تؤكد إيران تركيزَها وتصميمها على تنفيذ أهدافها الإقليمية، ولذلك تعمل على توظيف الظروف المحيطة دائمًا بما يخدم هذه الأهداف. وتواجه إيران تداعيات الأزمة الناتجة عن مجموعة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم بين إيران ومجموعة 5+1 في عام 2015. لكن من المتوقع أن تؤدي أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد إلى انعكاسات كبيرة على الوضع الداخلي أو السياسة الخارجية الإيرانية، وعلى إدارتها للأزمة النووية بصفة عامة، وهو ما يمكن توضيحه في النقاط التالية:
1- ستتيح هذه الأزمة للنظام الإيراني إحكام سيطرته على الأوضاع الداخلية في مواجهة كافة قوى المعارضة، التي نجح النظام الإيراني في تشتيتها وعدم تماسكها، وستعطي مساحة أوسع لنفوذ الحرس الثوري وأجهزة الأمن الإيرانية. كما أن الانشغال بالحياة اليومية والأعباء الاقتصادية المرجحة، وتزايد اعتماد البطالة؛ سوف يكون عاملًا يستثمره النظام لفرض مزيدٍ من السيطرة على الأوضاع؛ بحيث يمكن القول إن فرص المعارضة أو المظاهرات ستكون أقل عن سابقتها.
2- أن النظام الإيراني سوف يواصل الخروج عن ضوابط البرنامج النووي الإيراني تقديرًا منه لانشغال الولايات المتحدة وأوروبا بتداعيات جائحة كورونا المستجد، وفي ظل اقتناع زائف لدى قادة النظام، وعلى رأسهم المرشد الأعلى “علي خامنئي”، بتراجع الدور العالمي للولايات المتحدة الأمريكية. ويرجح هذا التوجه الإيراني أيضًا عجز وكالة الطاقة الذرية عن القيام بعمليات تفتيش تراقب بها اختراقات إيران على هذا المستوى في التوقيت الحالي.
3- من المتوقع تضرر الاقتصاد الإيراني جراء العقوبات القصوى التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، وكذلك تزايد الأعباء الاقتصادية على إيران بفعل مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث تشير التقديرات إلى زيادة انكماش الدخل القومي الإجمالي بنسب تصل إلى 5%، كما سيزداد العجز التجاري، على الأقل على المدى القصير، حيث تقل قدرة إيران على التصدير بينما تنمو حاجتها إلى استيراد السلع الطبية والأساسية.
ولذلك، قد يكون من المفترض أن تضعف قدرة إيران على تمويل الأذرع التابعة لها في دول المنطقة. غير أنه بالنظر إلى ما يحدث في مناطق الأزمات التي تمتد فيها تلك الأذرع الإيرانية، من المرجح أن تُعطي إيران أولوية لدعم نفوذها في تلك الدول، خاصة في العراق واليمن وسوريا لاستثمار ذلك في دعم الدولة الإيرانية وسياستها الخارجية؛ بحيث يمكن القول إن الأزمة اليمنية لن تذهب إلى الحل رغم كل الجهود المبذولة ووقف إطلاق النار إلا بتحقيق تفاهمات إقليمية مع إيران. كما أن النفوذ الإيراني الممتد في العراق سوف يتواصل، حيث تكشف تعقيدات تشكيل الحكومة العراقية عن مراهنة إيران على تثبيت نفوذها كمتغير استراتيجي، بالإضافة إلى إعادة انتشار القوات الإيرانية في جنوب سوريا في الفترة الأخيرة متجاوزًا الاتفاق الضمني السابق بين أطراف التأثير في الأزمة السورية على ابتعاد الوجود الإيراني عن الحدود الإسرائيلية.
4- رغم محاولة الولايات المتحدة الاستفادة من الارتباك الإيراني في إدراة أزمة جائحة كورونا، للدفع بإيران للتوجه للتفاوض في سبيل تسوية الأزمة النووية، لكن ليس من المتوقع حدوث ذلك. فقد صرح الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في مؤتمر لاتحاد المحافظين الأمريكيين: “إذا استطعنا مساعدة الإيرانيين في هذه المشكلة، فسنقوم بذلك بالطبع، لكن كل ما عليهم فعله هو طلب ذلك”. ورغم هذا التوجه الأمريكي المعلن والذي دفع الولايات المتحدة لعرض مساعدات إنسانية على إيران، فإن إيران تدرك أن الولايات المتحدة لا تريد تصعيدًا يصعب التحكم فيه أو توجيهه في الوقت الراهن نظرًا لأنه عام الانتخابات الرئاسية. كما أن الولايات المتحدة تضررت أيضًا وبشدة بسبب جائحة كورونا المستجد، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى العالمي، ولذلك فإن إيران سوف تستمر في سياساتها الاستفزازية في المنطقة. وكان من بين المؤشرات المهمة على ذلك تحرش 11 زورقًا إيرانيًا بسفن حربية أمريكية قرب الكويت، بالإضافة لهجمات صاروخية من وكيلها في العراق (حزب الله العراقي) على قاعدة أمريكية بشمال بغداد. ورغم ذلك فإن الولايات المتحدة لم تتخذ إجراءات تصعيدية في مواجهة إيران. وقد انتقد “جون بولتون” (مستشار الأمن القومي السابق) الصمت الأمريكي على هذه الاستفزازات الإيرانية بعد حادثة التحرش بالسفن الأمريكية، قائلًا: “لقد كنا متساهلين للغاية في الرد على هذه الحوادث، وهذا يجب أن يتغير. يجب ألا تكون الولايات المتحدة سلبية، بل تعمل على إعادة الردع”.
مجمل القول، إن الأزمة النووية الإيرانية سوف تبقى في حالة اللا سلم واللا حرب، وستستمر الضغوط الأمريكية على إيران، وسيبقى التوتر قائمًا في المنطقة بالتوافق مع ذلك. وستسعى إيران للاستفادة من الدعوة الفرنسية لوقف إطلاق النار في أزمات المنطقة لتأكيد وتثبيت نفوذها في دول المنطقة.