرئاسي المحتدم الذي شهدته الساحة الأمريكية وسط حالة واسعة من الانقسام والاستقطاب السياسي، استطاع المرشح الجمهوري والرئيس السابق “دونالد ترامب” ليس فقط في الوصول إلى البيت الأبيض مجددًا في ولاية ثانية غير متتالية، وإنما نجح في تحقيق “فوز تاريخي” عبر إحكام سيطرة الجمهوريين على الكونجرس أيضًا، مما يعني أن رؤيته ستجد مسارًا شبه سلس للتنفيذ. ولم يتوقف الزخم المحيط بالسباق الرئاسي عند حدود صناديق الاقتراع في الخامس من نوفمبر الجاري، ولكن لا تزال متواصلة في ضوء الاختيارات “المثيرة للجدل” التي يقوم بها “ترامب” في سبيل تشكيله لفريق إدارته الجديد. الأمر الذي يُذكي العديد من التساؤلات بشأن الملامح التي ستغلف ولاية “ترامب” الثانية.
الفريق الجديد- تشكيل مثير للجدل:
لم تتوقف مفاجآت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 عند حدود الفوز الكبير الذي استطاع “ترامب” تحقيقه بما يمثل نقضًا واضحًا لعدد من التحليلات واستطلاعات الرأي والتوقعات، وإنما تواصلت هذه المفاجآت في الاختيارات “المثيرة للجدل” في تشكيل “ترامب” لفريقه الجديد إيذانًا ببدء ولايته الثانية. وهو ما ينعكس في تحركين رئيسيين؛ ينصرف الأول إلى اختيار وزراء ومسئولين ذوي مواقف إشكالية، بينما يستند الثاني إلى تدشين كيان جديد تحت مسمى “لجنة الكفاءة الحكومية”.
- وزراء ومسؤولون ذوو مواقف إشكالية:
يبدو أن “ترامب” قد تعلم الدرس من ولايته الأولى التي قام فيها بإقالة العديد من المسئولين والموظفين بسبب اختلاف وجهات النظر، ومن ثَمّ، فإن التشكيل الحالي يعكس تقاربًا واضحًا في المواقف بين “ترامب” وفريقه الجديد. فقد اتجه “ترامب” إلى تعيين مستشاره السابق والمهندس المتشدد لسياسة الهجرة خلال الولاية الأولى “ستيفن ميلر“، نائبًا لكبير موظفي البيت الأبيض للسياسات، مما يعني التأكيد على نية “ترامب” المضي قدمًا في سياسته المناهضة للهجرة. كما اتجه “ترامب” إلى تعيين السيناتور ذوي الأصول الكوبية “ماركو روبيو” في منصب وزير الخارجية، مما يمثل انتصارًا لقاعدة “ترامب” اللاتينية. يتبنى “روبيو” رؤية قائمة على محورية الأداة العسكرية، ويدعو لمواقف أكثر صرامة ضد الصين وإيران وكوبا. ومن ثَمّ، يدعم فرض المزيد من العقوبات على إيران، والتأكيد على ضرورة تقديم الدعم التام لإسرائيل.
أما حقيبة الدفاع، فقد وقع الاختيار على “بيتر براين هيغسيث“، مقدم البرامج على قناة “فوكس نيوز”، الذي قال: إنه ترك الجيش الأمريكي عام 2021 بسبب تهميشه نتيجة لـ “آرائه السياسية والدينية”. ومن المرجح أن يقوم “هيغسيث” بتنفيذ وعود حملة “ترامب” بالتخلص من جنرالات الجيش “المستنيرين” الداعمين لسياسات العدالة العرقية والاجتماعية التي يعارضها المحافظون؛ حيث إن هذه السياسات تسمح للنساء بالانضمام إلى وحدات المشاة والمدفعية والمشاركة في القتال المباشر، وهي الوظائف العسكرية التي كانت تاريخيًا حكرًا على الرجال. وبينما لم يبد “هيغسيث” سوى تركيز محدود على المواقف السياسية، إلا أنه انتقد حلف “الناتو” بسبب ضعفه، واعتبر أن بكين على وشك الهيمنة على جيرانها، حسبما أفادت “رويترز”.
