يُشكل سقوط نظام الأسد لحظة محورية لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، حيث يعيد تشكيل مشهد الجغرافيا السياسية الإقليمية واستراتيجيات الطاقة في المنطقة، وقد أدى هذا الانهيار المفاجئ إلى نهاية سلالة سياسية دامت لأكثر من حوالي 54 عامًا وخلق حالة من ضبابية في المشهد الإقليمي، وتقليص نفوذ حليفي نظام الأسد البارزين (موسكو وطهران)، وتمهيد الطريق لتحالفات وشراكات جديدة، وتعاون إقليمي، ومبادرات البنية التحتية، وبالأخص في قطاع الطاقة والغاز الطبيعي. ويطرح الانهيار المفاجئ لحكم الأسد، إمكانية نشوء نظام إقليمي جديد. في حين لا يزال الأمر غير مؤكد، فلقد أضاء سقوط نظام الأسد بصيص أمل للعديد من مشروعات الطاقة والتي أوقفها الأسد في الماضي وفقًا للحسابات والتوازنات السورية المعقدة.
مدخل
تسعى تركيا جاهدة لتعزيز مكانتها كمركز رئيسي للطاقة في المنطقة، وقد تجلت هذه الطموحات بشكل بارز في حدث طاقة كبير عُقد في مدينة إسطنبول نوفمبر 2024، حيث استضاف المسئولون الأتراك وزراء من البلدان الرئيسية المنتجة للغاز مثل أذربيجان وليبيا وأوزبكستان، بالإضافة إلى ممثلين عن دول العبور مثل جورجيا، والمستوردين من دول أوروبا الشرقية. تتمثل رؤية تركيا في أن تصبح نقطة عبور رئيسية تربط منتجي الغاز في الشرق والجنوب بالأسواق الغربية. وتوفر البنية التحتية الحالية للطاقة في البلاد قاعدة قوية لهذه الطموحات، حيث يثبت خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول، الذي يُعد جزءًا من ممر الغاز الجنوبي لنقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، قدرة تركيا على أن تكون دولة عبور رئيسية. تمتلك تركيا أيضًا بنية تحتية متطورة تشمل سبعة خطوط أنابيب للغاز، خمس محطات للغاز الطبيعي المسال، ثلاث وحدات تخزين عائمة، ومنشأتين للتخزين تحت الأرض، بالإضافة إلى قدرة استيراد فائضة كبيرة يمكن استغلالها لتعزيز التجارة في هذا القطاع.
الجغرافيا السياسية لحقول النفط الخام والغاز الطبيعي في سوريا ونظرية خطوط الأنابيب
تُشكل صعوبة الوصول إلى مصادر الطاقة الأساسية وبالأخص النفط الخام والغاز الطبيعي (أو التخلي عنه) مصدر قلق اقتصادي وسياسي للدول الفاعلة في الخريطة العالمية وخصوصًا صناعة الطاقة (سواء المنتجة أو المستهلكة). وعلى مر التاريخ الحديث، تُرجم هذا القلق على هيئة حروب ونزاعات واتفاقات وأيضًا شراكات، تلك الصور التي أعادت تشكيل خرائط العالم تحت شعارات وصور مختلفة.
تاريخيًا، لا تُشكل دمشق رافدًا هامًا لمعادلة الطاقة العالمية (محدودية الإنتاج والاحتياطيات)، مقارنةً مع بعض الدول الأخرى في الشرق الأوسط، ولا تعوم على بحر من النفط والغاز الطبيعي بخلاف العديد من الدول العربية والمنابع النفطية في المنطقة، إلا أنها وعلى الرغم من ذلك فهي تمتلك مقومات جغرافية تمنحها دورًا مميزًا في خارطة توزيع موارد الطاقة المختلفة، وخاصةً خريطة توزيع الطاقة الأحفورية. إذ أنها تعتبر نقطة عبور استراتيجية، يمكنها المساهمة في تقليص نفقات نقل الطاقة من دول المنطقة باتجاه البحر المتوسط الذي يُشكل البوابة الآسيوية الأهم على الدول الغربية، لذلك تأتي أهمية سوريا في خارطة توزيع الطاقة من تموضعها الجغرافي في موقع يتمتع بأهمية استراتيجية للقوى العالمية.
