تتحول المنطقة إلى مسرح عمليات لمناورات عسكرية على نحو شبه دائم، وتبدو منطقة الخليج هي الأكثر ازدحامًا بجدول المناورات، فخلال شهر مارس الجاري 2021 أجرت السعودية 4 مناورات عسكرية؛ الأولى المناورة الجوية مع اليونان (عين الصقر 1 في قاعدة سودا الجوية)، والثانية (مخالب الصقر -3) وهي مناورة برية مع الولايات المتحدة بالمنطقة الشمالية الغربية، والثالثة (القرش -21) وهي مناورة بحرية مشتركة مع فرنسا، والرابعة (فلك -4) وهي مناروة بحرية أيضًا في نطاق البحر الأحمر بالمشاركة مع السودان. كما أجرت البحرين مناورة “فجر العواصف” البحرية، بينما أجرت الإمارات مناورة “علم الصحراء 2021” الجوية. وتعد الولايات المتحدة هي القاسم المشترك في أغلب تلك المناورات في الخليج، بينما أجرت مناورة مشتركة منفصلة في بحر العرب وبحر عمان بمشاركة كل من فرنسا واليابان وبلجيكا، بالتزامن مع إجرائها مناورات في شرق المتوسط أعقبها تمركز لحاملة الطائرات النووية “يو إس إس أيزنهاور” في جزيرة كريت اليونانية، كما أجرت تدريبًا مع المغرب، وآخر مع الأسطول الجنوبي المصري في البحر الأحمر، أعقبه إجراء التمرين البحري المصري الفرنسي (كليوبترا 2021).
يطرح هذا السياق تساؤلًا مباشرًا: هل يتم تجهيز المسرح الإقليمي لحرب؟ فلم يسبق أن شهدت المنطقة منذ حرب الخليج الأولى هذا الكم من المناورات العسكرية، حيث تجري 10 تمرينات عسكرية في الوقت نفسه. كما يبدو الانتشار العسكري الأمريكي هو الانتشار الأكثر اتصالًا بين مسارح العمليات في الشرق الأوسط، حيث يمتد من شرق المتوسط حتى الخليج العربي مرورًا بالبحر الأحمر وبحر العرب وبحر عمان، مع انخراط كافة التشكيلات العسكرية البرية والبحرية والجوية في تلك المناورات، بالإضافة إلى نشر حاملة الطائرات النووية الأمريكية “يو إس إس أيزنهاور” في شرق المتوسط في قاعدة “سودا” بجزيرة كريت اليونانية، التي شهدت إجراء مناورة جوية شاركت فيها السعودية، وبعد أن كان قد تم الإعلان عن سحب حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” مطلع العام تم التراجع عن هذا القرار، بينما تشارك حاملة الطائرات شارل ديجول الفرنسية بالإضافة إلى السفينة الهجومية البرمائية «يو إس إس ماكين آيلاند». وتشارك أيضًا الفرقاطة البلجيكية «ليوبولد» والمدمرة اليابانية «أرياكي» والعديد من الطائرات من كافة تلك الدول المشاركة.
بروفة حرب
يحاكي هذا الوضع الإقليمي غير المسبوق “بروفة حرب” في المنطقة، فبالإضافة إلى دلالات الانتشار وكثافة المناورات يبدو من اللافت أن التمرين الأكبر بين تلك التمرينات يحمل اسم “الحرب في بحر العرب“، وهو مسمى يحمل دلالة هامة، وبالتالي قطعًا يمكن القول إن مسرح العمليات يتجهز حاليًا لحرب يتم الاستعداد لها. وهناك عدد من المؤشرات الهامة التي تستدعي التوقف عندها وهي:
١. التلويح بالحرب: من الواضح أن اتباع أسلوب الردع التقليدي في إطار الانتشار العسكري وإجراء تمارين عسكرية من آن لآخر لم يردع إيران التي تواصل استهداف السعودية عبر دعمها للمليشيا الحوثية التي استهدفت المنشآت النفطية لأرامكو في الظهران والدمام والخبر، واستهدفت أكبر ميناء نفطي في “رأس تنورة” بهجمات بطائرات دون طيار وصورايخ باليستية، وبعد أسبوعين تعرضت مصفاة تكرير النفط في الرياض لهجمة أخرى، وأظهرت الولايات المتحدة أن صبرها بدأ في النفاد على حد قول وزير الخارجية “أنتوني بلينكين، ويبدو أن خطوة عرض اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن ضمن المبادرة التي تقدمت بها السعودية (22 مارس 2021) ورفضتها المليشيا الحوثية كانت بمثابة الخطوة قبل الأخيرة قد التلويح بخيار الحرب. قد تكون الملاحظة الجديرة بالاهتمام -في هذا الصدد- أن السعودية أجرت مناورات في المنطقة الشمالية، التي قد تتعرض لاستهداف من العراق، وأيضًا من الخليج بالمشاركة المتعددة البحرية والجوية والبرية مع الإمارات والبحرين في اتجاه الخليج، بالإضافة إلى المناورات التي تجري جنوبًا في البحر الأحمر.
