لا شيء هنا يتوقف عن الحركة. في طول الصحراء الإفريقية الواقعة في شمال القارة، يعمل الأتراك والقطريون على جمع الحطب لإشعال نيران الإرهاب، حتى لو كان العالم أجمع مشغولًا بمكافحة وباء كورنا.
هذا الحطب هم شباب من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومجموعات أخرى من الآسيويين والأوروبيين، عرب وغير عرب. الهدف من إشعال النيران بهؤلاء الشباب هو تحقيق المصالح التركية والقطرية. فما هي هذه المصالح، وكيف استغل نظاما الحكم في هاتين الدولتين جائحة كورونا لتنشيط الخلايا الإرهابية التي يقفان وراءها في المنطقة؟
اختارت كل من تركيا وقطر العمل انطلاقًا من ليبيا، لأنها دولة هشة، لاستهداف الخصوم في إفريقيا من جانب، ومن جانب آخر العمل ضد بعض دول الجوار التي تُدرك مخاطر مخطط أنقرة والدوحة على الاستقرار والأمن. على رأس هذه الدول المستهدفة مصر. ومنها كذلك -في إفريقيا- الجزائر بسبب ما فيها من إرث ناصري عروبي.
العداء التركي-القطري لمصر.. مسألة قديمة
كانت مصر منذ عقود تقود العالم العربي في مواجهة الأطماع الإسرائيلية في المنطقة. ومنذ القدم توجد محددات للأمن القومي المصري والعربي. وعلى هذا كان عمل الرئيس الراحل “أنور السادات”، رغم أن ما قام به حقًّا ظل مشوهًا إلى حد بعيد، حتى يومنا هذا. لقد وُصف بأنه رجل التطبيع، وأجبرته معظم الأنظمة العربية على الخوض في مناطق موحلة. للأسف يمكن معرفة الصورة المختلفة للسادات من تقارير المخابرات الأمريكية.
كان “السادات” وجهًا مصريًّا عربيًّا خالصًا. هذا لم يعجب اللوبي الأمريكي الصهيوني منذ مطلع الثمانينيات. أعتقد أن الخوف من استقلالية القرار المصري، خاصة فيما يتعلق بقضية الأطماع الإسرائيلية في المنطقة، ما زال موجودًا حتى اليوم؛ فمصر، رغم كل شيء، عادت سريعًا لتحتضن جامعة الدول العربية، وعادت لتضع أولوية العمل للتعاون العربي فيما يخص القضايا الإقليمية والدولية.
ما علاقة “السادات”، الذي بات من الماضي، بالتحركات القطرية التركية في العالم العربي في السنوات الأخيرة؟ في البدء كانت الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، تبحثان عن حليف عربي تكون لديه القدرة على إدارة الجماعات الإرهابية في المنطقة. وأبدى حكام قطر استعدادًا للعب هذا الدور. بينما كانت تركيا تقدم فروض الولاء والطاعة للغرب من أجل الدخول في عضوية الاتحاد الأوروبي.
حدث هذا في أعقاب انتهاء مشاركة ألوف الجهاديين العرب من الحرب ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. كان أهم من يقومون برعاية الحرب في أفغانستان التنظيم الدولي لجماعة الإخوان. لقد تأسست تنظيمات أخرى إرهابية في تلك المنطقة الملتهبة من العالم. منها تنظيم القاعدة، وحركة طالبان، وتنظيم الجماعة الليبية المقاتلة. بالإضافة إلى فروع أخرى متشددة في كل من الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، بمستوياتها المختلفة.
نعم.. كانت السياسة الخارجية المصرية، طوال عقود -أي منذ عهد عبدالناصر فالسادت فمبارك- ذات نهج واضح، هو خلق كيان عربي يمكن التعويل عليه في أي مفاوضات تتعلق بالحرب والسلام في المنطقة. قد لا يصدق البعض هذا الأمر بالنسبة للسادات، لكن يكفي العودة لوثائق المخابرات الأمريكية، في مارس 1981، لنجد فيها أن “السادات” كان “يمكن أن يلغي اتفاقية كامب ديفيد بعد انسحاب آخر جندي إسرائيلي من سيناء (الانسحاب كان مقررًا له أبريل 1982)”.