جغرافيًا، تتوسط دمشق منطقة الشرق الأوسط والطموحات المختلفة لبعض القوي الإقليمية وأحلام شبكة خطوط الأنابيب وشرايين الطاقة والتي يمكن أن تجعلها مركزًا لها. والحدود السورية مع العراق، والموانئ البحرية على البحر المتوسط، تجعل منها ممرًا طبيعيًا لنفط شمال العراق ودول الخليج العربي إلى أوروبا.
على مدى السنوات الماضية، سعت تركيا إلى ترسيخ مكانتها كممر استراتيجي ونقطة عبور هامة لنقل الطاقة من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، واستضافت العديد من خطوط أنابيب مثل ترك ستريم. ومن شأن خط الأنابيب المقترح بين الدوحة وأنقرة أن يعزز أهمية تركيا في أسواق الطاقة العالمية، وبالأخص في صناعة الغاز الطبيعي.
واليوم تتطلع تركيا بعد التخلص من الأسد إلى إحياء مشاريع الطاقة المختلفة والتي من ضمنها خطوط ومسارات الغاز المختلفة وبالأخص الخطوط التي من الممكن ربطها بالدوحة. حيث أن هناك مخاطر بالنسبة لتركيا مرتبطة بكل الطرق البديلة من قطر إليها، فالعراق غير مستقر، وتمر الطرق البديلة عبر منطقة كردستان في شمال العراق، لكن هذه المشاكل تجعل الطريق السوري أسهل وأكثر جاذبية لأنقرة.
إحياء مشروع خط أنابيب إيست ميد
إن إنشاء دولة سورية مستقرة يُعد فرصة لتركيا للاستفادة من هذه الإمكانات من خلال إنشاء خط أنابيب للغاز يمتد عبر سوريا إلى الغرب، بما يتصل بخط أنابيب الغاز العربي. كما يمكن لتركيا تقديم طريق أكثر جدوى تجاريًا لمنتجي الغاز الإقليميين الآخرين للوصول إلى الأسواق الأوروبية. بشكل عام، واجه مشروع خط أنابيب إيست ميد، تحديات كبيرة في تحقيق جدوى فنية ومالية. فعلى الرغم من أنه كان يهدف إلى ربط إسرائيل وقبرص باليونان عبر أنبوب يمتد على مسافة حوالي 1900 كيلومتر، لم يحقق المشروع سوى تقدم ضئيل، كما تلقى خط الأنابيب ضربة قوية عندما سحبت الولايات المتحدة دعمها له في عام 2022. في هذا السياق، يمكن أن يوفر إنشاء طريق بري عبر سوريا، متصلًا بالبنية التحتية التركية الحالية، بديلًا أكثر كفاءة من الناحية الفنية والتكلفة.
من ناحية أخرى، قد يسهم الاستقرار في سوريا في إحياء مشروع خط الأنابيب الذي ظل مهملًا لفترة طويلة، والذي يهدف إلى ربط حقول الغاز الطبيعي في قطر بتركيا عبر السعودية والأردن وسوريا. وكانت الحكومة السورية قد رفضت هذا المشروع سابقًا، حيث كانت تخشى أن يؤثر على صادرات الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية. إلا أنه مع سقوط الأسد، عبر وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، عن استعداد بلاده لإعادة النظر في هذا المشروع.
إحياء مشروع خط أنابيب الغاز القطري التركي
ومن ضمن هذه المشاريع الاقتصادية التي برزت مؤخرًا، هو خط أنابيب الغاز القطري التركي، والذي من شأنه أن يحول دمشق إلى مركز عبور، وبالطبع ستستفيد دمشق من رسوم العبور وغيرها من الإيرادات المولدة للطاقة.
