يلعب المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي دورًا محوريًا في مشروع إصلاح التعليم الذي انطلق منذ عام 2018/2019، حيث بدأت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني عملية “إعادة هيكلة المركز” كأحد المحاور الرئيسية ضمن المكون الثالث من مشروع الإصلاح الذي يتعلق بإصلاح “نظام التقييم الشامل من أجل تحسين التحصيل العلمي للطلاب”، وقد نجح المركز بالفعل في استعادة مكانته من خلال التنفيذ الكفء لبعض المهام التي لم تكن ضمن مسئولياته من قبل أو التي لم تكن تتم بالكفاءة المطلوبة. ولكن على الرغم من أن المدى الزمني المخطط للانتهاء من عملية إعادة الهيكلة بالكامل انتهى بنهاية العام الدراسي 2020/2021، إلا أن عملية إعادة الهيكلة ما زالت مستمرة إلى الآن من أجل تطوير قدرة المركز على لعب دور أكثر شمولًا في العملية التعليمية.
تحديث الأدوار لتحقيق أهداف نظام التعليم الجديد
حين أنشئ المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 462 لسنة 1990 كهيئة عامة لها الشخصية الاعتبارية ومؤسسة علمية تتبع وزير التعليم، كان الهدف منه إجراء الدراسات والبحوث العلمية اللازمة لإعداد نظم الامتحانات وتقويمها وتطويرها بما يساعد على تحقيق الأغراض المستهدفة من المناهج التعليمية، وبناء الشخصية المتكاملة للطالب، وتهيئته للنمو والنضج والابتكار والإبداع في مختلف مجالات الثقافة والعلم والتكنولوجيا. وتمثلت أبرز أدوار المركز وفقًا لقرار إنشائه فيما يلي:
– تصميم أدوات القياس والتقويم النفسي والتربوي.
– مراقبة مستويات جودة نواتج التعلم.
– تنظيم العلاقة بالمؤسسات التعليمية الكبرى.
– وضع المعايير الخاصة لقياس وتقويم مختلف مستويات المعرفة والمهارات والجوانب الوجدانية للطلاب، وإعداد أنظمة الامتحانات بما في ذلك أسلوب تقدير الدرجات.
– إعداد نظم الامتحانات ومتابعة المستوى الكيفي لها والتحقق من سلامتها وكفاءتها في تقييم الطلاب.
– التدريب على وضع الامتحانات وتصحيحها وإدارتها.
بالنظر إلى الأدوار سالفة الذكر، والتي قد يراها البعض شاملة لارتباطها المباشر بوضع المعايير وتصميم أدوات القياس والتقويم، بل والتدريب على وضع الامتحانات وتصحيحها أيضًا، ولكن رؤية وزارة التربية والتعليم فيما يتعلق بإصلاح “نظام التقييم الشامل” -كما جاء في المشروع الذي تنفذه بالتعاون مع البنك الدولي- تتمثل في أن هذا الإصلاح لا يمكن أن يتم على الوجه المنشود دون إعادة هيكلة المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي وبناء قدراته لإدارة وتنفيذ وتصحيح الامتحانات وتحليل نتائجها على المستوى الوطني بشكل أكثر فاعلية؛ لذلك تضمنت عملية إعادة الهيكلة أن يتم بناء قدرات المركز في أربعة جوانب رئيسية، هي:
– تصميم الامتحانات.
– الأمن واللوجستيات.
– تحديد الدرجات وإدارة التقييم القائم على الحاسب الآلي.
– تحليل النتائج وإعداد التقارير.
مما يعني أن أدوار المركز التي تحتاجها الوزارة لإنجاح مشروع الإصلاح تشتمل على تحديث الأدوار القديمة وإضافة أدوار جديدة، مثل الاعتماد على بنوك الأسئلة في تصميم الامتحانات، والتدخل بشكل مباشر في عملية التقييم القائمة على استخدام أجهزة الحاسب الآلي أو التابلت، بالإضافة إلى تحليل نتائج الطلاب في كل مرحلة وإعداد التقارير التي يمكن أن تساعد في تحسين السياسة التعليمية مستقبلًا، وعدم الاقتصار على تحليل نتائج الاختبارات الدولية التي تقوم على العينة العشوائية مثل دراستي بيرلز وبيزا.
الواقع يفرض تعديل الخطة
أوشك العام الرابع من عمر مشروع إصلاح التعليم -المقدر بخمس سنوات- على الانتهاء، وما تزال بعض بنود إعادة هيكلة المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي قيد التنفيذ رغم التخطيط لإنهائها بالكامل بنهاية العام الثالث 2020/2021 كما يلي:
1. خلال العام الأول من عمر المشروع 2018/2019: الانتهاء من خطة إعادة الهيكلة واعتمادها من قبل الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وأن يقوم الوزير المسئول بالتوقيع عليها بحلول 2020؛ وتطوير خطة بناء القدرات لكل من العاملين في المركز القومي للامتحانات، والمراقبين، والمصححين، والقائمين على تنفيذ الاختبار الوطني على مستوى المدارس.
2. خلال العام الثاني 2019/2020: تعيين ثلاثة خبراء متخصصين في القياس والتقويم التربوي من قبل المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي لمدة ثلاث سنوات متصلة على الأقل؛ وتنفيذ البرامج التدريبية لكل من:
أ. العاملين في المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي على إدارة منصة التقويم.
ب. مطوري بنوك الأسئلة.
ج. جميع المصححين على قواعد البيانات.
د. 70% على الأقل من المراقبين على تنفيذ التقييمات الجديدة.
3. خلال العام الثالث 2020/2021: تحويل جميع المخصصات المالية المرتبطة بتقييم الطلاب من وزارة التربية والتعليم للمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، وقد يكون ذلك من خلال إضافة بنود الميزانية والمخصصات المالية المرصودة لعملية تقييم الطلاب إلى ميزانية المركز بشكل رسمي لكي يكون للمركز سلطة التصرف فيها بدلًا من الوزارة.
وبسبب المراجعات الدورية التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع البنك الدولي والتي بلغ عددها (8) مراجعات كان آخرها في أكتوبر 2021، تم تعديل بعض البنود الفرعية في محور إعادة هيكلة مركز الامتحانات سواء بالحذف أو الإضافة لتلك البنود؛ وتضمنت التعديلات التي وافق عليها البنك الدولي في إبريل 2021 ما يلي:
– مراجعة الفقرة المتعلقة بإنهاء خطة إعادة الهيكلة وإقرارها بواسطة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، على أن يتم الموافقة والتوقيع عليها من قبل وزير التربية والتعليم بحلول 2020، ليتم حذف الجزء الأخير المتعلق بموافقة وتوقيع وزير التربية والتعليم بحلول 2020؛ وتجدر الإشارة إلى أن الخطة لم يتم إنهاؤها أو اعتمادها إلى الآن.
– حذف الفقرة المتعلقة بتوظيف ثلاثة خبراء في القياس والتقويم التربوي من قبل المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي لمدة ثلاث سنوات متصلة على الأقل، وحلت محلها فقرة تتعلق بإجراء تدريبات لكل من: فنيي المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي على إدارة واستخدام منصة إدارة التقييم، ومطوري بنوك الأسئلة على عملية بنائها، و70% على الأقل من المراقبين على تنفيذ تقييمات جديدة.
– تم إضافة فقرة تتعلق بتقديم خبراء القياس والتقويم في المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي التدريب اللازم لكل من: جميع المصححين على قواعد البيانات الخاصة بدرجات الصفوف من العاشر حتى الثاني عشر، وجميع واضعي الأسئلة على قواعد البيانات الخاصة بالصفوف من العاشر حتى الثاني عشر.
– تم إلغاء البند الخاص بنقل الميزانية المخصصة لعملية تقييم الطلاب من وزارة التربية والتعليم إلى المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي.
وأرجعت الوثيقة الجديدة تلك التعديلات إلى رغبة وزارة التربية والتعليم في التركيز على بناء قدرات العاملين في المركز لتدريب جميع المصححين المسئولين عن تصحيح الامتحانات الإلكترونية باستخدام التابلت، كما أن تخلي الوزارة عن البند المتعلق بنقل الميزانية من وزارة التربية والتعليم للمركز يرجع إلى كونه هدفًا طموحًا جدًا بالنسبة للواقع.
تحسن الأداء والحاجة لمزيد من الجهد
لا يمكن الحكم على تأخر تنفيذ بعض بنود إصلاح التقييم الشامل أو خطة إعادة هيكلة المركز القومي للامتحانات عن الموعد المحدد بأنه فشل، حيث تشير آخر مراجعة نشرها البنك الدولي في أكتوبر الماضي إلى أنه تم الانتهاء من عدد من الأنشطة التي تدلل على تحسن أداء المركز عما كان عليه، منها ما يلي:
– إنشاء بنوك الأسئلة: تم إنشاء بنوك الأسئلة للصفوف الثلاثة للمرحلة الثانوية في جميع المواد الدراسية، الأمر الذي ساعد على سحب جميع الامتحانات الخاصة بالثانوية العامة للدورين الأول والثاني في العام الدراسي 2020/2021 من هذه البنوك.
– إدارة وتصحيح الامتحانات: تمكّن المركز من تصحيح أوراق إجابة امتحانات الثانوية العامة للعام الماضي إلكترونيًا دون تدخل بشري، حيث تم الاعتماد على “البابل شيت” Bubble Sheet لأول مرة، واستخدام الماسح الضوئي لتحويله لنسخة إلكترونية؛ كما أشرف على تظلمات طلاب الثانوية العامة في العام الماضي.
– إتاحة نتائج الاختبارات للصفوف من العاشر حتى الثاني عشر إلكترونيًا للطلاب والإدارات والمديريات التعليمية ومديري المدارس في أقل من شهر.
– تنفيذ تدريبات لبناء قدرات العاملين في المركز بنجاح.
علاوةً على ما تضمنته وثيقة البنك الدولي لمشروع إصلاح التعليم المصري، فقد توسع المركز القومي للامتحانات في أداء الأدوار المنوطة به من خلال إعداد أدوات التقييم الوطني لقياس نواتج تعلم العلوم والرياضيات لدى تلاميذ الصف الخامس الابتدائي، حيث تم إعداد الإطار العام للاختبار الوطني وتحكيمه محليًا ودوليًا، وتم تنفيذه على عينة عشوائية مكونة من 340 مدرسة للاستفادة من نتائجه في تحسين السياسة التعليمية مستقبلًا.
وفيما يتعلق بالمشاركة في الاختبارات الدولية وتحليل نتائجها لما لها من أهمية في التعرف على واقع بعض عناصر النظام التعليمي مقارنةً بنظم التعليم في دول أخرى، وتحسين السياسات التعليمية في ضوء نتائج تلك الاختبارات، فقد بدأ المركز العمل على تحليل نتائج اختبارات TIMSS 2019 في العلوم والرياضيات التي صدرت منذ عام تقريبًا للاستفادة من نتائجها في تطوير السياسة التعليمية؛ كما يستهدف إجراء الدراسة الدولية الأساسية لقياس الفهم اللغوي (بيرلز) على عينة مختارة عشوائيًا من طلاب الصف الرابع الابتدائي بمختلف مدارس الجمهورية خلال العام الجاري للتعرف على التغير في مستوى التلاميذ.
من خلال العرض السابق، يتضح أن بعض بنود مشروع إصلاح التعليم الخاصة بإعادة هيكلة المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي من أجل تفعيل دوره كمركز وطني للتقويم الشامل تحققت، في حين لم تتحقق بعض البنود الأخرى نظرًا لارتفاع مستوى الطموح عند وضعها أو تعارضها مع الواقع.
رئيس وحدة دراسات القضايا الاجتماعية