كان يمكن أن نجد في تلك الوثائق أيضًا أن “السادات” -رغم القطيعة مع العرب- كان حريصًا على فتح قنوات للتعاون في مجال التصنيع العسكري بين الأموال السعودية والعقول العراقية والأيدي العاملة المصرية. كان الأمريكيون والإسرائيليون يتخوفون –وقتذاك- من تصرفات الرئيس “السادات”.
جاء الرئيس الراحل “حسني مبارك”، وطوال العقود الثلاثة التي أدار فيها دفة الحكم في مصر، كان هذا الرجل يدرك أن مصر والعالم العربي أصبحا عرضة للعواصف؛ فالقطريون كانوا في أواخر التسعينيات قد تمكنوا من استقطاب حركات مهمة في المنطقة، ومهمة في حلقات الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة، ومنها حركة حماس التي تعد من فروع جماعة الإخوان.
جربت الدوحة استخدام حماس لتحقيق مكاسب لها، ولإثبات الولاء للولايات المتحدة وإسرائيل والغرب عمومًا. يبدو أن الأمر قد نجح؛ فمنذ مطلع الألفية الجديدة، وبالتحديد بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أخذت قطر تتوسع، وتُقدم نفسها للغرب باعتبارها المتحكم في المتطرفين، والقادرة على التوسط في أي تفاوض بينهم وبين خصومهم، سواء في تل أبيب أو واشنطن.
من جانبها، وبنهاية السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة، أدركت تركيا تحت حكم “أردوغان” وحزبه الإخواني، أن الأوروبيين يرفضون انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. وبدأ النظام التركي يبحث عن أوراق ضغط لتحقيق مصالحه مع الغرب، ذلك أن كون تركيا عضوًا في حلف الناتو لم يكن كافيًا. كما أن تعاونها مع إسرائيل لم يشفع لها للاستفادة من الحلف.
في هذا السياق، فتحت تركيا أبوبها الخلفية بحثًا عن أوراق ضغط ونفوذ أمام العالم. ووجدت أن أسهل طريق لتحقيق مكاسب هو مشاركة قطر في الاستثمار في الألوف من الشباب المغرر بهم، سواء من المنتمين لجماعة الإخوان، أو من التنظيمات المتطرفة الأخرى كالقاعدة أو تلك التي أخذت تظهر تباعًا مثل تنظيم أنصار الشريعة أو داعش. إن بنية الحزب الإخواني الحاكم في تركيا ساعدته كثيرًا لتشكيل حلف مع قطر -وآلتها الإعلامية المشبوهة (الجزيرة)- للتوسع في المنطقة العربية، من جانب، ولتهديد الخصوم وابتزازهم، كما يحدث في سوريا، من جانب آخر.
في وثائق أمنية أمكن الحصول عليها، وهي موجودة في ملفات التحقيق في قضية “رابعة العدوية” لعام 2013، تم رصد الأطماع التركية القطرية في مصر. كانت الخطة موجودة منذ عام 2010، وتستهدف قيام قطر وتركيا بتصعيد جماعة الإخوان للحكم في مصر، على أن تقوم هاتان الدولتان بالاستحواذ على شريان التجارة الدولية في قناة السويس.
كما أن شهادات من رجال المخابرات الليبية، ومن رجال أعمال أحدهم لبناني فرنسي (صديق للرئيس الفرنسي السابق “ساركوزي”)، تقول إن القطريين كان لديهم نهم كبير لفعل الأمر نفسه في عهد “القذافي”، لكن في قطاع الغاز والعقارات؛ إلا أن فشلهم في ذلك، وبالتحديد منذ أواخر 2009، جعلهم يمولون الجماعة الليبية المقاتلة وجماعة الإخوان الليبية، لإسقاط نظام “القذافي”، وهو ما حدث.