٢. تحالف دولي قيد التشكل: بالإضافة إلى القوي الخليجية التي تستعد على مسارح عملياتها بشكل مشترك ومتزامن فيما بينها (السعودية والإمارات والبحرين)، يلاحظ أن الولايات المتحدة تستدعي شركاء جدد (اليابان وبلجيكا وكوريا الجنوبية)، وهي مشاركات تحمل دلالات هامة، منها أن بلجيكا بالإضافة إلى فرنسا التي تشارك بقوتها البحرية تمثل رمزية لمشاركة أوروبية، بينما مشاركة كوريا الجنوبية واليابان والهند قد تمثل مشاركة في تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة يتم حشده ضمن بروفة الحرب.
٣. حرب متعددة الجبهات: تضمنت المحاكاة المتزامنة لجدول المناورات التعامل مع مسرح عمليات الشرق الأوسط، بما يتوقع معه أن تشن إيران التي تستهدفها كافة هذه المناورات الحرب على جبهات متعددة تشهدها كافة مناطق التمرينات الجارية، في ظل توقع قيام الوكلاء بهجمات في العراق واليمن ولبنان وسوريا، مع ملاحظة أن معظم الأدوات المشاركة في التعبئة الحالية هي أدوات هجومية من حاملات طائرات ومقاتلات ومدمرات يمكنها التعامل مع بنك أهداف واسع في المنطقة، مع ملاحظة أن التركيز على “منطقة بحر العرب” بما يعني أن الانتشار لن يكون في الخليج على النحو الذي شهدته حروب الخليج السابقة، فنشر قطع عسكرية في الخليج قد يكون هدفًا لوابل من الصواريخ الإيرانية.
السيناريو التالي
على الأرجح رفعت الولايات المتحدة وحلفاؤها مستوى التصعيد في مواجهة إيران، في ظل غياب البدائل الاستراتيجية، ففي العام الماضي كانت الحركة الأمريكية تجاه إيران مع أوسع انتشار لحاملات ناقلات الطائرات في الخليج، كانت أدوات الحرب موجودة لكن لم يكن هناك خيار للحرب، ويبدو أن هذا الخيار بات موجودًا في إطار التلويح بالحرب، وعدم مبادرة إيران بخطوة مقابلة للمبادرة الأمريكية بالعودة إلى الاتفاق النووي، وبالتالي بات خيار الحرب على الطاولة، لكن لا يعني في الوقت ذاته أن الحرب قد تندلع في اليوم التالي في سياق عدد من المؤشرات، منها على سبيل المثال:
- اختيار بحر العرب كمسرح عمليات رئيسي لإدارة الحرب ينطوي على أن تلك الحرب ستكون بالأساس حرب صواريخ ومقاتلات طويلة المدى، كما أن الانتشار على مسرح العمليات على النحو السابق ذكره يؤكد دقة حالة الاستعداد، لكنها في الوقت ذاته تنطوي على مغامرة كبيرة، في ظل نشر قواعد صورايخ بطول الساحل الإيراني وعلى خطوط هجوم متقدمة مثل جزيرة “سيريك” عند النقطة صفر تقريبًا، بالإضافة إلى إعلان طهران عن إنشاء مدينة “صواريخ” تحت الأرض هي الثانية من نوعها تقريبًا، بالإضافة إلى التغطية، إضافة إلى نشر نظام دفاعي متعدد الطبقات في مقر خاتم المرسلين، ما يرجح فرضية أن إيران هي الأخرى تبدي استعدادًا لسيناريو هجومي واسع من الخليج سيتم الرد عليه بوابل من الصواريخ والطائرات دون طيار، ستعتمد على أن عددًا كبيرًا منها يمكنه الوصول إلى بنك أهداف في منطقة الخليج، وذلك بالإضافة إلى القوة البحرية الهجومية الهائلة.
- على الرغم من أن إيران لم تعر أي اهتمام للبدائل الاستراتيجية التي تطرحها الولايات المتحدة، وحتى السعودية، لكن هناك تحركات روسية–صينية تسعى على الأرجح إلى كبح سيناريو الحرب، فقد طرحت الصين في الفترة التبادلية بين الإدارتين (ترامب – بايدن) مشروع إقامة منتدى إقليمي للحوار حول القضايا الأمنية بعد عودة الولايات المتحدة لاتفاق (5+1)، وبالتزامن مع تلك المناورات التي تشهدها المنطقة قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بجولة في الخليج أعقبتها زيارة إلى الصين.
في الأخير يمكن القول إن التلويح بخيار الحرب أصبح الآن على الطاولة إلى جانب خيار التسوية المطروح، مما سيرجح أي خيار منهما الخطوة التالية، مدى قدرة الأطراف على ضبط الأمور والحيلولة دون خروجها عن السيطرة، بالإقدام على خطوة متهورة، فمن المعتقد أن إقدام طهران على هجوم واسع مرة أخرى على السعودية على نحو ما فعلت مرتين هذا الشهر قد تشعل شرارة الحرب، كما أن مبادرتها نحو خيار التسوية أصبحت تقتضي أن تخطو خطوة مقابلة نحوها، وقد يكون رفض المبادرة السعودية لوقف الحرب في اليمن قرارًا سيئًا لكنه لن يكون الخطوة الأولى لإشعال الحرب، لكن سيتعين عليها أن تبادر على الأقل لخفض التصعيد حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة بالفعل وتشتعل حرب في الإقليم ستدفع كافة الأطراف كلفتها.