بالإضافة إلى ذلك، فقد اختار “ليندا ماكماهون“، الرئيسة السابقة لاتحاد المصارعة العالمية الترفيهية “دبليو دبليو إي”، لتولّي حقيبة وزارة التعليم التي كان قد تعهد بإلغائها خلال حملته الانتخابية. وقد اعتبر “ترامب” أن “ماكماهون” لديها “فهم عميق لكل من التعليم والأعمال”، مشددًا على أنها “مدافعة شرسة عن حقوق الوالدين”. إلا أن اختيارها قد أثار موجة من الغضب، وبالأخص على خلفية الاتهامات المتعلقة بتواطئها مع موظف في “دبليو دبليو إي” في الاستغلال الجنسي للأطفال.
كما اختار “ترامب” “هوارد لوتنيك“، الرئيس التنفيذي لشركة “كانتور فيتزجيرالد” ويدير أيضًا شركة التمويل “بي جي سي جروب” وهو رئيس مجموعة “نيوماكر غروب”، لتولي منصب وزير التجارة. ويعد “لوتنيك” مؤيدًا قويًا للرسوم الجمركية، خاصة تلك الموجهة ضد الصين، وقد قال في إحدى المقابلات التي جرت معه مؤخرًا “لا تفرضوا الضرائب على شعبنا. اربحوا المال بدلًا من ذلك. ضعوا تعريفات جمركية على الصين”. وأيضًا فقد أعلن “ترامب” تعيين “بريندان كار” المدعوم من “إيلون ماسك”، رئيسًا للهيئة الفيدرالية المكلفة تنظيم الاتصالات (إف سي سي)، ووصفه بأنه “مناضل من أجل حرية التعبير”. موضحًا أن “كار” سوف يتصدى لشركات التكنولوجيا العملاقة و”يفكك كارتل الرقابة”.
علاوة على ذلك، فقد اختار “ترامب” “كريس رايت” لمنصب وزير الطاقة، موضحًا أنه “عمل في مجال الطاقة النووية والشمسية والحرارية والنفط والغاز”، معتبرًا أن الأهم في هذا الصدد كون “رايت” أحد الرواد الذين ساعدوا في إطلاق “ثورة النفط الصخري الأمريكي”. ومن ثَمّ، يعتبر “رايت” من منكري قضية التغيرات المناخية، وداعمًا قويًا لزيادة إنتاج النفط والغاز بأقصى حد. ومن المرجح أن يشارك “رايت” آراء “ترامب” المعارضة للتعاون العالمي في سبيل مكافحة التغيرات المناخية، فقد سبق أن وصف نشطاء تغير المناخ بأنهم “مثيرون للقلق”. وهو ما دفع مديرة مركز التنوع البيولوجي “جان سو” إلى التعليق على اختيار “رايت” قائلة: إن “اختيار شخص مثل رايت هو علامة واضحة على أن ترامب يريد تحويل الولايات المتحدة إلى دولة نفطية منبوذة”.
وعلى المنوال ذاته، اتجه “ترامب” لاختيار الناشط البيئي “روبرت كينيدي” لتولي منصب وزير الصحة، وذلك على الرغم من مواقفه وتصريحاته الإشكالية المتعلقة بمناهضة اللقاحات، مثل الخاصة بالتهاب الكبد الوبائي والحصبة والإنفلونزا، ناهيك عن وصفه للقاح “كوفيد – 19” بأنه “الأكثر فتكًا”. كما روج لفكرة أنه “لا يشرب إلا الحليب الخام”، وهي المسألة التي يمكن أن تزيد من خطر التعرض للأمراض؛ ومنها الإشريكية القولونية المنزفة للأمعاء. علاوة على ذلك، فقد كتب عبر حسابه على منصة “إكس”، أن “الفلورايد مرتبط بالتهاب المفاصل وسرطان العظام وفقدان معدل الذكاء واضطرابات النمو العصبي وأمراض الغدة الدرقية”. لكن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، قالت: إن مستويات الفلورايد في مياه الشرب “آمنة وتساعد في تقليل تسوس الأسنان”.