اتساع مسرح التنسيق القطري-التركي
اليوم بدأت تركيا تزيد من شراكتها مع قطر، ليس باستهداف مصر وليبيا فقط، ولكن بالعمل في عموم المنطقة، خاصة في القارة الإفريقية، من خلال جمع مزيد من الحطب، أي من الشباب المغرر بهم؛ من عناصر جماعة أنصار بيت المقدس المصرية، والهاربين في سوريا وليبيا، ومن حركة الشباب الصومالية الإرهابية (فرع داعش، لأنه دخل في خلاف أخيرًا مع فرعه الأصلي المنتمي لتنظيم القاعدة)، ومن حركات أخرى كثيرة تضم إرهابيين وقطاع طرق ولصوص ومافيات.
من أين يمكن العمل في إفريقيا؟ وكيف يمكن إيجاد أرضية يتم من خلالها زعزعة الاستقرار في الدول التي ترى أن الحلف التركي-القطري يمثل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي؟
لقد وجدت أنقرة والدوحة في ليبيا أرضًا خصبة لتحريك المجاميع المتطرفة عبر حدود الدول. وربما كان تغافل كثير من العواصم الغربية عن هذا الخطر التركي القطري يعود إلى الخدمات الكبيرة التي تقدمها هاتان الدولتان للغرب.
قطر تتولى التنسيق بين حماس وتل أبيب، بين وقت وآخر. وتقوم بين حين وحين بإرسال الأموال إلى إسرائيل من أجل توصيلها إلى حركة حماس. هل يُمكن أن تصدق مثل هذه التصرفات؟ نعم.. هذا موجود، ويوجد شهود على حقائب الدولارات القادمة من قطر، والتي تهبط في مطار “بن جوريون” لكي تنقلها الشاحنات الإسرائيلية إلى حماس!
كما أن قطر تقوم أيضًا بتذويب الخلافات بين حركة طالبان -وهي أحد رعاة تنظيم القاعدة منذ سنوات- والولايات المتحدة. كما يحقق الرئيس “ترامب” مكاسب سياسية من وراء هذه الوساطة القطرية. وفي الوقت الراهن، تقوم قطر من خلال أجهزتها المشبوهة بمحاولة لتذويب الفوارق بين حركة الإخوان وحركتي القاعدة وداعش. من هذه المحاولات ما قام به رجل المخابرات القطري، الملقب بالدوسري، مع كل من “محمد صوان” رئيس حزب الإخوان الليبي، و”محمد المدهوني” (وهو عراقي من أصل ليبي) والذي كان يتولى إدارة شئون داعش في ليبيا حتى وقت قريب.
الأمر نفسه فيما يتعلق بتركيا، التي تعمل جنبًا إلى جنب مع قطر. نظام “أردوغان” يعمل على قدم وساق لكي يريح دول الغرب (خاصة الاتحاد الأوروبي) من الدواعش الذين ينتمون لتلك الدول، ولم يعد لديهم مكان يذهبون إليه بعد انتهاء مهمة استغلالهم في الشمال السوري. الرئيس التركي يبتز الأوروبيين بهذه الطريقة: إما المساعدات، والتغاضي عما يقوم به في مناطق أخرى من العالم، أو إطلاق الدواعش.
أضف إلى هذا أن من بين هؤلاء الدواعش رعايا للدولة الروسية، أو رعايا لدول مجاورة للدولة الروسية. كثير من هؤلاء عملوا برعاية تركية ضد الدولة السورية طوال سنوات. واليوم هم أمام خيارين، إما أن يتم فتح الطريق أمامهم للعودة إلى أوطانهم، وبالتالي تهديد الأمن في روسيا وجيرانها، أو الدفع بهم لمواصلة إثارة الفوضى والإرهاب في مناطق أخرى، ولخدمة الأغراض التركية بالمرة.
