أثار نشاط حركة 23 مارس المتمردة، في شرق الكونغو، حالة من التوتر بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا التي تتهمها كينشاسا بدعم مستمر للجماعات المسلحة. وقد دعا رئيس الكونغو الديمقراطية، فليكس تشيسكيدي، في 3 من نوفمبر 2022، جيش بلاده إلى التعبئة العامة، بسبب ما سماه سياسة دولة رواندا التوسعية لاحتلال الأراضي بغرض تحقيق مصالحها الاقتصادية من خلال دعم حركة 23 مارس الكونغولية، وتقديم الدعم اللوجيستي لهذه الحركة. كما اتهم قبائل التوتسي الكونغوليين ورواندا بأنهم يعملون على عدم الاستقرار وزعزعة أمن منطقة البحيرات بعد سنوات من الاستقرار بعد الحرب الأهلية التي شهدتها. من جانبه، اتخذ مجلس الدفاع الأعلى في الكونغو قرارًا بأن السفير الرواندي في كينشاسا شخصية غير مرغوب فيه، وذلك بعد الهجوم الذي شنته الحركة على مواقع الجيش الكونغولي في شرق البلاد، وأن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمه الرئيس تشيسكيدي مع نظيره الرواندي بول كاغامي في يوليو 2022 في أنجولا غير ملزم لجمهورية الكونغو الديمقراطية.
تصاعد التوتر وتبادل الاتهامات
بعد احتلال بلدة بوناغانا على الحدود مع أوغندا منذ يونيو 2022، تقدم متمردو حركة 23 مارس للاستيلاء على عدة بلدات ومحليات أخرى في إقليم روتشورو خلال شهر أكتوبر. وشملت البلدات روتشورو وكيوانجا، فضلاً عن مركز كيتاجوما الحدودي على الحدود بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا. وفر مئات الآلاف من السكان المحليين إما إلى أوغندا أو إلى أماكن أخرى لا تزال تُعتبر آمنة.
قامت حكومة الكونغو بصورة مبكرة بتوجيه أصابع الاتهام إلى رواندا بمزاعم أن لديها دليلًا قاطعًا على عدوانها، حيث قررت كينشاسا طرد سفير رواندا في جمهورية الكونغو الديمقراطية في نهاية اجتماع مجلس الدفاع الأعلى الذي عُقد في 29 أكتوبر، والذي ترأسه الرئيس فيليكس تشيسكيدي.
من جانبها، رفضت رواندا استمرار اتهامات كينشاسا، واتهمت جمهورية الكونغو الديمقراطية بدعم القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي جماعة مسلحة معارضة للحكومة في كيغالي، وتعمل على الأراضي الكونغولية منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
وتزيد هذه الاتهامات من كلا الجانبين من انعدام الثقة والتوترات، ليس فقط بين القادة، ولكن أيضًا بين مجتمعات هذين البلدين. ويمكن للمجتمع الدولي، وكذلك آليات السلام الإقليمية، أن تلعب دورًا حاسمًا في معالجة هذا المأزق لتجنب تصعيد العنف واندلاع الصراع الذي يمكن أن يبتلع منطقة البحيرات العظمى بأكملها.
أزمة إنسانية متفاقمة وردود فعل إقليمية ودولية
بفعل الأنشطة العسكرية المكثفة، تعيش منطقة شرق الكونغو خاصة إقليم (روتشورو) في حالة إنسانية مأساوية، حيث نزح أكثر من 200000 ألف شخص من منازلهم، جراء القتال الذي يدور بين الجيش الكونغولي وحركة 23 مارس.
وقد أدانت بشدة البعثة الأممية في الكونغو (مونوسكو)، الأعمال العدائية التي نفذتها حركة 23 مارس، واعتبرتها تبعات خطيرة على المدنيين في المنطقة. وفقًا لبعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية -في بيان لها- بأنها سوف توفر الدعم الجوي والمعلومات والمعدات، والقيام برحلات مراقبة واستطلاع عمل لقوات الجيش الكونغولي، بالإضافة إلى إنشاء مركز لتنسيق العمليات بينها وبين القوات الكونغولية وتزويدهم بالقبعات الزرقاء. في الوقت ذاته، استمرت الاحتجاجات المناهضة للبعثة الأممية في الكونغو، حيث شهدت العديد من المدن مظاهرات تطالب برحيل القوات الأممية التي يتهمها الشعب الكونغولي بالتقاعس عن حماية المدنيين العزل، والاستفادة من عمليات التعدين عبر الشركات الخاصة ونهب ثروات البلاد. وقد أرسلت كينيا قواتها لمساعدة الجيش الكونغولي في إطار عملية إقليمية مشتركة لتأمين أمن البلدين وشن هجوم معاكس ضد حركة 23 مارس.
مبادرات تسوية الخلافات
حقق متمردو حركة 23 مارس مكاسب في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما أثار مخاوف من زيادة تدهور الأمن. ودعا الاتحاد الأفريقي إلى وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات لضمان السلام. وأعرب بيان الاتحاد الأفريقي عن القلق البالغ إزاء تدهور الوضع الأمني في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودعت المنظمة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وطالبت جميع الأطراف المتحاربة باحترام القانون الدولي وسلامة وأمن المدنيين والاستقرار على حدود جميع دول المنطقة. وقد أجرى مسئولون من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا محادثات يوم السبت تهدف إلى إنهاء المواجهة السياسية بين البلدين الناجمة عن صراع واسع النطاق بالقرب من حدودهما المشتركة.
وقد عبر الاتحاد الأفريقي -في بيان- عن دعمه الكامل لخريطة طريق لواندا، وكانت قمة عقدت في أنجولا في يوليو الماضي 2021، شهدت اتفاق الرئيس الرواندي بول كاغامي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي على تهدئة التوترات من خلال تطبيع العلاقات وبناء الثقة المتبادلة، وقال الرئيس الأنغولي جواو لورنسو يوم الاثنين، إنه سيرسل وزير الخارجية تيتي أنطونيو إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية للتوسط في النزاع، مسلطًا الضوء على القلق الناجم عن التوترات المتزايدة في المنطقة، كذلك غرد الرئيس الرواندي بول كاغامي بأنه تحدث مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش حول سبل تهدئة الصراع.
تداعيات الصراع وفرص تسوية الصراع
تُمثل هشاشة بنية الدولة في الكونغو أحد مسببات استمرار العنف المرتبط بالجماعات المسلحة في شرق البلاد، حيث تشهد ثلاثة مناطق كبيرة حالة صراعات ممتدة، ولا تزال رواندا تدعم تلك الجماعات بدوافع اقتصادية تستغل الحكومة الرواندية المناجم في تلك المنطقة وتعمل على استخراج الماس والذهب وتصديره إلى الخارج بعد إعادة تعبئته وختمه باعتباره مستخرج رواندي. سياسيًا تدعم تلك الجماعات وتنسق معها من أجل الحد من تمدد القوات الديمقراطية لعرقية الهوتو المدعومة من السلطات الكونغولية.
وفشل كل من الجيش الكونغولي وقوات حفظ السلام التابعة للبعثة الأممية في احتواء العديد من المليشيات أو القضاء عليها، بالإضافة إلى العنف العرقي بين التوتسي والهوتو، وانحياز الحكومة الكونغولية إلى أحدها يدفعهم إلى زيادة بؤر التوتر والصراع. وثمة علاقة قوية بين كينشاسا وقبائل الهوتو التي تقاتل مع الجيش الكونغولي وتمدهم بالكثير من المعلومات المخابراتية، بفضل المصالح المشتركة وكالحرب بالوكالة للجماعات الأخرى التي تقاتل بالوكالة لصالح كل من رواندا وأوغندا. وقد سمحت تلك الظروف لكل من رواندا وأوغندا، بالتوغل مرات عديدة داخل بعض الأراضي الكونغولية، من أجل الحصول على الموارد الطبيعية، واستفاد البلدان من نهب الثروات الطبيعية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن ثم استمرت الدولتان في دعم الجماعات والحركات المسلحة.
من ناحية أخرى، تغض الكونغو الديمقراطية النظر عن التوسع الأوغندي في أراضيها مقابل سماح الجيش الأوغندي بإرسال السلاح إلى الهوتو والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا عن طريق المناطق التي تحتل أوغندا والجماعات المسلحة المدعومة منها. وفي بعض الأحيان يسعى كل من الكونغو وأوغندا للضغط والتأثير على بعض الشركات التي تعمل في مجال التنقيب التابعة لرواندا.
فيما تسعى جمهورية الكونغو الديمقراطية مرات عديدة من خلال اتفاقيات مع جارتها كيجالي لانتقال كيجالي إلى صفها، مقابل ذلك تتجاهل الكونغو صراعاتها معها على الموارد المعدنية ومصالحها الإقليمية في شرق البلاد.
وتبدو العلاقة بين كل من الكونغو الديمقراطية وأوغندا ورواندا، متوترة منذ الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا في عام 1994، خاصة بعد دخول أعداد كبيرة إلى كينشاسا من عرقية الهوتو الروانديين، المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد عرقية التوتسي، ولكن تحسنت العلاقة في عام 2019، بعد ما تولى الرئيس فيلكس تشيسيكدي الرئاسة في الكونغو الديمقراطية، ولكن تجدد أعمال العنف في شرق البلاد أعاد تأجيج التوترات بين الدول الثلاثة مرة أخرى.
لسوء الحظ، لا تؤدي هذه الاشتباكات فقط إلى نزوح جماعي لمئات الآلاف من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، ولكن أيضًا إلى توترات شديدة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، مما قد يعيق آفاق السلام والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى بأكملها وتهدد بالمنطقة بحرب إبادة جماعية مرة أخرى تعيدها للمربع الأول.