اقترح الرئيس “عبدالفتاح السيسي”، خلال فاعليات القمة 33 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، استضافة مصر قمة لبحث تشكيل قوة إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب في الساحل والصحراء. ويأتي ذلك في ضوء تنفيذ مبادرة الاتحاد الإفريقي لإسكات البنادق 2020، وحرص مصر على تعزيز حالة السلم والأمن في القارة الإفريقية، انطلاقًا من مبدأ “الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية”، خاصة أن التهديدات الأمنية كانت أبرز التحديات التي واجهت القارة الإفريقية خلال العام الماضي الذي تولّت فيه مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، وهي التهديدات التي تعوق أيضًا خطة التنمية الإفريقية.
ولإحلال السلم والأمن ومجابهة التحديات الأمنية في إفريقيا، دعمت مصر جهود إعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات، وذلك بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الإفريقي، واستضافت مركز التنمية وإعادة الإعمار، فضلًا عن مشاركتها الفعّالة في عمليات حفظ وبناء السلام في القارة.
ومع تصاعد التهديدات الأمنية، وانتشار الإرهاب بالقارة، خاصة في منطقة الساحل، واجهت جهود حفظ السلام تحديًا جديدًا، خاصة مع اتجاه التنظيمات الإرهابية نحو إعادة التموضع في القارة الإفريقية، وهو ما دفع مصر إلى الاتجاه نحو مضاعفة الجهود لمواجهة التحديات الأمنية، فاستضافت المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب بالساحل، إلا أن تلك الجهود لم تكن كافية لاحتواء تلك التهديدات، ما دعا مصر إلى تشكيل قوة إقليمية للهدف نفسه.
ضرورة تشكيل قوة إفريقية مشتركة
تأتي دعوة مصر لتشكيل قوة إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب بسبب تصاعد التهديدات الإرهابية في القارة بشكل عام ومنطقة الساحل والصحراء بشكل خاص من جهة، وفشل الجهود الدولية في مجابهة تلك التهديدات من جهة أخرى، خاصة مع تزايد التنافس الاستراتيجي بين القوى الدولية المكافحة للإرهاب في تلك المنطقة الغنية بالموارد والمعادن، وتقديم مصالحها الاستراتيجية على أولوية مكافحة الإرهاب، ما فاقم من حجم التهديدات في كل من منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد والقرن الإفريقي، أو استمرارها على أقل تقدير.
وتعددت جهود مكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية، بدايةً من إطلاق فرنسا في عام 2013 عملية “سيرفال” في مالي وإعادة تجديدها في عام 2014 بعملية “برخان”، وصولًا إلى إعادة التفويض في الشهر المنصرم لإطلاق عملية “تاكوبا”، وذلك بجانب تشكيل دول الساحل الخمس قوة موحدة لمكافحة الإرهاب في عام 2017 “G5″، إذ اتفق قادة دول: مالي، وتشاد، والنيجر، وبوركينافاسو، وموريتانيا، على قرار تشكيل القوة التي ستتفرغ لمواجهة “الجماعات الجهادية” في المنطقة، وهي القوة التي حصلت على موافقة من مجلس الأمن الدولي، وإصدار قرار يسمح بتشكيلها، واعتمدت في جانب كبير من تمويلها على الاتحاد الأوروبي.
أضف إلى ذلك الوجود الأمريكي؛ إذ أُطلق في عام 2005 “الشراكة لمكافحة الإرهاب عبر الصحراء” (TSCTP)، وتضم كلًّا من: الجزائر، وبوركينافاسو، والكاميرون، وتشاد، ومالي، وموريتانيا، والمغرب، ونيجيريا، والنيجر، والسنغال، وتونس. وقد تطورت هذه المبادرة لتعزيز قدرات الدول المشارِكة في ظل الدعم الأمريكي المستمر، ومساعدة بعض الدول كالجزائر والمغرب، وذلك قبل أن تعلن الولايات المتحدة نيتها الانسحاب في ضوء استراتيجية أمنها القومي الجديدة.