لقد قامت كل من تركيا وقطر، وبتعاون كبير مع كل أشكال الجماعات الإرهابية، منذ عام 2017، على تهيئة الأرضية في ليبيا من أجل أن تكون موقع انطلاق لمرحلة جديدة من العمل.
لقد تم إحكام السيطرة على مرافق مهمة في طرابلس، من خلال تسكين قادة من جماعة الإخوان، أو الموالين لها وللجماعات الإرهابية الأخرى، في كل من المؤسسة الوطنية للنفط (خذ مثالًا المدعو “بن كورة”، وهو أحد أعضاء تنظيم الإخوان، وأصبح مسئولًا في شركة النفط)، والمصرف المركزي، الذي تدخل في السابق لإنقاذ “أردوغان” حين تعرضت الليرة التركية للانهيار.
في الشهور الأخيرة قام اللوبي التركي-القطري بزيادة الانقسام في مجلس النواب الليبي، من خلال خلق كيان برلماني موازٍ في طرابلس. بالإضافة إلى الوقوف ضد الأجهزة الأمنية والرقابية التي كانت تسعى للتحقيق في ملفات الإرهابيين وممارساتهم في ليبيا، من أمثال “علي الصلابي” القيادي الإخواني الذي يقيم بين الدوحة وأنقرة، و”عبدالحكيم بلحاج” أمير الجماعة الليبية المقاتلة، والمقيم في تركيا.
كما جرى زرع عشرات من أجهزة الإرسال والاستقبال الهاتفي في منظومة مغلقة في المنطقة الواقعة غرب طرابلس، وبالتحديد من مدينة غات، حتى صبراتة، مرورًا بكل من طرابلس والزاوية وصرمان وزارة. إن هذه المنطقة الهشة كانت مسرحًا مهمًّا لتدفق بضعة ألوف من الإرهابيين الأجانب إلى الداخل الليبي. بالإضافة إلى خطوط نقل الإرهابيين السابقة، من حدود السودان.
من بين هؤلاء الأجانب من لديهم خبرة كبيرة بالعمل ليس في ليبيا فقط، ولكن في كثير من البلدان الإفريقية، مثل السودان وتشاد والنيجر ونيجيريا ومالي، بالإضافة إلى دول الجوار الليبي كتونس والجزائر، والأهم مصر. ففي عهد الرئيس السوداني السابق “عمر البشير”، كانت طرق تدفق الإرهابيين بين معسكرات التدريب التي ترعاها قطر في السودان وليبيا لا تتوقف عن الحركة.
لقد جرى تسكين نصيب من الإرهابيين القادمين من تركيا والمرسلين من قطر في منطقة تُسمى الهروج، وتقع في وسط ليبيا، وهي منطقة يصعب على الجيوش الوصول إليها، وتعد حتى الآن أحد أهم الملاذات الآمنة لقادة من حركة أنصار بيت المقدس، وجماعة أنصار الدين (جماعة من مالي موالية لداعش بقيادة أحمد الأنصاري)، وجماعة جبهة النصرة، وجماعة من حماس (هؤلاء كان عددهم حوالي 70 مقاتلًا، وجرى إرسالهم إلى ليبيا عقب اجتماع لتنظيم الإخوان جرى في دولة موريتانيا وشارك فيه قادة من التنظيم الدولي للإخوان)، بالإضافة إلى مقاتلين من جماعات أخرى بما فيها جماعة بوكو حرام النيجيرية، وحركة الشباب الصومالية (فرع داعش).