هذا، وقد أثار إعلان “ترامب” ترشيح النائب “مات جيتز“، الذي قاد عملية إقالة رئيس مجلس النواب “كيفن مكارثي”، لمنصب المدعي العام، جدلًا واسعًا حتى في أوساط الحزب الجمهوري؛ نظرًا لسجله السلبي والتحقيقات الجارية معه من قبل لجنة الأخلاقيات في مزاعم تشمل تورطه المحتمل في الاتجار بالجنس وتعاطي المخدرات وتلقي هدايا غير لائقة، وذلك قبل أن يتجه للانسحاب عن الترشح. كما اختار “ترامب” محاميه الخاص، “تود بلانش“، في منصب نائب وزير العدل، معلقًا في بيان إنه “محام ممتاز، وسيكون قائدًا مهمًا في وزارة العدل، وسوف يعمل على إصلاح نظام العدالة المعطل منذ فترة طويلة”، فيما يبدو كانتقاد من “ترامب” للمحاكمة التي تعرض لها؛ حيث قاد “بلانش” الفريق القانوني الذي دافع عنه في قضية دفع أموال لإسكات “ستورمي دانييلز”، إضافة إلى قضايا فيدرالية أخرى.
وكذا، رشح “ترامب” لمنصب رئاسة الإدارة الوطنية للاستخبارات “تولسي جابارد” التي كانت عضوة سابقة في الحزب الديمقراطي وانشقت عنه في 2022 وأعلنت انضمامها للحزب الجمهوري. وعلق “ترامب” على اختيارها، قائلًا: إنه “على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ناضلت جابارد من أجل بلدنا وحريات جميع الأمريكيين”. لكنها تعرضت لانتقادات بسبب موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، بعد دعوتها لكييف لأن تكون “دولة محايدة”، مقترحة التراجع عن خططها للانضمام إلى حلف “الناتو”؛ مما جعلها عرضة للتشكيك بخصوص ميلها لصالح روسيا.
- تدشين “لجنة الكفاءة الحكومية”:
كشف الرئيس المنتخب “ترامب” عن اتجاهه لتشكيل لجنة “الكفاءة الحكومية” بقيادة الملياردير “إيلون ماسك”، ورجل الأعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية “فيفيك راماسوامي”، التي تستهدف ضبط الإنفاق الحكومي، بل وخفضه بمقدار “تريليوني دولار”. لن تكون هذه اللجنة كـ “وزارة”، وإنما هي (مجموعة عمل) خارج الحكومة تتمتع بصلاحيات للاطلاع على أداء المؤسسات الحكومية ونفقاتها، وستقوم بتقديم المشورة والتوجيه بهدف “تفكيك البيروقراطية الحكومية، وخفض النفقات الباهظة وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية”. إلا أن الحديث عن تدشين هذه اللجنة قد أثار الكثير من الجدل واللغط بين الأمريكيين حول طبيعة عملها والمهام الموكلة إليها.
هذا، وقد أعطى “ترامب” هذه اللجنة مهلة حتى الرابع من يوليو 2026 لتحقيق “حكومة أصغر” تكون بمثابة “هدية مثالية للولايات المتحدة في الذكرى الـ 250 لإعلان الاستقلال”. ووصف كذلك هذه اللجنة بأنها “مشروع مانهاتن في عصرنا الحالي”، في إشارة إلى برنامج القنبلة النووية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. موضحًا أن هذه اللجنة ستباشر عملها بالتواصل مع البيت الأبيض ومكتب الإدارة والميزانية “لدفع الإصلاح الهيكلي على نطاق واسع ووضع نهج رائد للحكومة لم نشهده من قبل”. وهو ما يعني أن هذا الكيان الجديد لن يكون إدارة حكومية بالمعنى التقليدي الذي يتطلب إنشاؤه تفويضًا من الكونجرس، بل ستعد بمثابة “هيئة استشارية” تعمل خارج الحكومة.
وتناقلت بعض المصادر الصحفية تفاصيل تتعلق برؤية “ماسك” لعمل هذه اللجنة، ومنها تقليص لجنة التجارة الفيدرالية، ومصلحة الضرائب، ووزارة العدل، ولجنة الأوراق المالية والبورصة. أما “راماسوامي”، فقد قال: إنه يؤمن بضرورة الاستغناء عن 75% من الموظفين الفيدراليين، وتقوم رؤيته –حسبما كشف موقع “الحرة”- على إغلاق وزارة التعليم ووقف عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي ونقل 15 ألف عميل خاص إلى وكالات أخرى، والتخلص من لجنة التنظيم النووي وتحويل مهامها إلى إدارات أخرى. وعلى هذا النحو، تم إطلاق الحساب الرسمي للجنة على منصة “اكس”، ونص منشورها الأول على أنها ستعمل على “ضمان إنفاق أموال الضرائب بحكمة”. وكان من المثير للانتباه طلبها لتعيين موظفين “ثوريين” لديهم الاستعداد والقدرة للعمل “لمدة 80 ساعة أو أكثر في الأسبوع”.
