يُشكِّل تأجيل الاستحقاقات الانتخابية في الصومال مصدرًا رئيسيًا لتهديد استقرار النظام السياسي ووحدة الدولة وتماسكها، فعدم إرساء مبدأ التداول السلمي للسلطة، والوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات؛ يُنذر بانهيار الدولة الصومالية وتفكك المجتمع الصومالي. ويتّجه الصومال نحو نفق مظلم لعدم التوصل إلى رؤية مُشتركة لإنهاء الخلاف السياسي بين الحكومة الصومالية وقوى المعارضة تجاه تنظيم الانتخابات الصومالية (التشريعية، والرئاسية، 2020/2021). فقد انتهت فترة البرلمان الصومالي بغرفتيه، مجلسي الشعب والشيوخ، في ديسمبر 2020، وكذلك انتهت فترة الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، في 8 فبراير 2021.
خلفيات الأزمة السياسية
يعتمد الصومال النظام الفيدرالي في إدارة البلاد؛ حيث توجد حكومة اتحادية في العاصمة مقديشو، وحكومات إقليمية في الولايات. وتلعب العشيرة دورًا بارزًا في بنية النظام السياسي الصومالي الذي يرتكز على نظام المُحاصصة العشائرية (4.5)، الذي تم إقراره في مؤتمر المُصالحة الوطنية الذي استضافته كينيا 2004. وبموجب هذا النظام يتم تقسيم الحصص الأربع من مقاعد مجلسي النواب والشيوخ، على العشائر الأربع الكبرى في البلاد بالتساوي، مع منح النصف لبقية العشائر الصغيرة، وتختار البرلمانات الإقليمية للولايات الخمس أعضاءها في مجلس الشيوخ، الذي يشكّل مع مجلس النواب البرلمان، الذي يختار أعضاؤه رئيس الجمهورية.
وترتيبًا على ما سبق، يمكن الوقوف على علاقة الرئيس الصومالي المُنتهية ولايته، محمد عبدالله فرماجو، إبان فترة حكمه (فبراير 2017-فبراير 2021) بالولايات الصومالية الإقليمية الخمس؛ إذ عمل على إحكام سيطرته على الولايات الإقليمية، لضمان فوزه بولاية رئاسية ثانية. وفي سبيل ذلك عمل على اتِّباع مجموعة من السياسات تضمنت محاولة تغيير النظام الانتخابي، حيث حاول فرماجو تغيير نظام الانتخابات من النظام العشائري (4.5) إلى الاقتراع المباشر. وعلى الرغم من ديمقراطية الاقتراع المباشر، إلا أن رغبة فرماجو لتطبيقه كوسيلة وليس كهدف لتحقيق الديمقراطية؛ حيث سيتمكن من النجاح في حصد الأصوات بالمناطق التي تخضع لسيطرته لسهولة توجيه الناخبين، بالإضافة إلى عدم تمكّن العشائر المعارضة من التصويت.
كما حاول فرماجو كذلك بسط الهيمنة على القوى العشائرية وذلك لضمان وصول حكّام ومرشحين موالين له إلى مجلس النوّاب. وذلك بتشكيل اللجان الانتخابيّة، الإقليميّة والفيدراليّة، المشرفة على اختيار نوّاب البرلمان، الذي يختار رئيس البلاد، من عناصر الأجهزة الأمنية والموظفين والموالين له. وقد تمكّن فرماجو من ضمان تأييد نواب ولايات جنوب الغرب الصومالي، ولاية غلمدغ، وولاية هيرشبيلي، لاختياره رئيسًا في الانتخابات، كما انفرد بتشكيل اللجنة الانتخابية الخاصة بأرض الصومال، والتي كان من المُخطط إجراء انتخاباتها في العاصمة مقديشو.
وفيما يتعلق بولايتي جوبالاند وبونتلاند، لم يتمكن فرماجو من بسط السيطرة عليهما كما فعل في الولايات الأخرى، حيث شهدت ولاية جوبالاند انتخابات البرلمان الإقليمي ورئاسة الولاية، في أغسطس 2019، وفاز رئيس الولاية أحمد محمد إسلام مدوبي، بفترة رئاسية جديدة، ولم تعترف الحكومة الاتحادية بشرعية الانتخابات ونتائجها، ولكن قد تم التراجع في ضوء الضغوط الدولية، وأعلنت حكومة الرئيس فرماجو اعترافها بمدوبي كرئيس مؤقت لمدة عامين للولاية، في يونيو 2020. كما استخدم فرماجو قوات الجيش في بسط هيمنته على إقليم غدو، التابع لولاية جوبالاند، وهو ما يعتبر انتهاكًا للدستور والنظام الفيدرالي الصومالي، وهو ما أدّى إلى اشتعال صراع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الولاية.
مسار المُفاوضات ومُحاولات الخروج من الأزمة
انطَلَقَت المُشاورات بين النخبة السياسية الفاعلة في المشهد الصومالي للخروج من المأزق السياسي الناجم عن الخلافات حول الانتخابات العامة التي كان من المُخطط إجراؤها في الصومال نهاية عام 2020 ومطلع عام 2021. واستهدفت جولات المُفاوضات تحديد النموذج الأمثل للانتخابات، وفرض رؤية مغايرة لرؤية نظام فرماجو فيما يتعلق بالنظام الانتخابي (الصوت الواحد). ووفقًا للمُعارضة الصومالية فإن الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو يتمسك بالنموذج الانتخابي “الاقتراع المباشر” للبقاء لولاية رئاسية ثانية، بينما ترغب المعارضة في إجراء الانتخابات وفقًا لنظام المُحاصصة العشائرية. وفيما يلي أبرز جولات المفاوضات التي تمت بين الفاعلين السياسيين في المشهد الصومالي:
جولات طوسمريب: استضافت مدينة طوسمريب (عاصمة ولاية غلمدغ) عددًا من الجولات التشاورية بهدف تحديد آليات دستورية لإجراء الانتخابات غير المباشرة، فنجد أن الجولة الأولى نظّمها رؤساء الولايات الفيدرالية في 11 يوليو 2020، وقد شارك الرئيس الصومالي ورئيس حكومته في الجولة الثانية في 23 يوليو 2020، وتم الاتفاق على إجراء الانتخابات في موعدها، لتبديد مخاوف المعارضة ورؤساء الولايات من التمديد. وقد وصلت المُفاوضات في الجولة الثالثة التي انطلقت في 15 أغسطس 2020 إلى طريق مسدود لعدم مُشاركة قادة ولايتي بونتلاند وجوبالاند.
مؤتمر مقديشو واتفاق “17 سبتمبر”: عمل الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، على كسر الجمود الذي أصاب الجولة الثالثة من مفاوضات طوسمريب، وحاوَل احتواء الأزمة وحل القضايا الخلافية بينه وبين كافة رؤساء الولايات الفيدرالية، من خلال تنظيم مؤتمر في مقديشو، في 13 سبتمبر 2020، وقد تمّ التوصل في ختام المؤتمر إلى اتفاق بين كافة الأطراف السياسية، وقد عُرف بـ”اتفاق 17 سبتمبر 2020″. وبموجب هذا الاتفاق، نجد أن المُعارضة الصومالية نجحت في تغيير موقف الرئيس فرماجو بشأن إجراء الانتخابات بنظام الاقتراع المباشر، واستمرار العمل بالنظام العشائري (4.5)، وفيما يلي أبرز بنود الاتفاق:
تعيين الحكومة الفيدرالية لجنة انتخابية فيدرالية تتعاون مع اللجان الانتخابية الإقليمية في كلّ ولاية.
تم تحديد المناطق الانتخابية بمنطقتين في مراكز المحافظات في الولايات.
تحديد عدد المندوبين الذين سينتخبون كلّ نائب بـ101 يمثلون العشيرة صاحبة المقعد، كما يتعاون شيوخ العشائر ومنظمات المجتمع المدني والولايات الإقليمية في اختيار المندوبين.
الحفاظ على حصة المرأة المحددة بـ30%.
تتولى البرلمانات الإقليمية انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ.
بالنسبة إلى إقليم أرض الصومال، المُعلن استقلاله من جانب واحد، تم الاتفاق على انتخاب مندوبي الأعضاء الذين يمثلون الإقليم، وإجراء انتخابات ممثلي الإقليم في مقديشو.
انهيار اتفاق “17 سبتمبر”: على الرغم من حالة التفاؤل بشأن التوصل إلى “اتفاق 17 سبتمبر 2020″، فقد اختلفت الأطراف السياسية الصومالية على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ونشب خلاف حول قيام رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي في نوفمبر 2020، بشكل منفرد ودون التشاور مع الشركاء الآخرين، بتعيين أعضاء لجنة الانتخابات التي تشرف على سير العملية الانتخابية، وتشكيل لجنة أخرى من 21 عضوًا تعمل على حل الخلافات في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ونجد أن هناك رفضًا لقيام الحكومة الفيدرالية بتشكيل اللجنة الانتخابية التي تضم أشخاص مقربين من الرئيس فرماجو وعناصر من الأجهزة الأمنية، وهو ما يعني أن هذه اللجنة الانتخابية لا تتسم بالحيادية. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، دعا الرئيس محمد فرماجو إلى عقد مؤتمر في طوسمريب في الثالث من شهر فبراير 2021، لمناقشة القضايا الخلافية مع المعارضة، المُتعلقة بتشكيل اللجان الانتخابية المُتنازع عليها، والخلاف بين الحكومة الفدرالية وولاية جوبالاند بشأن من يدير انتخابات إقليم غدو التابع لولاية جوبالاند، ولكن لم يتم التوصل إلى توافق بين الأطراف السياسية الصومالية، وهو ما أدى إلى عدم انعقاد الانتخابات الرئاسية في موعدها.
المشهد الراهن
لم يُحقّق الصومال وفاقًا بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي، فهناك صدام بين الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو من جهة، والمُعارضة السياسية المُتمثلة في الأحزاب السياسية المُعارضة ورؤساء الولايات الفيدرالية وخاصة رئيسي بونتلاند وجوبالاند من جهة ثانية، كما لم تنجح مسارات التسوية التي انخرط فيها الجانبان في التوصل إلى تفاهم بشأن إجراء الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والرئاسية 2020/2021. ومن ثمّ، يتسّم المشهد الصومالي بالضَّبابيَّة على الصّعِيدين السّياسيّ والأمنيّ.
فعلى المستوى السياسي، عملت الأطراف السياسية الصومالية على إلقاء اللوم على الطرف الآخر، فنجد أن الرئيس الصومالي المُنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو، قد ألقى خطابًا في السادس من فبراير 2021 أمام مجلس الشعب الصومالي، ركّز فيه بشكلٍ خاصٍ على الخلافات بشأن الانتخابات الفيدرالية، وأنه كان يأمل في التوصل إلى حل في مؤتمر دوسمريب التشاوري الأخير، لكن ذلك لم يحدث بسبب رفض قادة ولايتي بونتلاند وجوبالاند كل الحلول حتى تنفيذ اتفاقية 17 سبتمبر 2020، كما أوضح أن هناك جهات أجنبية تتدخل في أوضاع البلاد خصوصًا في قضية الانتخابات، وأن هذا التدخل هو سبب الإخفاق في التوصل للاتفاق بشأن الانتخابات الفيدرالية، في إشارة إلى دولة كينيا التي تحرض قادة منطقتي بونتلاند وجوبالاند على مقاطعة العملية الانتخابية.
وفيما يتعلق بموقف المُعارضة الصومالية، فقد ألقت مسئولية الفشل على الرئيس الصومالي، كما أعلنت عدم اعترافها بمحمد عبدالله فرماجو رئيسًا للبلاد، مع انقضاء مدة ولايته في الثامن من فبراير 2021، وعدم القبول بأي شكل من أشكال تمديد ولاية فرماجو عبر الضغط والقمع وتأجيل الانتخابات. كما أوصى اتحاد مرشحي الرئاسة الذي يُضم نحو ١٤ شخصًا بينهم رؤساء سابقون ورؤساء حكومات وولايات ووزراء سابقون، بتشكيل مجلس وطني انتقالي يتألف من رؤساء مجلسي البرلمان (الشعب والشيوخ)، ورؤساء الولايات، وممثلين عن اتحاد المرشحين والمجتمع المدني. وتتمثل آلية المجلس الانتقالي في انتخاب واحد من أعضائه رئيسًا يقود المرحلة الانتقالية.
أما على المستوى الأمني، فتتّسِم الأوضاع في الصومال بالتدهور بالتزامن مع تأجيل الانتخابات الرئاسية في الثامن من فبراير 2021؛ إذ تعمل حركة “الشباب” الإرهابية على استغلال الأوضاع السياسية المتردّية في الصومال لشن هجمات إرهابية. فقد وقع عدد من الحوادث الإرهابية في وسط البلاد أسفرت عن مقتل 12 فردًا من قوات الأمن الصومالية، كما قتل 11 جنديًا ومدير استخبارات مدينة طوسمريب بولاية غلمدغ، في السابع من فبراير 2021، إثر تفجير لغم أرضي وسط الصومال.
مصير الانتخابات
يُمكن وضع تصورات للمأزق السياسي في الصومال في ضوء الاستناد للدستور الصومالي؛ إذ تنص المادة 91 على أن “ولاية منصب الرئيس في البلاد أربع سنوات تبدأ من اليوم الذي ينتخب فيه الرئيس ويؤدي اليمين الدستورية”، وهذا يعني انتهاء ولاية الرئيس فرماجو الدستورية كرئيس للبلاد لمدة أربع سنوات بدأت منذ 7 من فبراير 2017.
كما أنه بموجب المادة 95 من الدستور الصومالي، فإنه إذا خلا منصب رئيس الجمهورية، يتولى رئيس مجلس الشعب منصب رئاسة الجمهورية إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد في مدة أقصاها 30 يومًا. وبالتالي فإن رئيس البرلمان محمد مرسل شيخ عبدالرحمن يُعهد إليه تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، وتشكيل لجان انتخابية جديدة وتنظيم الانتخابات الرئاسية كمرحلة انتقالية لانتشال البلاد من الفراغ الرئاسي والدستوري.
وفي هذا الصدد، نجد أن خيار التمديد لفترة الحكومة والبرلمان غير وارد، وذلك بحسب تصريح رئيس البرلمان الصومالي محمد مرسل شيخ عبدالرحمن، في جلسة لأعضاء البرلمان، في السادس من فبراير 2021، بأن مجلس الشعب لن يكن جزءًا من الخلافات السياسية بين الحكومة الصومالية من جهة ورؤساء الولايات الفيدرالية من جهة ثانية، كما أنه لا توجد أجندة برلمانية لتمديد فترة الحكومة الصومالية والرئاسة.
أخيرًا، يُمكن القول إن إجراء الاستحقاقات الانتخابيّة في أقرب وقت هي مسألة ضرورية لاستعادة الاستقرار السياسي، في وقت تُعد فيه الصومال عرضة للعديد من مهددات الاستقرار، سواء النابعة من التحديات الداخلية كنشاط تنظيم الشباب المجاهدين، أو النابعة من أوضاع إقليمية مضطربة كالحرب في إقليم تيجراي الإثيوبي. ويعول المجتمع الدولي كثيرًا على القادة الصوماليين في الحكم والمعارضة على استعادة مسار التوافق من جديد عبر طريق واحد يتمثل في الالتزام بتطبيق ما اتفق عليه في السابع عشر من سبتمبر 2020 وإجراء الانتخابات في أقرب وقت.