أدى سقوط نظام الأسد إلى استئناف الآمال حول إنشاء خط الغاز القطري التركي، والذي يربط تركيا والدول الأوروبية بقطر عبر السعودية والأردن وسوريا. هذا المشروع رغم تحدياته الضخمة قادر على إعادة تشكيل ديناميكيات الطاقة في الشرق الأوسط وأوروبا، والأهم أنه سيفتح آفاقًا لعلاقات جديدة وتعاون اقتصادي في المنطقة. وعليه، كان خط الغاز القطري-التركي أحد أهم مشاريع الطاقة التي تم اقتراحها في العقدين الماضيين. حيث نشأت الفكرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما طرح اتحاد شركات الطاقة الأوروبية والتركية فكرة هذا الخط الذي يبلغ طوله حوالي 1500 كم بتكلفة تتجاوز 10 مليارات دولار. إن خط الغاز المقترح بين قطر وتركيا في حالة تم الاتفاق عليه وظهوره إلى النور سيكون له العديد من التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية على منطقة الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل التحالفات والتأثير على ديناميكيات القوة بين دول المنطقة.
تبرز الزيادة في استهلاك الطاقة العالمية بصفتها محركًا رئيسًا لسوق خطوط أنابيب النفط الخام والغاز الطبيعي، إذ من المتوقع أن ينمو الطلب على خطوط الأنابيب العالمية نتيجة احتياجات الطاقة المتزايدة بمعدلات ملحوظة. حيث تتيح خطوط أنابيب النفط والغاز وسيلة ميسورة التكلفة وآمنة لنقل النفط الخام والغاز الطبيعي، ما يضمن إمدادات غير متقطعة من مواقع الإنتاج إلى المصافي ومنها إلى مراكز الاستهلاك.
استكمالًا لما سبق، من المتوقع أن ينقل الغاز الطبيعي من حقل غاز الشمال بقطر، وهو حقل بحري ضخم، ثم يمر خط الأنابيب عبر السعودية والأردن وسوريا، وينتهي عند محطات التوزيع التركية ومنها إلى دول مختلفة في الاتحاد الأوروبي، مثل إسبانيا وإيطاليا وبولندا ودول أخرى.
لكن نظام الأسد عرقل مشروع خط الأنابيب المقترح، حيث أعلن الأسد في عام 2009 رفضه السماح لخط الأنابيب بالمرور عبر سوريا من أجل حماية المصالح الروسية (موسكو كانت ستخسر حوالي ثلثي مجمل صادراتها في حالة تم تنفيذ هذا الخط)، إذ رأت موسكو التي كانت تهيمن في ذلك الوقت على إمدادات الغاز إلى أوروبا، حيث يُشكل الخط القطري التركي تهديدًا مباشرًا لهيمنتها على سوق الغاز الطبيعي في أوروبا (حيث تمتد الخطوط الروسية في شرايين القارة الأوروبية ضمن نظرية الأخطبوط الروسية).
انخفضت حصة الغاز الروسي ضمن واردات الاتحاد الأوروبي من أكثر من 40% في عام 2021 إلى أقل من 15% في عام 2023 (بما يشمل الغاز المسال). إلا أن الغاز القطري لا يزال يُشكل حوالي 5% فقط من واردات التكتل الأوروبي، على الرغم من احتياطيات البلاد الهائلة.
لم تتردد أنقرة للحظة في إبداء حماستها لأن تكون أول المستفيدين من سقوط نظام الأسد في سوريا وبالأخص في ملف الطاقة، وبالتحديد من خلال مشروع خطوط الأنابيب. لكن، ورغم تغير الظروف اليوم، قد تبدو هذه الحماسة متسرعة بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه المشروع.
لا يمكن تجاهل التحديات التي تمنع دمشق من المضي قدمًا في هذا المشروع الطموح، بما في ذلك احتياجات إعادة الإعمار وإعادة بناء البنية التحتية، وحل النزاعات الداخلية والخارجية التي عانت منها سوريا لأكثر من حوالي 54 عامًا، بجانب عدم وحدة الأراضي السورية بشكل كامل، خاصة مع وجود مجموعات كردية مسيطرة على أجزاء من سوريا، وكذلك الحاجة إلى التعاون الإقليمي بين دول العبور الأخري، إذ تهدد المنافسات الإقليمية خط الأنابيب المقترح، على سبيل المثال، قد تعرقل طهران المشروع لأنه سيقلل من دورها كمورد للغاز إلى أوروبا. في الواقع، تنظر إيران إلى خط الأنابيب القطري التركي باعتباره تهديدًا مباشرًا لطموحاتها في قطاع الطاقة.