فيما أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة في 2011 أسماها “الاستراتيجية الأمنية والتنموية للساحل”. وانطلقت هذه المبادرة بعد أن قتل تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” مواطنًا فرنسيًّا، فأنشأ مجلس الشئون الخارجية للبرلمان الأوروبي فريق عمل تمخَّضت عنه هذه الاستراتيجية، بمشاركة من المكتب التنسيقي لمكافحة الإرهاب للبرلمان الأوروبي. ناهيك عن مهام البعثات التابعة للأمم المتحدة، كمهمة حفظ السلام في مالي التي تضم 15 ألف جندي بينهم مئات الجنود الأوروبيين.
غير أنه بعد نحو سبع سنوات من انطلاق تلك الجهود، تفاقمت التهديدات الأمنية مع توغل “داعش” بدول الساحل، وتشابك التنظيمات الإرهابية والإجرامية، وتحالف “داعش” مع “القاعدة”، على نحو مبايعة “بوكو حرام” في نيجيريا لـ”داعش”. وتُشير هذه الدينامية وقدرة الجماعات على الاستقطاب والتمدد في المجتمعات الهشة؛ إلى فشل الجهود الدولية والإقليمية التي تقودها فرنسا، فحتى الآن لم تنجح قوات “برخان” ولا جيوش منطقة الساحل في هزيمة الإرهاب أو إضعافه في المنطقة.
وحتى الآن لم تصبح جيوش دول الساحل G5 مؤهلة لاستلام مهام قوة “برخان”، التي كان ضمن مهامها تدريب تلك الجيوش لقيادة جهود الحرب على الإرهاب، ولهذه المهمة افتتحت فرنسا معسكرين للتدريب في كلٍّ من مالي وبوركينافاسو في 2018.
ويبدو أن الخلط بين أهداف مكافحة الإرهاب وتثبيت الأهداف الاستراتيجية للدول الكبرى في تلك المنطقة زاد من تعقيدات المهمة وحدّ من فاعليتها، حيث يُشير الوضع الحالي إلى عدم فاعلية القواعد العسكرية الفرنسية والأمريكية والصينية المقامة في كلٍّ من مالي والنيجر وكوت ديفوار وبوركينافاسو وتشاد، على النحو الذي أضحى فيه وجود تلك القواعد يمثل تنافسًا استراتيجيًّا بين تلك الدول بدلًا من أن يمثل تحديًا حقيقيًّا أمام تمدد التنظيمات الإرهابية.
ويزيد من تعقيد الوضع في المنطقة هشاشة الدول الوطنية التي تُعاني ضعفًا وهشاشة في الحدود، فضلًا عن ضعف المؤسسات والهياكل الأمنية والجيوش الوطنية، وهي التحديات التي بحاجة إلى مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب ودعم جهود السلام في المنطقة، تأخذ في اعتبارها الخصوصية المحلية لتلك المجتمعات والاحتياجات التنموية والاجتماعية بدلًا من الجهود الدولية التي ترتكز على الأبعاد الأمنية فقط، والتي لم تنجح بعدُ في إحراز أي تقدم.
وتكشف تلك التحديات عن منطق المنطلقات المصرية لتشكيل قوات إفريقية مشتركة لدعم جهود مكافحة الإرهاب في الساحل، وهي المنطلقات التي تتسق مع أهداف التنمية الإفريقية، التي ترتكز ليس فقط على مبدأ “الملكية الوطنية للتنمية”، ولكن أيضًا على مبدأ “الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية”، وهي المنطلقات التي تتقاطع مع بعض اتجاهات واقترابات بناء السلام، التي ترى أن المجتمعات المحلية هي الأجدر ببناء السلم وتحقيق التنمية، باعتبارها الأعلم بطبيعتها واحتياجاتها بدلًا من الحلول والنماذج الجاهزة التي تُصدّرها الدول والمؤسسات الدولية.
