تُعد مشكلة الأمية من أدقّ المشكلات التي تواجه الشعب المصري، حيث تتداخل الأبعاد المسببة لهذه المشكلة ما بين اجتماعية واقتصادية وغيرها، لذا فإن محاولة التصدي لهذه المشكلة يتطلب أيضًا الأخذ في الاعتبار ضرورة تكامل كافة الجهات بالمجتمع في إطار خطة قومية متكاملة لحل لتلك المشكلة وتجفيف منابع تجددها مرة أخرى.
تقع المسئولية الرسمية لمحو الأمية في مصر على عاتق الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، إلا أن هناك عددًا كبيرًا من الجهات التي تشارك في الجهود المبذولة لمحو الأمية بالتنسيق مع الهيئة، ومن تلك الجهات الجامعات المصرية، وكذلك المجلس القومي للمرأة، ومشروع تطوير الريف المصري “حياة كريمة”، وغيرها من الجهات التي تشارك في صورة مبادرات تستهدف الأميين الذين يتم حصرهم بالمحافظات من خلال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار.
الوضع الحالي لنسبة الأمية في مصر
- أصدر الجهــاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري تقديرات لمعدلات الأمية في مصر خلال الفترة من 1986-2017، حيث شهدت انخفاضًا في الأمية خلال العقود الثلاثة الماضية بنسبة 24.1%.
- فيما يخص حالة الأمية في مصر خلال الفترة (2017-2021)، أشارت الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة إلى أن حوالي 25,8% من المصريين كانوا أميين عام 2017م، وانخفضت النسبة لتصل إلى 23,3% في يناير 2021، وذلك من السكان سن 10 سنوات فأكثر أي بدون إضافة نسبة التسرب من التعليم.
وترتفع نسبة الامية اذا حسبت من عدد السكان ١٥سنة فأكثر على النحو المتبع في المؤشرات الدولية، فطبقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد الأميين في مصر 17.4 مليون نسمة بمعدل 26.1% من جملة عدد السكان فوق سن 15 عامًا، وبلغت نسب الأمية بمحافظات الجمهورية عن العام المالي 2020/ 2021 في الفئة العمرية 15 سنوات فأكثر (بإضافة المتسربين من التعليم) وفقًا لآخر التقديرات يوليو2021 على النحو الآتي:
أعداد الأمية في مصر 2021 للشريحة العمرية 15 سنة فأكثر (بإضافة المتسربين)

تقديرات نسب الأمية للشريحة العمرية 15 سنة فأكثر -بإضافة المتسربين- بمحافظات الجمهورية وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوليو 2021

ما زالت نسبة الأمية تفوق 26.1% من السكان في مصر 2021، وهي نسبة كبيرة نسبيًا يصعب معها إعلان مصر خالية من الأمية بحلول 2030 وفقًا للمعدلات السنوية القائمة.
هناك تباين في نسب الأمية بين محافظات مصر، فقد سجلت محافظة المنيا أعلى نسبة من بين المحافظات، حيث بلغت نسبة الأمية بها 37.7 % في حين سجلت محافظة البحر الأحمر أقل نسبة من الأمية بلغت 10.9 %، وقاربت على إعلان خلوها من الأمية، ويرجع ذلك للتركيبات السكانية وطبيعة المحافظة، وكذلك الجهود التي تبذلها كل محافظة في مجال محو الأمية.
ترتفع معدلات الأمية بين الإناث عن الذكور في مصر بصفة عامة، وقد بلغت أعدادهن 10.1 ملايين نسمة بمعدل 31.2%، مقابل 7.3 ملايين نسمة للذكور بمعدل 21.3%. في فئة (15 سنوات فأكثر) من جملة عدد الذكور والإناث، ويرتبط ذلك ببعض العادات والتقاليد المتعلقة بتعليم الفتيات في بعض القرى النائية، وكذلك الزواج المبكر للإناث والفقر الناتج عن الرغبة في إنجاب أكبر عدد من الأبناء بما يصعب معه الاهتمام بالتعليم.
ينخفض معدل الأمية بين الشباب (15- 24 سنة) مقارنة بكبار السن (60 سنة فأكثر)، حيث بلغ 6.9% للشباب، مقابل 63.4% لكبار السن، مما يعطى مؤشرًا إيجابيًا عن الاتجاه نحو انخفاض هذا المعدل مستقبلاً.
التقدم الذي تم إحرازه في مجال محو الأمية
تعمل الدولة المصرية على استغلال كافة الإمكانيات في إنجاح منظومة محو الأمية وتعليم الكبار، وذلك في إطار متابعة تنفيذ خطة الدولة لإعلان “مصر بلا أمية” تحقيقًا لأهداف خطة التنمية المستدامة 2030، ووضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار.