وعليه، تجعل كل هذه التحديات من المفاوضات والترتيبات بشأن الخط معقدة. لكن مع تطور مسار سوريا ما بعد الأسد، فإن الأشهر المقبلة ستحدد ما إذا كان الحلم القطري التركي قادرًا في النهاية على المضي قدمًا أم لا.
أمام ما تقدم، تعمل قطر على تنمية صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، فإن الدولة التي تعد حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها من الأعلى عالميًا، ستحصل على المزيد من الأموال. وشكلت المواد الهيدروكربونية، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، حوالي 44% من الناتج المحلي الإجمالي لقطر في عام 2023. وتمتلك قطر احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي قُدرت بحوالي 23.8 تريليون متر مكعب وذلك وفقًا لبيانات عام 2024، كما هو موضح في الشكل التالي.
علاوة على ذلك، سجل إنتاج قطر من الغاز الطبيعي أعلى معدل له تاريخيًا عند حوالي 181 مليار متر مكعب، وذلك في نهاية عام 2023، وتراجع إنتاج الدوحة من الغاز الطبيعي إلى حوالي 155.7 مليار متر مكعب خلال المدة من يناير/ حتى نهاية سبتمبر 2024، مقابل حوالي 160.3 مليار متر مكعب في المدة نفسها من 2023، كما هو موضح في الشكل التالي.
استكمالًا لما سبق، وضعت الدوحة استراتيجية تستهدف زيادة صادراتها من الغاز عبر استثمار حوالي 83 مليار دولار خلال المدّة بين عامي 2021 و2025، وتبلغ حصة شركة قطر للطاقة منها حوالي 59 مليار دولار. وكانت قطر ثاني أكبر الدول المصدرة للغاز المسال عالميًا في 2023، بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
في الوقت الراهن، يصل الغاز القطري إلى أوروبا في صورة شحنات غاز طبيعي مسال باهظة الثمن من خلال ناقلات عملاقة. غير أن هذا الخيار الذي يعتمد إلى جانب أسطول الناقلات على عدد هائل من محطات التسييل وإعادة التغويز، يعد مكلفًا للغاية، فيما يتطلب وصول الغاز إلى الأسواق المستهدفة وقتًا طويلًا مقارنة بشبكة خطوط أنابيب الغاز الروسية الأوكرانية مثلًا، التي تتميز بقلة التعقيدات وانخفاض التكلفة.
ومن المتوقع أن تزداد واردات تركيا من الغاز المسال في الفترة المقبلة، في محاولةً لتلبية الطلب المحلي والتوسع في الصادرات، بما يواكب طموحات أنقرة للتحول إلى مركز تصدير إلى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بالرغم من أن واردات تركيا من الغاز المسال تراجعت إلى حوالي 3.77 مليون طن خلال الربع الأول من العام 2024، مقابل 5.1 مليون طن في الربع المقابل من العام الماضي، أي بنسبة هبوط حوالي 26%، كما هو موضح في الشكل التالي.
دور تركيا في إعمار سوريا
تسعى تركيا إلى تعزيز دورها في عملية إعادة إعمار سوريا، حيث يعكس تصريح وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، الرغبة الواضحة في أن تكون أنقرة جزءًا فاعلًا في إعادة بناء البلد بعد سنوات طويلة من النزاع المدمر. تصريحات بيرقدار تشير إلى نية تركيا في المساهمة بشكل كبير في زيادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي في سوريا، بالإضافة إلى تلبية احتياجات البلاد من الكهرباء، وهي خطوة تأتي في إطار مساعي أنقرة لتقديم الدعم للبنية التحتية السورية التي دُمرت بسبب الحرب المستمرة منذ عام 2011.