وتتجلّى تلك الأهداف ليس فقط في رغبة مصر في أن تكون جهود مكافحة الإرهاب جهودًا إفريقية، وإنما أيضًا تسعى مصر لأن تكون عمليات حفظ وبناء السلام في القارة إفريقية خالصة، بدلًا من البعثات الأممية التي تُشكّلها الأمم المتحدة. ويتزامن ذلك أيضًا مع الجدل الدائر بشأن اعتماد الدول الإفريقية على ذاتها في جهود مكافحة الإرهاب.
القوة الإفريقية المشتركة في الخبرة الإفريقية
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تطرح فيها مصر تشكيل قوة إفريقية مشتركة، ففي نهاية عام 2016 وعلى هامش القمة رقم 26 للاتحاد الإفريقي، أعلن السفير المصري لدى إثيوبيا استعداد مصر لتولي ملف “تشكيل قوة عسكرية إفريقية مشتركة في شمال إفريقيا”. ولم تكن حينها المرة الأولى التي طُرحت فيها الفكرة؛ إذ ترجع الفكرة إلى وزير الخارجية الأمريكي الذي طرح الفكرة في عام 1996، وذلك لإيمانه بضرورة اعتماد الأفارقة على أنفسهم في مكافحة الإرهاب، وهي الفكرة التي لاقت قبولًا من جانب الشركاء الدوليين في مكافحة الإرهاب.
ومع تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 2002، ووضع المنظومة الأمنية الحاكمة له، طُرحت فكرة القوى الإفريقية المشتركة ضمن المنظومة الأمنية الحاكمة له، بجانب مجلس السلم والأمن الإفريقي، وآلية الإنذار المبكر، وصندوق دعم السلام، ومجلس الحكماء. ومنذ ذلك الحين ظلت مسألة تشكيل القوة الإفريقية المشتركة محل خلاف بين الدول الإفريقية، التي تشهد أيضًا خلافات وصراعات بينية، وليس فقط التهديدات الداخلية. وتم إرجاء التباحث بشأن الفكرة إلى أن أعادت مصر طرحها مرة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن تلك القوة الإفريقية المشتركة كان من المفترض لها أن تتشكل من خمسة ألوية عسكرية تشمل كافة الأقاليم الفرعية للقارة؛ شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا ووسط إفريقيا. وحتى الآن لم يتم إحراز أي تقدم ذي شأن في اتجاه تأسيس تلك القوة.
ومع تصاعد التهديدات الأمنية والإرهابية، وتزايد التدخل الخارجي، الذي لم يؤدِّ إلا إلى مزيد من الانقسام على مناطق النفوذ؛ اتجهت مصر مرة أخرى نحو طرح فكرة تشكيل قوة إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وهي الفكرة التي تتقاطع مع فكرة تشكيل القوة الإفريقية الجاهزة سريعة الانتشار، وهي لواء ضمن الألوية الخمس المزمع عقدها، حال الاتفاق على منطق تشكيلها.
تحديات تشكيل القوة الإفريقية المشتركة
وعلى الرغم من الضرورات الدافعة نحو تأسيس مثل تلك القوة؛ إلا أنه لا تزال التحديات الدافعة نحو تشكيل تلك القوة هي التحديات ذاتها التي تعترض سبيل تأسيسها.