وتعليقًا على ذلك، فقد كشفت “إلين كامارك”، المديرة المؤسسة لمركز الإدارة العامة الفعالة بمعهد “بروكنجز”، في تحليلها بعنوان (اقطعوا الحكومة بالمشرط وليس بالفأس)، إن إدارة الرئيس “بيل كلينتون” قد أدارت برنامجًا مشابهًا في الفترة من عام 1993 إلى عام 2000. موضحة أن هذا البرنامج، الذي أطلق عليه اسم “REGO” (إعادة اختراع الحكومة)، أصبح “أطول جهد إصلاحي” في التاريخ الأمريكي؛ إذ أسهم في تخفيض 426 ألف وظيفة من القوى العاملة الفيدرالية عبر مراجعة شاملة لكل وكالة على حِدة، وهو الأمر الذي قد يكون من الحكمة تكراره في برنامج DOGEالذي سوف تقوم به لجنة الكفاءة الحكومية. ومن ثَمّ، فقط اعتبرت “كامارك” أن هدف إجراء تخفيضات حكومية تصل إلى تريليوني دولار صعبًا، في ضوء كون الجزء الأكبر من الإنفاق الفيدرالي إنفاق إلزامي؛ والذي يشمل الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، وأموال المحاربين القدامى، والتأمين ضد البطالة.
وفي ذات السياق، فقد أثار تولي “ماسك” لجنة الكفاءة الحكومية الكثير من الجدل؛ الذي لا يتوقف فقط عند الأنباء المتعلقة بتواصله مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، وإنما يتصل أيضًا بالمخاوف المتعلقة باستغلال “ماسك” لمنصبه الجديد في سبيل اتخاذ قرارات حكومية تُفيد مصالحه التجارية بشكل مباشر، وهو ما دفع البعض إلى المطالبة بضرورة فرض تدابير للحد من تضارب المصالح، كإلزامه بالتنازل عن مصالحه التجارية، أو استبعاده من القرارات ذات الصلة. بعبارة أوضح، فإن تولي “ماسك” لهذا المنصب سيسمح له بالاستفادة من عقود ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات وحوافز ضريبية ناهيك عن اللوائح الفيدرالية التي يمكن أن تخدم شركاته الكبرى، مثل: “سبيس إكس” و”تسلا” و”نورالينك”. على سبيل المثال، النزاعات القائمة بين شركة “تسلا” والإدارة الوطنية للسلامة على الطرق السريعة (NHTSA). وتعقيبًا على ذلك، قال “بروس فاين”، الخبير في القانون الدستوري، مساعد نائب وزير العدل الأمريكي الأسبق، لقناة “الحرة”: إن الدستور سيحول دون اتخاذ “ماسك” لأي قرار يعود بالنفع عليه؛ إذ سيقتصر عمله فقط على وضع التوصيات، أما اتخاذ القرارات يقع ضمن صلاحيات الكونجرس.
ملامح الولاية الثانية لـ “ترامب”:
على الرغم من اتصاف السباق الرئاسي الأمريكي لعام 2024 بدرجة عالية من الحدة والاحتدام بطريقة انعكست بشكل واضح في استطلاعات الرأي التي كشفت عن تساوٍ واضح في فرص كلا المرشحين (المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب)، فإن صناديق الاقتراع قد كشفت عما يمكن وصفه بالفوز “التاريخي” لـ “ترامب” في وجه منافسته الديمقراطية. وفيما يتعلق باختيار فريق إدارته، فقد بات واضحًا أن اعتماد “ترامب” الأساسي يقوم على اختيار “أهل الثقة”، ناهيك عن توزيع المناصب وفق منطق “المكافآت” لمن دعم “ترامب” وحملته حتى الفوز. وهو المشهد الذي يحمل مؤشرات واضحة عن الملامح الشائكة للولاية الثانية لـ “ترامب”، وهو ما يمكن تفكيكه على النحو التالي:
- الموجة الحمراء: توضح انتخابات عام 2024 أن “ترامب” لم ينجح فقط في الوصول إلى البيت الأبيض مجددًا في ولاية ثانية غير متتالية، وإنما نجح في تحقيق موجة حمراء من خلال استمرار سيطرة الجمهوريين على الكونجرس بغرفتيه، بما يعني أن سياساته وقرارته سوف تجد “مسارًا سلسًا” للتنفيذ، كما أن اختيارات فريقه سيتم تمرير أغلبها (إن لم يكن كلها).