وضعت الحكومة خطتها لتقليص نسبة الأمية في مصر في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وانعكس نجاح الحكومة في الإشادات والتقديرات الدولية للجهود المصرية المبذولة، والتقدم في طريق الارتقاء بحياة الإنسان المصري وعقله ومستقبله، والاعتماد على التكنولوجيا الرقمية في هذا الشأن، حيث نجحت مصر في محو أمية 410 آلاف شخص من إجمالي عدد الأميين خلال 2021/2020 بما يعادل 2,4 % من عدد الأميين في مصر.
أعدت هيئة تعليم الكبار منهجًا يلائم ذوي القدرات الخاصة “نتعلم لنكون” وفتح فصول خاصة لهم، كما تم تدريب 58147 معلمًا وموجهًا ومتابعًا فنيًا بهيئة تعليم الكبار، وإتاحة فرص عمل لشباب الخريجين في مشروعات وبرامج محو الأمية “بنظام التعاقد الحر”، والإعلان عن إطلاق حملة “محو أمية مليون مواطن” بالتنسيق مع الهيئة العامة لتعليم الكبار والأزهر الشريف تحت مظلة “حياة كريمة”.
تم البدء في تنفيذ “مبادرة حياة كريمة بلا أمية” في يوليو 2020 بالمرحلة الأولى في 143 قرية ضمن 11 محافظة، وفي إطار جهود المحافظات في محو الأمية انخفض معدل الأمية في محافظة بني سويف من 40.9٪ عام 2017 إلى 28٪ في مارس 2022، حيث اتخذ محافظ بني سويف الدكتور محمد هانئ غنيم قرارًا بخفض نسبة فائدة القروض من 6٪ إلى 4٪ للمتحررات من الأمية المشاركات في المشروعات الصغيرة، مما كان له أثر كبير في إقبال السيدات والفتيات في سن العمل على محو الأمية.
إنشاء منصة إلكترونية لتعليم الكبار عن بُعد، باستخدام بعض التطبيقات التكنولوجية المختلفة وإتاحتها للدارسين، باستخدام أفضل المعايير الفنية والتعليمية التفاعلية لتتناسب مع الجمهور المستهدف، بالإضافة إلى تنظيم فصول محو الأمية عبر الإنترنت للمناطق الريفية بجمهورية مصر العربية، وذلك في إطار التعاون بين الهيئة العامة لتعليم الكبار وجامعة عين شمس في عام 2021.
نالت مصر جائزة اليونسكو لأفضل تجربة عالميًا في تعليم الكبار “جائزة كونفوشيوس لمحو الأمية 2021″، وهي جائزة مقدمة بغرض مكافأة جهود الأفراد أو المؤسسات أو المنظمات أو الكيانات الأخرى المشاركة في أنشطة محو الأمية للبالغين الريفيين وخاصة النساء والفتيات، وذلك عن تجربة جامعة عين شمس بتنظيم فصول محو الأمية عبر الإنترنت بالمناطق الريفية، عن طريق تعاون كبير بين الهيئة العامة لتعليم الكبار وجامعة عين شمس، وهو إنجاز لم يتحقق منذ عشرات السنين ويتزامن مع تدشين الجمهورية الجديدة، وعلامة مضيئة نأمل في أن يكتمل الإنجاز ويتم إعلان مصر خالية من الأمية قبل عام 2030.
وكانت التجربة المصرية التي نالت جائزة كونفوشيوس قائمة على تطوير آلية الوصول للشخص غير المتعلم، خلال جائحة كورونا، وتم بإتاحة محو الأمية باستخدام التكنولوجيا لدعم المناطق الفقيرة، وتنظيم فصول افتراضية على الإنترنت، عن طريق أي فرد من أقارب الشخص غير المتعلم، وتم تنظيم قوافل طبية تقدم العلاج والرعاية الصحية وإجراء العمليات مجانًا لأي شخص يقبل على التعلم، وتقدمت الهيئة العامة لتعليم الكبار بالتجربة لجائزة اليونسكو، وكل دولة من حقها تقديم ثلاث تجارب، أي وجود أكثر من 600 تجربة، وكان النجاح حليف التجربة المصرية من بين 172 دولة، وفازت مصر بالمركز الأول على مستوى العالم.
السبل الممكنة لحل مشكلة الأميّة في ضوء رؤية مصر 2030
ما زالت نسبة الأمية تفوق 26.1% من جملة عدد السكان فوق سن 15 عامًا من السكان في مصر 2021، وهذا الأمر يظهر صعوبة إعلان مصر خالية من الأمية بحلول 2030 وفقًا للمعدلات السنوية القائمة، فبتحليل الوضع الحالي نلاحظ بعض السلبيات التي تبطئ معدلات محو الأميه منها:
- انخفاض مشاركة منظمات المجتمع المدني خاصة الجمعيات في دعم جهود الدولة في محو الأمية.
- منابع الأمية ما زالت قائمة، مثل: التسرب من التعليم، والعادات والتقاليد البالية في بعض القرى.
- آليات الوصول للفئات المستهدفة ما زالت ضعيفة.
- قصور التكامل في جهود محو الأمية من خلال ربطه بالعمل والدعم.
ينبغي أن تكون الخطة الداعمة لجهود محو الأمية بحلول عام 2030 خطة طموحة قائمة على التشبيك بين كافة القطاعات من خلال مبادرة رئاسية مثل كافة المبادرات الرئاسية الناجحة التي أثمرت تطويرًا غير مسبوق لحياة المصريين بفضل التصور الشامل والتخطيط والمتابعة والتقويم للجهود المبذولة والتطوير والتحسين المستمر من قبل القيادة السياسية، ويمكن تحديد بعض أسس وإجراءات الخطة فيما يلي:
1. التكامل بين القطاع الحكومي والمجتمع المدني بشكل متناغم ومحدد، من خلال تحديد القدرات والاستعدادات التي يمكن لكل قطاع توفيرها للمساهمة بفاعلية في القيام بالأدوار المنوطة بكل قطاع.
2. حصر شامل لجميع المستهدفين لمحو أميتهم ووضعهم في قوائم مصنفة جغرافيًا وعمريًا من خلال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يتم جدولة محو أميتهم بما يناسبهم من خدمات تربوية في الإطار الزمني المحدد.
3. بذل مزيد من الجهود في عملية دعم الأفراد المرجو محو أميتهم من خلال التحفيز المادي والمعنوي، حيث يمكن إطلاق حملة إعلامية لتنمية الوعي وإبراز الحوافز للفئات المستهدفة، فيمكن تقديم بعض الحوافز المادية كزيادة في الدعم التمويني لكل فرد يتم محو أميته، أو زيادة بنسبة محددة فيما يحصلون عليه من إعانات أو معاشات من الدولة، أو إعانات العمالة غير المنتظمة والمعنوية مثل تقليل عدة أشهر من فترة تجنيد الذين تم محو أميتهم أثناء فترة التجنيد أو قبله، وكذلك تقليل اغترابهم وتقديم تدريب حرفي متميز لتلك الفئات في مراكز التدريب المهني.
4. طرح العديد من أنماط الخدمات التربوية المصممة لمحو الأمية مثل التعليم الليلي للعمالة أو التعليم المجتمعي والمعلم الجوال في المجتمعات الريفية النائية والاعتماد على التطبيقات الرقمية، وتصميم برامج على الهواتف الذكية لتعليم الأميين، مع العلم أنه في إمكان بعضهم استخدام الهواتف الذكية دون دراية بالقراءة والكتابة.
5. تشجيع جمعيات المجتمع المدني في إقامة أنشطة خدمية تتعلق بمحو الأمية وتعليم الكبار مع تسهيل إجراءات تنفيذ البرامج والإشراف عليها.
6. الاستفادة القصوى من متطوعي حياة كريمة بتنظيم فصول محو أمية مسائية بمدارس القرى في كل المراكز، بل وتعميمها على مستوى قرى الجمهورية في ضوء التنسيق مع الهيئة القومية لمحو الأمية برصد المستهدفين لمحو أميتهم والتواصل معهم.
7. تفعيل دور الشراكة مع وزارة التضامن الاجتماعي من خلال استبدال الخدمة العامة للإناث لجميع كليات التربوية والخدمة الاجتماعية والآداب بمحو أمية 5 أفراد لكل فتاة، مع ربط ذلك بالتوزيع الجغرافي لفئات المستهدفين.
8. تفعيل الرقابة على العمالة اليومية في الورش والمحلات وجميع مواقع العمل بضرورة الحصول على شهادة محو الأمية، وتسهيل تسجيلهم على قاعدة المستهدفين، وتقديم الخدمات التربوية للعمال بالتجمعات الصناعية.
9. اتّباع خطوات عملية لدفع المستهدف محو أميتهم نحو البدء والمشاركة في تنفيذ الخطة، فالتعليم بمثابة ضرورة حتمية، مثل عدم إصدار تصاريح عمل أو سفر أو حرمان من الدعم وغير ذلك بشكل مؤقت.
10. تجفيف منابع الأمية من خلال القضاء على ظاهرة التسرب من التعليم، وأيضًا تنمية الوعي في القرى بضرورة تعليم الفتيات وتفعيل دور المدارس المجتمعية.