وفي ظل الجدل السائد من قبل الشركاء الدوليين بشأن ضرورة اضطلاع الأفارقة بدورهم في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجههم، فضلًا عن الرغبة والرؤية الإفريقية في ملكية الحلول والتنمية؛ توجد مساعٍ بالفعل في هذا الصدد، مثل: مبادرة دول حوض بحيرة تشاد، التي نُفذت بالفعل ولم تؤتِ ثمارها، بجانب التفكير من جانب دول غرب إفريقيا في إطار منظمة الإكواس في تشكيل قوة إقليمية خاصة لمكافحة الإرهاب، في اجتماعها رقم 49 للمنظمة، في داكار، ولم يُكلل هذا الطلب بخطوات جادة من صناع القرار في المنظمة، على نحو يعكس التحديات التي تعوق عمل قوات إقليمية مشتركة لمكافحة الإرهاب، والخلافات البينية في الرؤى بين الدول الإفريقية، وفي الوقت ذاته تفشل الجهود الدولية، وهو ما يعكس حجم التحديات في هذا الصدد، وضرورة تغلب الدول الإفريقية على تلك التحديات من أجل إنجاح المبادرات الإقليمية، وتحييد التدخلات الدولية غير الفعّالة في هذا الصدد. ونشير فيما يلي إلى أبرز هذه التحديات:
1- تحديات موضوعية
يُواجه تشكيل قوة إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب جملة من التحديات الموضوعية، التي اعترضت تشكيلها منذ وضع بنية السلم والأمن في القارة، وتشكيل مجلس السلم والأمن الإفريقي، دون الوصول إلى التصور المقترح بشأن تلك القوة. ويعود ذلك في جزء منه إلى طبيعة الموضوع في حد ذاته، وصعوبة الوصول إلى إجماع بشأن طبيعة تلك التهديدات، ليتعين التعامل معها.
أ- طبيعة التهديدات
يُعد الوقوف على طبيعة التهديدات من أهم المعوقات للوصول إلى صيغ توافقية لمجابهة تلك التهديدات. فعند الحديث عن قوات مشتركة لمكافحة الإرهاب، يعيدنا ذلك للرؤية الإفريقية للقوات الإفريقية الجاهزة سريعة الانتشار. وعند وضع منظومة السلم والأمن مع تأسيس الاتحاد الإفريقي، ووضع تصور حول تشكيل تلك القوة، كان التهديد الأبرز هو الصراعات المسلحة، وإن كان التهديد الإرهابي قد بدأ في اجتياح القارة وقتذاك. كما أن مشاركة الدول الإفريقية حينها في جهود مكافحة الإرهاب الدولية، كانت وفق الرؤية الدولية لتعريف الإرهاب، وليس من منطلق تصور إفريقي حول ذلك التهديد؛ إذ كانت القارة مسرحًا للمواجهة بين التنظيمات الإرهابية والقوى الأكبر أكثر من كونها المستهدف الأول.
أضف إلى ذلك أن التهديدات الأمنية والصراعات لم تكن ذات طبيعة واحدة في كافة الدول الإفريقية، حتى وإن كانت بدوافع وأنماط متشابهة، وربما ذلك ما كان يعوق مهام قوات حفظ السلام الإفريقية والأممية، التي تعاملت بمنطق واستراتيجية واحدة مع كافة أنماط الصراعات.
ومع تفاقم التهديدات وتشابكها، والتداخل بين الصراعات المسلحة والتهديدات الإرهابية، وبروز حاجة ملحة لمواجهة تلك التهديدات برؤية جديدة؛ برزت الحاجة إلى إعادة النظر في منطق وطبيعة التدخلات والقوات التي تتعامل مع تلك التهديدات. ولم ترتبط تلك المشكلة بقوات حفظ السلام الأممية فقط، لكن القوات التابعة للاتحاد الإفريقي كانت تعمل أيضًا بالمنطق نفسه، وربما كانت مهام البعثة في الصومال أول مهمة فوضها الاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب بجانب حفظ السلام.
أيضًا من القضايا التي تثير التساؤل حول التداخل في الاختصاص هي طبيعة وحدود الدور، خاصة أن دول الساحل تعاني من صراعات مسلحة وتراجع لقدرات الدول على بسط وإحكام قبضتها الأمنية على مناطق الدولة، وانهيار مؤسساتها، وضعف التنمية، وتراجع القدرات التوزيعية للدولة. وبالتالي فمن هو المسئول عن القيام بهذا الدور؟ هل هي دول إفريقية مستقرة من خارج إقليم الصحراء تقود عملية إرساء السلم، خاصة مع فشل تحالف دول الساحل والصحراء في هذا الشأن، إذ إنها تعاني من ضعف هيكلي بالأساس. كما أن اقتصار دورها على مكافحة الإرهاب فحسب يظل محل تساؤل، في ظل فشل كافة المقاربات الأمنية، دون تبني رؤية شمولية تأخذ الاعتبارات التنموية في حسبانها.