- الولاية الثانية: على الرغم من كون “ترامب” شخصية يصعب التنبؤ بردود فعلها، فإن هناك ولاية سابقة تسمح باستشراف على الأقل بعض الملامح والخطوط العامة والتوجهات التي يمكن أن تنعكس في سياسات وتحركات إدارة “ترامب” الجديدة سواء على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية، وهو ما يعني أن “التيار الترامبي” سيكون الأساس الذي تستند إليه تحركات الولايات المتحدة.
- إدارة متجانسة: خلال ولايته الأولى اتجه “ترامب” إلى إقالة العديد من المسئولين والموظفين بسبب اختلاف وجهات النظر، ومن ثَمّ، يعكس تشكيل إدارته الجديدة نهجًا قائمًا على اختيار فريق أكثر تجانسًا وانسجامًا، مما يعني أن هذه الإدارة ستكون شبه متطابقة مع أفكاره وتوجهاته؛ مما يحمل فرصًا متواضعة لدفع “ترامب” إلى إعادة النظر بشأن أي قرار أو تحرك أو سياسة.
- الطابع الشخصي: يغلب على طريقة قيام “ترامب” لمهامه كرئيس للولايات المتحدة الطابع الشخصي وليس الطابع المؤسسي، كما أن خلفيته كرجل أعمال جعلته أكثر ميلًا لمنطق “الصفقات” الذي يسعى لتطويعه في أغلب –إن لم يكن– كل الملفات. وهو ما ينصرف قياسًا إلى إدارته أيضًا بالنظر إلى أن أغلب الاختيارات تبدو “مثيرة للجدل” ومن خارج الإطار المؤسسي التقليدي.
- ولاية أكثر إثارة للجدل: من المتوقع لولاية “ترامب” الثانية أن تكون أكثر حدة وأكثر غلوًا في ضوء ثلاثة؛ يتعلق الأول برغبته في الانقضاض على إرث “بايدن”، ويتصل الثاني بحملة التشويه التي تعرض لها خلال فترة “بايدن”، ناهيك عن إدانته في لائحة طويلة من الاتهامات، ويستند الثالث إلى رغبته في إحداث اختراقات كبيرة تعزز من حالة الزخم والترقب المرتبطة بفوزه.
- صعوبة توقعه: يبقى “ترامب” من الشخصيات التي يصعب التنبؤ بها، وذلك بالاستناد إلى كونه من خارج مؤسسات الدولة ويميل إلى الخطاب الشعبوي، ويسعى بشكل دائم إلى تحقيق إنجازات سريعة وغير متوقعة. ومن الأمثلة على ذلك، أنه لم يثنيه موقفه الرافض للإسلام السياسي من التفاوض مع طالبان. هذا، وتزيد اختيارات الفريق الجديد لإدارته من الملمح المرتبط بـ “صعوبة التوقع”، بالاستناد إلى خلفيتهم ومواقفهم الإشكالية.
مجمل القول، إن الفوز الكبير الذي استطاع “ترامب” تحقيقه في انتخابات عام 2024، الذي لم يتوقف عند حدود البيت الأبيض وإنما وصل إلى الكونجرس أيضًا، يعني أن ولايته الثانية ستكون ذات طابع “ترامبي” بامتياز يفوق كثيرًا ولايته الأولى، ولا سيما مع اتجاهه لاختيار فريق إدارته الجديدة –وفقًا لمنطق “أهل الثقة”– من شخصيات تتبنى مواقف متجانسة –إلى حد كبيرا– معه.
رئيس وحدة الدراسات الأمريكية