وبينما العالم مشغول بمحاولة التصدي لخطر وباء كورونا، بدأت هذه الآلة الإرهابية الضخمة الموجودة في ليبيا والتي ترعاها تركيا وقطر، تعمل على قدم وساق، داخل ليبيا وفي القارة الإفريقية، مستهدفة دول الجوار أيضًا. فبين وقت وآخر ترصد مصر محاولة من إرهابيين للتسلل عبر حدودها الغربية، وتتصدى لها. كما أن الجزائر استنفرت أكثر من مرة قواتها على الحدود مع ليبيا، بالإضافة إلى مخاوف تونس من النشاط الإرهابي في ليبيا على أمنها.
وجرى استغلال شبكة الاتصالات الخاصة التي تم تركيبها بواسطة مهندسين تابعين للوبي القطري التركي، في غرب طرابلس، لإدارة الفوضى وإدارة العمليات القتالية والاستيلاء على المدن الآمنة، مثلما حدث خلال الأيام القليلة الماضية من اقتحام لمدينتي “صرمان وصبراتة” اللتين لم يكن فيهما أي تواجد عسكري تابع لقوات المشير “خليفة حفتر”، بل كانت عملية حفظ الأمن في هاتين المدينتين من مسئولية الشرطة.
إن ما يجري من تنشيط للعمليات الإرهابية في وقت ينشغل فيه العالم بوباء كورونا، يشترك فيه كثير من قادة الإرهاب ممن قامت الدوحة وأنقرة بتسمينهم. ومن هؤلاء، في صحراء أوباري ومرزق وسبها (جنوبًا) الإرهابي الصومالي “عبدالله أبو الزهراء”. وفي غات يوجد إرهابي جزائري يدعى “عبدالإله” (الفرق بينه وبين جماعة جاره بالمنطقة، الجزائري الشهير مختار بلمختار، أن الأول داعشي والثاني قاعدي)، و”أبو حيدرة التونسي”، وغيرهم.
شهادات من داخل المعسكر القطري-التركي
إن أحد أصدقاء الأتراك والقطريين ممن يتولون الإدارة والتنسيق بين قادة هذه المجموعات الإرهابية في هذه الصحراء الإفريقية، يدعى “مصطفى الشركسي”، وهو ضابط مخابرات ليبي كان قد تم فصله من العمل حين كان مسئولًا في قاعدة بنينا العسكرية في زمن “القذافي”، وهو موجود في الوقت الراهن في مصراتة، حيث يعد من أبرز من يتعاملون بشكل مباشر مع رجال المخابرات التركية والقطرية. ويشرف أحيانًا على عمليات استلام الأسلحة التي ترسلها تركيا إلى المتطرفين في ليبيا.
إن إحدى الشركات التركية العسكرية الخاصة (تشبه شركة بلاكووتر الأمريكية الشهيرة)، تسمى “صدات”، ويعتقد أنها من الشركات والأذرع التي يستخدمها “أردوغان” ومعه قطر بطبيعة الحال، في تحريك المرتزقة والإرهابيين عبر المنطقة العربية والإفريقية، من سوريا والعراق إلى الصومال وباقي بلدان الساحل والصحراء، وصولًا إلى ليبيا.
لقد تحدثت مع رئيس مجلس إدارة هذه الشركة، ونقلت إليه الاتهامات الموجهة إلى شركته، وعلاقتها بتنظيم الإخوان و”أردوغان”، وجاءت إجابات الرجل، ويدعى “مليح تانريفردي”، متضاربة، فقد نفى أن يكون لدى شركته تواجد في ليبيا؛ إلا أنه أشار إلى أن الشركة نفسها سبق أن قدمت تدريبات عسكرية في هذا البلد. ودافع دفاعًا مستميتًا عن حق “أردوغان” في “مساعدة الإخوة الليبيين”، وشن –بالمرة- هجومًا على من يناصرون المشير “خليفة حفتر”، قائد الجيش الوطني الليبي، الذي يقف ضد التغلغل التركي في بلاده.