ب- تداخل الاختصاصات
إن طبيعة ومنطق القوات المشتركة بحاجة إلى إعادة نظر، سواء في إطار قوات حفظ السلام الإفريقية، أو القوات الإفريقية الجاهزة سريعة الانتشار، وضرورة معرفة حدود وطبيعة عمل كلٍّ منهما، خاصة أن مهام حفظ السلام تنطوي في جزء منها على مكافحة الإرهاب، وطبيعة ومنطق القوات سريعة الانتشار هو مجابهة كافة التحديات الأمنية بكافة صورها، فضلًا عن وجود مهمات لحفظ السلام في المنطقة بالأساس، وهو ما يدعو لتجنب الازدواجية في المهام، خاصة أنها بحاجة لتفويض من الاتحاد الإفريقي غير ذلك الذي يمنحه لقوات حفظ السلام بمكافحة الإرهاب، مثلما حدث في الصومال.
وتُثار أيضًا معضلة الخلاف والتداخل بين الجهود المختلفة في هذا الشأن. فهل سيتم استبدال القوات الدولية ومهام حفظ وبناء السلام الإقليمية والدولية، وقوات مكافحة الإرهاب بتلك القوة؟ أم ستعمل جنبًا إلى جنب، باعتبارها جهدًا ضمن جهود متعددة في هذا الصدد؟
ج- توافق إرادات الدول الأعضاء
تتطلب الجهود المشتركة توافق إرادة الدول الأعضاء حول الهدف والآلية التي يتم من خلالها مكافحة الإرهاب، خاصة أن هناك الكثير من التعارض والخلاف بين الدول، ليس فقط على مستوى التصورات بشأن مكافحة الإرهاب، وإنما هناك خلافات سياسية وعدم توافق في المصالح قد يؤثر على إمكانية الوصول إلى رؤية توافقية في هذا الصدد.
وليس أدلّ على ذلك الخلاف من موقف السفير المغربي في القمة الأخيرة، تعليقًا على مقترح القوة المشتركة، الذي أوضح أن وجود إطار جامع وتصور عام تعمل وفقًا له قوات مكافحة الإرهاب أفضل من وجود قوات إفريقية مشتركة، مع الأخذ في الاعتبار أن المغرب من الدول الشركاء في مكافحة الإرهاب في الساحل، والدول التي يرتبط أمنها بأمن الساحل، فما بالنا بالدول التي لا تقع في مقدمة التهديد.
د- الموارد والتمويل
تُثار مسألة التمويل في ظل القدرات التمويلية المحدودة للاتحاد الإفريقي، وبالتالي فإن مبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية يواجه معضلة التمويل، فضلًا عن ضعف القدرات التمويلية للدول التي تواجه تحدي الإرهاب. وللتغلب على معضلة التمويل، فإن الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية بحاجة إلى دعم القدرات التمويلية عبر مجلس السلم والأمن، ومن ثم فإنه يتعين أن يأذن للقوة المشتركة لدول منطقة الساحل بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة من أجل ضمان التمويل الكافي للقوة وتمكينها واستدامتها.
