سبعون عاما مضت على قيام تلك الثورة التى قام بها الجيش المصرى وأيدها وحماها الشعب المصرى وهى ذات المدة التى قضاها شعب مصر دون النجاح فى الحصول على الاستقلال من الاستعمار البريطانى الذى جثم على صدر مصر منذ 1882 رغم جهود النضال الوطنى الذى كانت قمته ثورة 1919 والتى انتهت بنفى زعيمها سعد زغلول ثم حصلت مصر على ورقة استقلال من جانب واحد، هو الجانب البريطانى عام 1922 (لا تسمن ولا تغنى من جوع) حيث استمر الاستعمار فى نهب ثروات مصر واستمر جيشه يجوب ربوع مصر يزاد وليست مشانق دينشواى ببعيدة. إلى أن تم تجميعه فى منطقة قناة السويس طبقا لاتفاقية 1936.
لم يمض العام الأول على الثورة إلا وأجبرت الجانب البريطانى الرسمى السياسى والعسكرى على التوقف عن المماطلة والجلوس الى مائدة التفاوض لتوقيع اتفاق الجلاء الذى افتتحه الرئيس محمد نجيب وقاده بمهارة رئيس وزراء مصر جمال عبدالناصر قبل ان يصبح رئيسا للجمهورية مع توقيع الاتفاق عام 1954 ليغادر مصر آخر جندى بريطانى فى 18 يونيو 1956 ويظل العتاد العسكرى البريطانى رهينة فى يد مصر. وهو نفس العام الذى أعادت فيه مصر الاستقلال إلى السودان، لتنهى آثار الاستعمار ونهب ثروات السودان ليكون فاتحة الاستقلال والتحرر العربى الأفريقى لتحقق الثورة اول اهدافها الستة وهى القضاء على الاستعمار.
فإذا كانت تلك البدايات القوية للثورة، فما هى دوافعها وحتمية قيامها ومدى نجاحاتها؟ وهو ما يحتاج العودة قليلا الى عقد الأربعينيات وبعض التطورات المهمة ومنها: وعدت بريطانيا مصر بالحصول على الاستقلال إذا ما وقفت بجانبها خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 وأعلنت الحرب على ألمانيا التى وصلت قواتها بقيادة الجنرال روميل الى العلمين شمال غرب مصر، وهو ما فعلته مصر- ودول عربية أخرى – وانتصرت بريطانيا بقيادة الجنرال مونتجومرى الذى وضع خطته بفندق مينا هاوس بسفح الهرم، ولكن بريطانيا حنثت بوعدها.
كذلك قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود الذين أعطتهم بريطانيا جواز سفر فلسطينيا بصفة (مهاجر)! حيث ادعى الانتداب البريطانى عدم القدرة على السيطرة والفصل بينهما فكان القرار 181 لعام 1947 للأمم المتحدة الوليدة الذى اعطى لليهود نحو 56 ٪ من أرض فلسطين لتبدأ معارك الفدائيين المصريين فى قناة السويس بما يحصلون عليه من الأسلحة البريطانية خاصة بعد الثورة حيث تولى ذلك الرائدان زكريا محيى الدين وكمال الدين حسين.
أنهت بريطانيا قرار الانتداب على فلسطين منتصف ليل 14/15 مايو 1948 لتعلن قيام دولة إسرائيل لتهُب ستة جيوش عربية هى (مصر وسوريا ولبنان والعراق والأردن والسعودية) بقيادة أمير الاردن، دون تنسيق او تسليح مناسب – فمصدر التسليح هو بريطانيا وفرنسا – فى مواجهة فيلق يهودى منظم خاض الحرب العالمية للتو مع الحلفاء المنتصرين وتمت مكافأته بالذهاب الى فلسطين بأسلحته الخفيفة كأكبر هجرة مسلحة فى التاريخ وانتصر الإسرائيليون بعد اكثر من هدنة غربية تم خلالها دعم الجيش الإسرائيلى. عاد جمال عبدالناصر ورفاقه من حصار الفالوجا بمرارة مزدوجة، الأولى نتيجة الهزيمة لعدم وجود خطة عامة وتنسيق وقيادة محترفة، والثانية ضد قيادة الجيش المصرى الذى لم يُعِدْ لتلك الحرب الإعداد المناسب تنظيما وتخطيطا وتسليحا.
الهجوم الكبير للقوات البريطانية بقناة السويس على قسم شرطة الإسماعيلية فى 25 يناير 1952 وقتل من فيه وأسر قوات (الدرك) بدعوى إيواء ومساعدة الفدائيين المصريين، ثم حريق القاهرة فى اليوم التالى وقُتل مصريون وأجانب وعمت الفوضى مصر وفقد القصر السيطرة فكان لتلك التراكمات لزاما وحتما أن تقوم الثورة التى سيطرت على وزارة الحربية وأعلن الرائد أنور السادات بيانها من الإذاعة المصرية بشارع الشريفين، ليهب شعب مصر مؤيدا وحاميا. بعد أيام خاطب مجلس قيادة الثورة الملك فاروق للتنازل عن العرش لابنه القاصرالأمير أحمد فؤاد تحت الوصاية. و
فى 26 يوليو غادر الملك بحرا الى ايطاليا بوداع رسمى لرئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب.ثم اُنهيت الوصاية واُعلنت الجمهورية لاحقا برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر- بعد 148 عاما من حكم اسرة محمد على منذ 1805- لتكمل مصر اتفاق الجلاء كما سبق وتبدأ نهضة اجتماعية وصناعية وزراعية وعسكرية طبقا لمبادئها، بما لها وما عليها كأى ثورة فى العالم. لنضع تلك الصفحة بأمانة بين ايدى أبنائنا وأحفادنا من صفحات النضال الوطنى المصرى.