إن شركة “صدات” التركية، أي تلك التي تعمل في دولة عضو بحلف الناتو، وبنظام إخواني خادم للغرب، تتبجح في ردودها، حين تقول إن مهمتها هي “تشكيل بيئة تعاونية بين الدول الإسلامية في مجال الدفاع والصناعات الدفاعية”. وللشركة خريطة خاصة بنشاطها في المنطقة تضم الدول العربية ودولًا أخرى في القارتين الآسيوية والإفريقية.
لقد تحدثت أيضًا مع مسئول في المخابرات العسكرية لحلف الناتو، وأقر عبر رسالة بالبريد الإلكتروني، أن العديد من الشركات التركية الأمنية، تعمل بلا هوادة على نقل الأسلحة والمرتزقة الأجانب إلى ليبيا، لصالح نظام “أردوغان”. وتتكون معظم هذه الشركات التركية ذات الطابع العسكري، من ضباط فُصلوا من الخدمة من الجيش، حين كان الجيش التركي يرفض انخراط الإرهابيين فيه. وهو أمر تغير بعد محاولة الانقلاب الفاشلة على “أردوغان” في 2016. وأصبح العسكريون المتطرفون في مواقع المستشارين للرئيس التركي، مثل مؤسس شركة “صدات” نفسها.
لقد أصبحت كل من تركيا وقطر حلفًا يرعى الإرهاب العابر للحدود، ولم يتوقف طوال السنوات الماضية -حتى اليوم- عن نقل الأسلحة والطائرات المسيرة إلى ليبيا. واستفادت تركيا من هذه الفوضى، حيث بلغت قيمة الأسلحة التي قامت بإرسالها إلى الإرهابيين في ليبيا حوالي 20 مليار دولار منذ توقيعها مذكرة ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري مع حكومة المجلس الرئاسي الليبي بقيادة “فايز السراج”، في نوفمبر الماضي، إلى الآن.
وتُباع الأسلحة التركية، ومنها أسلحة صناعة تركية-إسرائيلية، بأضعاف قيمتها، ومنها حوالي 21 طائرة مسيرة تعاقد عليها “السراج” مع أنقرة، خلال الأسبوع الماضي، لتضاف تلك الطائرات إلى عشرات من مثيلاتها التي وصلت إلى أيدي الإرهابيين المسيطرين على مطاري معيتيقة في طرابلس، ومصراتة في مصراتة.
ومثل كل تحركات الإرهابيين التي تستغل الظروف الإنسانية لإثارة الفوضى والخراب، واصلت تركيا إرسال الأسلحة هذه المرة في حاويات مكتوب عليها أنها مساعدات طبية لليبيين لمواجهة وباء كورونا، مثلما حدث يوم 11 أبريل الجاري، فقد وصلت لمطار معيتيقة شحنة مساعدات طبية تسلمها وكيل وزارة الصحة الليبية، في طرابلس، لكن كانت معها حاويات أخرى، تبين أنها تضم المئات من البنادق الإسرائيلية الهجومية وبنادق القنص، وذهبت كلها إلى الجماعات الإرهابية في طرابلس، وبعضها استُخدم في الهجوم على مدينة صبراتة.
لقد ارتكبت قطر خطأ كبيرًا، في حق شعبها وفي حق الشعوب العربية، حين بدأت تفكر، منذ تسعينيات القرن الماضي، في استخدام الجماعات الإرهابية للتقرب إلى الغرب. كما ارتكبت تركيا الخطأ نفسه حين أعطت لنفسها الحق في التدخل في شئون البلاد العربية والإسلامية، للحفاظ على مكانتها في حلف الناتو، ولابتزاز أوروبا والبلدان الغربية. إلا أن الخطأ الكبير الذي يقع فيه النظامان الحاكمان في الدوحة وأنقرة -اليوم- هو الاستمرار في إرسال الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، واستغلال وباء كورونا لتنشيط الخلايا الإرهابية النائمة في بلدان المنطقة.