ويدفع هذا نحو ضرورة التعاون بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في هذا الصدد، فوفقًا لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فكي”، في آخر اجتماع لمجلس الأمن الدولي بدعوة من روسيا في سبتمبر الماضي، سوف يتم حلول كافة المشاكل الإفريقية بجهود إفريقية وموارد إفريقية، إلا أنه أكدّ -في الوقت ذاته- أن تلك الرؤية لا تعفي مجلس الأمن الدولي، المسئول الحقيقي الوحيد عن السلام في العالم، من التزاماته في تولي تمويل هذه العمليات من الموارد المناسبة للمنظمة العالمية. وتعكس هذه الرؤية أن الأفارقة لا يزالون في حاجة إلى الشركاء الدوليين، وفي حاجة إلى التمويل، فضلًا عن التدريب والدعم الفني واللوجيستي، وأن فكرة ملكية الحلول لا تزال مقيدة بتحديات كثيرة. ويبقى التحدي الأهم هنا هو كيفية الموازنة بين مشاركة الشركاء الدوليين، وبين وضع أطر تنظيمية حاكمة تحكم عمل القوات الدولية بما لا يتعارض مع الأولويات الإفريقية، والحفاظ على استقلاليتها.
2- تحديات تنظيمية
بجانب تلك التحديات التي تعترض منطق تشكيل تلك القوة، تثار مجموعة من التحديات التنظيمية والإجرائية التي تُنظّم عمل تلك القوة، فضلًا عن التحديات التنظيمية التي تنجم عن التحديات الموضوعية ذاتها، على النحو التالي:
أ- البنية التشريعية: تواجه جهود مكافحة الإرهاب تحديات على الجانب التشريعي والقانوني على المستوى الوطني للدول الأعضاء، وأيضًا على المستوى القاري؛ إذ تفرض البنية التشريعية قيودًا تحد من فاعلية جهود مكافحة الإرهاب، وهو الوضع الذي يستدعي بالضرورة إصلاح المنظومة التشريعية لتلك الدول بما يتوافق مع متطلبات مكافحة الإرهاب.
ب- تحديات هيكلية: تُشير التحديات الهيكلية التي تعتري بنية الدولة نفسها، جرّاء عدم الاستقرار السياسي وضعف الجيوش الوطنية، وانهيار المؤسسات والهياكل السياسية والأمنية؛ إلى أننا إزاء تحدٍّ هيكلي يحد من أهلية أو فاعلية الدولة الوطنية في تولّي زمام الأمور في هذا الشأن، بل هي في حاجة إلى مساعدة لاستعادة سيادة الدولة ذاتها، خاصة في حالة إنهاك الدول بالصراعات، وضعف الحكومات المركزية في الكثير من الحالات الإفريقية، فضلًا عن هشاشة الحدود وانتشار الجريمة المنظمة، وتجارة الأسلحة والتعدين غير النظامي وغيره. ويدفع هذا نحو ضرورة تعزيز الإجراءات القانونية، بما يُسهم في توفير الدعم الفني، وبرامج لبناء القدرات في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء، وتبادل أفضل الممارسات في هذا الشأن، وتعزيز الرقابة على الحدود، ودعم الجيوش الوطنية، وإعادة بناء المؤسسات. وبالفعل تم إقرار مشروع لائحة خاصة بمعالجة البيانات للنظام الإفريقي للاتصال الشرطي (الأفيسكوم).
ج- بنية القوة المشكّلة نفسها: تثير بنية القوة المشكلة من حيث حجمها ونوعية تسليحها وتدريبها جملة من التحديات؛ من بينها ضعف الجيوش الوطنية ذاتها، فضلًا عن الفروق بين جيوش تلك الدول من حيث الحجم والتسليح والقوة، وذلك حال وجود جيش غير منهك بالصراعات المحلية بالأساس. فضلًا عن ذلك، تثير مسألة الخلاف بين الدول الإقليمية معضلة القيادة والتنظيم والتنسيق الميداني في إطار تلك القوة.