يتزامن هذا الدور التركي مع سقوط نظام الأسد، وهي تطورات جعلت الصراع أكثر تعقيدًا وأدت إلى تغييرات في خريطة القوى السياسية والعسكرية في سوريا. في الوقت نفسه، أدت هذه الحرب إلى تدمير جزء كبير من قدرة سوريا على إنتاج النفط والغاز، وهما من المصادر الحيوية للاقتصاد السوري. وعلى الرغم من أن سوريا كانت تنتج كميات محدودة من الهيدروكربونات قبل اندلاع النزاع، إلا أن معظم الإنتاج توقف نتيجة للقتال المستمر وتدمير المنشآت النفطية.
ومع تطور الأحداث في سوريا، وظهور تحديات سياسية ومعوقات على الصعيد الدولي، لا يزال هناك صعوبة في إعادة تشغيل هذه الصناعات الهامة في ظل الحكومة السورية المؤقتة. ومن بين تلك المعوقات، تقف العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري، وكذلك الخلافات الإقليمية والدولية التي قد تعرقل أي محاولات لإحياء هذا القطاع الحيوي. في هذا السياق، يبدو أن تركيا تسعى للاستفادة من الفرص التي قد تطرأ نتيجة لهذه الأوضاع المعقدة، حيث تأمل أن تقدم نفسها كداعم رئيسي لإعادة بناء القطاعات الحيوية مثل الطاقة والنفط والغاز، مما يساهم في استقرار سوريا في مرحلة ما بعد الحرب.
بذلك، تعمل تركيا على تعزيز موقعها كطرف أساسي في إعادة إعمار سوريا، عبر تقديم حلول عملية وتقديم الدعم في المجالات التي تمثل تحديات كبيرة بالنسبة للبلاد، مثل تأمين احتياجات الكهرباء والنفط، وهو ما قد يعزز النفوذ التركي في المنطقة ويتيح لها التأثير على مسارات السياسة السورية المستقبلية.
علاقات تركيا الودية مع الحكومة السورية الجديدة
يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحفاظ على علاقات ودية مع نظام الحكم السوري الحالي والذي يقود الحكومة السورية المؤقتة، وهو ما يعد جزءًا من استراتيجيتها لتحقيق مصالح تركيا في سوريا. هذا التواصل بين تركيا والحكومة السورية المؤقتة قد يكون له دور كبير في تسهيل المشاركة التركية في عمليات إعادة الإعمار، حيث يمكن أن تساهم الشركات التركية بشكل رئيس في إعادة بناء البنية التحتية السورية المدمرة بسبب الحرب، وبالتالي إعادة لمشاريع الطاقة السابقة.
- يشير وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، إلى أن التعاون بين تركيا وسوريا قد يمتد إلى مشاريع طويلة الأمد، تشمل إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز من سوريا إلى الموانئ التركية، كما تخطط تركيا لاتخاذ قرار نهائي بشأن المقاولين لبناء محطتي الطاقة النووية الثانية والثالثة على ساحل البحر الأسود وفي منطقة تراقيا. وهذا يعكس طموح تركيا في استعادة وتعزيز صناعة النفط والغاز في سوريا، بحيث يمكن استغلال البنية التحتية النفطية الموجودة في البلاد لتلبية احتياجات السوق التركي وتحقيق استقرار اقتصادي في المنطقة.
- تعتبر أنقرة أن لديها بالفعل بنية أساسية للطاقة يمكن الاستناد إليها، كخطي أنابيب بلو ستريم وترك ستريم اللذين ينقلان الغاز الروسي، وخط أنابيب الغاز عبر الأناضول الذي ينقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، إلى جانب امتلاكها 5 خطوط أنابيب أخرى. هذه البنية، تسمح لتركيا بتقديم خيار أكثر جدوى تجاريًا لمنتجي الغاز الإقليميين إلى الأسواق الأوروبية من بدائل الغاز الطبيعي المسال الحالية.
- أفادت وسائل إعلام تركية بأن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، كشف عن جهود تركيا لتزويد سوريا بالكهرباء وتعزيز بنيتها التحتية للطاقة، كما أشار إلى أن تركيا تسعى لتقديم الدعم للطاقة في سوريا في مرحلة عاجلة، وكذلك في المستقبل عبر التعاون في مشروعات النفط والغاز الطبيعي. وفي الأمد المتوسط، تهدف تركيا إلى زيادة إنتاج الكهرباء وقدرتها الإنتاجية داخل سوريا، هذا التعاون مع سوريا في قطاع الطاقة يُعتبر خطوة هامة في مسار إعادة الإعمار، ويعكس الرغبة التركية في لعب دور محوري في إعادة بناء البنية التحتية الأساسية في سوريا.
- أوضح بيرقدار أن تركيا تعمل على استغلال الموارد الطبيعية في سوريا، خصوصًا النفط والغاز، من أجل دعم عملية إعادة الإعمار في البلاد، حيث شهدت هذه الصناعات انخفاضًا كبيرًا في الإنتاج بسبب سنوات الحرب. وأشار إلى أن التعاون التركي مع سوريا قد يشمل أيضًا إنشاء خط أنابيب جديد لنقل النفط من سوريا إلى تركيا، مع إمكانية دمجه مع خط الأنابيب الذي يربط العراق بتركيا. وأكد أن تركيا لا تقتصر جهودها على سوريا فقط، بل هي مستعدة للتعاون مع دول أخرى لدعم قطاع الطاقة في أماكن أخرى مثل الصومال، حيث تقوم سفينة حفر تركية بالتنقيب عن النفط والغاز. وأكد بيرقدار أن هناك عروضًا في هذا السياق، ما يعكس التوجه التركي نحو توسيع نطاق نشاطاتها في أسواق الطاقة العالمية.
- أعلن وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، أن بلاده تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا لترسيم الحدود البحرية في منطقة البحر المتوسط، معتبرًا أن الاتفاق بهذا الشأن سيغير كل التوازنات في المنطقة. مثل هذه الصفقة ستسمح للبلدين بزيادة منطقة نفوذهما في استكشاف الطاقة.
الفرص المستقبلية لتركيا بعد سقوط الأسد فيما يتعلق بالطاقة
يتيح الانفتاح الاستراتيجي لتركيا بعد سقوط الأسد فرصًا متعددة على صعيد الخيارات الاستراتيجية، إذ توفر البنية الإقليمية للطاقة الناشئة إمكانيات واعدة، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات بنيوية وسوقية كبيرة. من أبرز هذه التحديات أن إنشاء حكومة مستقرة ومعترف بها دوليًا في سوريا ما يزال أمرًا حديثًا، بالإضافة إلى مواق الدول المختلفة والتي من الممكن خسارة موقعها في أسواق النفط والغاز ومن ضمن تلك الدول روسيا وإيران.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن يتراجع الطلب الأوروبي على الغاز بعد عام 2030، كما أن المؤسسات التمويلية الدولية باتت أكثر تحفظًا في استثمار مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالوقود الأحفوري. حتى في ظل البيئة السياسية المواتية في سوريا، تقف تركيا أمام قرار استراتيجي حاسم: هل تواصل طموحاتها التقليدية في مجال الغاز الذي قد يشهد تراجعًا في العوائد، أم تركز على تعزيز نفوذها عبر سياسات خطوط الأنابيب التقليدية، أو حتى تستغل هذه اللحظة لتضع نفسها في صميم جهود تعزيز الانتقال إلى الطاقة النظيفة في المنطقة؟مجمل القول، لقد مهد الفراغ الذي خلفه رحيل الأسد الطريق لصراع شديد الخطورة حول مستقبل سوريا وثرواتها من الموارد الطبيعية. ويُعد ملف الغاز الطبيعي من أكبر الملفات التي بدأ الحديث عنها بعد سقوط نظام الأسد وبالأخص خطوط الغاز الطبيعي، وذلك بسبب تعارض خطوط الغاز، وخاصة التعارض بين خط الغاز القطري الذي يمر في سوريا وصولًا لتركيا كمنفذ للتصدير إلى أوروبا، والخط الآخر القادم من الشرق مرورًا بالعراق وانتهاء بسوريا كمنفذ للتصدير، بالإضافة إلى التنافس مع روسيا الحليفة لسوريا في تلك الحقبة من حكم عائلة الأسد وتأثيرات صادرات الخط القطري التركي على صادرات روسيا لأوروبا.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة