تسعى القوى المدنية السودانية مؤخرًا إلى لعب دورًا إيجابيًا في الأزمة، والبحث عن آليات لإيقاف الحرب؛ ومن ثَمَّ رسم ملامح المستقبل، بعد أن صمتت لوقت إزاء الحرب الجارية في البلاد منذ إبريل الماضي. وأول هذه المساعي، هي البحث عن توحيد الجبهة المدنية، خاصةً وأنّ انقسام القوى المدنية، والاستقطاب السابق على اندلاع الصراع، كان المحرك للصراع الجاري الآن.
ونظرًا للدور القوي للوسطاء في مستقبل التسوية السياسية في البلاد؛ تسعى القوى المدنية لفتح قنوات اتصال جديدة مع كافة الأطراف، والقوى الإقليمية والدولية، بحيث تضمن استمرار القوى المدنية طرفًا فاعلًا ضمن الأطراف التي ستجلس على مائدة التفاوض ما بعد الصراع، بعدما استثنت المعادلة الصراعية الطرف المدني لصالح الأطراف العسكرية المتحاربة، المفترض بها أن تضع رؤيتها، وشروط التسوية السياسية ما بعد الصراع.
حراك إقليمي
أجرى وفد الحرية والتغيير الموقع على الاتفاق الإطاري، والجبهة الثورية اجتماعًا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الرابع عشر من أغسطس الجاري، لمناقشة قضايا الحرب وآثارها، والبحث عن حلولٍ لتوحيد الجبهة المدنية، بهدف الضغط من أجل العودة لطاولة التفاوض. ووفقًا للمتحدث باسم قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي – جعفر حسن، فإنّ اجتماعات أديس أبابا عُقدت تحت عنوان ” إنهاء الحرب” وأنّ القضية الإنسانية، وتأمين الممرات الإنسانية على رأس المناقشات، بينما القضية الأخرى هي توحيد الجبهة المدنية لبحث قضايا سودان ما بعد الحرب.
وأوضح الهادي إدريس رئيس الجبهة الثورية، خلال الاجتماع ضرورة توحيد الجبهة المدنية، وأنّ اجتماعات القوى المدنية في أوغندا، وكينيا، ومصر ناقشت العديد من القضايا، لكن اجتماع إثيوبيا يركز على القضايا الإنسانية. ويأتي اجتماع القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري في إثيوبيا كجزء من حراك القوى المدنية؛ لتشكيل إجماع، لمعالجة القضايا الإنسانية، ووقف الحرب، ومن ثَمَّ معالجة مظالم الماضي، وبناء الوطن.
وقد سبق هذا الاجتماع زيارة أجراها وفد الكتلة الديمقراطية، للعاصمة الإثيوبية في الثامن من أغسطس الجاري، حيث أجرى الوفد لقاءًا مع ممثلي الاتحاد الأفريقي، وأعضاء الإيجاد، وبعض سفراء الدول الأجنبية لمناقشة إعادة اصطفاف القوى المدنية، والبحث عن مخرجٍ للأزمة. وقد تزامن حضور وفد الكتلة الديمقراطية في مصر مع وفد المجلس المركزي، في محاولة لتوحيد الصف، وتقريب المواقف بين القوى المنقسمة.
ويأتي هذا الاجتماع في أعقاب جولة إقليمية، أجرتها الحرية والتغيير، بدأت في الثالث من يوليو، شملت كلًا من جنوب السودان، وتشاد، والسعودية، وانتهت بالقاهرة. وقد بدأت الجولة من أوغندا حيث مقابلة الرئيس الأوغندي، الذي أكّد استعداد بلاده للوساطة من أجل إيجاد حل، وقد انقسم الوفد إلى فرق، منهم من ذهب إلى السعودية، ومن ذهب إلى تشاد، وكينيا، وجنوب السودان حتى الوصول إلى محطة القاهرة يومي 24 و25 يوليو الماضي. وأعقب تلك الجولة توجه وفد الحرية والتغيير إلى بروكسيل في السابع والعشرين من يوليو بدعوة من مفوضية الاتحاد الأوروبي، لمناقشة سبل إنهاء الحرب، وإحلال السلام، والتحول الديمقراطي في البلاد، وتعزيز جهود معالجة الأزمة الإنسانية.
وهناك حراك داخلي مماثل لتجميع القوى المدنية بكافة أطيافها، إذ كانت هناك محاولة للإعلان عن “إعلان مبادئ للقوى الثورية والمدنية في السودان” بمصادقة 75 منظمة مجتمع مدني، وجهات مدنية تستهدف تشكيل سلطة انتقالية تنفيذية، ومن جهة أخرى كانت هناك دعوة من مبارك الفاضل رئيس حزب الأمة للقوى السياسية لتوحيد صفوفها في مؤتمر جامع في شرق السودان، للتوافق على خريطة طريق العودة للمسار السياسي، وتشكيل الحكومة وحدةً وطنية، تنفذ برنامج اقتصادي لزيادة الانتاج، واعادة الإعمار والخدمات.
وقد سبق هذا الحراك الإعلان عن مبادرة أهل الشرق، لإحلال السلام وتوحيد الرؤى لما بعد الحرب، تتضمن قضايا إعادة الإعمار، وجبر الضرر؛ حيث ضمت هذه المبادرة عدد من الأحزاب، والإدارات الأهلية، والقادة المدنيين، وقد أعلن الناظر محمد الأمين ترك عن ملتقى لتوحيد الصف الوطني، تشارك فيه القوى السياسية والمجتمعية، والجماعات الدينية، وحركات الكفاح المسلح تحت شعار “وحدة الصف السوداني – استقلال القرار الوطني” بمدينة أركويت في شرق السودان، في مطلع شهر سبتمبر القادم.
أهداف مستقبلية
تدور كافة المساعي للقوى المدنية في التدخل، وإيجاد دور في الصراع الدائر بالبلاد، إذ تستهدف بشكل أساسي وقف الحرب، والضغط من أجل ضمان المساعدات الإنسانية كهدف أولي، يعقبه الحديث عن شروط، ورؤى السلام، وضمان توقيع اتفاق سلام شامل، بعد أن أخفق الاتفاق الإطاري في توحيد الصف.
وبرزت مساعي إشراك المدنيين في مفاوضات السلام في منبر محادثات جدة، بعدما أخفقت في حمل طرفي الصراع على الالتزام ببنود الاتفاق. تعالت أصوات أمريكية بضرورة توسيع الاتفاق، وضم القوى المدنية لاتفاق سياسي شامل فيما بعد الحرب، حتى لا تستأثر القوى العسكرية بصناعة القرار، وتنفرد القوى المسيطرة ميدانيًا على اتجاهات ما بعد الحرب.
ومن هنا بدأت القوى المدنية تستنهض قواها، وأجرت جولاتها الدبلوماسية الخارجية، لتزيح ستار الصمت الذي خيم على المشد منذ اندلاع الصراع، لتكشف عن موقفها مما يجري بالبلاد، من خلال توضيح رؤيتها وشرحها للأحداث في الجولات الإقليمية، في محاولة لحشد القوى الإقليمية المؤثرة، والقادرة على لعب دور في رعاية المفاوضات.
وهناك محاولة من القوى المدنية لتوحيد جهودها، وتخطي حالة الانقسام؛ فأصبح هناك حديث عن الاتفاق السياسي الإطاري كمرجعية يجب إعادة النظر فيها من أجل توسيع نطاق الاتفاق، وضم القوى التي تم اقصاؤها في السابق، مما عمّق حالة الانقسام، وفتح المجال للصراع العسكري الجاري.
وقد وعدت الحرية والتغيير- المجلس المركزي – خلال لقائها في القاهرة نهاية يوليو، بالانفتاح على كافة القوى المدنية، وبذل المزيد من المساعي واللقاءات، وفتح قنوات اتصال مع مختلف القوى المدنية التي لم تشارك في الاتفاق الإطاري، وتحديدًا قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية –، مما يفتح الباب خلال الفترة المقبلة أمام القوى المدنية، للضغط من أجل إيصال صوتها.
ويعد استهداف القوى الإقليمية بالنسبة للحرية والتغيير، هدفًا مرتبطًا بمدى قدرة الوسطاء على رسم ملامح الموقف التفاوضي المستقبلي؛ خشية أن تفقد القوى المدنية دورها لحساب تعالي أصوات القوى المتصارعة، مع استمرار مساعي قوى الجوار الإقليمي لبناء عملية تفاوضية شاملة، تشمل كافة أطراف المشهد.