ويُثير ذلك تساؤلًا حول منطق وطبيعة القوات الإفريقية المشتركة في الساحل والصحراء. هل هي قوات مرحلية لمهمة بعينها وتنتهي مع انتهاء المهمة، شأنها شأن مهمات حفظ السلام، وقوات دول بحيرة تشاد التي شُكلت لهذا الشأن أيضًا، والتحالف الذي تقوده فرنسا؟ أم أنها بنفس منطق القوات سريعة الانتشار، التي تشكل على نحو دائم، للتعامل مع أي تهديد في أي توقيت، ويمكننا اعتبارها لواء ضمن ألوية القوات الإفريقية الجاهزة سريعة الانتشار؟ وإذا تمّ تشكيلها كلواء عسكري، فإلى أي منطقة جغرافية يتبع، هل لواء الوسط أم الغرب أم الشمال؟ وهل عضوية تلك الألوية من دول الإقليم ذاته، أم يمكن أن تنضم إليها قوى من إقليم آخر في حال ضعف دول الإقليم عن الوفاء بمتطلبات الدفاع عن إقليمها؟.
د- الولاية والتفويض: تثير سلطة الولاية والتفويض جدلًا في إطار مهام قوات حفظ السلام، والتساؤل حول ضرورة موافقة الدولة نفسها التي تشهد تهديدًا، أم أن التفويض يئول إلى المنظمة الإقليمية أو الدولية، وهو الجدل الذي يمتد أيضًا إلى تشكيل وتفويض قوات مكافحة الإرهاب، خاصة وأنه تم تجاوز إشكالية موافقة الدولة حال انهيار هياكل الحكم بها. إلا أنه عند الحديث عن تفويض الاتحاد الإفريقي أو مجلس السلم والأمن لقوات مثل تلك القوات المقترحة، فمن المسئول عن التفويض بتشكيل تلك القوة، حتى وإن فوّض الاتحاد الإفريقي بتشكيلها، فلا يوجد إجماع بين كافة الدول الأعضاء لتشكيل مثل تلك القوة، حتى وإن وجدنا إجماعًا من دول مجموعة “G5” للدور الفرنسي، فهل سيكون هناك نفس الإجماع حول تشكيل قوات إفريقية؟ وإذا وُجد هذا الإجماع، فماذا عن باقي الدول خارج نطاق دول مجموعة الساحل أصحاب المصلحة والمعارضين للفكرة، على نحو ما تجلى في موقف السفير المغربي على هامش القمة الأخيرة؟. وربما يُرجعنا ذلك إلى النقطة السابقة بشأن التصور العام والتوافق الإقليمي بشأن طبيعة التهديدات.
التحديات السالفة تدفع نحو ضرورة توافر الإرادة التي تعمل للدفع باتجاه إنجاح فكرة القوة الإفريقية المشتركة، بغض النظر عن الموقف من قوة الانتشار السريع، أو قوات حفظ السلم، أو بنية السلم والأمن برمتها. فلا بأس من أن يتم تشكيل تلك القوة بصفة مؤقتة، لدعم دول الساحل التي تعاني تحديات هيكلية وأمنية عديدة كما أسلفنا، وهي التحديات التي يتعين ليس فقط على مجلس السلم والأمن مواجهتها، وإنما أيضًا على شركاء التنمية والشركاء الإقليميين، وتقع مصر في مقدمة هؤلاء الشركاء، متقدمة على فرنسا وغيرها من الدول، ليس فقط لالتقاء مصالحها وارتباط أمنها بأمن تلك الدول المجاورة لها فحسب، وإنما لروابط الانتماء الإفريقي أيضًا. ويأتي ذلك مع تعثر الجهود الفرنسية والدولية من جانب، والجانب الأهم، هو جمع مصر حاليًّا بين عضويتها بمجلس السلم والأمن الإفريقي عن دول الشمال، وعضوية لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة، بصفتها نائب رئيس اللجنة، مما يعزز من موقف مصر في إيلاء المزيد من الجهد في هذا الصدد، والعمل كهمزة وصل بين المنظمتين من أجل بذل مزيد من الجهود لمكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل. وعقب تجاوز تلك التحديات، يمكن حينها إعادة النظر في مدى استدامتها، ودعم بنية السلم القارية على نحو مستدامٍ.