يشهد الذهب والفضة ارتفاعًا ملحوظًا في أسعارهما خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بتقلبات الأسواق المالية العالمية وتسارع الأحداث الجيوسياسية، بما في ذلك الحروب والتوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى.
في مثل هذه الظروف، يلجأ المستثمرون عادةً إلى التحوط من المخاطر عن طريق تحويل أموالهم إلى المعادن الثمينة كالذهب والفضة، نظرًا لدورهما الحيوي كأصول آمنة وملاذات استثمارية موثوقة. يُعتبر هذا التوجه أداة فعالة للحفاظ على الثروات وحمايتها في ظل تقلبات اقتصادية معقدة ومتزايدة، والتي ترافقت مع تصاعد معدلات التضخم العالمي منذ جائحة كورونا. يتميز الذهب والفضة بقدرتهما على الاحتفاظ بقيمتهما الشرائية في مواجهة تراجع العملات الورقية.
ورغم أن ارتفاع أسعار الفائدة وتقوية الدولار الأمريكي يرتبطان تقليديًا بعلاقة عكسية مع المعادن الثمينة، تشير التحليلات الفنية الحديثة إلى بروز فرص استثمارية جديدة. هذه الظاهرة غير المتوقعة تستدعي إجراء تحليلات اقتصادية معمقة لفهم العوامل الدافعة وراء هذا الارتفاع غير التقليدي، وتقييم تأثيراته المحتملة على الأسواق المالية العالمية.
علاقة المعادن الثمينة “الذهب والفضة” بالتضخم والسياسات النقدية ودور التوقعات المستقبلية
- العلاقة بين أسعار المعادن الثمينة والتضخم: وفقًا للتحليلات الفنية الاقتصادية: تشير البيانات الاقتصادية، وفقًا للتحليلات الفنية، إلى وجود علاقة قوية بين ارتفاع أو انخفاض أسعار المعادن الثمينة، وأشهرها الذهب والفضة، وتوقعات التضخم داخل الدول وعالميًا. حيث يعتبر المستثمرون هذه المعادن ملاذًا آمنًا لحماية ثرواتهم من تآكل القوة الشرائية للعملات في ظل ارتفاع معدلات التضخم.
- تأثير السياسات النقدية في أسعار المعادن الثمينة: تسهم السياسات النقدية الميسرة أو التقشفية التي تتبعها البنوك المركزية في زيادة أو سحب السيولة النقدية من الأسواق؛ مما يدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول آمنة مثل الذهب والفضة، فيزداد أو يقل الطلب عليها، وبالتالي يؤثر ذلك في أسعار هذه السلع.
- علاقة التوقعات المستقبلية بتحركات المعادن الثمينة: هنا العلاقة طردية؛ حيث تلعب توقعات المستثمرين بشأن التضخم المستقبلي دورًا حاسمًا في تحديد اتجاه أسعار الذهب والفضة. فإذا زادت توقعات التضخم، فمن المتوقع أن ترتفع أسعار هذه المعادن، والعكس صحيح.
ملخص الوضع الحالي: “مثير للتساؤل، هل هناك أخطار اتجاهية؟”
تحركت المعادن الثمينة، خصوصًا الذهب والفضة، بشكل متزايد كتحوطات ضد التضخم حول العالم خلال شهر ديسمبر 2024. ربما يفسر ذلك التقلبات الواضحة في بيانات الاقتصادات الكبرى التي يشوبها بعض الغموض. ورغم ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية واستمرار قوة الدولار الأمريكي أمام العملات والمعادن، فإن صعود الذهب والفضة إلى أعلى مستوياتهما خلال عدة أسابيع يثير تساؤلات حول الأخطار الاتجاهية على المدى القريب، وذلك للأسباب التالية:
- قوة الدولار وارتفاع العوائد لا تكبح مكاسب الذهب والفضة: رغم وجود عوامل معاكسة، فإن المعدنين الثمينين واصلا تحقيق المكاسب؛ مما يعكس متانة الطلب عليهما.
- ارتفاع الأسعار يتوقف عند مستويات المقاومة المعروفة: أسعار الذهب والفضة توقفت عند مستويات المقاومة التي تم اختبارها في الربع الأخير من عام 2024؛ مما يشير إلى مناطق حرجة تحتاج إلى اختراق لمواصلة الصعود.
- إشارات الزخم تشير إلى ميل صعودي على المدى القريب: التحليلات الفنية، مثل الأشكال الفنية (كمثال: المثلث الصاعد)، تقدم إشارات قوية تعزز توقعات الارتفاع المستقبلي.
- الدعم التقني من المؤشرات الخاصة بالتحليل الفني: تدعم مؤشرات القوة النسبية (RSI) والمتوسط المتحرك الأسي (MACD) الاتجاه الصعودي؛ مما يعزز الثقة في احتمالية استمرار المكاسب.
تحليل الرؤية الفنية للأداء الذهب والفضة وفقًا للوضع الحالي
أولًا: الذهب يختبر الصعود مجددًا
حدث الارتداد في الذهب بشكل أسرع مما كان متوقعًا، بناءً على الأحداث الجارية وتغيرات السياسة الأمريكية. وقد دفع ذلك السعر لاختراق مقاومة طفيفة عند 2676.50 دولارًا للأوقية لعقود التسليم الفوري، قبل معاودة اختبار 2725 دولارًا يوم الخميس الموافق 16 يناير 2025. يستمر الزخم الصعودي في تقديم إشارات إيجابية؛ مما يشير إلى احتمالية إعادة اختبار مستوى 2725 دولارًا قريبًا.
- في حالة كسر السعر لمستوى 2725 دولارًا واستقراره أعلاه: سيكون الهدف الواضح هو الوصول إلى أعلى مستوى قياسي عند 2790 دولارًا، الذي تم تسجيله في أواخر أكتوبر 2024.
- أما إذا فشل السعر في كسر مستوى 2725 دولارًا والاحتفاظ به: فقد يؤدي ذلك إلى انعكاس الاتجاه؛ مما يشير إلى بداية منحدر هبوطي واضح. ومع ذلك، يبقى التحيز العام نحو شراء الانخفاضات في حال حدوث أي تراجع.
ثانيًا: الفضة تجلس عند مفترق طرق مثير للاهتمام
شهدت الفضة ارتدادًا جيدًا من مستوى الدعم عند 29.50 دولارًا لعقود التسليم الفوري خلال الأسبوع المنتهي يوم الجمعة 10 يناير 2025؛ مما أطلق شرارة ارتفاع تجاوزت فيه الأسعار المتوسطين المتحركين لـ50 و200 يوم، قبل أن تتوقف فوق مقاومة طفيفة عند 30.87 دولارًا. الآن، تقف الفضة عند مفترق طرق مثير للاهتمام، خاصةً مع وجود إشارات صعودية واضحة من المؤشرات الفنية، بالتزامن مع تسجيلها أعلى مستوى منذ أواخر عام 2024. هذا يجعل حركة السعر على المدى القريب ذات أهمية خاصة فيما يتعلق بالمخاطر الاتجاهية على المدى الطويل.
- في حال فشل السعر في كسر مستوى 30.87 دولارًا بوضوح: سيُفتح الباب أمام عمليات البيع على المكشوف. وإذا حدث ذلك، تشير التحليلات إلى احتمال هبوط أعمق نحو 28.75 دولارًا.
- أما إذا تمكن السعر من كسر مستوى 30.87 دولارًا والاحتفاظ به: فمن المتوقع أن يشجع ذلك المزيد من المشترين على الانضمام إلى الحركة الصعودية؛ مما قد يدفع الأسعار نحو أهداف تالية عند 31.48 دولارًا أو 32.18 دولارًا.
تحوط ضد التضخم في مواجهة التعريفات الجمركية الجديدة؟
في تحول مفاجئ وغير مسبوق، تشهد أسعار الذهب والفضة ارتفاعًا ملحوظًا وزيادة حادة بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورغم ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار الأمريكي. يعكس هذا التحول تغييرًا في سلوك المستثمرين الذين باتوا يلجأون بشكل متزايد إلى هذه المعادن النفيسة كملاذ آمن في ظل التوترات التجارية العالمية المتصاعدة والسياسات النقدية غير التقليدية التي تنتهجها البنوك المركزية.
التوترات التجارية والسياسات الحمائية، مثل التعريفات الجمركية، زادت من حالة عدم اليقين الاقتصادي؛ مما دفع المستثمرين إلى البحث عن أصول آمنة لحماية ثرواتهم. وبفضل تاريخهما الطويل كملاذات آمنة، يُعد الذهب والفضة الخيار الأمثل للعديد من المستثمرين في هذه الأوقات المضطربة.
ومع ذلك، فإن تأثير التعريفات الجمركية يختلف بين الذهب والفضة؛ إذ قد تؤثر بشكل أكبر في الطلب الصناعي للفضة. في ظل هذا المشهد المتقلب، يصبح من الضروري مراقبة التطورات الاقتصادية والجيوسياسية عن كثب لاتخاذ قرارات استثمارية مدروسة.
يرى المحللون أن التكهنات بشأن التعريفات تسهم في استمرار قوة الدولار الأمريكي، على الرغم من التراجع الأخير في عوائد سندات الخزانة الأمريكية. وفي المقابل، فإن هذه التكهنات تعزز من جاذبية المعادن الثمينة. ومع ذلك، من الصعب تقييم مدى تأثير التعريفات المعلنة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الأسعار الحالية ومدى الإقبال على المعادن النفيسة. لذا، يظل الجميع في حالة ترقب.
المخاطر والتحديات المواجهة للذهب والفضة في الأيام القادمة
- أسعار الفائدة: قد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تقليل جاذبية الذهب والفضة كملاذ آمن؛ حيث يصبح الاستثمار في السندات أكثر جاذبية. يأتي ذلك خاصةً بعد التقارير الاقتصادية التي تضغط على أرقام الاقتصاد الأمريكي، وفي الوقت نفسه، يشير انخفاض معدلات التضخم في أوروبا إلى احتمالية تخفيض الفائدة مرة أخرى.
- تطور الأحداث الجيوسياسية: يمكن أن تؤثر التطورات الجيوسياسية غير المتوقعة بشكل كبير في أسعار المعادن الثمينة، حيث يلجأ المستثمرون إليها كأصول آمنة في أوقات التوتر.
- التقلبات في أسواق العملات: تؤثر تقلبات أسعار الصرف بشكل مباشر على أسعار الذهب والفضة، حيث يتم تسعيرهما وتداولهما عادة بالدولار الأمريكي.
خلاصة القول، تشير التحليلات إلى أن الذهب والفضة سيستمران في جذب اهتمام المستثمرين خلال الفترة الحالية وعلى المدى القريب، خاصةً في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة. ومع ذلك، ينبغي على المستثمرين توخي الحذر ومتابعة التطورات الاقتصادية عن كثب قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية.