من أهم توصيات منتدى شباب العالم فى نسخته الرابعة التى عقدت فى الاسبوع الماضى، تلك التوصية المتعلقة بضرورة إشراك الشباب فى قضايا التغير المناخى والعمل على النشر والتعريف بالاهداف المناخية على المستويين الاقليمى والدولى، وهى التوصية التى تحولت إلى قرار أعلنه الرئيس السيسى فى الاحتفال الختامى بتكليف إدارة المنتدى بالتنسيق مع الجهات المعنية بتكوين مجموعات شبابية من مصر وشباب العالم لإعداد قمة المناخ السابعة والعشرين المقرر انعقادها فى شرم الشيخ نوفمبر المقبل.
أهمية التوصية والقرار لا تخفى على أحد الآن فى ظل التقلبات المناخية التى باتت تفرض نفسها على العالم بأسره، فى صورة ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة معدلات التصحر، وارتفاع منسوب المياه فى المحيطات والبحار، وزيادة حدة الأمطار والعواصف، وارتفاع معدلات ذوبان الجليد فى القطبين الشمالى والجنوبى، وغير ذلك من الظواهر المناخية التى تتجاوز المعدلات التى اعتاد عليها العالم فى المائة عام المنصرمة. وهى ظواهر متكررة وينتج عنها الكثير من الخسائرالبشرية والمادية، ويتوقع أن تزداد تلك الخسائر مادامت الدول المتسببة فى زيادة الانبعاثات الكربونية – وهى دول متقدمة بالأساس أو لديها صناعات كثيفة استخدام الطاقة الأحفورية- والمسئولة على ارتفاع درجة حرارة الأرض تتجاهل الإجراءات الضرورية للحد من هذه الانبعاثات، ولا تلتزم بما اتفق عليه فى كل الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بالتغير المناخى، لاسيما توفير 100 مليار دولار لتمويل خطط وإجراءات مكافحة التغير المناخى، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة التى تراعى البيئة وتعتمد باكبر درجة ممكنة على مصادر الطاقة النظيفة. مكافحة التغير المناخى ليس مسئولية دولة بعينها أو حتى مجموعة دول محدودة، بل هى قضية تتعلق بوجود البشر أنفسهم بغض النظر عن الجنسيات التى يحملونها أو البلدان التى يعيشون فيها. وصحيح أن هذا الإدراك موجود بشكل أو بآخر فى الوثائق الدولية لاسيما معاهدة باريس 2015، وفى كل التقارير التى تصدر عن اللجنة الحكومية الدولية التابعة للأمم المتحدة، وفى قرارات قمة جلاسجو للمناخ التى عقدت فى نوفمبر الماضى، لكن هذا الإدراك لم يتحول بعد الى سلوك منهجى منظم تلتزم به الدول كافة، الغنية منها أو الفقيرة. كما أن تنصل الدول الغنية من الالتزامات التى تعهدت بها منذ العام 2012 والخاص بالمسئولية عن الخسائر والتعويض، أو توفير تمويل دون أعباء الفائدة التجارية العالية للدول الأقل نموا والأكثر فقرا لمساعدتها على التحول إلى تنمية مستدامة واقتصاد أخضر، يؤدى – أى تنصل الدول من التزاماتها- إلى تفاقم المشكلة ويُصعّب من إجراءات المكافحة، ومن ثم تتعاظم الخسائر ماديا وبشريا. ولا يخفى أن الأجيال الجديدة هى التى سوف تتحمل العبء الأكبر نتيجة تفاقم المشكلات المناخية، وهى التى سيكون عليها اتخاذ القرارات الصعبة للحفاظ على الوجود البشرى. وبناء على ذلك تبرز أهمية وضرورة تشكيل مجموعات شبابية ذات طابع عالمى تسهم فى الإعداد الجيد لقمة المناخ المقبلة فى شرم الشيخ، ووضع تصورات لقرارات عملية نابعة من أصحاب المصلحة الرئيسيين، وهم الأجيال الشابة فى كل بلدان العالم. ومعروف أن قمة جلاسجو الاخيرة التى تعهد فيها المشاركون بالالتزام بخفض درجة حرارة الأرض دون واحد ونصف درجة مئوية، ورغم أهمية القرار، فإن ثمة شكوكا حول التطبيقات التى سوف تلتزم بها الدول تحقيقا لهذا التعهد، كما أن قمة جلاسجو لم تعالج قضية الخسائر والتعويض أو تيسير تمويل مشروعات التنمية المستدامة فى البلدان الفقير والأقل نموا. وهما قضيتان تفرضان على قمة شرم الشيخ المقبلة نوعا من المعالجة العملية والجريئة فى الآن ذاته. ومع تصورات شباب العالم من كل الجنسيات يمكن بالفعل أن تتحول القرارات المطلوبة إلى نافذة عملية لحماية الوجود البشرى والحد من تداعيات التقلبات الجوية. إن دمج الشباب من خلال آليات منظمة وواضحة ومستديمة، وبرعاية أممية، فى عملية صنع القرار الدولى سواء ما يتعلق بالتغير المناخى، أو فى صنع السلام الدولى وتسوية الصراعات، أو فى تحقيق رفاهية الشعوب والمجتمعات المختلفة، بات ضرورة ومطلبا ملحا. فالشباب هم النسبة الأكبر فى حاضر الوجود البشرى، وهم كامل الوجود البشرى فى العقود المقبلة، وكل القضايا المُشار اليها وغيرها تتعلق بمصيرهم وبوجودهم، وتوفير آليات توفر لهم المشاركة الفاعلة فى تحديد مصير البشرية هو أمر يستحق الدعم السياسى والمعنوى والعملى. والمأمول أن تكون تجربة تشكيل لجان شبابية ذات طابع عالمى للمساهمة فى الإعداد لقمة المناخ المقبلة فى شرم الشيخ، إسهاما عمليا يثبت قيمة وضرورة إشراك الشباب فى بلورة المستقبل بكل أبعاده، والمؤكد أن نجاح تلك التجربة حال حدوثه سيدفع الى تكرار تلك التجربة فى مجالات أخرى لا تقل أهمية عن مكافحة التغير المناخى ومحاصرة تداعياته السلبية. والشىء بالشىء يُذكر، فقد أعلنت مصر إستراتيجيتها الخاصة بالتغير المناخى فى نوفمبر الماضى فى أثناء قمة جلاسجو لتأكيد أهتمام الدولة المصرية باتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة تداعيات التغير المناخى ودعم تحقيق غايات التنمية المستدامة، وبناء مرونة وقدرة على التكيف والتخفيف من الآثار السلبية والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف وعيا مجتمعيا رفيع المستوى، ما يتطلب الكثير والكثير من الحملات الإعلامية وبرامج التوعية والمناهج التعليمية المصممة لخلق وعى بيئى شامل، ومصر لديها الكثير من الخبراء المتخصصين فى هذه المجالات المناخية، والمطلوب إفراد مساحات واسعة ومستمرة لهم لمخاطبة الرأى العام، وإعداد المجتمع للتكيف مع الوسائل والبرامج والسياسات الضرورية لمواجهة التقلبات المناخية، والحفاظ على مستوى مناسب ومتدرج من التنمية المستدامة. وكما بادرت مصر بدعوة شباب العالم لدمجهم فى صنع القرار الدولى فيما يهم البشرية، على الجهات المسئولة أن تبدع وتبادر فى صنع آليات مشاركة الشباب وكل شرائح المجتمع، فيما يهم مصر شعبا وموارد ووجودا فاعلا.